خطبة بعنوان « الحياء في حياة الأنبياءِ والمُرسَلين عليهم السَّلامُ والصحابة الكرام » للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة2 بتاريخ 29 نوفمبر 2024 م ،

الموافق 27 جماد أول 1446ه-
تحت عنوان « الحياء في حياة الأنبياءِ والمُرسَلين عليهم السَّلامُ والصحابة الكرام » للشيخ ثروت سويف

اقرأ في هذه الخطبة
أولاً: الحياء في حياة الأنبياءِ والمُرسَلين عليهم السَّلامُ
ثانياً : نماذِجُ من الحَياءِ في الأُمَمِ السَّابقةِ
ثالثا : الحَياءِ عندَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم والصالحين
رابعاً : أقوال ومواقف في الحياء
الخطبة الأولي
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، المنتقم الجبار، مكور النهار على الليل ومكور الليل على النهار، نحمده سبحانه وتعالى، كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً، حمداً نكون به من الشاكرين الذاكرين، فهو سبحانه وتعالى أهل الحمد والثناء، فله الحمد في الأولى وفي الآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغواية، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده فجزاه الله خير ما جازى به نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم لاتباع سنته وحشرنا يوم القيامة في زمرته.
أما بعد
فإن الحياء خلق إسلامي رفيع، يحمل صاحبه على تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيده إلى فعل المحاسن والفضائل . ويكفي لمعرفة منـزلة هذا الخلق ومكانته في الإسلام، أن نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه البخاري و مسلم
أولاً – الحياء في حياة الأنبياءِ والمُرسَلين عليهم السَّلامُ
حَياءُ أبينا آدَمَ وأمِّنا حوَّاءَ
إنَّ الحَياءَ خاصيَّةٌ من الخصائِصِ التي حبا اللهُ بها الإنسانَ؛ ليبتَعِدَ عن مزاولةِ الذُّنوبِ والمعاصي والشَّهَواتِ، وحينما أكَل آدَمُ وحوَّاءُ من الشَّجَرةِ التي نهاهما اللهُ عن الأكلِ منها، بدت لهما سوآتِهم فأسرعا يلصقان من ورق شجر الجنة على عورَتَيهما حينما ظهرت بسبب المعصية قال تعالي ﴿فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ ۝22 ﴾ الأعراف
وهذا يدل على أن الإنسان مفطور على الحياء، وأما قلة الحياء فهي منافية للفطرة، بل من اتباع الشيطان
عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق ستين ذراعا كثير الشعر موارى العورة فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته فخرج من الجنة فلقيته شجرة فأخذت بناصيته فناداه ربه أفرارا مني يا آدم قال بل حياء منك والله يا رب مما جئت به .
حَياءُ نبيِّ اللهِ موسى عليه السَّلامُ
جاء في وَصفِ موسى عليه السَّلامُ أنَّه كان كثيرَ الحَياءِ، من شأنِه وإرادتِه حُبُّ السَّترِ والصَّونِ، حتى قال بعضُ بني إسرائيلَ: ما يبالِغُ في سَترِ نَفسِه إلَّا من عيبٍ في جِسمِه أو من أدرة (الأدرة: هي انتفاخ في الخصي بسبب فتق) هو مصاب بها فبرأه الله بمعجزة سريان الحجر بملابسه حتى رأته بنوا اسرائيل

روي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ‌مُوسَى ‌كانَ ‌رَجُلًا ‌حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْياءً مِنْهُ، فَآذاهُ مَنْ آذاهُ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، فَقالُوا: ما يَسْتَتِرُ هَذا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٍ، وَإِمَّا أَدرَةٍ، وَإِمَّا آفَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قالُوا لِمُوسَى، فَخَلا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيابَهُ عَلَى الْحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيابِهِ لِيَأخُذَها، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيانًا أَحْسَنَ ما خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصاهُ، فَواللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]». مُتَّفق عَلَيْهِ
حَياءُ يوسُفَ عليه السَّلامُ
