خطبة بعنوان ( الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ) للشيخ أحمد عبدالله عطوة
adminaswan
22 نوفمبر، 2024
خطب منبرية, ش/أحمد عبدالله عطوة
122 زيارة
خطبة( الجمعة القادمة)
(بتاريخ27/جمادي الأول 1446هـ ، الموافق29/نوفمبر 2024م )
اعداد الشيخ / احمد عبدالله عطوه
عناصر الخطبة
1/ مكانة الحياء قبل الإسلام وبعده وفضله؟
2/ نماذج من الحياء؟
3/ أعلى منازل الحياء ؟
4/ أثر التحلي بالحياء على المجتمع وأثر التخلي عنه
المقدمة
الخطبة الأولى:
الحمد كما ينبغي له أن يحمد وله الشكر فلا أحد أحق بالشكر منه
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلق ورزقهم
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد :-معاشر المؤمنين:
الحياءهو خيرٌ كلُّه وكلُّه خير ولا يأتي إلاَّ بخير هو خُلق من أخْلاق الملائكة وسمة من سمات أنبياء الله المخلَصين خُلق من أسمى الصِّفات الإنسانيَّة وألطفِها، وأنْبلِ الأخلاق الإسلاميَّة وأشرفِها حسبُك إن كنتَ ذامًّا أحدًا أن تَسْلُب منه هذا الخلق،
الحياء -عبادَ الله- تاج الأخلاق وعنوان العفاف ورمْز الوقار يزيد الرُّجولةَ كمالاً ويكسو المروءة جمالاً.
وإذا رُزِق العبد حياءً لازمتْه السُّمعة الطَّيِّبة والذِّكرُ الحسن، فنُشرتْ مَحاسنه ونُسيت مساوئه وقديمًا قيل: “من كساه الحياء ثوبه، لم يَرَ الناسُ عَيْبه”.
هذا الخلق توارثَتْه النَّاس من أنبيائهم؛ فـ”إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبوَّة الأولى: إذا لَم تستح فاصنعْ ما شئت”.
وعرفت العرب في جاهليَّتها هذا الخلق، فكانوا ذوي مُروءة واستحياء،
وهذا أبو سفيان قبْل إسلامه يسأله هرقل ملك الروم عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فأجابه بما علم من حال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقال: “فوالله لولا الحياءُ من أن يأثروا عليَّ كذبًا، لكذبت عليه”.
ثمَّ جاء الإسلام، فأمر بالحياء وحثَّ عليه، وحضَّ الناس على لزومه والتخلُّق به، جاء في الحديث الصحيح: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “ما كان الفحش في شيء إلاَّ شانه، وما كان الحياء في شيء إلاَّ زانه”. أخرجه الترمذي وغيره.
ومرَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- برجُل يعظ أخاه في الحياء، فقال: “دعْه؛ فإنَّ الحياء من الإيمان”.
ومدح نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- موسى -عليْه السَّلام- بأنه كان رجلاً حييًّا ستِّيرًا.
وفي محكم التَّنزيل، قصَّ علينا ربُّنا خبر تلك المرأة الصَّالحة مع نبي الله موسى -عليه السلام- التي مشت إليْه بخطوات لا إغواء فيها ولا إغراء وحادثتْه بكلمات معدودات لا خضوع فيها ولا تميُّع قال تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص:25].
أمَّا قدوتنا وحبيبُنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد تسنَّم صُوَرَ الحياء في أعلى قاماتها فكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- أشدَّ حياءً من العذْراء في خِدْرها كان إذا كرِه شيئًا عُرِف ذلك في وجهه بل بلغ من حيائه واستحيائه أنَّه كان يتحرَّج أن يُشعر زوَّارَه والمستأنسين بمجلسه بأنَّه قد طال جلوسهم عنده وحديثهم معه فأنزل الله سبحانه: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ) [الأحزاب:53].
