المفتي العام للجمهورية العربية السورية وقوله فى التصوف

التصوف : منهج يستهدف التمسك بالقرآن الكريم قولاً وعملاً وخلقاً وسلوكاً قويماً مستهدياً بسنة رسول الله e وآله ومتأسياً بشريف أخلاقه الكريمة .   ولابد من معلم حاز إجازة في التربية والسلوك ليدل المتعلم علي أمرين هامين جداً :

الأول : تزكية النفس المشار إليهما بقوله تعالي :

” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ”

وكثرة ذكر الله تعالي المشار إليه بقوله تعالي :

” وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ”

الثاني : معرفة الإحسان المشار إلية بقول النبي e وآله : ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” ، والذي دعا إليه القرآن بقوله تعالي :

” كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ ” .

كما أن التصوف هو اصطلاح نشأ في عصر المصطلحات حين أصبح كل فن وعلم له مصطلحات خاصة كاللغة العربية وقواعد النحو والفرائض وسائر العلوم والفنون إلي عصرنا الحاضر تعرف بمصطلحات خاصة تمهيدا لدراسة أي علم .

وكما يوجد في كل حرفة وكل علم وفن من لا يحسن الوصول إلي الهدف الأسمى ويعتبر دخيلا علي العلم أو الفن المقصود إتقانه , فيأتي الفقيه في ذلك العلم أو الفن , فيجلي الحقيقية وينفي الدخلاء والجهلاء ليميز الخبيث من الطيب .

كذلك التصوف , منهم من يعاديه لأنه ومنهم من يطعن فيه لأنه عن طريق المزورين له أو الدخلاء الجهلاء بحقيقته الذين شوهوه بجهلهم به علماً وعملاً وسلوكاً .

أما التصوف بحقيقته وجوهره فسيبقي مزداناً بالثناء عليه ممن علمه وعلم رجاله الصادقين في حقيقة العلم , ولا يهاجمه إلا فئتان :-

* فئة لا تعمله وتجهل حقيقة العلم , وتجهل علماءه والعارفين به .

* وفئة تهاجم الدخلاء ومات حشوا به أفكار العامة من أمور ومن

أعمال وسلوك وبدع لا يقرها الشرع الشريف , ولا الفكر الإسلامي

الصحيح .

أو ما دسه المغرضون الحاسدون في كتب التصوف قبل أن تظهر المطابع حيث كانت المؤلفات تكتب باليد ( أي وينسخ منها باليد كذلك ) .

أما آثار التصوف الحقيقي فقد استبان نهجها القويم وظهر أثرها في كثير من الفتوحات الإسلامية المجيدة , وفي آفاق مختلقة من شعوب العالم .

تلك التربية السلوكية الأخلاقية عرف رجالاتها بمواقفهم البطولية في ميدان جهاد أعداء الإسلام , كما عرفت آثار التصوف بمعرفة سلوك وأخلاق هؤلاء الصوفية المتحققين بمعرفة الله ومحبته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومن الدعاه ممن اصطفي الله وأخرج من النماذج من الأنباء الأبرار أبناء الإسلام الحقيقيين عبر الأجيال .

والتاريخ أكبر شاهد علي هذه الآثار الحميدة ، فكان أهل التصوف الحقيقي السراج المنير في أخلاقهم وأعمالهم وسلوكهم ومعاملتهم للناس :

أية رقم ”  وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ”                     سورة الأحقاب /19 .

إذا نسب قول لأحد ، فالمرجع لا كلامه ولا قوله ، ولكن المرجع هو الكتاب والسنة ، وقد يكون ما نسب إليهم مدسوساً عليهم ، وقد قال رسول الله e وآله : ” من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ” . رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” .

وبذلك يتبين أن المنهج هو القرآن الكريم والسنة المشرفة وعلي ضوء ذلك يكون كل من سلك هذا المسلك فقد تربي علي حقيقة معرفة الله ومحبته وتطبيق كتاب الله والتأسي برسول الله e وآله ، وأخلاقه المشار إليها بالقرآن الكريم ، فذلك ما عليه حقيقة أهل السنة والجماعة .

وأما التشهير والتكفير لمن ذكر فإنه يدخل تحت عنوان ( سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر ) ، نسأل الله تعالي أن يجمع كلمة المسلمين علي كتاب الله وسنته وما كان عليه سلفنا الصالح وأن لا نحكم علي موضوع أو مبلغ خبر حتى نتحققه ونتيقنه ، كما قال الله تعالي :

أية رقم ”  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ”            سورة الحجرات / 6 .

أما قولكم ما رأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل أمثال : ( الجنيد البغدادي ، وبشر بن الحارث ، والحارث المحاسبي ، ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني ، والسيد احمد الرفاعي ) ، وغيرهم من أعلام الأئمة فمن المعلوم أن آثارهم تدل عليهم وقد قيل :

تلك آثارنـا تدل عليـنا             انظروا بعدنـا إلي الآثـار

وكما ذكرنا آنفا فقد نشر الإسلام علي أيديهم وعلي أيدي أتباعهم في مشارق الأرض ومغاربها ولا يحاربهم ليلا ونهاراً إلا دعاة التبشير وعملاء الاستعمار ، ولا يغمط حقهم أو يقصر في حقهم والثناء عليهم إلا من لم يدرس تاريخ الدعاة ولم يطلع علي أعمالهم وآثارهم .

وقد أوضح ( الشيخ أبو الحسن الندوي ) رئيس ندوة العلماء في الهند وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق في كتابه الحديث ، ( رجال الفكر والدعوة في الإسلام ) نبذه يسيرة عن مسعاهم الخير وآثارهم فقال في صفحة 349 عنهم تحت عنوان ( دعاة الإسلام ومشاعل الإيمان ) :

” كان لهؤلاء فضل كثير لنشر الإسلام في الأمصار البعيدة التي لم تغزها جيوش المسلمين أو لم تستطع إخضاعها للحكم الإسلامي ، وانتشر بهم الإسلام في أفريقيا السوداء وفي أندونيسيا وجزر المحيط الهندي وفي الصين وفي الهند ، وفي سيبيريا وإلي شواطئ البحر المتجمد الشمالي .

ويقول في هذا الكتاب أيضا لما فتح التتار العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري وأثخنوه جراحاً وقتلاً ولم يتركوا فيه إلا روحاً ضعيفة ونفساً خافتاً ، وفل سيف الجهاد والمقاومة فأصبح لا يؤثر ولا يعمل وأغمده المسلمون يأساً وقنوطاً ، وآمن الناس بأن التتار لا يمكن إخضاعهم ، وأن العالم الإسلامي قد كتب عليه أن يعيش تحت حكم هؤلاء الهمج وأن الإسلام انتهي ولا مستقبل له .

هنا قام هؤلاء الدعاة المخلصون الذي لا يزال تاريخ الدعوة والإصلاح علي إحصائه واستقصائه ـ يجهل كثيرا منهم قاموا يتسربون في هؤلاء الطغاة من التتار يفتحون قلوبهم للإسلام حتى تفتحت له وأحبته وصاروا يدخلون في دين الله أفواجا ، ولم يمض علي زحفهم علي العالم الإسلامي وإذلالهم له كثير من الزمان حتى أسلم جلهم أو كلهم وصاروا من حمله الإسلام وحمله لوائه ورايته وكان منهم فقهاء وزهاد ومجاهدون.

مفتي ديار الجمهورية العربية السورية

الشيخ / أحمـد كفتارو

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.