فهذا أعرابي يناديه وهو صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ويقول :
(( يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فدعا الله وجاء المطر إلى الجمعة الثانية ، فجاء وقال : يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي .. يعني من كثرة المطر فدعا صلى الله عليه وسلم فانجاب السحاب وصار المطر حول المدينة)) ..
(رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) .
وروى أبو داود بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر .
رواه أبو داود في كتاب الصلاة أبواب الإستسقاء .
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن أنس ، بسند ليس فيه متهم بالوضع وانظر فتح الباري (ج2 ص495) .
عن أنس بن مالك أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! أتيناك ومالنا بعير يئط ، ولا صبي يغط ، ثم أنشد :
أتينـاك والعذراء يدمى لبـانها
وقد شغـلت أم الصبي عن الطفـل
وألقـى بكفيه الفتى استكانـة
من الجوع ضعفــاً ما يمر ولا يحلى
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا
سوى الحنظل العامي والعلهز الغسل
ولـيس لنـا إلا إليك فرارنا
وأيـن فرار النـاس إلا إلى الـرسل
فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فرفع يديه فقال :
((اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً غدقاً طبقاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير رائث تملأ به الضرع ، وتنبت به الزرع ، وتحيي به الأرض بعد موتها . قال فما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حتى ألقت السماء بأردافها ، وجاء الناس يضجون الغرق ، فقال صلى الله عليه وسلم : حوالينا ولا علينا)) ..
فانجاب السحاب عن المدينة .
فانظر كيف أسند صلى الله عليه وسلم الإغاثة والنفع ونحوهما – إلى الغيث على سبيل المجاز في الإسناد ، وكيف أقر الشاعر على قوله وليس لنا إلا إليك فرارنا – البيت ولم يعده مشركاً – لأن القصر فيه إضافي ، وهل كان يخفى عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : } فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ { ، وقد أنزلت عليه .
والمعنى أن الفرار المرجو نفعه المؤكد – إليك لا إلى من دونك ، وإلى الرسل لا إلى من دونهم – فإن المرسلين أعلى من بهم يتوسل إلى الله عز وجل ، وأعظم من يقضي الله الحوائج على أيديهم للملتجئين إليهم والمستغيثين وتأمل جيداً – تأثره الشديد صلى الله عليه وسلم بما أنشده هذا الشاعر ، وشدة سرعته إلى نجدتهم وإغاثتهم حيث قام إلى المنبر يجر رداءه – ولم يتمهل حتى يصلحه استعجالاً لإجابة داعيه ، وإسراعاً إلى إغاثة مناديه ، عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام .