خطبة بعنوان ( الحياء خلق الأنبياء والأتقياء ) للدكتور محمد جاد قحيف

بقلم د/ محمد جاد قحيف

من علماء الأزهر والأوقاف

خطبة الجمعة القادمة..

الحمد لله خلق الخلق فأبدعه ، وسن الدين وشرعه ، وقدر الرزق ووسعه ، وأشهد أن لا إله إلا الله لا إله إلا هو ولا شريك معه ، سبحانه خالق كل شيء ، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علمًا، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو بكل لسان محمود..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود، صاحب الكرم والعطاء والجود، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله ، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد :

فمَا أَعْظَم دِّين الإسلام وَمَا أطيبه! مَا تَرَكَ خَيْرًا إِلاَّ حَثَّ عَلَيْهِ، وَلاَ شَرًّا إِلاَّ وَنَهَى عَنْهُ. وَمِنْ أَخْلاَقِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا، وَنَدَبَ إِلَيْهَا، وَنَهَى عَمَّا يُضَادُّهَا: خلق اَلْحَيَاءُ. الَّذِي عَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» رَوَاهُ الإمامان البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ،

والحَيَاءُ هُوَ أَسَاسُ مَكَارِمِ الأَخلَاقِ، وَمَنبَعُ كُلِّ فَضِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ القَولُ الطَّيِّبُ، وَالفِعلُ الحَسَنُ.

والحياء خلقٌ من أخلاق العظماء، وهو خُلق الإسلام الأول ؛ لذلك كان

الحَيَاءُ هُوَ مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا .

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ» .

وَمَعنَاهُ: أَنَّ كُلَّ دِينٍ لَهُ طَبعٌ وَسَجِيَّةٌ؛ وَإِنَّ طَبعَ هَذَا الدِّينِ، وَسَجِيَّتَهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ: الحَيَاءُ .

وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الإِسلَامِ حُسنُ الخُلُقِ ، والحياء خُلق يبعث على ترك القبيح، وعدم التقصير في حق الله، ومراقبته، وهو أن تخجل النفس من فعل كل ما يعيبها وينقص من قدرها ومروءتها، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغَّب فيها، وهو خُلق توارثته النبوات، وأمر به الأنبياء، ووصى به العظماء..

تَعرِيفُ الحَيَاءِ

• الحَيَاءُ معناه : خُلُقٌ يَكُفُّ العَبدَ عَنِ ارتِكَابِ القَبَائِحِ وَالرَّذَائِلِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى فِعلِ الجَمِيلِ، وَيَمنَعُهُ مِنَ التَّقصِيرِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الحَقِّ، وَهُوَ مِن أَعلَى مَوَاهِبِ اللَّهِ لِلعَبدِ.

«لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ المَعَاصِي، وَيَحُولُ بَيْنَ الـمَرْءِ وَالقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لَا يُنْتِجُ إِلَّا خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنَ ارْتِكَابِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ بِسَبٍّ وَشَتمٍ، فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الكَلَامِ المُحَرَّمِ، كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ» . وَلِـهَذَا كَانَ الحَيَاءُ خَيرًا كُلُّهُ، بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ.

(ملتقى الخطباء)..

العنصر الأول : علاقة الحَيَاء بالإِيمَان :

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَاء جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ» .

الحَيَاءُ وَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ لَا يَفتَرِقَانِ إِلَّا جَمِيعًا؛ لِاستِوَائِهِمَا فِي الحَثِّ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَعمَالِ البِرِّ وَالخَيرِ، وَالزَّجرِ عَن كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ مِنَ الفُحشِ وَالفَوَاحِشِ، وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَالآثَامِ. فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَرْءِ رُفِعَ مِنْهُ الْآخَرُ. وَهَذَا مُشعِرٌ بِعَظَمَةِ الحَيَاءِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ.

فَالْمُؤْمِنُ يَتَّصِفُ بِالْحَيَاءِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْ خُلُقِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .

يَعْنِي: شُعْبَةً عَظِيْمَةً وَمُهِمَّةً مِنَ الإِيْمَانِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: التَّنْبِيْهُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ الشُّعَبِ .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «دَعْهُ، فَإِنَّ الـحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» .

وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» .

فَلَا يَكُونُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ؛ وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ، إِلَّا شَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ.

الحَيَاءُ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ.وَالفُحشُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا» .

الحَيَاءُ والإيمان يَقُودان إِلَى الجَنَّةِ:

عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ؛ وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» .

