خطبة بعنوان ( لغة القرآن والحفاظ على الهوية) للشيخ ابراهيم مراسى بركات

خطبة الجمعة القادمة (٦ من ديسمبر ٢٠٢٤م – ٤ من جمادى الآخرة ١٤٤٦هـ)،

بعنوان: “لغة القرآن والحفاظ على الهوية”،

.الحمد لله نحمده، و.نستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

ورد في فضل العربية وتفضيلها على سائر اللغات روايات وآثار كثيرة، منها أن العربية لغة أهل الجنة، وأنها لغة آدم ولغة غيره من الأنبياء، وأن الله أوحى اللغة العربية لأنبيائه وحياً، بدءاً بأبي الأنبياء آدم عليه السلام وانتهاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الناطق بهذه اللغة، وغير ذلك من الروايات التي تداولتها كتب اللغة

أيها الإخوة: من عناية أعلام الأمة باللغة العربية قول سيدنا عمر: “تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة. وتعلموا العربية فإنها من الدين”، هذا من الخلفاء الراشدين: “فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ”. أبو داود عن العرباض بن سارية.

يقول سيدنا عمر: “تعلموا العربية فإنها من الدين”. شعبة يقول: “تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل”، عبد الملك بن مروان يقول: “أصلحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته”.

وقال ابن فارس في قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ): فقدم الله -عز وجل- ذكر البيان على جميع ما توحد بخلقه، وتفرد بإنشائه، من شمس، وقمر، ونجم، وشجر، وغير ذَلِكَ من الخلائق المحْكمة: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1-3].

من فضل الله علينا أن الله علمنا البيان، فلمّا خص -جل ثناؤه- اللسانَ العربي بالبيانِ عُلم أن سائر اللغات قاصِرَةٌ عنه.

وقال الثعالبي: “من أحبّ الله أحبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب”.

وقال أحد العلماء: “إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغاً عنه الكتاب والحكمة بلسان عربي، ولم يكن من سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، فصارت معرفته من الدين”، كما قال عمر -عملاق الإسلام-: “تعلموا العربية فإنها من الدين”.

أيها الإخوة: إن تعلم اللغة العربية من الدين، أقصد بهذا أن تنتبهوا لأولادكم، بعض أتباع الديانات أينما ذهبت في أنحاء العالم تجد أولادهم يتقنون لغتهم إلا المسلمين، حينما أسافر وأجتمع مع أبنائهم لا بدّ من ترجمة فورية؛ لأن أبناء المسلمين في معظم المهاجر لا يتكلمون العربية، وهذا يضيع هويتهم، ويضيع انتماءهم لدينهم ولأمتهم، أنا لا أتكلم من فراغ، وأنا لا أقصد باللغة العربية اللغة العامية التي يتداولها الناس؛ أقصد باللغة العربية اللغة الصحيحة التي نزل بها القرآن الكريم.

تعلم اللغة العربية فرض واجب، الدليل: لأن فهم الكتاب والسنة فرض واجب، وما لا يفهم إلا بفهم اللغة ففهم اللغة فرض واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أوضح مثل الوضوء، الوضوء فرض مع أن الوضوء ليس صلاة، لكن الصلاة التي هي فرض لا تتم إلا بالوضوء، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا بها فهو سنة.

وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: “أما بعد: فتفقهوا في السنَّة، وتفقهوا في اللغة العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي”.

أيها الإخوة الكرام: الشاعر حافظ إبراهيم، شاعر كبير له قصيدة في اللغة العربية قال:

رجعت لنفسي فاتهمت حصـاتي *** وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رموني بعقـم في الشبـاب وليتني *** عقمت فلم أجزع لقول عداتي

وسعـت كتـاب الله لفظًا وغاية *** وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيـق أسمـاء لمختـرعات

أنا البحـر في أحشائه الدر كامن *** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي أيُّها المُؤمنونَ: لكلِّ أُمَّةٍ شِعَارٌ, وقَد أَنعَمَ اللهُ -تَعالى- على أُمَّةِ العَرَبِ بِأفْصَحِ لِسانٍ، وأَقوى بَيَانٍ، ثُمَّ كانَ تَاجُها وفَخَارُها مَنْ أوتِيَ جَوَامِعِ الكَلِمِ القائِلِ: “إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا”، فلقد مَنَّ اللهُ تعالى علينا بأَفضَلِ لُغةٍ في الأكوانِ إنَّها لُغةُ القرآنِ الكَريمِ فهيَ أَسَاسُ الُّلغَةِ وَتَاجُها وشِعَارُها.

