خطبة الجمعة القادمة (١٣ من ديسمبر ٢٠٢٤م – ١١ من جمادى الآخرة ١٤٤٦هـ)،
بعنوان: “صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان”،
العناصر
1 الوعى فى القران
2 الوعى فى السنة
3 وعى امهات المؤمنين
4 وعي رسول الله صل الله عليه وسلم
5 الوعى فى بناء لبنات المجتمع
الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء..
وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة دار البقاء…
وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأهبطه إلى دار الابتلاء…
وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء، وتجلت رحمته بهم فتوالت الرسل والأنبياء…
وما منهم أحد إلا جاء معه بفرقان وضياء، ثم ختمت الرسالات بالشريعة الغراء…
ونزل القرآن لما في الصدور شفاء، فأضاءت به قلوب العارفين والأتقياء…
وترطبت بآياته ألسنة الذاكرين والأولياء، ونهل من فيض نوره العلماء والحكماء…
نحمده تبارك وتعالى على النعماء والسراء، ونستعينه على البأساء والضراء…
ونعوذ بنور وجهه الكريم من جَهد البلاء، ودرك الشقاء، وعضال الداء، وشماتة الأعداء…
ونسأله عيش السعداء، وموت الشهداء، والفوز في القضاء، وأن يسلك بنا طريق الأولياء الأصفياء…
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء…
خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء…
خلق الخلق فمنهم السعداء ومنهم الأشقياء…
محيط بخلقه فليس لهارب منه نجاء…
قادر مقتدر فكل الممكنات في قدرته سواء…
سميع بصير يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء…
ويسمع دبيبها على الصخرة الصماء…
أجرى الأمور بحكمته وقسم الأرزاق وفق مشيئته بغير عناء…
لا يشغله شأن عن شأن، فكل شيء خُلق بقدَر، وكل أمر جرى بقضاء…
وأشهد أن سيدنا محمدًا خاتم الرسل والأنبياء…
وإمام المجاهدين والأتقياء…
والشهيد يوم القيامة على الشهداء…
المعصوم صلى الله عليه وسلم فما أخطأ قطُّ وما أساء…
دعا أصحابه إلى الهدى فلبَّوُا النداء…
فإذا ذاته رحمة لهم ونور، وإذا سلوكه إشراق وضياء…
هو القدوة النيرة في الصبر على البلاء، والعمل لدار البقاء…
وهو الأسوة المشرقة في الزهد في دار الفَناء…
فكم مرت شهور ولا طعام له ولأهل بيته إلا التمر والماء…
اشتهر من قبل البعثة بالصدق، فلم يعرف عنه كذب ولا نفاق ولا رياء…
لم يؤثر عنه غدر، بل إخلاص وأمانة ووفاء…
صلى الله عليه قديمًا، وكذا الملائكة في السماء…
وصلى هو في المسجد الأقصى بالرسل والأنبياء…
سبح الحصى في كفه بخير الأسماء…
وحين ظمئ أصحابه نبع من بين أصابعه الماء..