* «الإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ»: هُوَ أَهلُ الإِيمَانِ فِي الجَنَّةِ. وَمَعنَى البَذَاءِ فِي النَّارِ: هُوَ أَهلُ البَذَاءِ فِي النَّارِ.

* «البَذَاءُ»: الفُحْشُ فِي القَوْلِ، وَالسُّوءُ فِي الخُلُقِ. وَالكَلَامُ البَذِيءُ: الكَلَامُ القَبِيحُ.

* «مِنَ الجَفَاءِ»: أَي أَهلُهُ التَّارِكُونَ لِلوَفَاءِ، الثَّابِتُونَ عَلَى غَلَاظَةِ الطَّبعِ وَقَسَاوَةِ القَلْبِ. وَهَذَا يُوْرِثُ تَرْكَ الصِّلَةِ وَالبِرِّ .

الحياء خلق من أخلاق الله عز وجل :

عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) ، قَالَ : “إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ” أخرجه الترمذي وسنده حسن.

والحياء الكامل ما هو إلا المعنى الكامل للإيمان بالله ، لأنه الحياء من الله جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وتعالت صفاته ..

فالمؤمن الحيي التقي يعلم أن الله يراه في كل حال، في السفر والحضر ، والخلوة والجلوة..

قال تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء: 218-219]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران:5].

وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي، قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» رَوَاهُ الحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ..

نَعَمْ! هَذَا هُوَ الاِستِحيَاءُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَى فُحْشٍ، وَغِنَاءٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ بَطْنَهُ فَلَا يُدْخِلُ إِلَيْهِ حَرَامًا، وَيَحْفَظُ فَرْجَهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فَاحِشَةً. وَيَذْكُرُ المَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَعِدُّ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَآثَرَ مَـا يَبقَى عَلَـى مَـا يَفنَى، فَآثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا. وَهَكَذَا يَكُونُ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى الاِستِحيَاءِ؛ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الحَيَاءِ..

لَمَّا غَابَ الحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ، تَجَرَّؤُوا عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ، ويستمرون على هذا المعاصي والذنوب ، فيلقون الله صفرا من الحسنات مع كثرة العبادة والطاعة التي أضحت هباء منثورا تذروها أدراج الرياح ..

عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُم لَنَا، جَلِّهِم لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؛ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلدَتِكُم، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» .

إِذًا فَالحَيَاءُ تَركُ القَبَائِحِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَإِتيَانُ المَحَاسِنِ وَالخَيرَاتِ، وَهَذَا خُلُقُ الإِيمَانِ .

ولله در من قال :

يَا مُدمِنَ الذَّنبِ أَمَا تَستَحِي وَاللَّهُ فِـي الخَلوَةِ ثَانِيكَا

غَرَّكَ مِن ربِّكَ إِمهَالُـهُ وَسَترُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا ..

وقَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ — وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ

فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا — إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي ..

وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ أيضاً:

إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي — وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ

فَلَا وَاللَّهِ مَا فِيْ العَيْشِ خَيْرٌ — وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ

يَعِيْشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَى بِخَيْرٍ — وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

يَبْقَى العُودُ غَضًّا طَرِيًّا مَا بَقِيَتِ القِشْرَةُ الخَضْرَاءُ ..

ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في مجتمعاتنا تبرج النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة ،تبدي زينتها للأجانب بكل جرأة لم تستحي من الناس ولا رب الناس ..

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»..

فوالله إِنَّ العَينَ لَتَدمَعُ، وَإِنَّ القَلبَ لَيَحزَنُ، عَلَى قِلَّةِ الحَيَاءِ بَينَ العِبَادِ،

وعلى فقد الإيمان والحياء في عصرنا ، وبرر فعل المحرمات التي تصل إلى الكفر والجحود والإلحاد فقد ضاع دينه ودنياه ، وهم كثيرون في عصرنا ، والأدهى من ذلك تجد من يبرر التحرر من الدين ، والرقص حول مجسم لأقدس مكان للمسلمين الكعبة بيت الله الحرام ، ومن يشجع الفن الهابط في بلاد المسلمين ، وهكذا تبجح المسلمون ، وبدا من يدافع عن هذه الأفكار المسمومة ، وانشغل كثير من شباب الأمة وبناتها ، ورجالها ونسائها ، بالشبهات والشهوات ، إلا من رحم الله جل في علاه والله المستعان ..

العنصر الثاني : أنواع الحياء في الإسلام :

الحياء في الإسلام قسمان:

قسم ممدوح، وقسم مذموم.

