دور الزوايا بالمغرب في جهــاد الأعـداء ورد غزواتـهم

* دور الزوايا بالمغرب في جهــاد لأعـداء ورد غزواتـهم:
ما أن هاجـم البرتغال والإسبان شواطئ المغرب، واحتلوا بعض مدنـه الساحلية، حتى ظهـر فضل التصوف مرة أخـرى ممثلا في الزوايا، في بعـث حركة الجهاد والمقاومة، وقيادة الأمة لطرد العدو عنهــا في معارك ظافرة، انتهت بطرد البرتغال عن الشــواطئ الجنوبية، وإيقاف زحفــه في الجهات الشمالية، وبتنصيبهم الشرفاء السعديين ملوكا على المغرب.
يقـول أحمد الناصري:( 1)
« لما كانت ثمان وخمسين وتسعمائة، أمر السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ بامتحان أرباب الزوايا المتصدريــن للمشيخـة خوفا على ملكه منهم، لمــا كان للعامة فيهم من الاعتقــاد والمحبة والوقوف عند أشارتهــم،  ألا ترى أن بيعة والده أبي عبد الله القائــم لم تنعقــد إلا بهم ولا ولج بيت الملك إلا من بابهــم…» إلى آخر كلامه.
وشاهدنـا منه تصريحه بأن السعديين، إنمــا قاموا على يد أصحاب الزوايا، وحين تأسست الدولـة السعدية، شاركـوا بنصيب وافر فيما قامت به من جهاد ضد العدو، سـواء في الشمال أو الجنوب ، ولا سيما في وقعة وادي المخازن، التي شارك فيها كثير من شيوخهــم وأتباعهـم، مثل : سيدي يوسف الفاسي( تـ : 1013هـ)، وسيدي محمد بن علي بن ريسون، وغيرهما، وأبلوا فيها البلاء الحسـن كما هو معروف.
وما أن عـاد المغرب إلى الانقسام والضعف، إثر وفاة أحمــد المنصور الذهبي  (1012هـ)، بسبب تنازع أبنائه على الملك، حتى عادت أطمـاع العدو في البلاد، وأخـذت إسبانيا تغير عليها، وتحتل بعض المدن الساحلية، وكانت السلطة المركزية بمراكش مشغولة بأمر نفسهـا، وعاجزة عن الدفـاع والوقوف في وجه العدو، بل نرى أحد أبناء المنصور وهو المأمون يتواطأ مع العدو، ويتنازل لإسبانيــا عن العــرائش في مقابل نصرته وإمداده بما هو في حاجـة إليه، فتصدى رجال الزوايا من جديد للقيام بأعباء الجهاد، وانحصر أمــره فيهم، حتى أطلق الأوربيون على هذا العصر «عصر الزوايا».
وهكذا قامت إمــارة الشيخ العياشي بسلا، وإمارة الزاوية الدلائيــة بتادلة وفاس ومكناس وناحيتهما، وإمارة أبي حسـون السمـلالي المعروف ببو دميعة من ذرية الشيخ سيدي أحمد بن موسى بسوس وناحيتها، فاضطلعوا جميعا بأعباء الجهاد ورد عادية العدو، وكان لهم في الإيقاع بالعـدو ونكايته ما يعـرف بالوقـوف عليه.
إلى ما قاموا به أخيرا من تنظيم عدة حركات ضد الاحتلال الفرنسي والإسباني، ولم تحظ إلى الآن بمن يؤرخها، ويحقق في أمرها، شأن سابقاتها، ولو وجدت من يعني بها لكانت صفحة جديدة مشرقة من تاريخ التصوف ورجال الزوايا الطويل في ميدان الجهاد والكفاح الوطني.
إلى مـا قام به الأمير عبد القادر محيي الدين بالجزائر، وهـو مغربي الأصل، وابن زاويــة مشهورة بنواحي تلمسان، وبسبب مركز أبيه وزاويته انتدبه أهل تلك البلاد إلى القيام بالجهاد ضد الاحتلال الفرنسي ورغبوا إليه أن ينظم حركاتهـم، ويبايعـوه على الطاعـة، فقاد الجهاد ضد المحتل الفرنسي لمدة 17 سنة، إلى أن اضطر إلى الاستسلام بعوامل الغدر والخيانة.
