خطبة بعنوان ( الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ) للشيخ صلاح عبدالخالق

إعداد الشيخ/صلاح عبدالخالق

خطبة الجمعة القادمة : 27جماد أول 1446هـ ،29من نوفمبر2024م

العناصر:

أولاً :مفهوم الحياء وحقيقته.

ثانياً: من خيرات وثمار الحياء

ثالثاً: . إذا فُقد الحياء انتشرت الوقاحة.

رابعاً: من أنواع الحياء.

الخطبة الأولى :

الحمد لله على نعمة الإسلام ونشهد أن لاإله إلا الله الملك العلام ونشهد أن محمد ﷺ سيد الأنام وبعد: فالحياء ملك الأخلاق الحميدة وسلطان الأخلاق الرشيدة، وسيد الأخلاق المجيدة، وله ثمار عديدة، وحسنات فريدة، فهو مفتاح لكل خير وسعادة، ومغلاق لكل شر وتعاسة، مفتاح لكل الطاعات، مغلاق لكل المعاصي والموبقات، مغلاق للنار، مفتاح للجنات.

أولاً :مفهوم الحياء وحقيقته:

(1)الحياء فى اللغة :

«الحَياءُ:انقباض النّفس عن القبائح وتركه.«المفردات في غريب القرآن» (ص270)

(2)الحياء فى الشرع:

– الْحَيَاءُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَرَغَّبَ فِيهِ، لأِنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَال الْخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لاَ يُنْتِجُ إِلاَّ خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْل فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنِ اجْتِرَاحِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الْحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الْكَلاَمِ، وَالْخَوْضِ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ، فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآْثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ.(الموسوعة الفقهية الكويتية (18/261)

(3)قال ابن القيم:«تأمَّل هذا الخُلق الذي خُصَّ به الإنسانُ دون جميع الحيوان،وهو خُلق الحياء الذي هو مِنْ أفضل الأخلاق وأجلِّها،وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا،بل هو خاصَّةُ الإنسانيَّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيَّة إلا اللحمُ والدَّمُ وصورتهما الظَّاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء»«مفتاح دار السعادة (٢/ 788).