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء…
وعلى السائرين على دربه والداعين بدعوته إلى يوم اللقاء
اما بعد
الوعى فى القرآن
والله أعلم بما يوعون
قال تعالى بسورة الانشقاق
“والله أعلم بما يوعون ” وضح الله أنه أعلم بما يوعون أى أعرف بما يعملون والمراد محيط بكل ما يقولون وما يفعلون
وتعيها أذن واعية
قال تعالى بسورة الحاقة
“إنا لما طغا الماء حملناكم فى الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية “وضح الله للنبى(صل الله علية وسلم)أنه قال لنوح(علية السلام)وصحبه إنا لما طغا الماء حملناكم فى الجارية والمراد إنا لما زاد الماء فى الأرض أركبناكم فى الفلك وهو السفينة والسبب أن نجعلها تذكرة والمراد أن نجعلها عظة أى عبرة يعتبر بها المؤمن وفسر هذا بأن تعيها أذن واعية والمراد أن تفهمها نفس فاهمة أى تتعظ بها نفس عاقلة
تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى
قال تعالى بسورة المعارج
“كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى ” وضح الله أن كلا والمراد حقا هو جزاء الكفار هو لظى نزاعة للشوى والمراد نار محبة للكوى وهى الحرق وهى تدعوا من أدبر والمراد تعذب من كفر وفسره بأنه تولى أى كذب بالحق وفسره بأنه جمع فأوعى والمراد لم متاع الدنيا فتمتع به
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه
قال تعالى بسورة يوسف
“فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه ” وضح الله أن يوسف (علية السلام)بدأ بأوعيتهم والمراد استهل التفتيش بحقائب اخوته من أبيه فقط ثم استخرجها من وعاء أخيه والمراد ثم طلعها من حقيبة أخيه من أبيه وأمه وبذلك كاد الله ليوسف (علية السلام)والمراد بإنجاح المكيدة انتقم الله ليوسف(عليه السلام) ——————————————————————————-
بل اعلم يا اخى المسلم ان كثيرا من الناس يسيء التصرف وييتكلم بالفتوي بدون علم فيسبب مشكلات بفتواه قد تصل الي قتل نفس لا ذنب لها ــ قال تعالى ـ ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ فقد حدث أن مات أحد الصحابه بسبب فتوي افتاه بها الصحابه فكانت سببا في موته , فعن سيدنا جَابِرٍ قَالَ : خَرَجْنَا فِى سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِى رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِى رُخْصَةً فِى التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ : ( قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ )
———————————————————————————–
بل انظر الى وعى ام المؤمنين السيدة ام سلمة صاحبة الحكمة والمشورة كان النبي محمد أصل الله عليه وسلم يستحسن رأيها ويأخذ به، فيروى أنه بعد أن أُقر صلح الحديبية، قال النبي محمد لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، فتباطأ أصحابه لعدم رضاهم عن بنود الصلح، فحزن النبي محمد ودخل على أم سلمة التي كانت معه في تلك العُمرة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له: «يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك.» فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ فنحر وحلق، فلمَّا رأَى أصحابه ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا.
وعي رسول الإسلام بدوره كقائد ووعي خلفائه الراشدين
لقد عبر التاريخ الإسلامي عن وعي رسول الإسلام بدوره كقائد ووعي خلفائه الراشديين المهديين من بعده ووعي النبي صلى الله عليه وسلم ههنا, يتمثل في محاور كثيرة من أهمها وضوح الهدف في كل خطوة من خطواته , فصاحب الرسالة , يحمل أمانة , ولم يكن ليفرط في ذلك في لحظة من اللحظات , بل قرأ على الناس آيات أنزلت عليه في بداية دعوته تقول : ” ياأيها المدثر , قم فأنذر , وربك فكبر وثيابك فطهر, والرجز فاهجر ” وهي تعني نداء خاصا له أن : قم فمارس ما أمرت به من رسالتك , وادع إلى ربك وكبر مقامه , وطهر قلبك وباطنك , ثم طهر ظاهرك وجسدك من كل خبث ونجس من الدنيا ومتاعها وشهواتها , واهجر كل عبودية من دون ربك ..
كما لم يكن قط يتماهى مع دعوات التنازل فيما يخص العقيدة والأهداف , حتى عندما يكون في ذلك التنازل مصلحة مظنونة أو بريق مدعو , فالعقيدة هي محور دعوته وتوحيد العبودية لربه هو مقتضى رسالته , ولذلك لما دعاه أعداؤه القرشيون أن يعبدوا الله ربه عاما بشرط أن يعبد هو ما يدعون من آلهة وأوثان عاما آخر , قرأ عليهم ما أنزل عليه من آي القرآن : ” قل يا أيها الكافرون , لا أعبد ما تعبدون , ولا أنتم عابدون ماأعبد ولا أنا عابد ماعبدتم ولا أنتم عابدون ماأعبد , لكم دينكم ولي دين “.
