اللطيفة التاسعة والعشرون : العوالم الثلاثة ( عالم الملك )
adminaswan
19 أكتوبر، 2024
الطريق إلى الله
46 زيارة
بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا
أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا
العوالم الثلاثة: عالم الملكوت
وهو العالم الذي يكون بعد البرزخ وبعد الموت، ويسمى بعالم
الأبد، وعالم اللطيف، وعالم المعاني، وعالم الأنوار .
ويتميز هذا العالم بأنه دار البقاء والخلود، ودار النعيم، ودار الراحة والسكينة والطمأنينة، ودار المعاني والأنوار، ودار الأقدار، وهو كذلك لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويعبد الله على حق، أما الكافر والفاجر والفاسق فهو بالنسبة له دار تأديب وعقوبة ودار شقاء وحزن.
وفي هذا العالم يكون الحساب، والميزان، والصراط، والجنة والنار، وهو عالم لطيف وليس بكثيف، وليس فيه أغيار ولا آثار ولا أكدار، ولا فناء ولا موت، ولا مرض ولا شقاء، ولا كبر سن ولا مرور زمن، وأكله لطيف، وشربه لطيف، وفيه تسكن النفس المطمئنة والراضية، أما المرضية فإنها تجلس في حظيرة القدس على بساط الأنس استعدادا للقاء الملك كي تخرج كاملة مكملة.
وفي هذا العالم غذاء الأرواح، فإذا ما تلطف الإسلام في نفس الإنسان، ووصل بالإخلاص والحب إلى المعاني فقد وصل إلى
عالم الملكوت، فتكون النفس مطمئنة، ومعها تصعد الروح إلى هذا العالم.
وتخيل معي عالما بهذا الشكل، وأنت قد جمعت في عالم الملك من الخير والحسنات ما يجعلك تهنأ به وتحيا في راحة وهناء فستكون في عالم مليء بالسعادة والحبور ، مليء بالكرامة والرضا تلقى فيه الأحبة، محمدا وصحبه، وتسعد فيه بجوار الرسول الكريم ، ومن أراد الله له السعادة يسعد برؤية الله تعالى، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، وحينئذ لا يريد شيئا آخر ، فمتى حرم من ذلك صرخ في الجنة، ورأى نعيمها عذابا. يكفي في هذا العالم أن يسكن في دار يقول عنها المغيرة بن شعبة قال موسى لربه يا رب أي عبادك أدنى عندك في الجنة منزلة؟ قال: عبد يبقى في الدمنة بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيقول له ربه: انظر أربعة ملوك من ملوك الدنيا، فسم من ملكهم ما اشتهت نفسك، فيقول: يا رب أشتهي كذا وأشتهي كذا، وأشتهي كذا .
قال: فسم من ملكهم ما لذت عينك فيقول : يلذ عيني كذا ، يلذ عيني كذا ، قال أرضيت؟ قال: نعم.
قال : وهو لك، وعشرة أمثاله، قال موسى رب، هذا لأدنى من في الجنة، فما لأهل صفوتك ؟ قال : هذه التي أردت يا موسى خلقت كرامتهم بيدي، وعملتها وختمت على خزائنها، وفيها ما لم تر عين، ولم يسمع أذن، ولم يخطر على قلب أحد من الخلق.
دار نخل الجنة فيها جذعها ياقوت، وسعفها ذهب، وشعفها حلل، وثمارها أشد بياضا من الثلج، وألين من الزبد، وأحلى من العسل والشهد.
دار أرض الجنة فيها من الورق الفضة)، وترابها مسك وأصول شجرها ذهب وورق، وأفنانها اللؤلؤ والزبرجد، وياقوت والورق والثمر تحت ذلك، فمن أكل قائما لم يؤذه، ومن أكل جالسا لم يؤذه، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه، وذللت قطوفها تذليلا. وهي مطهرة من الحيض، والغائط، والبول، والمخاط، والنخام
والبصاق، والمني، والولد.
وعن أبي أمامة قال : إن أهل الجنة لا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يمنون، ولا يبزقون، إنما نعيمهم الذي هم فيه مسك يتحدر من جلودهم كالجمان، وعلى أبوابهم كثبان من المسك يزورون الله في الجمعة مرتين، فيجلسون على كراسي من ذهب مكللة باللؤلؤ، والياقوت والزبرجد، ينظرون إلى الله، وينظر إليهم، فإذا قاموا انقلب أحدهم إلى الغرفة من غرفة لها سبعون بابا، مكللة باللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد.
وختاما عن أبي هريرة الله قال : قال رسول الله ﷺ: (قال الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ، فاقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).
هل غرقت في بحار المعاني؟.
هل سرحت في ذلك النعيم؟.
هل رأيت هذا النعيم الذي لا شقاء معه ولا قبله ولا بعده؟. هل رأيت أن ما تعيش فيه إنما هو مرحلة لتنتقل إلى هذا
أوليس هذا العالم أليق بالاستعداد له، والرحيل إليه، والعمل لأجل العيش فيه؟.
لقد آثرت أن أذكر لك نعيمه ولا أخوفك من عذابه، فعذابه أليم، وطعامه يشوي البطون، وشرابه تغص به الحلوق، وجهنم فيه تستعر لتختطف بكلاليبها الشقاة، والظلمة، والفجرة، والكفرة، فليتنا نحذر.
هل شرد ذهنك في تخيل هذه الحياة وهذا العالم وما فيه من
نعيم وأهوال؟.
عد معنا، فما زالت رحلة اللطائف مستمرة ، وراحلته تسير لتنتقل بك إلى العالم الثالث والأخير عالم الجبروت.
ويكفي اليوم أن تقف عند حدود عالم الملكوت، وتذكر أن
القاعدة: عالم الملكوت عالم معاني، وهو عالم الإيمان، والحياة
فيه إما راحة، وإما شقاء، وفيه غذاء الروح، وحياته دائمة لا
تنتهي، ولا يمر عليها زمن فاعمل لدار الخلود، وخذ لها من دار
الفناء .