والعالم يذكر باعتزاز ما قام به الشيخ محمد بن علي السنوسي ( تـ 1276 هـ)، صاحب الطريقة السنوسية المشهورة في مجموع بلاد إفريقيا، من جهاد للطليــان في طرابلس، جهادا أقض مضاجعهــم، وكبدهم من الخسائر ما لا يحصى. وكانت ثورته مع ثورة الأمير عبد القادر الجزائري، وثورة الأمير عبد الكريم الخطابي بالمغرب من أعنف وأشد ما عرفه الاستعمار من مقاومة الشعوب الإسلامية لسيطرته.
قال المؤرخ الإنجليزي المعاصر( روم لاندو):( 2)
«إن الطرق الصوفية من الملامح المهمة في التاريخ المغربي، وثمة وثائق تدل على ازدهارهــا منذ القرن الحادي عشر الميلادي، (الخامس والسادس للهجرة). وزوايا هذه   الطرق كثيرا ما كانت تستعمـل بالإضافة إلى كونها مراكز نشاط ديني، مـدارس، وملاجئ وبيوتا لعمل الخير على نحو ما كانت تقوم به الأديرة في أوربا في العصـور الوسطى، وقد كان الدين بطبيعة الحال وثيق  الاتصال دوما بالحياة اليومية لكل مغربي، إنه حياتـه وليس مجرد أمور ثانوية، ومـن ثم لم تلبث الطرق الدينية أن أخـذت تقوم بدور هـام في الحياة الوطنية، وثمـة بضعة مـن الأسر الذين أنشأوا الأسر المغربية الحاكمـة، بدأوا زحفهـم نحو العرش من إحدى هذه الزوايا. وفي الزمان الذي كان يحاول الإسبان والبرتغال أن يحتلوا المغرب، كانت الزوايــا نقط الالتقاء الرئيسية للحياة الوطنية والمقاومــة.
ويقول في موضع آخر:( 3)
« وبما أن هذه الطرق كانت تقوم بدورها كنقط انطلاق للوطنية والمقاومة، فإنها لم تكن تنظـر إلى الكفار والأجانب نظـرة ارتياح، وغالبا ما كان تأثيرها يحول دون إقامة علاقات أفضل بين المخزن والدول الأوروبية».

* وقـوف الزوايـا ضـد التبشير المسيحـي:
وكما كان لهم فضل الجهاد بالسيف ضـد العدو في المغرب وإفريقيا بصفة عامة؛ كـان لهم فضل جهاد من نوع آخر وهو عملهم ضد التبشير المسيحي وحيلولتهم دون الوصول إلى أغراضه، وخاصة في إفريقيا السوداء، ونشـر الإسلام بها على نطاق واسع أدهش رجال التبشير، حتى لأن كثيرا من البلاد الإسلامية، إنما عرفت الإسلام عن طريقهم.
قال شكيب أرســلان: ( 4)
« إنه من سنة 1750م إلى 1901م، نهض الإسـلام بإفريقية نهضة ثالثة علـى أيدي مشايخ الطرق؛ وذلك أنه في أواخر القرن 18، لما دخلت الدعوة البروتستانية من كل نوع إلى إفريقيا. وضاعف الكنيسة الكاثوليكية فيها مجاهديها بدافع المنافسة. كان لا بد من أن يتنبه الإسلام لمقاومة النصرانية، وأن يشتد الصراع بين هاتين القوتين المتقاتلتين ، وأكثر أسباب هذه النهضـة الأخيرة راجعة إلى التصوف. إلى أن قـال:
« وفي القرن الثاني عشر والثالث عشر تأسست ـ طرق الدراويش ـ يعني الصوفية كأنها نوع مقابلة للرهبانيــة النصرانية وللحروب الصليبية، وفي القرنين 18 و19 حصلت نهضـة جديدة عنـد أتباع  الطريقتين القـادرية والشاذلية، ووجـدت طريقتان همـا التيجانية والسنوسية».
ونقل محب الدين الخطيب ( 5) عن بلس، أنه قال:
« إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في لإفريقية، وليس خصمنا هو العربي الذي يرتاد البلاد للتجارة،  بل إن هـذا المعارض هو الشيخ أو الدرويش (أي الفقير الصوفي في اصطلاح المغاربة) صاحب النفوذ في إفريقية ، أكثر مما هو كذلك في فارس».
