دبّر الوالي العثماني -قيل خسرو باشا- مكيدةً ليقتل الشيخ الدردير أو يحبسه على أقل تقدير، فأقام مأدبة في القلعة ودعا إليها العلماء والمماليك والوجهاء والفقراء، ونادى في الناس أن من تخلف عن دعوة الوالي فسوف يُعزّر ويجلد أمام العامة في ميدان الأزهر، وادَّعى أن رفض الدعوة أو قبولها مع عدم الأكل عصيانٌ لولي الأمر، كل ذلك وهو يَتَحَسَّب لرفض الشيخ الدردير الأكل، لعلمه أنه لا يأكل من طعام فيه شبهة، فقد كان معروفًا عنه أنه يتحرى الحلال في كل شىء،
فذهب الشيخ الدردير مع الناس، وجلس على المأدبة التي فيها الوالي، وجَعل مكانه أول مكان عن يمينه، فقعد -رحمه الله- والغضب بادٍ على وجهه وهو يدعو ويتمتم بكلام لا يسمعه أحد ..
فنظر إليه الوالي وعنّفه أمام الناس وقال: أتعصي ولي الأمر يا شيخ أحمد؟ أهكذا يأمركم القرآن والسنة؟ .. أهكذا تعلمتم من السادة العلماء وتعلّمون طلاب العلم عندكم؟
فأجابه سيدي أحمد رضي الله عنه: “والله لولا علمي بأني إن تخلفتُ فسيتخلف خَلْقٌ من الناس والطلاب وأتسبب في جلدهم، ما كنتُ لَبَّيْتُ دعوتكم ولا جلست على موائدكم، وأنتم تعرفون أني لا أحب القرب من السلاطين ولا العمل في الدواوين، ولا أحب أن آكل شيئا لا أعرف من أين اكتُسب ولا ممن أُخذ وغُصِب ..”
فقال الوالي وقد أدرك أنه بلغ غايته من الشيخ، وأنه سوف يرتكب خطأ يسجن بسببه: أتزعم أن مالنا حرام يا شيخ أحمد , وليس لديك بيّـنة ولا دليل؟ .. هذا قذف للناس واتهام لضمائرهم، وأنتم معشر الفقهاء أعرف الناس بحكم القذف والتشهير ..
فأجابه الشيخ الدردير وقال على رؤوس الأشهاد: “إن كنت تريد دليلا فهاك الدليل ..”
وأمسك رحمه الله تعالى في قبضته بحفنة من الأرز، أخذها من الطبق وعصرها، وقال: اللهم أظهر الدليل والحجة على عيون الناس .. فنزل منها دم كأنه دم إنسان.