وإذا طلبتَ من العلومِ أجلَّها*** فأجلُّها منها مُقيمُ الأَلْسُنِ

الُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: زَهرةُ التَّأريخِ، وَشَهَادَةُ الأَجيَالِ، وَالمَنهَلُ العذبُ، والبيانُ السَّاحِرُ, ومِفتَاحُ الحقِّ المُبينِ.

لغةٌ إذا وقعَت على أسمَاعِنا *** كانت لَنا بَرْدًا على الأَكبَادِ

سَتَظَـلُّ رَابِطَةً تُؤلِّفُ بَينَنَا *** فهيَ الرَّجاءُ لِناطقٍ بالضَّـادِ

الُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: حَامِلةُ رِسَالِةِ الإسلامِ، وأدَاةُ تَبليغِ الوَحيَينِ, مَحفُوظَةٌ بِحفظِ القُرآنِ الكَريمِ، واللهُ تعالى قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)[الحجر: 9]، هي لُغَةُ الإعجَازِ الإِلَهيِّ والإبْدَاعِ الأَدَبِي. والعَرَبُ عامَّةً وقُريشٌ خاصَّةً تَعرِفُ قِيمَةَ الُّلغةِ ومَدْلُولاتِها ومآلاتِها.

ولَمَّا ضَاقتْ قُريشٌ بالقُرانِ الكريمِ وبأُسلُوبِهِ وبَيَانِه ذْرعاً, طَلَبَت من الوليدِ ابنِ المُغيرةِ أنْ يَقولَ في القُرآنِ قَولًا يَبْلُغُ قَومَهُ أنَّهُ كَارِهٌ لَهُ، ومُنكِرٌ لهُ! فقَالَ الوليدُ: وَمَاذَا أَقُولُ فَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاَهُ, مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ!

حظيت اللغة العربية بشرفٍ عظيمٍ؛ إذ تنزَّل بها الكتاب الكريم، كتاب رب العالمين، على الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أفصح البشر لساناً، فزاد من شرف اللغة العربية أنها كانت لغته صلى الله عليه وسلم التي مكَّنه الله – عز وجل – منها أيما تمكُّن، وكان صحابته الكرام وسلف الأمة – رضوان الله عليهم – على النهج ذاته في العناية باللغة العربية تكريماً وعناية وتشريفاً.

فضل اللغة العربية في القرآن الكريم:

وعندما نتأمل عناية القرآن الكريم باللغة العربية نجد عدة آيات تنص على نزول القرآن عربياً، وهو شرفٌ أي شرفٍ لهذه اللغة، أن تكون اللغة التي اصطفاها الله – عز وجل – لمخاطبة عبادة، حيث وُصف القرآن بكونه عربياً في ست آيات، وهي قوله تعالى:

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ1إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ١، ٢].

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] .

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 27 قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 27، 28]

{حم» 1 تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: ١ – ٣].

{حـم» 1 وَالْكِتَابِ الْـمُبِينِ 2 إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 3 وَإنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: ١ – ٤].

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْـجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْـجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: ٧].

كما جاء وصفه باللسان العربي في ثلاث آيات، وهي قوله تعالى:

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْـحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ 102 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 102، 103].

{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12].

{وَإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْـمُنذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ 195وَإنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ 196 أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ 197 وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ 198 فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 192 – 199]

وجاء تفصيل كونه عربياً وليس أعجمياً في آية واحدة، وهي قوله تعالى:

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤].

وجاء وصفه بالحكم العربي في آية واحدة، وهي قوله تعالى:

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: 37].

والحاصل من ذلك أن مجموع ما ورد من ألفاظ العربية في وصف القرآن إحدى عشر آية تدل على شرف اللغة العربية، دلالة لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد.

قال الفراء: «وجدنا للغة العرب فضلاً على لغة جميع الأمم اختصاصاً مـن الله تعالى وكرامة أكرمهم بها، ومن خصائصها أنه يوجد فيها من الإيجاز ما لا يوجد في غيرها من اللغات»[1].