وذكـر في موضع آخـر:
« إن إحصائيـات المبشرين دلتهم على أن أكبر عامل على انتشار الإسلام بإفريقية هو رجال الطرق الصوفية».( 6)
وارجع أيضـا إلى ما كتبه شكيب أرسلان في تعاليقه على حاضر العالم الإسلامي، وما كتبه الدكتور حسن إبراهيم حسن عن موضوع انتشار الإسلام في إفريقيا، ودور الطرقيين فيه، لنرى أي فضل لهم في نشر الإسلام بالديار الإفريقية عامة.

* دور التصوف في نشر العلم والمعرفة بالمغرب:
 إن التصوف له اليد الطولى والفضل الكبير في نشر العلم والمعرفة بهذه الديار، بما كون من علماء وأدباء وفقهاء، تخرجوا من الزوايا على يد رجالات التصوف وأعلامه، وقد كانت هذه الزوايا بمثابة مدارس ومعاهـد لها استقلالهـا الفكري والمعنوي، تسير حسب نظام محكـوم معين يتماشى وروح التصوف، ومن أهم هذه المعاهد والمدارس الزاوية الـدلائية ( 7) التي تأسست في الثلث الأخير من القرن العاشر بناحية تادلا، وينتسب  أهلها إلى قبيلة صنهاجـة  الكبرى بالصحراء، وقد استوطنوا تادلة في أواخر القرن الثامن الهجري. ومنذ أن استوطنوها وهم محل تكريم وإجلال من ملوك عصرهم، سواء في  عهد بني مرين أو الوطاسيين أو السعديين مما يدل على ما كان لهم من مكانة حتى قبل تأسيس زاويتهم.
وأول من ظهـر على مسرح التصوف منهم، وأسس زاويتهم، هـو الشيخ أبو بكر بن محمد الدلائي،  بإشارة من شيخه أبي عمر القسطلي، دفين روض العروس بمراكش، تلميذ عبد الكريم الفـلاح، تلميذ سيد عبد العزيز التباع، تلميذ الشيخ الشهير سيدي سليمان الجزولي الشاذلي صاحب دلائل الخيرات المشهور، المتوفى سنة 870هـ.
أسس محمد بن أبي بكـر الدلائي زاويته حتى أصبحت مورد المرشدين والطلبــة والمساكين وأهل العلم وغيرهم، إلى أن استحالت بعد إلى مدينـة عامرة بأسواقها ومدارسهـا وتجارهـا، وكان أبو بكر ذا ثروة هائلة، لأنه من أسرة ثرية،  فصار يطعـم الطعام الكثير، ويكـرم الواردين على زاويـته في سخـاء نادر اندهـش له الناس، وتعجبوا منه، ثم صار على نهجـه ابنه محمـد بن أبي بكر، وفي أيامه زادت شهرة الزاوية، وعظم صيتهــا، وغصت رحابها بالوافدين، والطـلاب والمريدين، وكان يقيم كل سنة احتـفالا عظيمـا بالمولد النبوي، يقصده الناس في كل مكان، وقدر عدد الحاضرين في أحـد الاحتفالات بسبعين ألف نفس، وكانـوا جميعا ينزلون ضيوفا عليه، فينالـون من حفاوته وإكرامـه وجوائزه ما تقر بـه أعينهم، ويذكرنـا باحتفال ملك أربل بالموصل، الذي هو أول من احتفل رسميا من أهل السنة بالمولد النبوي في القرن السابع الهجـري.
وكان الشعراء يقصدونه في هذه المناسبة، وينشرون بين يديه قصائدهم في مدح الرسول (صلعم) ، فيكافئهم على ذلك بالصلات السنية، فإذا خصوه بالمـدح قصر في حقهم ولم يلتفت إليهم. فقد جاءه الأديب عمرو بن قاسـم الرباطي بقصيدتين: إحداهما في مدح الرسول (صلعم) والأخرى في مدحه، فلما انقضـى الحفل وحضر الأديب لوداعه، أعطاه صرة فيها مائتــا دينار بيده اليمنى، وأعطاه فلسا واحدا بيده اليسرى، وقال له: « هذه الدنانير جائزتك على مدح الـرسـول، وهـذا الفلس جائزتك على مدح محمدˆبن أبي بكر، إذ لا يستحق أن يمدح».