فأما الممدوح فهو: ما يدعو إلى جميل الأقوال، والأفعال ، والأعمال، والأحوال، وكذلك ما ردك عن المنكر، وعن كل ما يدنس المروءة، فهو من الحياء الممدوح؛ ومن صوره ما يلي :

١- أناس يحافظون على الفرائض ويستحيون من الله أن يقصروا في أداء الفرائض، و يحملهم إيمانهم وحياؤهم على ألا يقصروا في أدائها حياءً من الله عز وجل.

٢- وبعضهم يستحي من الله ثم من الناس أن يخل بالسنن كالنوافل والسنن الرواتب، وغيرها من السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يرتقي به الإيمان إلى أن يستحي من الله عز وجل فيحافظ على السنن والنوافل.

٣- ثم من الناس بعد أداء الفرائض والنوافل من يحافظ على آداب المروءة؛ فلا تراه يأكل واقفاً في السوق، ولا يمازح في السوق، ولا يأكل وهو يمشي، ولا يرفع صوته، ولا يمدح بمدح لا يليق بالمسلم، فهذا حياء محمود، وإن كان ليس بواجب عليه ..

أما الحياء المذموم:

ليس كل صور الحياء ممدوحة فمنها ما يذم ولا يستحب في ديننا

ومن ذلك ما يلي :

١-الحياء من قول الحق ومناصرته..

والحياء لم يمنع المؤمن من قول الحق ومناصرة أهله..

قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾البقرة /٢٦.

وقد عاتب المولى سبحانه وتعالى بعض أصحاب النبي صلى عليه وسلم ، وأدبهم بآداب الاسلام ،

فإن كان النبي عليه الصلاة والسلام يستحي منكم فالله جل وعلا لا يستحي من الحق ، ودعوة المؤمنين إليه ..

قال جل جلاله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾الأحزاب/٥٣.

٢- الحياء من طلب العلم..

و الحياء من طلب العلم وسؤال المستفتى ..

جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا رَأَتِ المَاءَ فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وجْهَهَا، وقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا ولَدُهَا.(متفق عليه)..

نعم الحياءُ كلُّه خَيرٌ، وهو مِن الإيمانُ، ومِن الأخلاقِ المَحمودةِ التي يجِبُ أنْ يَتحلَّى بها الرِّجالُ والنِّساءُ على السَّواءِ، لكنه لم يمنع نساء الصحابة أن يتفقهن في الدين فها هي السيدة أمّ سُلَيمٍ – رضي الله عنها ، وهي والدةُ أنسِ بنِ مالكٍ وزَوجةُ أبي طلحة الأنصاري رَضيَ اللهُ عنهم جميعًا- أتتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُضورِ أمِّ سَلَمَة رَضيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَهَّدَتْ لسُؤالِها، وقالت: إنَّ اللهَ لا يَسْتحيي مِن الحقِّ، فلا يَمتنِعُ مِن بَيانِه وإظهارِه؛ وذلك لأنَّ ما ستَذكُرُه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِمَّا تَسْتحيي النِّساءُ مِن ذِكْرِه عادةً بحَضْرةِ الرِّجالِ، ثمَّ سَألَتْ سُؤالَها: هل يَجِبُ على المرأةِ مِن غُسْلٍ إذا احتلَمَتْ، فرَأَتْ في مَنامِها أنَّ الرَّجُلَ يُجامِعُها؟ فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الغُسْلَ يَجِبُ عليها إذا رَأَتِ «الماءَ»، أي: المَنِيَّ؛ إذا استَيقظَتْ مِن نَومِها، فإذا لم تَرَهْ فلا غُسْلَ عليها، فغَطَّتْ أمُّ سَلَمَةَ رَضيَ اللهُ عنها وجْهَها حَياءً مِن السُّؤالِ؛ لأنَّ نُزُولَ المَنِيِّ منهنَّ يدُلُّ على قُوَّةِ شَهوتِهنَّ للرِّجالِ، وسَألَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعجُّبًا: أَوَتَحتلِمُ المرأةُ؟ أي: أتَرى المرأةُ المَنِيَّ، وتَحتلِمُ كالرِّجالِ، فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعمْ؛ تَحتلِمُ وتَرى المَنيَّ. ثمَّ قال لها: «تَرِبَتْ يَمينُك»، أي: افتقَرَتْ وصارَتْ على التُّرابِ، وهي كَلمةٌ جاريةٌ على ألْسِنةِ العرَبِ لا يُريدونَ بها الدُّعاءَ على المخاطَبِ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فبِمَ يُشبِهُها وَلَدُها؟ والمعنى: فبأيِّ شَيءٍ يُشْبِهُها وَلَدُها لو لم يكُنْ لها ماءٌ؟ وماءُ الرَّجلِ غَليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأةِ رَقيقٌ أصفرُ، وقد جاء أنَّ أيَّ الماءينِ عَلا الآخَرَ أو سَبَقَ، كان منه الشَّبَهُ الذي في وَلَدِهما.وفي الحديثِ: النَّهيُ عن الحَياءِ في طَلَبِ العِلمِ والسُّؤالِ عن الدِّينِ؛ لأنَّه حقٌّ ، وفيه: بَيانُ أنَّ المَرأة تَحتلِمُ كالرِّجالِ، وكثير من الأحكام…