ولفظة عربي ما جاءت في هذه الأيات الكريمات صفة لجنس من البشر، وإنما للكتاب المنزل من الله تعالى، وهذا له بُعدُه ودلالته؛ «فعربية القرآن إنما هي عربية منهج إبانة، ولذا كثر في هذه الأيات قوله لعلكم تعقلون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون، وهذا كله إنما يكون من منهاج الإبانة على معانيه ومقاصده ومغازيه»[2].

ودلالته أن العربية لغة تفوق غيرها من اللغات في الفصاحة والبيان، قال السعدي: «يخبر تعالى أن آيات القرآن هي {آيَاتُ الْكِتَابِ الْـمُبِينِ} [الشعراء: ٢] أي: البيِّن الواضحة ألفاظه ومعانيه. ومن بيانه وإيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، وأبينها»[3].

وقال ابن كثير معللاً اختيار العربية لغة للقرآن الكريم: «وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات»[4].

كما أن «اختيار الله للعربية، أو اللسان العربي، ليكون أداة التوصيل، ووسيلة الإبانة، ووعاء التفكير للرسالة الخاتمة الخالدة… قضية ذات أبعاد لغوية، وثقافية، وعلمية، وحضارية، حيث لم يعد ينكر اليوم، علاقة التعبير بالتفكير، ودور التعبير في التفكير والإبداع الأدبي والعلمي، والمحاكمات العقلية… لذلك فمجرد اختيار العربية لتكون لغة التنزيل والإبانة والتوصيل… يعني امتلاكها هـذه الأبعاد جميعاً»[5].

ولذا فإن التبحر في هذه اللغة هو السبيل لإدراك معاني الكتاب، وهو شرف كبير لهذه اللغة أن جعلها الله – عز وجل – مفتاح الوصول لمعاني الكتاب العزيز ومراميه، قال الفارابي: «القرآن كلام الله وتنزيله، فَصَّل فيه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، مما يأتون ويَذَرُون، ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحر في علم هذه اللغة»[6].

بل هـي السبيل لضبط الدين بالكليـة كما قـال ابن تيمية: «إنَّ الله لما أنزل كتابَه باللسان العربي، وجعل رسولَه مبلِّغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السَّابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّينِ ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدِّين، وأقرب إلى إقامةِ شعائر الدين[7].

فضل اللغة العربية في السنة النبوية:

وكما أن للغة العربية تلك المنزلة الرفيعة في القرآن الكريم، فإن منزلتها في السنة النبوية، لا تقل عن ذلك بحال، وليس أصدق على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وسمته وهديه في العناية بهذه اللغة.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودِّع فقال: أنا محمد النبي الأمي (قاله ثلاث مرات) ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه»[8].

وقريباً منه ما جاء عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُعطِيتُ فَواتِحَ الكَلِمِ وخَواتِمَه. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْنا مما عَلَّمَك اللهُ عز وجل، فعَلَّمَنا التشَهُّدَ»[9].

فقد أعطي صلى الله عليه وسلم «فواتح الكلم» «أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره… (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعاً كالقرآن في كونه جامعاً فإنه خلقه، (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه»[10].

ولفظة «أعطيت» توحي بأن الله عز وجل منحه وميزه صلى الله عليه وسلم بهذه المزية، ولن يختار الله سبحانه وتعالى لنبيه إلا الكمال والعلو الذي تمثل في إحاطته التامة باللغة العربية وحسن فصاحته وبيانه.

قال القاضي عياض: «وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل؛ سلاسةَ طبع وبراعةَ منزع وإيجازَ مقطع ونصاعةَ لفظ وجزالةَ قول وصحةَ معانٍ وقلةَ تكلُّف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها»[11].

وقال الرافعي واصفاً بلاغته صلى الله عليه وسلم : «إذا نظرت في ما صح نقله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الصناعتين اللغوية والبيانية، رأيته في الأولى مُسددَ اللفظ مُحكم الوضع جزل التركيب متناسِب الأجزاء في تأليف الكلمات… ورأيته في الثانية حسن المعرِض، بيِّن الجملة، واضحَ التفضيل، ظاهِرَ الحدود جيدَ الرصفِ، متمكن المعنى؛ واسع الحيلة في تصريفه، بديعَ الإشارة، غريب اللمحة، ناصع البيان»[12].