ثانياً:من خيرات وثمار الحياء:للحياء فوائد حميدة، وفضائل عديدة وثمار مديدة منها مثلاً:
(1)الحياء مفتاح كل خير:
-عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»صحيح البخارى (6117)وصحيح مسلم (37).
-عن عِمْرَانِ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ” صحيح مسلم (37) وسنن الترمذى (4796)
– «يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَيَاءِ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ إِذَا صَارَ عَادَةً وَتَخَلَّقَ بِهِ صَاحِبُهُ يَكُونُ سَبَبًا لِجَلْبِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْخَيْرُ بِالذَّاتِ وَالسَّبَبِ »«فتح الباري لابن حجر» (١٠/ 522).
-«الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» ” فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيَحُثُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.جامع العلوم والحكم (1/501)
-قال ابن القيم :الحياء أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه. (الداء والدواء صـ96).
(2)الحياء مفتاح لكل الطاعات:
-«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»«صحيح مسلم» (35)وصحيح البخارى (9).
-«الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ :لِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَحَاجِزًا عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ،فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ هُنَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالدَّاعِي إِلَى بَاقِي الشُّعَبِ».«فتح الباري لابن حجر» (١/ 52)
-قال الحليمي:الحياء هو طريق إلى فعل كل طاعة وترك كل معصية، فيفوز صاحبه بكمال الإِيمان في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة.(منار القارى (1/84)
(3)الحياء مفتاح محبة اللَّه تعالى:
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ، وَيَكْرَهُ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ، وَيُبْغِضُ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ وَيُحِبُّ الْحَيِيَّ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ ” شعب الإيمان (5791 )،و صحيح الجامع (1711).
– (ويحب الحيي العفيف) أي المنكف عن الحرام والسؤال للناس “فيض القدير (2/202).فاللَّه تعالى يحب الحياء وبالتالي يحب أهل الحياء ومن أحبه اللَّه تعالى صار سعيدًا في كل حياته وعند مماته وفي قبره ويوم لقاء اللَّه تعالى.
(4) الحياء من مفاتيح الزينة والبهاء:-
-عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ»«سنن الترمذي » (1974).صحيح الأدب المفرد(470) .«قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْحَيَاءِ مَا يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الْوَقَارِ بِأَنْ يُوَقِّرَ غَيْرَهُ وَيَتَوَقَّرَ هُوَ فِي نَفْسِهِ»«فتح الباري لابن حجر» (١٠/ 522)
(5)الحياء من مفاتيح الأمن يوم القيامة:-
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ “رواه البخارى (660) ومسلم (1031).
– نلاحظ في هذا الحديث أن قوة الحياء الحقيقية متوافرة فيهم أجمعين، ويأتي منهم هذا الرجل العجيب الذي تعرض لفتنة عظيمة ألا وهي فتنةالنساء وما أدراك ما فتنة النساء؟! امرأة كاملة الأوصاف من مال وجمال ومنصب تدعوه إلى الزنا، ومن العجب أنها مع الجمال والمنصب هي التي تدعوه إلى الفاحشة،ولكن قوة الحياء من اللَّه تعالى تمنعه، ويقول: إني أخاف اللَّه، فكان الجزاء من جنس العمل فأظله اللَّه في ظل عرشه يوم الفزع الأكبر.
(6)الحياء من مفاتيح الجنة:-
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي
الجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ»سنن الترمذى (2009)وصحيح الجامع (3199)
-(والايمان فِي الْجنَّة) أَي يُوصل اليها.فيض القدير (1/510).
رابعاً :إذا فُقد الحياء انتشرت الوقاحة :-
«(وقح) (يوقح) وقحا وقح وَالرجل قل حياؤه واجترأ على اقتراف القبائح وَلم يعبأ بهَا فَهُوَ وقح وَهِي وقحة»«المعجم الوسيط» (٢/ 1048).من عقوبات قلة الحياء (الوقاحة ) مثلاً :
(1)الوقاحة مفتاح كل الشرور والمعاصى :
-عن أبي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ
النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ” صحيح البخاري (6120) .من معانى هذا الحديث مثلاً :
(أ)أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَهُمْ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمَعْنَى: إِذَا لَمْ يَكُنْ حَيَاءٌ، فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَاللَّهُ يُجَازِيكَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40].
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَمْرٌ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ، صَنَعَ مَا شَاءَ، فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ فِعْلِ الْقَبَائِحِ هُوَ الْحَيَاءُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاءٌ، انْهَمَكَ فِي كُلِّ فَحْشَاءَ وَمُنْكَرٍ.(جامع العلوم والحكم (1/497)
(ب)«أَنَّ الَّذِي يَكُفُّ الْإِنْسَانَ عَنْ مُوَاقَعَةِ الشَّرِّ هُوَ الْحَيَاءُ فَإِذَا تَرَكَهُ صَارَ كَالْمَأْمُورِ طَبْعًا بِارْتِكَابِ كُلِّ شَرٍّ وَقَدْ»«فتح الباري لابن حجر» (١٠/ 523).
(2)الوقاحة تُنقص الإيمان:
-عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ”شعب الإيمان (7331) وصحيح الجامع (1603).والمراد أنه إذا رفع الحياء عن الإنسان نقص إيمانه ورفع كامله أو رفع بأصله فإنه لا يعتد بما بقي.التنوير شرح الجامع الصغير (5/447)
(3)قِلَّةُ الْحَيَاءِ مِنْ مَوْتِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ:
-(أ)«الْحَيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ. وَمِنْهُ الْحَيَا لِلْمَطَرِ، لَكِنَّهُ مَقْصُورٌ، وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ فِيهِ قُوَّةُ خُلُقِ الْحَيَاءِ. وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ مِنْ مَوْتِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ.» «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» (٢/ 248)
