خطبةبعنوان [أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ] للشيخ يسرى عبدالرحمن
adminaswan
19 نوفمبر، 2024
خطب منبرية
954 زيارة

جمع وترتيب الشيخ / يُسرِيْ عَبْدِ الرَّحمن مُحَمَّد – أوقافُ أُسْيُوط
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين
عباد الله:
قيمة الإنسان عند الماديين والملاحدة :
– قد وضعوا من قدر الإنسان ويقولون: لا فرق بيننا وبين أدنى حشرة، بل إنهم يقيسون الإنسان بالنظرية المادية البحتة.
– إن أحد العلماء الماديين قاس قيمة العناصر الموجودة في جسم الإنسان فوجدها لا تزيد عن (200 جنيه)، ففي جسم الإنسان -مثلاً- من الدهن ما يكفي لصنع 7 قطع من الصابون فقط [ب 150 جنيه]، وفيه من الكربون ما يكفي لصنع سبعة أقلام من الرصاص،بـ30 جنيها وفيه من الفسفور ما يكفي لصنع علبة كبريت- بـ 50 قرش وفيه من ملح الماغنيسيوم ما يكفي لصنع كبسولة واحدة من المسهلات.بـ 50 قرش
وفيه من الماء سعة عشرة جالونات، فإذا جمع كل هذا فلا يزيد عن 500 جنيه فقط
إذاً: الإنسان عندهم لا يساوي 500 جنيهاً،
بينما الذي خلقه سبحانه وتعالي يقول عنه:
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) } الإسراء.
أبو بكر الجزائري: أي فضلناهم بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق وحملناهم في البر والبحر على ما سخرنا لهم من المراكب ورزقناهم المستلذات من اللحوم والحبوب والفواكه والخضر والمياه العذبة الفرات. وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فالآدميون أفضل من الجن وسائر الحيوانات،
نعم قد كرَّمّكَ اللهُ في الدنيا لكنْ هل سألت نفسك يوما هذا السؤال ؟
من أكون أنا عند الله ؟ وما إسمي في السماء ؟ وبماذا يتحدث الله عني في الملإ الأعلى ؟ وفي أي السجلات مكتوب اسمي ؟
فهل أنت عند الله صِدِّيقٌ أم كذَّاب ؟
– عن بن مسعود أن النبي ﷺ قال « عَليْكُمْ بِالصَّدقِ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي اليَ البِرٌّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وإيِّاكُمْ وَالكَذِبْ وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهدِيْ إلَي الفُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ». رواه مسلم
وفي الحَديثِ: الترغيبُ في الصِّدقِ، والتحذيرُ مِنَ الكَذِبِ.
وأنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ في السِّرِّ والعَلانيةِ، ويَقصِدُه، ويجتَنِبُ نقيضَه الذي هو الكَذِبُ، فيكونُ الصِّدقُ غالِبَ حالِه، حتى يَبلُغَ في الصِّدقِ غايَتَه ونِهايَتَه، فيَدخُلَ في زُمرةِ الصَّادِقينَ، ويَستَحِقَّ ثَوابَهم.
وأنَّ الرَّجُلَ يَكذِبُ ويَتكَرَّرُ ذلك منه حتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا، ويُحكَمَ له بذلك.
هل أنت عند الله طيب أم خبيث ؟
والله تعالى يقول (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور 26
القرطبي: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَكَذَا الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَكَذَا الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمَعْنَى: الْكَلِمَاتُ الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَكَذَا الْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَكَذَا الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ.
هل أنت عند الله مؤمن أم كافر ؟ مهتد أم ضال ؟ موحد أم مشرك ؟
قال تعالي: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 2) التغابن.