كذلك الوعي فيما يخص المعرفة الدقيقة والشاملة بقوة فريقه الذاتية , من حيث العدد والعدة , والإمكانات والظروف , ومدى طاقتهم وقدراتهم , حتى لا يبنى خطته في لحظة من اللحظات على معطيات خاطئة أو ناقصة فيتعرض للفشل .
كما وعى الأخطارالتي ينتظر أن تواجهه , والعقبات التي ربما تعترض سبيله ومن ثم أعد لها ما يناسبها من خطط ..
كما يراعي ما يمكننا أن نسميه المرونة , والخطة البديلة , تحسبا لاختلاف الظروف وحتى لا يصدم بالمواقف ويفاجأ بالعقبات , وامتاز بتمكين فكرة المرحلية في تحقيق الأهداف , فما هو مطلوب حتما قد لا يكون قد حضر وقته , فمن الممكن تأجيل بعض الأهداف لضرورة الحصول على هدف عاجل قد وجب .
· هجرة إلى الحبشة ثم هجرة للمدينة .. نموذج ليقظة الوعي ..
تمثل الهجرة للحبشة نقطة لامعة جدا لأعلى درجات الوعى عند صاحب الرسالة المحمدية صلى الله عليه وسلم , فعندما اشتد التضييق والإيذاء على أصحابه من أعدائهم في بداية دعوته , وهم قلة مستضعفون , فخشي عليهم وعلى الدعوة الوليدة , ولم يكن السبب التخلص من الإيذاء فحسب ولكن الأمر كان أبعد من ذلك وأعمق , وإلا لهاجر الضعفاء والعبيد , كأمثال بلال وخباب وصهيب وعمار وغيرهم, ولكننا لو تأملنا في المهاجرين لوجدنا معظمهم من السادة من أبناء البيوت العريقة , ومعظمهم لم يكن يناله كثير تعذيب ولا ضرر مقارنة بما يحدث للمستضعفين , فالمهاجرون أبناء لسادة القوم مثل الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وأبي طالب بن عبد المطلب وسعيد بن العاص , وهؤلاء هم سادة قريش وصفوتها , ولهذا أوجعتهم وآلمتهم هذه الهجرة ابتداء , ومن ثم كان اختيار المهاجرين وفق قاعدة معلومة ومحددة سلفا وليس عملا عشوائيا بحال..
وحرص صلى الله عليه وسلم ان يشارك بأبنائه في الهجرة , فالقائد لا يلقى بأتباعه في الأزمة ويخرج منها سالما , بل سافرت معهم ابنته رقية وزوجها عثمان بن عفان .
قد كان الهدف الأول من هجرة الحبشة هو إقامة قاعدة أخرى للدعوة في مكان غير مكة ,تحسبا لاحتمالية تعرض القاعدة الأولى له في مكة لخطر الاجتياح أوالإبادة .
ولهذا لم يرجع هذا الوفد بعد الهجرة للمدينة مباشرة , لأن الخطر كان لايزال قائما , وإنما رجعوا بعدما تم صلح الحديبية , وبعد أن اطمأن القائد على دولته , وأنها ارتبطت بصلح آمن مع اكبر أعدائها , وبعد تنامي قوتهم , فابتعد عنهم خطر الإبادة الجماعية فعندئذ عاد الوفد .
وقد كان اختيار الحبشة كبديل لمكة لأسباب , أولا : البعد المكاني فالحبشة في قارة أخرى فمكة في آسيا , والحبشة في القرن الإفريقي , ويفصل بينهما البحر , أي إنها بعيدة تماما مكانيا عن مكة فلا سلطان لأهل مكة عليها ولا يستطيعون إجبار ملكها على ردهم , ثانيا : أهل الحبشة نصارى , والنصرانية الحقة أقرب إلى الإسلام من الشرك , أي إن هناك قاعدة مشتركة يمكن الالتقاء عندها , وأيضا لكونهم نصارى فهم لا يذهبون إلى مكة للحج فلا يمكن لأهل مكة أن ينالوا أحدا منهم بشر بسبب قبولهم لوجود المسلمين عندهم أو إيوائهم , وثالثا : الحبشة نظام ملكي , لا يعترف بالقبيلة ويعتقد في نفسه انه افضل من النظام القبلي وأرقى , ومن ثم لن يكون لأهل مكة التأثير عليه , وفي المقابل الجزيرة كلها نظام قبلي يخضع للنفوذ القبلي لأهل مكة , رابعا عدل النجاشي ملك الحبشة , وهو الأهم والذي ذكره محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال لهم : ” إنبأرض الحبشةملكالايظلمأحدعنده ، فالحقوا ببلادهحتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه”[1] , فالعدل هو أقصى ما تتمناه أية أقلية , فكان المكان مكان عدل بحق ولم يظلموا عند هذا الملك حتى عادوا .