قالَتْ عائشةُ رضي الله عنها : “نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ لم يكنْ يَمنعُهنَّ الحياءُ أن يسألْنَ عنِ الدينِ وأن يتفقَّهنَ فيه “.أخرجه أبو داود وسنده حسن ..

وقال الخليل: تربَّع الجهلُ بين الحياء والكِبْر في العلم…ومَن استغنى بما عنده جَهِل، ومَن ضمَّ إلى علمه علمَ غيره كان من الموصوفين بنعت الرَّبَّانيِّين.

وقال الخليل: وجدت في بعض كتب العلماء: من أظهر حياء في التماس العلم، وقعد عنه؛ لَبِس الجهل، وتقنَّع قناع السَّفَه..(المكتبة الشاملة)..

وعن الإمام مجاهد رضي الله عنه :[[لا يطلب العلم مستحٍ ولا مستكبر]] فالحياء إذا منعك من طلب العلم، فهذا مذموم وباطل، وقد يأثم به الإنسان ..

والحياء إذا منعك من حضور مجالس الذكر فهو مذموم ؛ لأن بعض الناس يقول: كيف أتواضع وأذهب إلى المسجد أصلي جنبا إلى جنب مع الفقراء والبسطاء ، وأحضر معهم مجالس العلم والذكر ، وأنا مروءتي تمنع ذلك!..”لعنها الله من مروءة!!”نعم، إن كانت مروءة تحمل صاحبها إلى أن يترك الأعمال الصالحة والسنن ومجالس الذكر فهذه مروءة ملعونة؛ لأن المروءة كل المروءة في أن تتواضع، وتجلس في حلق الذكر، وتأتي إلى من هو أقل منك علماً وفهماً وديناً واستقامةً فتستفيد منه.

[[ كان علي بن الحسين (زين العابدين) رضي الله عنه وأرضاه يأتي إلى زيد بن أسلم -وهو مولى- فيجلس بين يديه، فقال له التابعون: يا علي! كيف تجلس لهذا المولى وأنت سيد من السادات؟

قال: السيد من اتقى الله، وإنما يجلس الإنسان إلى من يستفيد منه، أو يفيده علماً]].

٣- المنع من المعروف والنهي عن المنكر..

ومن الحياء المذموم ما منعك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا باطل ويأثم عليه العبد؛ لأنه ليس مقبولاً عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى..

العنصر الثالث : الحياء خلق الأنبياء والصالحين..

قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”. (أخرجه الإمام البخاري)..

وتذكر السنة المطهرة مشهد من حياء سيدنا موسى عليه السلام..

قال عليه الصلاة والسلام: “إن موسى -عليه السلام- كان حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء من الله فآذاه من آذاه من بني إسرائيل” (متفق عليه)..

حياء النبي محمد عليه الصلاة والسلام..

أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحياء المحمود وترك المذموم، فهو قدوتنا في كل عمل، فمن لا يأخذ قوله وهديه وحاله صلى الله عليه وسلم فقد ذل، فيؤخذ القول من قوله صلى الله عليه وسلم، ويقتدى به صلى الله عليه وسلم بالأفعال والأحوال..

عن أبي سعيد الخدري قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها”، وهذا تشبيه لمراقبته -صلى الله عليه وسلم- لربه وخوفه منه وشعوره بالتقصير في حقه، وكان مع الناس لا يأتي إلا بكل خير في قوله وفعله، في نطقه وسكوته، وفي فرحه وحزنه ..

ومِن مظاهر حيائه (ﷺ) حياؤه مِن خالقه سبحانه وتعالى؛ وذلك لما طلب سيدنا موسى عليه السَّلام مِن نبيِّنا (ﷺ) في ليلة الإسراء أن يراجع ربَّه في تخفيف فرض الصَّلاة، قال النَّبيُّ (ﷺ) لموسى عليه السَّلام:(استحييت مِن ربِّي).

