الإنسان العاقل يمر في تجربته مع الخلق بأربع مراحل :
المرحلة الأولى : التودد إليهم .
المرحلة الثانية : الصدمة من أفعالهم .
المرحلة الثالثة : فهم بواطنهم.
المرحلة الرابعة : إخراجهم من الحساب تماما .
وفي داخل كل مرحلة مراحل عديدة . يفهم فيها أكثر . وتعلمه التجربة فيها أكثر وأكثر .
ففي الأولى هو يتعامل على سجيته وبأخلاقه . منتظرا الرد من الآخر بالمثل .
ثم ينتقل إلى الثانية حيث يجد أن حسن أخلاقه مع الناس يقابل بإساءات . وأحقاد . ووقوع في حقه . فيتكدر صفو نفسه . ويتغير خاطره من الخلق . ويسأل نفسه الأسئلة المعتادة :
لماذا يفعلون ذلك وأنا أحبهم ؟
أنا لم أفعل معهم إلا كل خير !!!
ومن هنا ينطلق إلى المرحلة الثالثة حيث يبدأ في إخراجهم من مقاعدهم التي وضعها لهم في نفسه وقلبه وروحه . لينقلهم من بؤرة مشاعره إلى هامشها .
في هذه المرحلة تكون النفس في حالة ثورة على الآخرين والروح في احتقان وغليان .
يمر وقت طويل غالبا تهدأ فيه النفس بعيدا عن الناس . فيقف الإنسان منهم عند خط واحد يساعده على التعافي منهم . وقرابة التعافي يستفيق الإنسان على سؤال مهم : لماذا غضبت منهم كل هذا الغضب ؟
الأمر لم يكن مستحقا . أنا كنت مخطئا من البداية أني كنت أعول عليهم وأنشغل بهم .
يفهم الإنسان في هذه المرحلة أنه كان مخطئا في أسلوب إدارته لعلاقاته . وأنه كان يمنح الناس من نفسه فوق المطلوب . وأن هذا كان سببا في حصول الإيذاء النفسي له . لأنه لم يكن واعيا بقدر كاف بطبائع الخلق . ولم يكن مدركا للقوانين التي تحكم أغلبهم وهي النفعية والأنانية .
يدرك الإنسان في هذا المستوى أن الأوفياء والأصفياء ومن لديهم الصفات التي كان يظنها موجودة في جميع الناس غير موجودة إلا في أناس مخصوصين ربما يمر الإنسان بهم في عمره مرة أو مرتين أو لا يمر . وهذا المدرك يهون عليه الكثير وينقله فورا إلى المستوى الرابع وهو الأعلى .
وهنا في المرحلة الرابعة أو المستوى الأعلى يتعامل الإنسان بأرقى ما لديه من أخلاق . غير ناظر لثناء أحد. ولا لخير يأتي من أحد . إنه يتعامل بأنبل ما لديه طلبا لرضا مولاه. فيضع ذلك في موازين أعماله محتسبا ذلك في باب الصبر على الخلق مع الخلطة بهم .
فافهم
د. أحمد شتيه