كذلك مثلت هجرة المدينة قمة الوعي في اختيار الزمان والطريق والمعاون والاسلوب والسرية والإخفاء والتمويه مع الاحتفاظ بالمبادىء وأداء الأمانات والتوكل على الله ” إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا “
· وعي البناء ..
قد يتحدث المؤرخون كثيرا عن مراحل بناء الدول , وعناصر ذلك البناء , إلا إنهم غالبا ما يغفلون عن أهم عناصره وهو الإنسان , الإنسان الذي تقوم على أساسه الأمم وتنهار , وهوالركن الفاعل في أي حضارة تريد البقاء , وما من حضارة تهمل الإنسان إلا حملت في ذاتها مقدرات سقوطها وفشلها مهما تقدمت ..
وهذا العنصر هو مااختار صاحب الرسالة أن يبدأ به , لقد بنى الإنسان , وعلى أساسه بنى دولته , واختار أن يبدأ صناعة ذلك الإنسان من داخل مصنع قلبي نفسي وهو المسجد .
فابتدأ ببناء المسجد كأول بناء في الدولة الإسلامية وأول عمل قام به المسلمون في المدينة , فهو المعبد ودار التعليم ودار الاستشفاء ودار المشاورة وإبداء الشكاوى وحل الأزمات وتقسيم الخصوصيات والماديات .
* وعي الرسول صل الله علية وسلم في بناء لبنات المجتمع ..
كانت المدينة عند الهجرة قليلة الموارد , وبعد الهجرة وفد عليها أضعاف عدد سكانها ليقيموا مع أهلها بصورة دائمة..
فكان لابد من بناء اجتماعي محكم لتلافي ما يتوقع من مشكلات , وكان لابد على القائد أن يعي هذا الأمر , ويضع حلا للمشكلة قبل حدوثها .
وبالفعل ابتكر صلى الله عليه وسلم نظاما اجتماعيا فذا ما سبق إليه , يحتوي تلك الأزمة الاقتصادية الاجتماعية , بل ويدعم البناء النفسي لعملية العقد الاجتماعي في دولته , هذا النظام الذي نقصده هو نظام ( المؤاخاة ) ..
بهذا النظام لم يكن هناك أي مسلم لا يعرف له أخا , وقد ظهرت نجاحات عدها المؤمنون فضائل ربانية تدل على توفيق الله لهذا النظام , فكان المهاجري يسعى بجهده ألا يكلف أخاه فوق طاقته , فيعمل بكد وتعب وجد واجتهاد , كي لا يكون عالة على أخيه , وكان الأنصاري يسعى بكل جهده أن يحسن ضيافة أخيه , ويكرمه حتى ولو على حساب نفسه .
لقد قامت حضارة الإسلام على جيل مثل هذا الجيل , الذي رفض الكسل والعجز , ورفض التبعية والتطفل والإحسان , وأقسم على الإيجابية في الفعل والأثر .
وزاد عدد المهاجرين على عدد المؤمنين من أهل المدينة ( الأنصار ) فأكمل صلى الله عليه وسلم المؤاخاة بمؤاخاة المهاجرين مع بعضهم البعض , فيقول انس بن مالك ” أنرسول الله صلى الله عليه وسلمآخىبينأبيعبيدةبن الجراح وبين طلحة “[2] وكلاهما مهاجري .