لذا فإن فهم السنة النبوية وإدرك كنهها ومراميها يحتاج – كما أسلفنا القول في القرآن – إلى تبحر وسعة علم باللغة العربية، وهو شرف وتكريم يضاف إلى ما سبق من تكريم وتشريف لهذه اللغة.

قال: الأصمعي «إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)[13]؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه»[14].

فضل اللغة العربية في آثار السلف:

ولهذا الفضل والتكريم الذي حظيت به اللغة العربية في القرآن والسنة عني الصحابة – رضي الله عنهم – والسَّلفُ من بعدهم بعلومِ اللغة العربية، وحثُّوا على تعلُّمِها، لفضلها وعلوِّ منزلتها، قال ابن تيمية: «وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو (التكلم بغير العربية) إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه»[15].

ومن الآثار الواردة في عناية الصحابة باللغة العربية ما جاء عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ»[16].

وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأشعري: «أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِـي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُــوا الْقُـــرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌ»[17].

ومن فقه السلف أنهم كانـوا يرون اللغة العربية من الدين، «فقد كان أبو عمرو بن العلاء يَعُدُّ العربية من الدين لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك فقال: صدق»[18].

كما كانوا يرونها تؤثر تاثيراً بالغاً في العقل والخلق، قال ابن تيمية: «اعتياد اللغة يؤثِّر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بَيِّناً، ويؤثِّر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسنة فرض، ولا يُفْهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب»[19].

ومنعوا غير العالم بالعربية المتقن لها من القول في الشريعة، قال الشاطبي: «فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولاً وفروعاً… أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربياً أو كالعربي في كونه عارفاً بلسان العرب، بالغاً فيه مبالغ العرب»[20].

ومن فقههم ورؤيتهم لمنزلة اللغة العربية وفضلها أن جعلوا كل العلوم مفتقراً إليها، قال ياقوت الحموي: «وحسبك من شرف هذا العلم أن كل علم على الإطلاق مفتقر إلى معرفته، محتاج إلى استعماله في محاورته، وصاحبه فغير مفتقر إلى غيره، وغير محتاج إلى الاعتضاد والاعتماد على سواه، فإن العلم إنما هو باللسان، فإذا كان اللسان معوجّاً متى يستقيم ما هو به؟»[21].

كما كان السلف – رضوان الله عليهم – يرون في اللغة العربية سبيلاً لرفعة الشأن وعلو المنزلة، وأن الجهل بها يحط من قدر الإنسان، قال ابن شبرمة: «إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيراً، أو يصغر في عينك من كان فيها كبيراً، فتعلم العربية فإنها تجـرئك على المنطق وتدنيك من السلطان قال الشاعر:

اللحن يُصلح من لسان الألكن

والمرء تعظِّمه إذا لم يلحن

ولحن الشريف محطة من قدره

فتراه يسقط من لحان الأعين

وترى الدني إذا تكلم معرباً

حاز النهاية باللسان المعلن

وإذا طلبت من العلوم أجلَّها

فأجلُّها منها مقيم الألسن[22]

أما كيف أثَّرت اللغة العربية في حياة السلف، فيقول الرافعي: «إذا اعتبرنا لغتهم رأينا حقيقة التمدن فيها متمثلة، وشروطه في مجموعها متحققة؛ فهي منهم بحر الحياة الذي انصبت فيه جميع العناصر… وكأنها هي التي كانت تهذب نفوسهم وتزنها، وتعدلها وتخلصها برقة أوضاعها وسمو تراكيبها، حتى ينشأ ناشئهم في نفسه على ما يرى من أوضـاع الكمـال في لغته؛ لأنه يتلقنها اعتياداً من أبوية وقومه، ولهيَ أقوم على تثقيفهم من المؤدب بأدبه، والمعلم بعلمه وكتبه؛ لأنها حركات نفسية على مدارها انجذاب الطبع فيهم» قال الرافعي: «إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت، لأنها أعدت من الأزل فَلكاً دائِراً للنيِّرين الأرضيين العظيمين (كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم )، ومِن ثَمَّ كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر»[24].