وهو من الأمثلةِ القُرآنيَّةِ الفريدةِ التي تُبَيِّنُ كيف يكونُ حَياءُ الإنسانِ من رَبِّه في سِرِّه وعلانيَتِه فعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “الكريمُ ابنُ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ: يوسُفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم” قال تعالي ﴿وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِی هُوَ فِی بَیۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَیۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّیۤ أَحۡسَنَ مَثۡوَایَۖ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۝23 ﴾ يوسف
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ}. يقولُ جلَّ ثناؤُه: قال يوسُفُ إذ دَعَتْه المرأةُ إلى نفسِها، وقالت له: ( وَقَالَتۡ هَیۡتَ )هلمَّ إلى: وقالت له: يا يوسُفُ، ما أَحْسَنَ شَعَرَك! قال: هو أولُ ما يَنْتَثِرُ من جسدى. قالت: يا يوسُفُ، ما أحْسَنَ وجهَك! قال: هو للترابِ يَأْكُلُه. فلم تَزَلْ حتى أَطْمَعَتْه، فهمَّت به فقال معاذ الله أعْتَصِمُ باللهِ مِن الذي تدعُونِي إليه، وأَسْتَجِيرُ به منه والوذ بجناب الله فاستحي ان يراني أعصيه
قال القاسِمُ بنُ أبي بزَّةَ: قام استِحياءً من اللهِ تعالى ذِكْرُه
الحياء عند نبي الله أيوب
روي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “‌بَيْنَا ‌أَيُّوبُ ‌يَغْتَسِلُ ‌عُرْيَانًا، ‌فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ” فهذا من حياءه من ربه
الحياء في حياة سيد الانبياء
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، إذ كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرف الصحابة ذلك في وجهه وهو القائل (إنّ لكلّ دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ) ابن ماجه من طريق ابن عباس- رضي الله عنهما
كيف لا وهو القائل فيما اخرج الامام احمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: ” اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ عز وجل ‌حَقَّ ‌الْحَيَاءِ “، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحِيِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: ” لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَى مِنَ اللهِ ‌حَقَّ ‌الْحَيَاءِ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ، تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللهِ عز وجل ‌حَقَّ ‌الْحَيَاءِ ” مسند احمد
فمن حيائه أن امرأة أتت تسأله عن الغسل، فقال: اغتسلي لكذا وكذا، وضعي فرصة من المسك، فقالت: كيف أتطهر؟ فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على وجهه، وعلمت السيدة عائشة، فجذبت المرأة ثم جعلت تعلمها كيفية الغسل وكيفية الطهارة.

وأما حياؤه من ربه فقد ورد في حديث مالك بن صعصعة لما قال له موسى: ( فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي ‌حَتَّى ‌اسْتَحْيَيْتُ ) المصنف
ومن صور حيائه ما جاء في سنن الدارمي ، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييًا، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه ) وهذا من طبع الحيي أنه لا يرد سائله، ولا يخيب طالبه وقاصده .
ولم تكن صفة الحياء عنده صلى الله عليه وسلم صفة طارئة، بل كانت صفة ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل؛ وقد روى لنا القاضي عياض في صفة مجلسه صلى الله عليه وسلم، فقال: ( مجلسه مجلس حلم وحياء ) فما ظنك بمن كانت مجالسه، مجالس تسود فيها صفات الحلم والحياء ؟!
ثانيا : الحَياءِ في الأُمَمِ السَّابقةِ
. وحياء ابنة الرجل الصالح شعيباً، حين جاءت إلى موسى عليه السلام تدعوه إلى أبيها ليجزيه على صنيعه، فجاءت إليه تمشي على استحياء، فمن شدة حيائها، قد فاض حياؤها حتى ملأ الأرض حياء قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25] يعني: كأن الأرض زرعت حياءً وهي تمشي عليه.