وبقدر ما كان معنيا بشأن الفقراء والمريدين والزوار، كان معنيا كذلك بنشر العلم وتدريسه. فأصبحت الزاوية الدلائية في عهده مركزا علميا كبيرا، يقصـده الطلاب من كـل حدب وصوب، فكـثـرت المدارس بها لإيواء الطلبة. وكـان بإحداهـا فقط ألف وأربعمائة بيت، ولكثرة الطلبـة كان يسكن بالبيت الواحد من هذه المدارس العديدة طالبـان فأكثر، وهذا يدلنا على عظمة الزاوية،  وإلى أي عدد بلغ طلابها.
ولما أصبحت مـركزا علميا، اقتضى ذلك تأسيس خزانـة علمية بها، فأسست بها خزانة عظيمة شبههــا بعضهم بخزانة الحكم المستنصر الأموي، ونحـن نعرف مقدار ما كـان بخزانة الحكم من الكتب، وأن فهارسها وحدهـا كانت تبلغ أربعا وأربعين فهرسة، في كـل فهرسة عشـرون ورقة، ليس بها إلا أسماء الكتب.
وبلغ شأن هذه الزاوية في الميـدان العلمي أن نافست القرويين أو زادت عليها.
يقول المرحوم الأستاذ عبد الله كنون.( 8)
« إن الثقافـة اللغوية المتينة التي كانت موجـودة في زاوية الدلاء، حيث درس اليوسي، أقوى منها في فاس، بل إنـا نقول: إن الثقافة اللغوية المتينة التي كانت موجودة في زاوية الدلاء.، هي التي أحيت دمـاء  الأدب في المغرب بعد عدم »
ويقول أيضا في كتاب آخر(9 )، بعد أن ذكر ما كان لتنازع أبناء المنصور على الملك من الأثر السيء على الأوساط العلمية بالمغرب.
« ولطكن من الألطاف الخفية أن ظهرت الزاوية الدلائية في ذلـك الحين فكأنما بعثها الله لحفظ تراث العلم والآداب الذي كان أن يضيع، فقامت عليه خير قيام، وما هي إلا مدة قليلة، حتى صارت مركزا مهمــا لنشر الثقافة العربية» .
وقال الناصري: ( 10)
« وكـان لهذه الزاوية صيت عظيم في أيام محمد الحـاج وابنه عمر بن أبي بكرـ السلف الذكر ـ وكان بها من معطاة العلوم والدؤوب على درسها وإقرائها وقراءتها ليلا ونهارا، ما تخرج به جماعة من صدور العلماء وأعيانهم، كالشيخ اليوسي وأضرابه، حتى كانت إليها الرحلة في المغرب لا يعدوها، ولا يأمل سواهـا الراغب، وتمهـد بها الأمر لأبي عبد الله محمد الحـاج وأولاده وإخوانه وبني عمه، إلى أن تملك مدينة فاس ومكناس وأحوازهمـا وكافة القطر التادلي».
ولو لم يكن بين خريجي هذه الزاوية ومـا أكثرهم ,أكثر علمهـم وتآليفهـم، لو لم يكن من بينهم إلا الشيخ أبو علي المتوفى سمة 1002هـ لكفى. وهـو الذي قيل فيه:
من فاته الحسن البصـري يدركــه  *  فليصحب الحسن اليوسي يكفيـــه
وكان إلى مكانته العلمية، وتضلعه في علوم الشريعة من: فقه وأصول وكلام ومنطـق ، ذا مكانة أدبية ممتازة وشاعـرا كبيرا، حتى قال عن نفسه: لو شئت أن لا أتكلم إلا بالشعر لفعلت:
وله ديوان شعر في جملة ما خلف من الآثار العلمية، وقد رثى الزاوية بعد نكبتها بقصيدة بليغة مطلعها:
أكلف جفن العيـن أن ينثـر الـدار  *  فيأتي ويغتاض العقيـق بها جمـــرا
هذا، إلى غير اليوسي من العمل ماء  الأفذاذ كالسادة الذيـن عرفوا بعد المسناويين.
