خطبة بعنوان ( الطفولة بناء وأمل ) للدكتور أحمد سليمان أبو شعيشع

 

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ، الفردِ الصمدِ، الذي لم يلدْ ولم يولَدْ ولم يكنْ لهُ كُفُوًا أحدٌ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ. رفعَ السماءَ بلا عَمدٍ، وبَسطَ الأرضَ على ماءٍ جَمَد، وقسَّمَ الأرزاقَ على العبادِ فأحسَنَ وأرشَد. وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا رسولُ اللهِ. اللهمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ على سيدِنا محمدٍ عددَ الحركاتِ والسكونِ، وعددَ ما كانَ وما هوَ كائنٌ وما سيكونُ، وعددَ السبحِ من سبحَكَ ويُسبِّحُكَ في ملكِكَ وملكوتِكَ يا ربَّ العالمينَ، وعلى آلِه وصحبِهِ وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا مباركًا إلى يومِ الدينِ.

عباد الله: أوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله عز وجل، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ} [النساء: 131].

أيها الأحبة في الله: حديثنا اليوم عن الطفولة، هذه المرحلة التي تعدّ حجر الأساس في بناء الأجيال، وهي أمل الأمة في النهضة والرقي. فالطفولة في الإسلام ليست مجرد سنوات يمضيها الإنسان في اللعب واللهو، بل هي مرحلة وضع الأساس لشخصية الإنسان وقيمه وأخلاقه.

لقد اهتم الإسلام بالطفولة اهتمامًا عظيمًا، وبدأ ذلك منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل، بل وقبل ولادته، حين أمر الله عز وجل باختيار الزوجة الصالحة التي تكون أمًّا حانية ومربية فاضلة. وفي الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تُنكَحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالِها، ولحسَبِها، ولجَمالِها، ولدِينِها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداكَ” [رواه البخاري].

ومن أولى المراحل التي أولاها الإسلام عنايةً خاصةً مرحلة الرضاعة، فقد جعلها حقًّا للطفل، وأمر الأم بإتمامها حولين كاملين كما قال تعالى: {وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233].

ولم يكن اهتمام الإسلام بالطفل اهتمامًا ماديًّا فقط، بل كان اهتمامًا روحيًّا ومعنويًّا أيضًا، فقد أمر بحسن اختيار الأسماء، وأوصى بالعدل بين الأبناء في المعاملة. ومن القصص المشهورة في هذا السياق قصة الطفل الذي جاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه لأنه سماه اسمًا قبيحًا واختار له أمًّا غير صالحة، فقال له النبي: “إنك قد ظلمته”، ثم وجه الأب إلى تغيير الاسم إلى اسم حسن.

أيها المسلمون:
إن الأطفال أمانة عظيمة في أعناقنا، وعلينا أن نغرس فيهم القيم والمبادئ، ونربيهم على حب الله ورسوله، ونهيئهم ليكونوا أجيالًا صالحةً تقود الأمة إلى الخير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أيها الإخوة المؤمنون:
إن مرحلة الصبا، التي تلي مرحلة الرضاعة، من أهم مراحل حياة الإنسان، فهي مرحلة التكوين الحقيقي لشخصيته. وقد أولى الإسلام هذه المرحلة اهتمامًا كبيرًا، فحث على تعليم الأطفال وتربيتهم على الفضائل.

في الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعٍ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرٍ، وفرِّقوا بينَهم في المضاجعِ” [رواه أبو داود]. وهذا دليل على أن التربية تبدأ منذ نعومة أظفار الطفل، ليعتاد الفضيلة والعبادة والطاعة.

ومن أبرز الأمثلة على نجاح التربية في الإسلام، أسامة بن زيد رضي الله عنه، الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش المسلمين وهو في السابعة عشرة من عمره، وكان الجيش يضم كبار الصحابة، مما يدل على الثقة التي يمنحها الإسلام للشباب الصالح.

أيها المسلمون:
إن الطفولة ليست فقط أمل المستقبل، بل هي مسؤولية الحاضر. وعلينا جميعًا أن نتعاون في رعاية الأطفال، وتعليمهم العلم النافع، وغرس القيم الإسلامية في نفوسهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” [رواه البخاري ومسلم]. وهذا الحديث يوضح أن البيئة والتربية هما العاملان الأساسيان في تشكيل شخصية الطفل.

فلنحرص جميعًا على أن تكون بيوتنا مدارس للتربية، ومصانع للقيم والأخلاق، ولنكن قدوة لأبنائنا في العبادة والطاعة وحسن المعاملة.

اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا، ووفقنا لرعايتهم وتربيتهم على الوجه الذي يرضيك. اللهم اجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة.

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية، محمد بن عبد الله، كما أمركم ربكم فقال: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. واذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.