وقالت هذه المرأة الصالحة لأبيها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص:26]، وهي تريد أن تطلبه لنفسها، ولكنها تستحيي من والدها
وقال عمر رضي الله عنه: (فأقبلت إليه ليست بسلفع من النساء لا خراجة ولا ولاجة، واضعة، ثوبها على وجهها) رواه ابن أبي شيبة في المصنف
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء أن يحققن الطريق) أي: لا يَكُنَّ في وَسَطِه
حَياءُ العَرَبِ في الجاهِليَّةِ
كان أهلُ الجاهليَّةِ يتحَرَّجون من بعضِ القبائحِ بدافِعِ الحَياءِ، فها هو هِرَقلُ يسألُ أبا سفيانَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيقولُ أبو سفيانَ: (فواللهِ لولا الحَياءُ من أن يَأثُروا علَيَّ كَذِبًا لكذَبْتُ عنه فمنَعَه الحَياءُ من الافتراءِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لئلَّا يوصَفَ بالكَذِبِ، ويُشاعَ عنه ذلك
قال عَنترةُ
وأغُضُّ طَرْفي إن بدَتْ لي جارتي حتَّى يواريَ جارتي مأواها
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ: ( مَا أَنْصَفَنِي عَبْدِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَحْيِي أَنْ أَرُدَّهُ. وَيَعْصِينِي وَلَا يَسْتَحْيِي مِنِّي ) مدارج السالكين
وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خُلُقُ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ حَتَّى فِي حَالِ طَاعَتِهِ. فَقَلْبُهُ مُطْرَقٌ بَيْنَ يَدَيْهِ إِطْرَاقَ مُسْتَحٍ خَجِلٍ: فَإِنَّهُ إِذَا وَاقَعَ ذَنْبًا اسْتَحْيَا اللَّهُ عز وجل مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ. فَيَسْتَحْيِي أَنْ يَرَى مِنْ وَلِيِّهِ وَمَنْ يُكْرَمُ عَلَيْهِ: مَا يَشِينُهُ عِنْدَهُ. وَفِي الشَّاهِدِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ. فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى أَخَصِّ النَّاسِ بِهِ، وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ، وَأَقْرَبِهِمْ مِنْهُ – مِنْ صَاحِبٍ، أَوْ وَلَدٍ، أَوْ مَنْ يُحِبُّهُ – وَهُوَ يَخُونُهُ. فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنْ ذَلِكَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ حَيَاءٌ عَجِيبٌ. حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي. وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ مُطِيعًا اسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَهُوَ مُذْنِبٌ.
وعن أبي مسعود (وهو البدريّ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) البخاري
الحَياءِ عندَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم

لقد كان الصحابة، الكرام اصحاب حياء حتى انهم جاء أحدهم إلى مجلسٍ ممتلئ، فوجد فرجة فجلس والثاني جلس خلفهم استحيا فاستحيا الله منه وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيتٍ مظلم تجاذب وحنا ظهره، يمشي منحني الظهر حتى يأخذ ثوبه، مع أنه ليس حوله أحد، ولا ينتصب قائماً حياءً.
وعن أنس قال: كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إذا نام لبس ثياباً عند النوم، مخافة أن تنكشف عورته
هكذا كان الصحابة، حتي أنهم جاء أحدهم إلى مجلسٍ ممتلئ، فوجد فرجة فجلس والثاني جلس خلفهم استحيا فاستحيا الله منه ان تعلموا الحياء من معلم البشرية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حياء ابي بكر الصديق ……….
خطب الصديق في المسلمين فقال: (أيها الناس،استحيوا من الله؟ فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط، إلا وأنا مُقنِّع راسي حياءً من الله عز وجل) (كتاب الزهد لـ أحمد:)).