وأدى هذا النظام الى تماسك المجتمع الإسلامي أمام كل الهجمات التي شنت عليهم وأرادت تفريق شملهم وتشتيت قوتهم وعلم المؤمنون أن أهم قوة يتطلبها المجتمع المؤمن بعد قوة الإيمان هي قوة الوحدة والإخاء .
* وعي الرسول صل الله عليه وسلم في مخاطبة الملوك والزعماء
بعد ست سنوات فقط من هجرته سرا متخفيا من أعدائه , يحدث ما يشبه المعجزة بكل المقاييس , فيرسل محمد r إلى الملوك والرؤساء في العالم من حوله داعيا إياهم إلى الإسلام , ولكنه تخير أولا من يرسل له , فاختار النصارى , لأنهم أهل كتاب , يؤمنون بالله واصل دينهم الحق يتفق مع الإسلام , ولهذا من الممكن أن ينطلق من أرضية واحدة مشتركة وهي عبادة الإله الواحد , فأرسل إلى النجاشي رسالة قال فيها : ( من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسي بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسي من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعو إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله ، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبل نصيحتى، والسلام على من اتبع الهدى )[6]
فكتب إليه النجاشي بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا اله الا هو أما بعد فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا ( الغشاء بين النواة والتمرة ) انه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به الينا وقد قرينا ابن عمك وأصحابه , فاشهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين ” [7]
وكتــب إلى جُرَيْج بـن مَتَّي الملقب بالمُقَوْقِس ملك مصر والإسكندرية:
(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})
واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بَلْتَعَة. فلما دخل حاطب على المقوقس قال له: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك , فقال المقوقس: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه , فقال حاطب: ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به الله فَقْدَ ما سِواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسي بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به , فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه , ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء , والإخبار بالنجوى، وسأنظر , وأخذ كتاب النبي r فجعله في حُقِّ من عاج ، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية ، فكتب إلى رسول الله r :
(بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك)[8]
رسالته إلى ملك الروم هرقل : (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدي، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}) [آل عمران:64].
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[أما بعد، يا رسول الله، فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى في ذلك أمرك].
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية).
وكتب إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني صاحب دمشق: (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقي لك ملكك).
وبتتبعنا لتلك الرسائل نلحظ وعيا بالغا عند محمدr في معرفته بطرق خطاب الملوك وبما يناسبهم ويؤثر فيهم , كما نلاحظ أنه يحدثهم من منطلق كونه نبيا يعرض عليهم الإسلام أولا لأنها المهمة والغاية الأولى له , كما نلاحظ انه يعرض عليهم الاتفاق أولا على العقيدة أن ” لا اله الا الله ” , وهو في رسائله كلها لا يطلب منهم شيئا من الدنيا ولا الملك ولا الاستضافة عندهم , ولا أية منفعة خاصة , بل يفتح لهم أبواب الآخرة ثم يبين لهم مدى تسامح رسالته التي جاء بها فيطلب منهم – إن لم يسلموا ألا يحولوا بين شعوبهم وبين الإسلام – , لقد فاجأهم بأسلوبه الذي ما اعتادوه من العرب , أسلوب تملؤه العزة والأنفة وتملؤه الثقة في النصر والظهور , وقد غلفه بكل ذوق وأدب وتقدير إنساني , وأكد عليهم أنه حلقة تكمل حلقتي موسى وعيسى عليهما السلام اللهم احفظ مصر واجعلها في امانك واحسانك
اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا
ومن كل ضيق مخرجا
ومن كل بلاء عافيه
اللهم انت ملاذنا وانت عياذنا
وعليك اتكالنا اللهم احفظ مصر من كل سوء ومكروه وفتنه
يا كريم يا كريم يا رحيم
اللهم احفظ امننا ووحدتنا واستقرارنا
اللهم اكشف الغمه
اللهم اكشف الغمه
اللهم اكشف الغمه
اللهم اجعل مصر آمنه مطمئنه ساكنة مستقره
محفوظة مصونه اللهم آمين . والحمد لله رب العالمين