هذا الخلق النبوي والحياء المحمَّدي انعكس أثره على صحابته -رضي الله عنهم-؛ فهذا عثمان -رضي الله عنه- بلغ من حيائه أنَّه ما كان يتعرَّى حتَّى في حال اغتساله، حتَّى استحتْ من حيائه الملائكة، كما أخبر عنْه النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
واسمع لشيءٍ من حياء أمِّنا أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: “كنتُ أدخل بيتي الذي دفن فيه رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأبي، فأضع ثيابي فأقول: إنَّما هو زوْجي وأبِي، فلمَّا دُفِن عمر -رضي الله عنْه- فوالله ما دخلت إلاَّ وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي؛ حياءً من عمر”. رضي الله عنها وأرضاها.
وأما خلق الحياء فأشرفه حياء المصطفى –صلى الله عليه وسلم وقد كان –صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياءً من العذراء في خدرها, فإذا رأى شيئًا كرهه عُرِفَ في وجهه جاءت إليه امرأة فسألته كيف تغتسل من حيضتها؟ فأعلمها كيف تغتسل، وقال: “خُذِي فَرْصَةً مِن مِسْك فتطهَّري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها -سبحان الله-!! واستتر رسول الله بيده على وجهه، قالت عائشة: “واجتذبتها إليَّ، وعرفت ما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقلت: “تتبعي بها أثر الدم” فصلى الله عليه كم كان يفيض حياءً! استحيى حتى مَن رَبِّه فحين تردَّد بين موسى وبين ربه في ليلة الإسراء قال لموسى: “قد سألت ربي حتى استحييت منه”.
أقول ما سمعْتُم، وأستغْفِر الله ربِّي وربَّكم من كلِّ ذنبٍ وخطيئة فاستغْفِروه.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحْسانه والشُّكر له على توفيقِه وامتِنانه
وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه،
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضْوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحْبِه وإخوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعد معشر الكرام:
وأتجاوز كثيرًا من صور الحياء لأقف مع صفحة من صفحاته, وهي: حياء النساء.
وحين يكون الحديث عن الحياء فإنَّ زينة المرأة وكمالها إنما هو بالحياء وإنما تُمْدَح المرأة بحيائها ومازالت النساء في القديم وفي الحديث يضربن النماذج الرائعة في التحلِّي بذلك الخلق الذي تُمْدَح به المرأة ففي القرآن قصَّ علينا رب العزة خبر ابنة شعيب حين ورد موسى -عليه الصلاة والسلام- ماء مَدين فجاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء لتنهي له دعوة فأتت بأخصر لفظٍ وأقصر عبارة تؤدي المعنى (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)[القصص: 25]، وكان دليل هذا الحياء أنها لم تَنسب أمْر الدعوة والجزاء لِنفسها
بل نسبته إلى أبيها فقالت: (إن أبي يدعوك) قال ابن كثير: “وهذا تأدُّب في العبارة، لم تَطلبه طَلبًا مُطلقًا، لئلا يُوهِم رِيبة، بل قالت: إن أبي يدعوك لِيجزيك أجْر مَا سقيت لنا يعني : لِيُثِيبك ويُكَافئك على سَقيك لِغَنَمِنَا”. اهـ.
وأما عائشة -رضي الله عنها- فقد روى أحمد وغيره أنها قالت: “كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وأني واضع ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمر معهم فو الله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنهما-“.فإذا كان هذا حيائها من الأموات، فكيف يكون حياؤها من الأحياء
فيوم نُزِع الحياء، رأيْنا من شبابِنا مَن يعاكس النساء ويهتك حرمات الآخَرين، وإنَّ الله يغار، وغَيْرة الله أن تُنتهك محارمه.
يوم غاب الحياء رأيْنا المرأة تُصافِح الرَّجُل وتُمازحُه وتُضاحكه وتُجالسه.