هل أنت مع الأبرار ؟ ، أم أن اسمك مكتوب في سجل الفجار ؟
قال تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) (14) الانفطار ،
هل أنت من خير البريِّة أم من شر البرية؟
قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) ِإنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) البينة
هل أنت ممن رضي الله عنهم ؟ أم ممن سخط الله عليهم ؟
وقال تعالى (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (80) المائدة
قال تعالي: جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (
هل أنت من حزب الله أم من حزب الشيطان؟
قال تعالي: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (19) المجادلة
ويقول (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة
إذا جاءت الحرب فمع من تقاتل أو تجاهد ؟ أفي سبيل الله ؟ أم في سبيل الطاغوت ؟
قال تعالي: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) النساء 76
هل أنت من أهل الدنيا وعبيدها ؟ أم أنت من طلاب الآخرة وعشاقها ؟
والله سبحانه وتعالى يقول (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) آل عمران 152
وقال تعالي: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (20) الشورى
وقال سبحانه (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء
وقال سبحانه (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (202) البقرة
أخي هل أجبت عن هذه الأسئلة ؟ وهل علمت إجابتك عنها ؟
فإذا كنت من المؤمنين الأبرار ، والطيبين الصادقين ، ومن أولياء الله وحزبه ، وتبتغي بعملك وجه الله والدار الآخرة ، فأنت من المكرمين، وأنت عند الله غال
وإليك هذا الموقف النبوي الكريم، وهذه الكلمة المحمدية العجيبة، التي تساعدك على معرفة نفسك وحجمك وقيمتك ودورك:
ففي صحيح ابن حبان عن أنس بن مالك : أنَّ رجلًا مِن أهلِ الباديةِ كان اسمُه زاهِرًا وكان يُهدي إلى النَّبيِّ ﷺ الهَديَّةَ فيُجَهِّزُه رسولُ اللهِ ﷺ إذا أراد أن يخرُجَ فقال ﷺ إنَّ زاهرًا بادِيَتُنا ونحن حاضِروه وكان ﷺ يُحِبُّه وكان دَميمًا فأتى النَّبيُّ ﷺ يومًا وهو يبيعُ متاعَه فاحتَضَنه مِن خَلفِه وهو لا يُبْصِرُه فقال أرْسِلْني مَن هذا؟ فالتفَت فعرَف ﷺ فجعَل لا يَأْلو ما ألصَقَ ظَهرَه بصَدرِ النَّبيِّ ﷺ حينَ عرَفه وجعَل النَّبيُّ ﷺ يقولُ مَن يشتري العبدَ فقال يا رسولَ اللهِ إذن تجِدَني كاسِدًا فقال ﷺ لكنَّك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسِدٍ أو قال عندَ اللهِ أنت غالٍ” الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني
ما أعجبها من كلمة محمدية هادية، تصنع الإنسان على بصيرة، وتعرفه بقدره، وتغرس في نفسه الثقة واليقين، وتنزع من نفسه الكبر والجبروت، وتدفعه إلى الله.
(أنت عند الله غالٍ)، وَحْي شريف، ونور منزل من الله، وبلاغ نبوي معصوم، يحقق إحياء الإنسان، ويصنعه من جديد، ويبصره بمراده، ويلخص له قضية الخلق والوجود.
(أنت عند الله غالٍ) فلا تتوقف عند لحظات ضيق تعتريك، ولا تتوقف عند أحداث مؤسفة تمر عليك، واعلم أن من ورائك ربا قديرا، فثق به، واعتمد عليه، واستعن به، وافهم مراده، واقرأ كتابه، وعظم شعائره، واعتصم به، وأقبل عليه، وكن معه، واصدق في محبته فإنه يحبك. …..أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
من صور تكريم الله تعالى للإنسان:
– ومن أرادَ أن يعرفَ صورَ التكريمِ لهذا الإنسانِ عليه أن يرجعَ للقرآنِ العظيمِ، ولِسُنَّةِ الحبيبِ ﷺ وصورُ تكريمِ اللهِ تعالى للإنسان كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً، فمن صورِ تكريمِ الله تعالى للإنسان:
أولاً: خَلَقَ اللهُ تعالى الإنسانَ بيديه:
كما قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}.
التفسير: قال الله لإبليس: ما الذي منعك من السجود لمن أكرمتُه وشرفته فخلقتُه بيديَّ؟ [ووجه الشرف هنا ان سائر المخلوقات خلقت بكلمة كن فكانت] أستكبرت على آدم، أم كنت من المتكبرين على ربك؟ وفي الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى، على الوجه اللائق به سبحانه. ومذهب السلف فى مثل هذا التعبير ، أن اليد – مفردة أو غير مفردة – إذا وصف الله تعالى بها ذاته ، فهى ثابتة له ،على الوجه الذى يليق بكماله ، مع تنزهه -سبحانه عن مشابهته للحوداث .
ثانياً: نفخَ فيه من روحهِ وأسجدَ له ملائكته:
قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين}.
فإذا صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية، وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التي هي من أمري . فقعوا له أمر من وقع وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الانحناء، كما قيل . أي : اسقطوا له . ساجدين تحية له، وتكريما .
ثالثاً: تولَّى الله تعالى تعليمه:
قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم}.
هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة ، بما اختصه به من علم أسماء كل شيء دونهم ، وهذا كان بعد سجودهم له
– عن ابن عباس : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها .وعلمه اسم الصحفة والقدر ، قال : نعم حتى الفسوة والفسية .
وقال تعالى: {الرَّحْمَن * عَلَّمَ الْقُرْآن * خَلَقَ الإِنسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَان}.
رابعاً:سخَّر له ما في السموات و الأرض:
، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.
كلُّ ما في الكون من أجرام عظيمة ذلَّلها الله لابن آدم، فكيف به ينشغل بها، وينسى مَن خلقها وذلَّلها؟! التفكُّر في عظيم صُنع الله عزَّ وجلَّ يورث المرء اليقينَ بقدرة الله وعظمته، والعلمَ بحكمة الله تعالى، فيزداد إيمانُه ويقوى يقينُه.
خامساً: جَعَلَهُ اللهُ تعالى خليفةً له في الأرض:
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}. آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي إِمْضَاءِ أَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى الْأَرْضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آدم أنبي هو؟ قال: “نعم، نبيٌ مُكلم”
سادساً: حرَّم الاعتداءَ على الجنين:
من صورِ تكريمِ اللهِ تعالى للإنسانِ، أنَّه حرَّمَ الاعتداءَ عليه وهو جنينٌ في بطنِ أمهِ، وفرضَ عقوبةً على عاقلةِ القاتِلِ وكفارةً عليهِ، فجعل غُرَّةً على عاقلةِ من قَتَلهُ، وهي نصفُ عُشرِ الدية، أي ما يعادلُ قيمةَ خمسةِ جمالٍ، وصيامُ شهرينِ كفارةٌ على جنايتهِ.