أيها الإخوة الكرام: “تعلموا العربية فإنها من الدين”، النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع أعرابياً يلحن في كلامه فقال: أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل أي أخطأ: “أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش”. أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري.

قصه

كان الأصمعي من ألمع فحول اللغة العربية ، وكان الناس إذا استشكل عليهم شيء يقولون قل يا أصمعي .. فقوله هو الفصل .. وكان آية من آيات اللغة العربية ، ورغم أنه كان معتزلي العقيدة ؛ إلا انه كان من جهابذة اللغة وكان يحضر حلقات درسه أناس كثيرون ، وفى كل مرة كان يضرب الأمثال سواء من الشعر أو النثر أو القران أو الأحاديث النبوية ،فى ذات يوم وهو يدرس ضرب مثلا من القران الكريم فقال ، قال الله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله و الله غفور رحيم .. ) فقام رجل من الأعراب كان يحضر هذا الدرس وقال: يا أصمعي كلام من هذا الذي قلت قبل قليل فقال: هذا كلام الله ، فقال الأعرابي: حاشى لله أن يقول مثل هذا الكلام .. فاستغرب الأصمعي من كلامه واستغرب الناس !! وقال الأصمعي ، يا رجل هل تحفظ أنت القران ، فقال: لا ، قال: هل تحفظ سورة المائدة التي بها هذه الآية , فقال: لا .. فقال الأصمعي: ويحك كيف تتجرأ على الله ، فقال الأعرابي: أنت قلت أن السارق والسارقة أقطعوا أيديهما جزاءا .. وقلت نكالا من الله ، فهذا الموقف الإلهي موقف عزة وحكمة وليس موقف مغفرة ورحمة ، فقال الأصمعي: ائتوني مصحفا ، ففتح على سورة المائدة وأخذ يقرأ وإذا به أخطأ فالآية ختمت ( والله عزيز حكيم ) وليس ( والله غفور رحيم ) فابتسم الأصمعي وقال والله إنا لنجهل لغة العرب

قصة الفارسي الذي يتكلم العربية

كان هناك رجلاُ من فارس يجيد اللغة العربية بطلاقة حتى أن العرب عندما يكلمهم يسألونه من أي قبائل العرب أنت فيضحك

و يقول : أنا فارسي وأجيد العربية أكثر من العرب …

فذات يوم وكعادته وجد مجلس قوم من العرب فجلس عندهم وتكلم معهم :

و سألوه : من أي قبائل العرب أنت ؟!!

فضحك و قال : أنا من فارس وأجيد العربية خيراً منكم

فقام أحد الجلوس وقال له :

اذهب الى فلان بن فلان رجل من الأعراب وكلمه فإن لم يعرف أنك من العجم فقد نجحت وغلبتنا كما زعمت …

و كان ذلك الأعرابي ذا فراسة شديدة …

فذهب الفارسي إلى بيت الأعرابي و طرق الباب فإذا ابنة الأعرابي وراء الباب ..

تقول : من بالباب ؟!!

فرد الفارسي : أنا رجل من العرب وأريد أباك

فقالت : أبي ذهب الى الفيافي فإذا فاء الفي أفى ..

(( و هي تعني أن أباها ذهب إلى الصحراء فإذا حل الظلام أتى .. ))

فقال لها : إلى أين ذهب ؟!!!!

فردت عليه : … أبي فاء الى الفيافي فإذا فاء الفي أفا ,,

فأخذ الفارسي يراجع الطفلة ويسأل و هي تجيب من وراء الباب حتى سألتها أمها… يا ابنتي من بالباب فردت الطفلة ,,,,

أعجمي على الباب يا أمي !

(( فكيف لو قابل أباها

اللهم احفظ مصر واجعلها في امانك واحسانك

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا

ومن كل ضيق مخرجا

ومن كل بلاء عافيه

اللهم انت ملاذنا وانت عياذنا

وعليك اتكالنا اللهم احفظ مصر من كل سوء ومكروه وفتنه

يا كريم يا كريم يا رحيم

اللهم احفظ امننا ووحدتنا واستقرارنا

اللهم اكشف الغمه

اللهم اكشف الغمه

اللهم اكشف الغمه

اللهم اجعل مصر آمنه مطمئنه ساكنة مستقره

محفوظة مصونه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.