-(ب)عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ هَلَاكًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، فَإِذَا كَانَ مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نَزَعَ مِنْهُ الْأَمَانَةَ، فَلَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا كَانَ خَائِنًا مُخَوَّنًا، نَزَعَ مِنْهُ الرَّحْمَةَ، فَلَمْ تَلْقَهُ إِلَّا فَظًّا غَلِيظًا، فَإِذَا كَانَ فَظًّا غَلِيظًا، نَزَعَ رِبْقَ الْإِيمَانِ مِنْ عُنُقِهِ، فَإِذَا نَزَعَ رِبْقَ الْإِيمَانِ مِنْ عُنُقِهِ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا شَيْطَانًا لَعِينًا مُلَعَّنًا.جامع العلوم والحكم (1/499)
الخطبة الثانية :
رابعاً: من أنواع الحياء مثلاً:
(1)الحياء من الله تعالى :
-عن بَهْز بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ»سنن الترمذى (2769) ، وصحيح الجامع(203)
كيف نستحى من الله تعالى ؟
(أ)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ
اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ» سنن الترمذى(2458) ،صَحِيح الْجَامِع( 935).
-«فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ) أَيْ: عَنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ خِدْمَةِ اللَّهِ بِأَنْ لَا يَسْجُدَ لِصَنَمٍ أَوْ لِأَحَدٍ تَعْظِيمًا لَهُ وَلَا يُصَلِّيَ لِلرِّيَاءِ،وَلَا يَخْضَعَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا يَرْفَعَهُ تَكَبُّرًا.«وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ» أَيْ: أَكْلَ الْحَرَامِ. (وَمَا حَوَى) أَيْ: مَا اتَّصَلَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مِنَ الْفَرْجِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَلْبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَّصِلَةٌ بِالْجَوْفِ،وَحِفْظُهَا بِأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِي الْمَعَاصِي بَلْ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلْيَحْفَظْ رَأْسَهُ وَمَا وَعَاهُ مِنَ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَاللِّسَانِ وَالْبَطْنِ، وَمَا حَوَى أَيْ: لَا يَجْمَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَلَالَ. «وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى» مِنْ بَلَى الشَّيْءُ إِذَا صَارَ خَلِقًا مُتَفَتِّتًا يَعْنِي وَلْيَذْكُرْ صَيْرُورَتَهُ فِي الْقَبْرِ عِظَامًا بَالِيَةً.«وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا» فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ حَتَّى لِلْأَقْوِيَاءِ.(فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ: جَمِيعَ مَا ذُكِرَ.«فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» .مرقاة المفاتيح (3/1161).
(ب)عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ»المعجم الكبير للطبرانى (5539) وصحيح الجامع(2541).
-هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله والله مُطلع على جميع أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها.(فيض القدير(3/74)
(2)الحياء من الناس:
(1)قال تعالى :فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)القصص
(أ) تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ: أَنَّهَا مُسْتَحْيِيَةٌ فِي مَشْيِهَا، أَيْ تَمْشِي غَيْرَ مُتَبَخْتِرَةٍ وَلَا مُتَثَنِّيَةٍ وَلَا مُظْهِرَةٍ زِينَةً. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا كَانَتْ سَاتِرَةً وَجْهَهَا بِثَوْبِهَا، أَيْ لِأَنَّ سَتْرَ الْوَجْهِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَيَاءِ.وَالِاسْتِحْيَاءُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَيَاءِ.(التحرير والتنوير(20/103).(ب){قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} ، وَهَذَا تَأَدُّبٌ فِي الْعِبَارَةِ، لَمْ تَطْلُبْهُ طَلَبًا مُطْلَقًا لِئَلَّا يُوهِمَ رِيبَةً، بَلْ قَالَتْ: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} يَعْنِي: لِيُثِيبَكَ وَيُكَافِئَكَ عَلَى سَقْيِكَ لِغَنَمِنَا.تفسير ابن كثير (6/228)
(ج){عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ}.فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح؛ لا التلجلج والتعثر والربكة .وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة . فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم ، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب . الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج؛ إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب،ولا تزيد .
(2)الحياء من الناس:
-ترك المجاهرة بالقبيح، واجتناب كل ما يدعو إلى إساءة الظن بفاعله ولو كان بريئاً. فقد روي عن حذيفة أنه أتى الجمعة، فوجد الناس قد انصرفوا، فتنكب الطريق عن الناس، وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس، وذلك لأن الناس لا يعلمون عذره أمّا ربه فإنه مطلع عليه.(منار القارى (1/84).
-يستحي من أن تُشوَّه سُمعتُه، وها هو النبي ﷺ ، لَمَّا خرج ليلاً؛ لِيوصِلَ إحدى زوجاته إلى دارها فمر به رجلان فأسرعا، فناداهما قائلاً: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ».فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» رواه البخاري(2035) ،ومسلم (2175)- من استحيا من الناس أن يروه يأتى الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحى والمميت، فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه عز وجل.شرح صحيح البخارى لابن بطال(9/298)
(3)حياء العبد من نفسه :
-حياء المرء من نفسه بالعفة والصيانة في الخلوة. وذلك ينشأ عن معرفة المرء قدر
نفسه، أو تكريمه.(منار القارى (1/84)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.