وإذا كان هذا هو دور الزاوية الدلائية في ميدان نشر العلم والمعرفة في وقت كان فيه المغرب  يعيش مشاكله الداخلية، وتتآكله الفتن والاضطرابات المحلية، فإن هناك زوايا أخرى لا يقل دورها أهمية عن الزاوية الدلائية، وإن لم يصل إلى ما وصلت إليه هـذه الزاوية، من حيث الكـم والكيف، غير أنه أدى دوره التاريخي على أي حال في بعث التـراث الإسلامي ، وحمل راية العلم والمعرفة، ونشرهما في مختلف أقاليم المغـرب، وذلك كالزاويــة الناصرية، والزاوية العياشية، والفاسيـة والدرقاوية والتيجـانية والريسونيــة والسملالية، وزاوية ماء العينين وغيرهـا من الزوايا الأخرى، والتـي ما زالـت تؤدي وظيفتهـا إلى الآن، ولو علـى نطاق ضيق، كما سنرى فيمـا بعد .
ومن أهمها أثـرا، الزاوية الناصرية بتامكروت، وقد أسس هذه الزاويـة أولا الشيخ عمـر الأنصاري أحد أعيان درعة، ثـم استقر بها بعـد الشيخ عبد الله بن حسين الرقي الشاذلي، فقصده الشيخ محمد بن ناصر المتوفـى سنة 1075هـ، مؤسس الطريقة الناصرية،  للأخذ عنـه سنة 1040هـ، ولما مـات الشيخ عبد الله الرقي،  تصـدر سيدي محمد بن ناصر لرئاسة الزاوية، واستقل بها. وأقبـل على  تدريس العلم بها للطلبة، والأخـذ بيد المريدين فانتفع به خلق كبير ، وطـال صيته شرقا وغربـا، لأنه حج مرتين، فأخذ عنه كثير من المشارقة، ومن تلامـذته الشيخ اليوسي الآنف الذكر،  لأنه كـان أخذ عنه الطريقـة الشاذلية قبـل أن يتصل بالزاوية الدلائيـة، وله في مدحه قصيدة طويلة تبلغ 450 بيتا، وهـي مطبوعة على حدة، ومن تلامذته كذلك العلامـة المطلع المشارك  أبو سالم العياشي وصاحب الزاوية العياشية، ومؤلف الرحلة المشهورة.
وتاريخ الزاوية الناصرية، وما تفرغ عنهـا من زوايا وتاريخ رجالهـا وأبنائها مبسوط في كتاب طلعـة المشتري، المطبـوع بفاس لصاحب الاستقصا.
ومن الزوايا الشهيرة بالمغرب، والتي تأسست هي كذلك في هذا العصر، الزاوية الفاسية، التي أسسهـا الشيخ أبو المحاسن سيدي يوسف الفاسي أحد رجال سلسلة الطريقة الدرقاوية، المتوفى سنة 1013هـ ، وهو تلميذ سيدي عبد الرحمان المجذوب المتوفى سنة 976هـ.
وقد تخرج من هذه الزاويـة وعلى أبنائها علماء أجلة ورجـال كبار، وكان للسادة الفاسيين من المجـد العلمي واليد الطولى في التصوف وعلومـه ما هو معروف، ويكفي مـن مجدهم أن السلطان مولاي سليما ألف في تراجمهـم بنفسه كتابا سماه
(عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي بن الجد).
ثم الزاوية العياشية المعروفة اليوم بزاوية سيدي حمـزة بسفح جبل العياشي بناحية ميدلت، وأول من أسسههــا هو الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي والدائبي سالم، بإشارة من شيخه محمد بن أبي بكر الدلائي المتوفـى سنة 1046هـ.
وآل الأمر من بعده إلى ولده أبي سالم العياشي، المتوفى سنة 1090 هـ ، ثم إلى حمزة ابن أبي سالم، وبه عرفت.
وقد قامت بهـا هي كذلك حركـة علمية، وأسست بها خزانـة لا تزال موجودة إلى الآن وتعد ذات قيمة كبرى.
ثم تأسست بعد الزاوية الدرقاوية، مع الشريف مولاي العربي الدرقــاوي دفين بني زروال بأحواز فاس، المتوفى سنة 1239هـ، وكان في وقته كالشيخ سيدي عبد الله الغزوانــي، المتوفى سنة 935هـ، دفين القصور بمراكش، في كثـرة أتباعه وما تفرع عن طريقتــه من عدة طرق، انتشرت في مجموع البلاد الإسلامية.