ووصف الله -تعالى- بنت شعيب -عليه السلام- بأنها كانت تتحلى بهذا الخلق الكريم؛ فقال سبحانه: (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: 25]، وقال صلى الله عليه وسلم واصفاً عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بهذا الخلق الكريم: “ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة” (أخرجه الإمام مسلم)..

وكان الفاروق عمر رضي الله عنه حييا لكن لم يمنعه الحياء من الجهر بالحق ..

قال سيدنا عمر -رضي الله عنه-: “من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه”.

ويكون الحياء في الرجال ورعًا وجمالاً وزينة، وفي النساء عفة وطاعة وطهارة، هذه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كنتُ أدخل بيتي الذي دُفن فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي فأضع ثوبي. فأقول: إنما هو زوجي وأبي. فلما دُفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر -رضي الله عنه-“. أخرجه الإمام أحمد في مسنده ..

أي فضيلة أعلى من هذا الإيمان؟

وأي حياء أعلى من هذا الحياء؟

تستحي من رجل قد مات ودفن تحت الثرى، فماذا نقول لبعض النساء اللاتي يستهن بالحجاب ورفع الصوت مع الرجال الأجانب..

ولما مرضت فاطمة -رضي الله عنها- مرض الموت الذي تُوفيت فيه، دخلت عليها أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- تعودها وتزورها، فقالت فاطمة لأسماء: والله إني لأستحي أن أخرج غدًا -أي إذا مت- على الرجال من خلال هذا النعش. وكانت النعوش آنذاك عبارة عن خشبة مصفحة يُوضع عليها الميت ثم يُطرح على الجثة ثوب، ولكنه كان يصف حجم الجسم. فقالت لها أسماء: أو لا نصنع لك شيئًا رأيته في الحبشة؟! فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق، ودعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت على النعش ثوبًا فضفاضًا واسعًا، فكان لا يصف شيئًا. فلما رأته فاطمة فالت لأسماء: “سترك الله كما سترتني”.

لقد كانت من شدة حيائها -رضي الله عنها- تحمل همّ حالها بعد موتها أن يراها الرجال، فماذا نقول لنساء المسلمين اليوم؟! أين الحياء من الله؟! وأين التربية على قيم الإسلام وأخلاقه في هذا العصر ؟! وأين الاستعداد ليومٍ (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:2].

ذكر أبو الفرج وغيره أن امرأة جميله كانت بمكة وكان لها زوج فنظرت ذات يوم إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها :أترى احد يرى هذا الوجه ولا يفتتن به قال: نعم قالت من ؟ قال عبيد ابن عمير قالت: فأذن لي فيه فلأفتنه قال: قد أذنت لكِ فأتته كالمستفتية فخلى معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجهها مثل فلقة القمر فقال لها: يا أمة الله استتري فقالت: إني قد فُتنت بك فقال: إني سائلك عن شيء إذا صدقتيني نظرت في أمرك قالت: والله لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، قال: أرأيتي لو أن ملك الموت أتاكِ الساعة ليقبض روحكِ أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة؟! قالت :اللهم لا ، قال: صدقتي.

قال: فلو دخلتي قبرك وجلستي للمسائلة أيسرك أني قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا فقال صدقتي .

قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بيسارك أكان يسرك أن قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا ،فقال صدقتي.

قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أو يثقل أكان يسرك أني قضيت لك حاجتك؟! فقالت: اللهم لا ، فقال صدقتي .

قال: فلو وقفتي بين يدي الله للمسائلة أكان يسرك أن قضيتها لك ؟! فقالت اللهم لا ، فقال: صدقتي، ثم قال اتقِ الله يا أمة الله فقد انعم الله عليك وأحسن إليكِ.

قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعتي فقالت :أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد ابن عمير أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروساً فصيرها راهبة..

وختاما: ما أجمل أن يكون لنا من الحياء سياج يحفظ علينا نور الإيمان، ويلبسنا ثوب التقى والطهر والعفاف، ونكون به بين الناس مبعث نور، ومصدر برّ ومنار هدًى، تتميز به شخصيتنا، وتظهر من خلاله ملامح عزتنا وكرامتنا.

وإن إشاعة خُلق الحياء في المجتمع على نحو ما أمر الإسلام، يصون الحقوق، ويحفظ الأموال والأعراض، وينشر الفضائل، ويذهب المنكرات، ويزيد من روابط الحب والتراحم والإخاء في المجتمع المسلم ..

اللهم زينا بزينة الإيمان وألبسنا ثوب الحياء والشفاء ، واحفظ علينا ديننا يارحمن .

وانصر الإسلام والمسلمين، واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين ، ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم..

والحمد لله في البدء الختام ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.