إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن
خطبة الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤م ، الموافق ٢٧ من جمادى الأول لعام ١٤٤٦هـ.
الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد
الحياء من خلق المسلم
إن الحياء هو الخلق النبيل الباعث دومًا على ترك القبيح، والابتعاد عن التقصير في حق أصحاب الحقوق.
وكان رسول الله ﷺ ، المثل الأعلى في الحياء، كما وصفه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «كان رسول الله ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه»، متفق عليه.
والحياء: لغة: الحشمة قال الراغب الأصفهاني: الحياء انقباض النفس عن القبائح، فلا يكون كالبهائم
* أو رقه تعترى وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيرًا من فعله
الاغضاء: التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته. وقد أشاد الرسول ﷺ الكريم بخلق الحياء في عدد من الأحاديث الشريفة، مبيناً أنه خير محصن على صاحبه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، فعن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قال: قال الرسول ﷺ: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، متفق عليه. وفي رواية لمسلم: «الحياء خير كله» أو قال: «الحياء كله خير».
* وهو أحد شعب الإيمان قال ﷺ: «الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان»، رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ ، قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، متفق عليه.
* المسلم الصادق التقي حيي مهذب دمث مرهف الشعور، لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي الناس ولا يقصر في حق أحد ذي حق؛ ذلك أن خلق الحياء فيه يحجبه عن ذلك كله، ويذوده عن الوقوع فيه، لا حياء وخجلاً من الناس فحسب؛ وإنما حياء من الله تعالى، وتحرجًا من أن يلبس إيمانه بظلم؛ إذ الحياء شعبة من شعب الإيمان وهذا أرقى ما وصل إليه الإنسان من تخلق بالحياء. وهذا الحياء من الله هو مفترق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم.
فعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي، أو ترى حمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق، فاعلم أنه حيي الضمير نقي المعدن، زكي العنصر.
وإذا رأيت الشخص صفيقًا بليد الشعور، لا يبالي ما يأخذ أو يترك، فهو امرؤ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه من اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا.
وقد وصى الإسلام أبناءه بالحياء، وجعل هذا الخلق السامي أبرز ما يتميز به الإسلام من فضائل. قال رسول الله ﷺ: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء»، رواه مالك. وقال عليه السلام: «الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»، فإذا فقد الشخص حياءه وفقد أمانته أصبح وحشًا كاسرًا ينطلق معربدًا وراء شهوته، ويدوس في سبيلها أزكى العواطف، فهو يغتال أموال الفقراء غير شاعر نحوهم برقة، وينظر إلى آلام المنكوبين والمستضعفين فلا يهتز فؤاده بشفقة.
** الحياء شعبة من شعب الإيمان، قال ﷺ: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي البخاري عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء: فقال رسول الله ﷺ: دعه فإن الحياء من الإيمان.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
قال ﷺ: «الحياء من الإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار»، رواه أحمد.
** والحياء في أسمى منازله وأكرمها، يكون من الله عز وجل، فنحن نطعم من خيره، ونتنفس في جوّه، ونستظل بسمائه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه: قال ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء، قلنا: إنا نستحيي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال: ليس ذلك، الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»، رواه الترمذي
* وهو من صفات المرسلين
ففي وصف موسى عليه السلام أنه كان حييًا ستّيرًا، حتى كان يستر بدنه، ويستحيي أن يُظهر مما تحت الثياب شيئاً مما ليس عورة، وبسبب ستره الزائد آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: «ما يبالغ في ستر نفسه إلا من عيب في جسمه أو من أدرة هو مصاب بها».
** ولقد حذر النبى ﷺ من قلة الحياء فقال: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت”
قال ابن عبد البر أمر معناه الخبر بمعنى أن من لم يكن له حياء يحجزه ويمنعه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر أو الكبائر وفيه التحذير من قلة الحياء
** ومن نُزع منه الحياء ركب كل فاحشة واقترف وفعل كل مكروه وروي عنه ﷺ أنه قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، أخرجه البخاري وأبو داوود وابن ماجه.
وقيل: «لا وفاء لمن ليس له حياء».
والمراد بالحياء الشرعى المطلوب فعله هو الذى يقع على وجه الاجلال والاحترام
** والحياء الذى هو خلق النبى ﷺ والذى يجب أن نقتدى به هو: “الحياء والكسوف من الله أن يراك حيث نهاك ويفقدك حيث أمرك أى الالتزام بجميع الاوامر والنواهى ودوام المراقبة لله على كل حال .
أنواع الحياء
يحسن أن ننقل لك فيه ما قاله الماوردي في أدب الدنيا والدين، إذ يقول: واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه: أحدها:
* حياؤه من الله تعالى،
ويكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره، وروى ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: استحيوا من الله عز وجل حق الحياء، فقيل: يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء؟ قال: من حفظ الرأس وما حوى, والبطن وما وعى, وترك زينة الدنيا, وذكر الموت والبلى, فقد استحى من الله عز وجل حق الحياء ـ وهذا الحديث من أبلغ الوصايا …..وهذا الحياء يكون من قوة الدين وصحة اليقين
الثاني حياؤه من الناس،
فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح …. وهذا النوع من الحياء قد يكون من كمال المروءة وحب الثناء، ولذلك قال ﷺ : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ـ يعني ـ والله أعلم ـ لقلة مروءته, وظهور شهوته …. وقال بعض الشعراء:
ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
إذا رزق الفتى وجها وقاحًا تقلب في الأمور كما يشاء
وقال آخر: إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع.
الثالث: حياؤه من نفسه
فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، وقال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك،
وقال بعض الأدباء: من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، ودعا قوم رجلا كان يألف عشرتهم، فلم يجبهم،
وقال: إني دخلت البارحة في الأربعين وأنا أستحي من سني،
وقال بعض الشعراء:
فسري كإعلاني وتلك خليقتي
وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
وهذا النوع من الحياء قد يكون من فضيلة النفس وحسن السريرة، فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة فقد كملت فيه أسباب الخير، وانتفت عنه أسباب الشر، وصار بالفضل مشهورا، وبالجميل مذكورا،
وإن أخل بأحد وجوه الحياء لحقه من النقص بإخلاله بقدر ما كان يلحقه من الفضل بكماله، وقد قال الرياشي: يقال إن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كان يتمثل بهذا الشعر:
وحاجة دون أخرى قد سنحت لها
جعلتها للتي أخفيت عنوانا
إني كأني أرى من لا حياء له
ولا أمانة وسط القوم عريانا
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.