ولم يمت مولاي العربي الدرقاوي حتى خلف نحو أربعين ألف تلميذ. كلهم متأهلون للدلالة على الله عز وجل، ومن أشهر أتباعــه الشيخ أحمـد البوزيدي المتوفى سنة 1223هـ دفين غمارة، وتلميذه الشريف  سيدي أحمد بنعجيبة، المتوفى سنة 1224هـ وصاحب التفسير وشرح الحكم وغيرهما من الكتب القيمة  في التصوف، والشيخ الحراق، المتوفى سنة 1261هـ  بتطوان، وصاحب الديوان في الشعر الصوفي، ومـن تلامذتـه كذلك، الجد سيدي الحاج بن عبد المومن؛ صاحب أدب المريد، ودفين تجكـان بغمـارة، المتوفى عام 1262هـ وغيرهم وغيرهم.
ثم الزاوية التيجانية، التي أسسهـا سيدي أحمد التجاني، المتوفى سنة 1230هـ بفاس، وما تفرع عنهـا من زوايا في جل العالـم الإسلامي، وخاصــة في إفريقيا من المغرب إلى مصر.
ثم الزاوية الوزانية التي أسسهـا مـولاي عبد الله الشريف، المتوفى سنة 1089هـ. وكان بهـا هي الأخرى خزانة علمية مهمة، حتــى أن الشيخ الرهونـي ألف حاشيته التي تعتبر عمدة  الفقهاء والقضاء والمفتين من خزانتها.
وقل مثل ذلك عن الزاويــة الريسونية بتازروت فـي قبيلة بني عروس، وقـد أسسها سيدي محمد بن علي بـن ريسون في معركة وادي المخازن، كمـا سبقت الإشارة إليه.
هذا عن الزوايا التي قامت في جنوب المغرب وصحرائه، ومن أشهرهـا الزاوية السملالية التي أسسهـا الشيخ سيدي أحمد بن موسى بتازرولت، وكان لها من النفوذ والظهــور ما مكن رجالهـا من تملك سوس وغيرهـا من البلاد الصحراوية، بل امتد سلطانها إلى السودان.
وكزاوية ماء العينين بشنجبــط، (موريطانيا حاليا)، وما كان من أبنائهــا من محاربة الاحتلال الفرنسي لموريطانيا، ونزوح ماء العينين عنهـا إلى المغرب في نحو عشرة آلاف من أتباعه، ثم قيامهــم بمحاربة الفرنسيين عند إعلان الحماية، ما قاسى منه الفرنسيون كثيرا، وتمكن أحمد الهيبة ماء العينين من الاستيلاء على مراكش، ثم خرج عنها.
وتاريخ أحمد الهيبة هـذا في الكفاح والتصدي للاستعمار الفرنسي تاريخ حافل بالبطولات والأمجاد…
وكما كـان نشاط هذه الزوايا قائما على أشده في داخل المغرب، كان لأخواتها الممتدة في طول البلاد الإسلامية وعرضهـا نشاطها كذلك، وكـان هناك تواصـل وتزاور وتبادل بين هذه الزوايا المختلفة، مما جعل حركة علمية مباركة، ونهضة صوفية عظيمة، تشمل العالم الإسلامي كله تقريبــا، ولذلك نراهم يتصدون المعركة في وجه الاستعمار الأجنبي هنا وهنــاك، لما لهم من نفوذ ومنزلـة لدى عامة المسلمين.

  1) الاستقصا ج 5، ص: 26، ط 1955م، دار الكتاب الدار البيضاء.
2) تاريخ المغرب في القرن العشرين، ص: 39.؟
3) نفس المصدر السابق، ص: 49.
4) في كتابه : حاضر العالم الإسلامي ج2، ص: 393، طبعة الحلبي/ مصر.
5) في كتابه: الغارة على العالم الإسلامي في تاريخ التبشير المسيحي، ص: 21.
6) نفس المصدر السابق.
7) جل مالا نقلته عن تاريخ هذه الزاوية ومكانتها اعتمدت فيه على كتاب الدكتور محمد حجي عن الزاوية الدلائية الذي نال به  درجة الدبلوم، ط 1384هـ / 1964م، المطبعة الوطنية ـ الرباط.
8) خل وبقل: ص: 275، ط المهدية ـ تطوان.
9) النبوغ، ص: 274، ط بيروت.
10) الاستقصا ج6، ص: 97، ط 1955، دار الكتاب ـ الدار البيضاء.

مجلة دعوة الحق – إطلالة على التصوف المغربي وتاريخه. -3-
  محمد علي ابن الصديق – العدد 289 رمضان-شوال 1412

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.