سلطان العلماء وبائع الأمراء

رأى الشيخ العز بن عبد السلام أن المماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب ودفع ثمنهم من بيت مال المسلمين واستعملهم في خدمته، وفي جيشه وتصريف شؤون الدولة يمارسون البيع والشراء؛ وهو تصرف باطل؛ لأن المملوك لا ينفذ تصرفه، وهم أصلا ملكا للدولة. فأخذ لا يمضي لهم بيعا ولا شراء، فتعطلت مصالحهم، فجرى بينهم وبينه كلام، فقال لهم: “أنتم الآن أرقاء لا ينفذ لكم تصرف، وإنَّ حكم الرق مستصحب عليكم لبيت مال المسلمين، وقد عزمت على بيعكم فاحتدم الأمر، وحاول السلطان أن يثني الشيخ عن رأيه، ولكنه أصر على ما هو عليه، وكان من جملة هؤلاء المماليك نائب السلطان. ولما وصل الأمر إلى السلطان صدر منه كلام فيه غلظة على الشيخ،

فأدرك الشيخ أن أعوان الباطل تمالئوا عليه فعزل نفسه عن القضاء، وقرر الرحيل عن مصر؛ فحمل أهله ومتاعه على حمار، وركب على حمار وخرج من القاهرة، وتحركت جموع المسلمين وراءه من الرجال والنساء والصبيان، والعلماء والصالحون، والتجار، فركب السلطان إليه بنفسه ولحقه واسترضاه وطيـَّب قلبه. فرجع بشرط أن ينادي على ملوك مصر وأمرائها ويبيعهم فأرسل نائب السلطان إلى الشيخ بالملاطفة، والشيخ لم يتغير. فعزم نائب السلطان على قتل الشيخ؛ فخرج ومعه بعض حاشيته إلى بيت الشيخ والسيف في يده، فطرق الباب فخرج إليه ولد الشيخ فرأى أمرا جللاً، فعاد إلى الشيخ وأخبره؛ فقال لولده: “يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله”!! فخرج إليهم. فلما رآه نائب السلطان اهتزت يده، وارتعد وسقط على الأرض وبكى، وسأل الشيخ الدعاء، ثم عقد الشيخ لهم مزادا ونادى عليهم بالبيع، وغالى في أثمانهم ووضع ثمنهم في مصالح المسلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.