أكثر علماء الأخلاق الكلام في أمراض النفوس وعلاجاتها ،
كما أكثر الأطباء الكلام في أمراض الأجسام وأسبابها وعلاماتها ،
والحقيقة أن النفس تكون أمراضها إما لازمة لها مقهورة عليها ، ولا سبيل إلى علاجها كما يحصل لأصحاب الأمزجة المختلفة ، والذين اختلف تركيب أبدانهم ، فنشأوا غير مؤهلين للفضائل ولا قابلين لها مما فقدوا قوة العقل والفهم ، وابتلوا بفساد المزاج واختلاف الأعضاء ، وكل واحد من هؤلاء إنسان في الصورة، ولكنه يشبه نوعا من أنواع الحيوانات عملا أو خلقا إن نافعا وإن ضارا ،
وأما من اعتدلت أمزجتهم ، وتناسبت أعضاؤهم ، فهم المؤهلون للعلوم والفضائل ، وأكمل دواء لهم العناية بهم وهم صبيان ، بتمرينهم على الأعمال الفاضلة ، والأقوال الفاضلة ، وبث روح الدين في قلوبهم ، حتى ينشأوا مؤمنين بالله ورسله وكتبه ، مصدقين بالثواب والعقاب ، محافظين على ما ينالون به حسن الجزاء في المستقبل والخير والكرامة ، ويتباعدون به عن العقوبة والشر والغرامة .
وكل ذلك لا يمكن أن يتحصل عليه إلا بمدارسة التعاليم القرآنية ، والوصايا النبوية ، وتلقينها والعمل أولا من الآباء والإخوان ، وبالعلم من العلماء والأساتذة ، وبالتذكير عند النسيان أو الغفلة بعبارات مؤثرة مقبولة على قدر عقل الطفل ، فإذا كبر ووقع في رذيلة من الرذائل فالدواء الحقيقي إقامة الحدود الشرعية التي تكبح جماح المفسد ، وتكون عبرة لغيره ، والشفاء الحقيقي كتاب الله وسنة رسوله وهدى الأئمة الراشدين المرشدين ، والعمل الجميل لا يخفى على إنسان ، والله أسأل أن يمنحنا العناية والتوفيق لما به نيل رضاه وفضله آمين .
من كتاب معارج المقربين