سابعاً: حرَّم على الإنسان قَتلَ نفسهِ:
لأنَّ نفسه ليست مِلكاً له بل هي مِلكٌ لله تعالى، فمن قَتَلَ نفسه حرَّم الله تعالى عليه الجنة، وجعلهُ في نارِ جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها هذا إذا استحلَّ الانتحار
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ ﷺ: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا).البخاري
ثامناً: حرَّم على الإنسان أن يدعوَ على نفسهِ:
لضُرٍّ مسَّه، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ ﷺ (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُم الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَت الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَت الوَفَاةُ خَيْرًا لِي).البخاري
الخطبة الثانية
ظهور الفتن و كثرة القتل
عن أسامة بن زيد قال: أشْرَفَ النبيُّ ﷺ علَى أُطُمٍ مِن آطامِ المَدِينَةِ، فقالَ: هلْ تَرَوْنَ ما أرَى قالوا: لا، قالَ: فإنِّي لَأَرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ القَطْرِ.
عن ابي هريرة قال قال ﷺ: ” يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العَمَلُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّمَ هُوَ؟ قالَ: القَتْلُ القَتْلُ.
كثرة الفتن في آخر الزمان
عن أبي هريرة قال قال ﷺ: (ستكونُ فتَنٌ ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ ، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي ، والماشي خيرٌ من السَّاعي، من تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأ، أو معاذاً، فليعذ به).متفق عليه
عن حذيفة بن اليمان قال: قال ﷺ “تكونُ دعاةٌ على أبوابِ جهنمَ ، مَنْ أجابَهم إليها قذفوه فيها ، هم قومٌ مِنْ جِلْدَتِنا ، يَتَكَلَّمُونَ بألسنتِنا ، فالزمَ جماعَةَ المسلمينَ وإمامَهم ، فإِنْ لم تَكُنْ جماعَةٌ ولَا إمامٌ فاعتزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها ، ولَو أنْ تَعَضَّ بأصلِ شجَرَةٍ حتى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ كذلِكَ”صحيح الجامع
حرمة دم المسلم
– خطب ﷺ في حجة الوداع قائلاً : (فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ قُلْنَا: نَعَمْ،)
المسلمون فرطوا في دماء أهل غزة
إن مما يحزِن قلبَ كل مسلم صادق ويشغل ذهنه وتفكيره في هذه الأوقات؛ ما يلاقيه أهلنا وإخواننا المسلمون في فلسطين وبالتحديد في غزة الصابرة المحاصرة، على أيدي اليهود الكفرة، ومن ورائهم أمريكا الطاغية الباغية وأيدي المنافقين الخونة من بني الجلدة والنسب.
الإدانة ثابتة على ما يزيد على مليار من المسلمين في أرجاء المعمورة، وهم ينظرون إلى آلة الحرب الصهيونية تمزق أشلاء الفلسطينيين في غزة، ومن قبل ذلك وهم محاصرون، يُجَوَّعون ويسامون سوء العذاب، لا لشيء إلا لأنهم الفئة المؤمنة التي لم تولّ العدوظهرها، وَوَلَّى الباقون، ( وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
أما حكام العرب والمسلمين:
الذين يشاهدون من قصورهم وعلى عروشهم الأشلاء الممزقة، مُبْلِسون ولا يحركون ساكنا، فمسؤوليتهم أعظم وحسابهم أشد، فبماذا يجيبون حين يَقْدُمون على ربهم؟ أَتُراهم معتذرين في موقف الحساب: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ)، وكيف ينفعهم هذا وقد جاءهم من الله تعالى البلاغ: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)، بل الموقف يامعشر الحكام أشد من هذا وأفظع، فقد أخبر الله تعالى عن الأتباع وهم يتحاجون في النار مع السادة والكبراء بقوله تعالى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) ، فحينها لا ينصر أحد أحدا، ولا تنفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
هذا حال الحكام المتفرجين الذين لا يحركون ساكنا للدماء المؤمنة التي تجري، فكيف بهم وقد جعلوا من أنفسهم حراسا للعدو، وحزام أمن له.
أما الشعوب العربية والإسلامية، المترفة:
، التي لا ترضى من كماليات الحياة إلا بما كان أمريكي الصنع، فعليها أن ترجع إلى رُشدها، وتشد الأحزمة على البطون، وترضى بمستوى أقل من ذلك، ثمنا للعزة ، ونصرةِ من أوجب الله تعالى عليها نصرته، استجابة لأمر الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)، وللوقوف مع قضاياها ضد عدوها، حتى تُجبره على أن يحسب لها حسابا، وهذا السلاحٌ سلاح المقاطعة، كُلُّ مُسلمٍ يملكه، لا يحتاج إلى إذنٍ من حاكم، منصف أو جائر.