وقال: (من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقى )
حَياءُ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه
وعثمان رضي الله عنه أشد الأمة حياءً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: (الحياء ملءٌ من الإيمان، وأحيا أمتي عثمان ) أشدها حياءً عثمان رضي الله عنه، أمير البررة وقتيل الفجرة، ذو النورين عثمان رضي الله عنه،
روي البخاري في الأدب المفرد عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَأَذِنَ لَهُ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَذِنَ لَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَوَّى ثِيَابَهُ – قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ – فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهَشَّ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهَشَّ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ قَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ ‌تَسْتَحِي ‌مِنْهُ ‌الْمَلَائِكَةُ؟
حَياءُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه
روي ابو داود في مسنده عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: ( كُنْتُ ‌رَجُلًا ‌مَذَّاءً وَكَانَ عِنْدِي بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرْتُ رَجُلًا فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ فَتَوَضَّأْ وَاغْسِلْهُ )
حَياءُ فاطمةَ بنتِ عُتبةَ رَضِيَ اللهُ عنها
روي الامام أحمد عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ لِتُبَايِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ عَلَيْهَا أَلَّا تُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، الْآيَةَ، فَوَضَعَتْ يَدَهَا ‌عَلَى ‌رَأْسِهَا ‌حَيَاءً، فَأَعْجَبَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا رَأَى مِنْهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَقِرِّي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، فَوَاللَّهِ مَا بَايَعْنَا إِلَّا عَلَى هَذَا، قَالَتْ: فَنَعَمْ إِذَنْ، فَبَايَعَهَا بِالْآيَةِ
حَياءُ فاطمةَ رَضِيَ اللهُ عنها بنتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
لقد استحيت ان يحملها الرجال وهى ميته وكان النعش لم يصنع بعد عن كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ قَالَ: ” ‌كَمِدَتْ ‌فَاطِمَةُ رضي الله عنها بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا سَبْعِينَ بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ جَلَالَةِ جِسْمِي إِذَا أُخْرِجْتُ عَلَى الرِّجَالِ غَدًا – وَكَانُوا يَحْمِلُونَ الرِّجَالَ كَمَا يَحْمِلُونَ النِّسَاءَ – فَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، أَوْ أ ُمُّ سَلَمَةَ: إِنِّي رَأَيْتُ شَيْئًا يُصْنَعُ بِالْحَبَشَةِ، فَصَنَعَتِ النَّعْشَ، فَاتُّخِذَ بَعْدَ ذَلِكَ سُنَّةً . تاريخ المدينة لابن شبه

وجاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن تسأله خادماً، قال: ما أتى بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، ولم تخبره بما تريد حياءً، ولما كان اليوم القادم فعلت ما فعلت، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهي في مخدعها، فأدخلت نفسها في الغطاء حياءً من والدها
وأما حياء الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما فقالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي أبو بكر كنت أدخل واضعة ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما مات عمر ما كنت أدخل إلا في كامل ثوبي؛ حياءً من عمر، وهذا بعد موته
عباد الله البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به يكتال لك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فتوبوا إلي الله
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي غمر العباد بلطائفه وعمر قلوبهم بأنوار الدين ووظائفه التي تنزل عن عرش الجلال إلى السماء الدنيا من درجات الرحمة إحدى عواطفه فارق الملوك مع التفرد بالجلال والكبرياء بترغيب الخلق في السؤال
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكرم الأكرمين أغاث قلوب المؤمنين بالإيمان، فكان بها مثل السراج يُزهر، وكان كالبقلة يمدها بالماء الطيب، ونكس قلوب المنافقين
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على جميع المرسلين اللهم صلي على محمد نبيك المصطفى ووليك المجتبى وعلى آله وأصحابه مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى وسلم تسليماً
أما بعد
فإن ‌الحياء نظام الإيمان، فإذا نحل النظام ذهب ما فيه وهو لباس التقوى والوقار من الله، فمن رزقه الله الوقار فقد وسمه بسيماء الخير قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: من كساه الحياء ثوبه، خفي عن الناس عبيه اعلموا أن الحياء كله خير , ولا يأتي إلا بخير كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عِمْران بن حُصَيْن رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ « الحياءُ لا يَأْتي إلَّا بِخَيْرٍ » متفقٌ عَلَيْهِ
رابعاً : أقوال ومواقف في الحياء
فالحياء فرع من فروع الإيمان، وطريق من الطرق المؤدية إليه وإذا كانت منزلة الحياء في الإسلام على هذه الدرجة الرفيعة، فلا عجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس اتصافاً بهذا الخلق الرفيع، فقد كان أكثر الناس حياءً، وأشدهم تمسكًا والتزامًا بهذا الخلق الكريم
روي ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن عَفَّانُ بْنُ جُبَيْرٍ الطَّائِيُّ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى كَعْبٍ قَالَ: ( ‌لَمْ ‌يَكُنِ ‌الْحَيَاءُ فِي رَجُلٍ قَطُّ فَتَطْعَمَهُ النَّارُ أَبَدًا)
وَقَالَ السَّرِيُّ: إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْأُنْسَ يَطْرُقَانِ الْقَلْبَ. فَإِنْ وَجَدُوا فِيهِ الزُّهْدَ وَالْوَرَعَ وَإِلَّا رَحَلَا.