يوم ضاع الحياء رأيْنا الرَّجُل يلبس لِبسة المرْأة، والمرأة تلبَس لبسة الرَّجُل.
يوم مُزِّق الحياء رأيْنا أشباه الرجال يرقُصُون رقْصَةَ الإناث بلا حياء من خالقٍ أو خجل من مخلوق.
ويوم فُقِد الحياء أصبحت المجاهرة بالمعاصي مفخرةً يُتباهى بها فهذا يفخر بعلاقاتِه مع الجنس الآخر، وآخَر يَتباهى بما يشاهده من أفلام ومناظرَ مشينة وثالثٌ يتبجَّح بنزع حجاب بناتِه خارج بلاده.
فَلا وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ *** وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
قلَّة الحياء، نتيجتُها ونهايتها وقاحة وسفالة ورذالة وبذاءة، قليل الحياء لا يأْبَه بسفول قَدْره، ولا يأنف من لصوق فعْلةِ السوء على شخصه:
عباد الله: إنَّ الحديث عن خلُق الحياء ليتأكَّد في هذا العصْر، الَّذي تحارَب فيه الأمَّة في أخلاقها حربًا لا هوادةَ فيها، قنوات تصبِّح النَّاس وتمسيهم ببرامج ومشاهدَ تدمِّر الأخلاق، وتمزِّق الحياء، وتطبِّع الرَّذيلة، وتغرِّب المجتمع في سلوكه وأخلاقيَّاته، وطبعه وعاداته، ثمَّ لا تسَلْ بعد ذلك عن هُموم شبابِنا واهتِماماتهم، وثقافة أبنائِنا وسطحيَّة أفكارهم.
فواجب -عبادَ الله- على أهْل الإيمان والغيرة، والرُّجولة والمروءة، أن يهذِّبوا أنفسهم بهذا الخُلُق النبيل، ويسْعَوا في تربية أولادِهِم -ذُكورِهم وإناثِهم- على هذا المعْدن الأصيل، مع تأْكيد المجتمع دائمًا على ثقافة الحياء والاستِحْياء، والحرص على عدم نشْر السُّوء والفحْشاء، والتَّوفيق كلّ التَّوفيق من ربِّ الأرض والسَّماوات.
ليس من الحياء أن تتحدث المرأة مع الباعة بخضوع صوت وتضاحكهم وتمازحهم ليخفضوا لها في القيمة؟!
أين الحياء من تلك المرأة التي تقبل بعملٍ تبقى فيه مع رجلٍ أو رجالٍ تخالطهم وتقرب منهم وتخلو معهم في بعض الأوقات, فأين حياؤها بل أين شيمة وليها الذي يرضى بذلك؟!
ليس من الحياء أن تخرج المرأة وحدها مع السائقين بلا مَحْرَم, فالله حرم عليها الخلوة مع الأجنبي عنها.
أين الحياء من المرأة التي ما كفاها أن تعصي ربها حتى غدت تجاهر بذنبها، فحادثت صاحباتها بما اقترفت، وما قالت، وبمن من الرجال صاحبت, ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: “كل أمتي معافى الا المجاهرين”.
هل من الحياء أن تدخل المرأة لوحدها على الطبيب الرجل في حين أنها تجد الطبيبة الكفؤة, ولربما خلعت حجابها حينها بلا أدنى حاجة وكأن الطبيب من محارمها؟!
ما بال بعض النساء تتساهل بحجابها أمام السائق وخادم البيت ومع من تراه من غير بلادها, ولربما تحرزت مع غيرهم فما هذا التناقض؟!
ما بال بعض النساء اليوم تجعل الرجل يخجل من حدة بصرها وسهام نظراتها للرجال للأغراب عنها, فأين الحياء حينها
عباد الله: صلُّوا بعد ذلك على مَن بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمَّة وتركها على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها.اللَّهُمَّ صلّ على محمَّد وعلى آل محمَّد..