هناك علماء هم في حقيقتهم عوام

#يقول الشيخ الغزالي “رحمة الله عليه”:

#وأذكر أني دخلت المسجد النبوي عقب أذان المغرب وجلست في انتظار الصلاة التي قدرت أنها ستقام توا.. فإذا شخص يقول لي بكبرياء: لماذا لم تصل النافلة؟ فقلت له: هما ركعتان لمن شاء! لا إلزام هنالك! قال: أعني تحية المسجد..قلت: لا إلزام كذلك..
#وما هي إلا لحظات حتى أُقيمت الصلاة وتهيأ للفريضة وقال لي مراقب الحوار: أيمكن أن يكون قبل المغرب أربع ركعات؟ فقلت له: لا.. وهذا امرؤ يريد الاستطالة عليَّ بغير علم ولو أنه صرف نشاطه في تعليم اللغة العربية لرجل أعجمي لكان ذلك أرجى لله عند الله من النوافل التي يريد توبيخنا على تركها.
#إن هناك مشتغلين بالعلم الديني قاربوا مرحلة الشيخوخة ألّفوا كتبًا في الفروع وأثاروا معارك طاحنة في هذه الميادين.. ومع ذلك فإن أحدًا منهم لم يخط حرفًا ضد الصليبية أو الصهيونية أو الشيوعية.
#إن وطأتهم شديدة على الأخطاء بين أُمتهم وبلادتهم أشد تجاه الأعداء الذين يبغون استباحة بيضتهم.
#بأي فكر يحيا أولئك؟!
#تصور شخصا ذهب إلى خياط ليصنع له جلبابا ٬ فهو يقول له: أريد الكم مضاعف الأساور واصنع في كل طرف عروة مكشوفة لتظهر الأزرار منها! لكن بلغني أن الصيحة الأخيرة في دنيا الأزياء مضاعفة العرا وتغطيتها اصنع لي عروتين في كل كم وغطها بحيث تخفى من تحتها الأزرار!! وإذا كان لديك “كباسين” بدل الأزرار ربما كان ذلك أفضل وقد رأيت البعض يصنع ثلاث عرا لوضع ثلاثة أزرار.. ماذا ترى؟ أيكون ذلك خيرا أم.. الخ
#هل الدماغ المشغول بهذه القضايا يصلح لشيء طائل في الحياة..أهذا رجل يتماسك في تفكيره أمر ذو بال؟ إن أعدادا كبيرة من المتدينين تائهون في هذه الموضوعات وقد استقلت الباكستان من ثلث قرن ولكن الخلاف بين الأحناف وأهل الحديث وبين التبليغيين ورجال الجماعة الإسلامية وبين فرق أخرى نسيت أسماءها.. هذا الخلاف جعل الهند الوثنية تظفر وتستقر وتفجر الذرة.
#أما الدولة المسلمة فهي منتكثة الشّمل داخل فنون من النزاع الطائش قصم ظهرها وهدد وجودها!
#إن هذا الدوخان في دوامة الرسوم والمظاهر أو في دائرة هيئات العبادة وأقدارها نشأ عنه أمران خطيران.. كلاهما يهوى بالأمم من حالق ويذهب بريحها: الأول: ضعف الخلق.. فقد ترى الرجل دقيقا في التزام المندوبات الخفيفة.. فإذا كان تاجرا احتكر السلع دون مبالاة وإذا كان موظفا تبلدت مشاعره في قضاء مصالح الجمهور وإذا كان رئيسا وجدته سيئ الملكة قاسى القلب مكشوف الهوى. #وقد ترى العابد من هؤلاء يضع يديه على صدره وهو قائم للصلاة ثم يعيد وضعهما بعد الرفع من الركوع ٬ ويثير زوبعة على ضرورة ذلك.. فإذا كلفته بعمل ترقى به الأمة اختفى من الساحة! #وكم تفتقر أمتنا داخل البيوت وأوساط الشوارع وفى الدكاكين والدواوين ٬ وفى الأسواق والمعاهد وفى كل مكان إلى الأخلاق الضابطة الصارمة كى تؤدى رسالتها الجليلة على نحو جدير بالاحترام.. ولكن الاكتراث بالمراسم غض من هذه الأخلاق. #أما الأمر الثاني : فهو العجز العجيب عن فقه الدنيا والاقتدار على تسخيرها لخدمة الدين..
#إن الدين الحق تقْوى تعمر القلوب من العبادات لا يستغرق تعلمها زمانا ثم مهارة في شئون الحياة تتحول مع صدق النية إلى وسائل لدعم الحق وسيادته #إن تعلم الصلاة وهي الركن الأول في الإسلام لا يستغرق دقائق معدودات..
#ولكن التدريب على اقتياد دبابة أو طائرة أو غواصة يحتاج إلى زمان طويل.. فبأي فكر يطلع علينا القرن وجمهورنا جاهل في فنون الجهاد وبارع في الحديث حول تحية المسجد ووضع اليدين في الصلاة؟ مستغرق في قضايا جزئية.
#إن هناك علماء هم في حقيقتهم عوام لا شغل لهم إلا هذه الثرثرات والتقعرات وقد أضاعوا أمتهم وخلفوا أجيالا من بعدهم لا هي في دنيا ولا هي في دين!!
…………..
#كتاب: “هموم داعية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.