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ، رواه البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني يَقُولُ اللَّهُ عز وجل (( ابْنَ آدَمَ. إِنَّكَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنْسَيْتُ النَّاسَ عُيُوبَكَ. وَأَنْسَيْتُ بِقَاعَ الْأَرْضِ ذُنُوبَكَ. وَمَحَوْتُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ زَلَّاتِكَ. وَإِلَّا نَاقَشْتُكَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) والأثر أخرجه القشيري
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ رواه ابن أبي الدنيا عن مَالِك بْن دِينَارٍ، يَقُولُ: ” أَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام: يَا عِيسَى،‌‌ ‌عِظْ ‌نَفْسَكَ، فَإِنِ اتَّعَظْتَ فَعِظِ النَّاسَ، وَإِلَّا فَاسْتَحَي مِنِّي “) مدارج السالكين
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: خَمْسٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّقْوَةِ: الْقَسْوَةُ فِي الْقَلْبِ. وَجُمُودُ الْعَيْنِ. وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ. وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا. وَطُولُ الْأَمَلِ

) قال الجرَّاحُ الحكميُّ: (تركتُ الذُّنوبَ حَياءً أربعين سنةً، ثم أدَرَكني الوَرَع
وعن مولًى لعَمرِو بنِ عُتبةَ قال: (استيقَظْنا يومًا حارًّا في ساعةٍ حارَّةٍ فطلَبْنا عمرَو بنَ عُتبةَ، فوجَدْناه في جَبَلٍ وهو ساجِدٌ وغمامةٌ تُظِلُّه، وكنَّا نخرجُ إلى العَدُوِّ فلا نتحارَسُ لكثرةِ صلاتِه، ورأيتُه ليلةً يُصَلِّي فسَمِعْنا زئيرَ الأسَدِ فهَرَبْنا وهو قائِمٌ يُصَلِّي لم ينصَرِفْ! فقُلْنا له: أمَا خِفتَ الأسَدَ؟! فقال: إنِّي لأستحي من اللهِ أن أخافَ شيئًا سِواه )
يقول مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في كتابه: (هكذا علمتني الحياة) (إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله فإن لم ترعوِ فذكرها بالناس، فإن لم ترعوِ فاعلم أنك قد انقلبت حمارا )
قال أبو الحسن الماوردي في كتابه “أدب الدنيا والدين”: الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه، أحدها: حياؤه من الله تعالى. والثاني: حياؤه من الناس. والثالث: حياؤه من نفسه
وذُكر أن رجلا من جيران الإمام ابن حنبل رحمه الله وكان مقيما علي المعاصي فأتى أحمد وهو في مجلس علمه، وألقى عليه السلام، فلم يبش له الإمام ورد عليه منقبضاً، لأنه كان مشتهراً بالمعصية، فقال الرجل: يا أبا عبد الله لمَ ‌تنقبض ‌مني، فإني انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتُها، قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علُوً من الأرض، وناس كثير أسفلُ جلوس، فيقوم رجلٌ منهم إليه فيقول: ادع لي، فيدعو له، حتى لم يبق من القوم غيري فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت عليه، قال لي: يا فلان، لم لا تقوم إليّ فتسألني أدعو لك؟ قلت: يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه، فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحداً من أصحابي، فقمت فدعا لي، فانتهيت وقد بغض الله إليّ ما كنت عليه، فقال الإمام أحمد لمن في مجلسه حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع . التوابين لابن قدامة
قال عمر- رضي الله عنه: «من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه»
وقال ابن مسعود- رضي الله عنه من لا يستحيي من النّاس لا يستحيي من الله
وكان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: ‌صديقك ‌الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود من قولها، وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقاً غاضاً بصره. (إحياء علوم الدين)
