كنت موفقا منذ الطفولة إذ منَّ الله عليَّ بسلوك طريق التصوف منذ التعليم الابتدائي. فكان المجلس الأسبوعي لطريقة سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه يقام بمنزلنا وكنت مكلفا من قبل والدي رحمه الله ( خليفة البلدة في هذا الوقت) بالذهاب لبيوت المريدين لتذكيرهم بموعد المجلس.فكانوا يلقبونني ب( شاويش الحضرة).
لا أظن أن أحدا يقدر على وصف أثر مذاقات التصوف كطفل مثلما أستطيع. لأني كنت طفلا متعِبا. كان والدي يرسلني إلى الكتاب فأفتعل المشكلات كي يغضب ( سيدنا) ويطردني. وكان أبي يضجر حين يراني منشغلا باللعب مع الأقران في شارعنا تاركا الصلاة في وقتها.
لم يكن شيء يروضني كوقت الدرس حين يقترب. كنت أسمع في الدرس كلاما من المحال أن يدرك مراميه طفل في سن السادسة أو السابعة. لكنني كنت أشعر بلذة وروحنة لا تضاهى. كانت كفيلة بتوجيهي ( لا إراديا) إلى المسجد صلاة تلو صلاة حتى يأتي وقت الدرس في الأسبوع التالي.
تربيت مترفا وحيد والدين صبرا على الإنجاب ثم ولدت لهما ثم قدر الله أنهما لم ينجبا غيري. فكنت شغلهما الشاغل. كان الشيخ الوالد رحمه الله حريصا على التأديب والأم أمد الله بعمرها المبارك حريصة على التحنن والملاطفة.
كان والدي يتكلم دوما عن شخص شاب ظهر في حياته وأحدث فيها أثرا لكنه بعيد المكان. فتعلقت روحي بهذا الرجل الذي كان أبي يصفه بالولاية والعلم رغم صغر سنه. فكأني أحسست أن سيكون لهذا الرجل معي دور قابل ولقاء مؤجل.
عام ٢٠٠٠ وكان عام دخولي الكلية. وجدت أبي يقول إن الشيخ يسأل عنا ويريد زيارتنا. وهنا كانت بداية الرحلة. التقيت بالشيخ الذي طالما تعلقت بي روحه. وشملني بكل عطف ورعاية وإرشاد وتوجيه.
كان يقول لي دوما: أنت تراني قاسيا عليك. لكني أريدك أن تكون أسدا في دلالة الناس على الله.
لا أبالغ لو قلت إنني ولدت على يد هذا الرجل من جديد. وبعد مرور السنوات أنظر للوراء وأترحم وأترضى عليه ثم أقول: لو لم أقابلك لم أكن.
إن تعلقي به رحمه الله ورضي عنه بلغ أني كنت اقلده في كل شيء حتى المشية والرد على الهاتف. ومنه أخذت حب العلم ومبادئ الفهم الشرعي للتصوف.
ما زلت إلى الآن أجني ثمار غرسه في حياتي. لأنه كان قدوة حقيقية. تحولت على يديه فكريا وتعبديا. واتسعت مداركي بفضل إرشاده. زد على ذلك السمات التي تشربتها منه دون إرادة مني فمن جالس حقا… جانس
ما أريد قوله بعد هذا كله :
إن وجود القدوة الحقيقية لدى الصوفية الحقيقيين هو ما يلزم شباب اليوم. وإن المشروع الصوفي للشاب المسلم القائم على الاقتداء وحسن التأسي هو خير قائد لهم نحو الهداية من الفتن التي امتلأ بها زماننا.
وللحديث بقية إن شاء الله