روي عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً تَقُولُ
دَعَتْنِي النَّفْسُ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرٍو … إِلَى اللَّذَّاتِ تَطَّلِعُ اطِّلَاعَا
فَقُلْتُ لَهَا عَجَّلْتِ فَلَنْ تُطَاعِي … ‌وَلَوْ ‌طَالَتْ ‌إِقَامَتُهُ ‌رُبَاعَا
أحَاذرُ أَنْ أُطِيعَكِ سَبَّ نَفْسِي … وَمَخْزَاةً تُحَلِّلُنِي قِنَاعَا
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: «مَا الَّذِي مَنَعَكِ مِنْ ذَلِكَ؟» قَالَتِ: الْحَيَاءُ وَإِكْرَامُ رُوحِي فَقَالَ عُمَرُ: ( إِنَّ فِي الْحَيَاءِ لَهَنَاتٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ مَنِ اسْتَحْيَى اخْتَفَى وَمَنِ اخْتَفَى اتَّقَى وَمَنِ اتَّقَى وُقِيَ )
– ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزعُ؟ ومَنْ أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه ممَّا قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذَّنْبَ الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه (حلية الأولياء).

روي الترمذي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حقّ الحياء» . قال: قلنا: يا رسول الله إنّا نستحيي والحمد لله، قال: ( ليس ذاك، ولكنّ الاستحياء من الله حقّ الحياء: أن تحفظ الرّأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء) أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي
سئل الحسن البصري رحمه الله عن سر زهده في الدنيا فقال ( علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي، وعلمت أن الله مُطلع علي فاستحييت أن يراني عاصيًا، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء رب )
عباد الله : قد كان من قبل تمشي المرأة في الشارع وتعلم أن عمها -مثلاً- في نهاية الشارع، فتراها تضع الخمار على وجهها، ولكن بعد دخول التلفاز مات كل شيء، فما يفعل في المدن يفعل في القرى على قدر ما عند الناس من مال.
ومن العجيب أن الرجل يأتي بزوجته معه في حفل فيقولون: لن تكون رجلاً متحضراً إذا لم ترقص أنت وزوجتك أمام المدعوين.
فعلامة موت القلب والروح فقدان الحياء، أو قلة الحياء.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
فكيف وقد مات الحياء؟! فما بعد التلفاز إلا موت القلب، وذهاب الحياء، وضياع الأمة
ولما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العهد على النساء المسلمات من قريش قال: ولا تسرقن ولا تزنين، فجاءت هند بنت عتبة وقالت: أو تزني الحرة يا رسول الله؟! ووضعت فاطمة بنت عتبة يدها على رأسها حياءً، فقالت لها عائشة: أقري أيتها المرأة! فوالله ما بايعنا إلا على هذا.
يقول الله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]، لباس التقوى: هو الحياء كما قال علماء التفسير، والتبرج ثمرة المعصية، قال تعالى: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه:121]، فبدو عورة آدم وزوجه كان من ثمرات المعصية.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه، حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم ارزقنا الحياء، واسترنا بالعافية، واجعل تحت الستر ما تحب؛ فربما سترت على ما تكره، اللهم أنت أصلحت الصالحين فاجعلنا من الصالحين.
اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم وما أعطيتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب، اللهم أحيي قلوبنا بحبك.
ربنا اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أوابين منيبين، وتقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا.
عباد الله إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي أذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله والله يعلم ما تصنعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.