(بتاريخ13/جمادي الأول 1446هـ ، الموافق15/نوفمبر 2024م )
اعداد الشيخ /ابراهيم مراسى بركات
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قَسَمَ النِّعَمَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا فِي الأَقْدَارِ وَالقِيَمِ، سبحانه جَعَلَ الأَرضَ مَهْدًا وَقَرَارًا، وَسَلَكَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مَنَافِعَ وَخَيْرَاتٍ وَثِمَارًا، أحمده – سبحانه – وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود صاحب العطاء، والفضل والجود.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً ——– أما بعد:——
عباد الله: إن الشعوب والأمم والدول لتعتز وتفتخر بمنجزاتها ومكتسباتها في مختلف جوانب الحياة، بل وتسعى جاهدة إلى تربية وتوجيه أبنائها للحفاظ عليها، ورعايتها وتنميتها وتطويرها، حتى يستمر عطاؤها، وتستفيد منها الأجيال بعد الأجيال.
فالمستشفيات والمدارس والجامعات، والحدائق والملاعب، والمصانع والمؤسسات والوزارات، وحقول استخراج المعادن والثروات، والجسور والشوارع والطرقات، والكهرباء والمياه، وغيرها؛ ممتلكات ومكتسبات عامة ليست ملك لأحد، بل هي ملك لجميع أفراد المجتمع، فكان الحفاظ عليها مسئولية الجميع، وهي من المال العام الذي ينبغي الحفاظ عليه، ويعتبر الاعتداء عليه بأي وسيلة أو طريقة نوع من الإفساد في الأرض، قال – تعالى -: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ? ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 85].
وقال – صلى الله عليه وسلم -: “إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة”[البخاري3118)].
قال ابن حجر: “أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعمُّ من أنْ يكون بالقِسمة وبغيرها”[فتح الباري شرْح صحيح البخاري(6/ 219)].
ويقول – عليه الصلاة والسلام -: “إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة”[الألباني في السلسلة الصحيحة (4/123)].
وقال – تعالى -: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)[البقرة: 188].
وقال أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
ويقول – عليه الصلاة والسلام – مبيناً حرمة هذه الأموال: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”[رواه مسلم4650)].
فالمال العام حرمته كبيرة، وحمايته عظيمة؛ بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته، وحرمة أخذه والتفريط فيه عندما، قال: “إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم”.
والله -تعالى- يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
وإن من ينظر إلى كثير من الممتلكات العامة يجد الإهمال والتسيب والاعتداء واضحاً على معالمها؛ فكثير من الناس لا يحافظون على نظافتها ولا أدواتها، ولا الطرق الصحيحة للاستفادة منها، ولا يقومون بإصلاح ما تلف أو تعطل منها، أو رفع ذلك إلى الجهات المسئولة عنها.
وقد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني والحدائق، وأثاث المدارس بصورة متعمدة.
ويتخذ التخريب صوراً متعددة، منها: تشويه منظرها بالكتابة عليها، أو كسر النوافذ الزجاجية منها، أو إتلاف الأشجار.
هذا من جانب الأفراد في المجتمع؛ أما العاملون والموظفون ومن يدير هذه المؤسسات والممتلكات العامة، فإن صور الاعتداء من بعض القائمين عليها تظهر في عدة جوانب: من ذلك الأخذ والاختلاس من هذه الممتلكات العامة، والاستفادة منها دون وجه حق، وقد حذر الدين من هذا الأمر؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ”[رواه أبو داود (2943) وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ومعنى الحديث: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غلول، والغلول هو الخيانة والاختلاس من أموال المسلمين، وقال – تعالى -: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 161].
وروى الإمام مسلم وغيره عن ابن عباس عن عمر – رضي الله عنهما -، قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال – صلى الله عليه وسلم -: “كلا والذي نفسي بيده إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة غلها”.
ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: “يا ابن الخطاب! اذهب فنادِ في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون”.
إن اختلاسه وأخذه من المال العام؛ هذا الشيء اليسير قبل أن يوزع على المسلمين مع جهاده وشرف صحبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يشفع له عند الله؛ فكيف بمن يعبث ويسرق ويختلس الأموال والعقار.
ألا يخاف الله؟
قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30].
عباد الله: والإهمال في هذه المؤسسات والممتلكات العامة صورة بارزة من صور الاعتداء عليها؛ فأدواتها وأجهزتها، وأثاثها ووثائقها، وأموالها ومصالح الناس فيها؛ قد تتعرض للإهمال واللامبالاة؛ فتضيع حقوق، وتهدر أموال، وتتعطل مصالح، وانظروا إلى حرص عمر بن الخطاب على المال العام؛ ليعتبر ويتعظ كل موظف ومسئول في أموال المسلمين وممتلكاتهم.
بلغ الورع بعمر بن عبد العزيز: أنه كان إذا جاء وزرائه ليلاً ليتحدثوا في أمور المسلمين أوقد لهم شمعة يستضيئوا بها؛ فإذا أكملوا حديثهم، وجلسوا يتسامرون أطفأها، وأوقد أخرى مكانها، فيسألونه لما يا عمر، قال: هذه الشمعة من بيت مال المسلمين، وكنا نتحدث في مصالحهم، أما وقد فرغنا من ذلك أوقدت سراجي، وجاءوا له بزكاة المسك، فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته، ورعاً عن المال العام، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة؛ فقال: وهل يستفاد منه إلا برائحته.
الله أكبر؛ فأين من نظر للمال العام بأنه غنيمة باردة، فأخذ ينهب منها بغير حساب.
.
حذر – سبحانه وتعالى – من ذلك، فقال: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) [البقرة: 188].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: “لعن رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – الراشي والمرتشي”[صحيح أبي داود للألباني: 3055].
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلاً من الأزد، يُقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم وهذا أُهْدي لي، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظرُ أَيُهْدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر “-أي تصيح-، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: “اللهم هل بلغت” ثلاثًا [البخاري: 2597- مسلم: 1832].وقد سأل عمر – رضي الله عنه – أبا هريرة واليه على البحرين: “من أين اجتمعت له عشرة آلاف درهم؟ فأجاب أبو هريرة: خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت، فأمر بها عمر فقبضت” [أبو عبيد: الأموال 282- 283، وابن سعد: الطبقات 4: 335)].
وثبت أن عمر – رضي الله عنه – عاقب الصحابي أنس بن مالك؛ لأنه فرط في حفظ ستة آلاف درهم من الأموال العامة؛ استودعها عند أنس، فضمنه إياها.
ويبدو من السياق أن عمر شعر بوجود إهمال في حفظها، ولم يتهم أنسًا بالخيانة والسرقة؛ لكنه تحملها لمجرد الإهمال في حفظها.
نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يوفقنا لكل خير، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل.
قصة سيدنا عمر بن الخطاب وحرمة المال العام .. هكذا خلع رادءه وجري وراء ابل الصدقة الخليفة الراشد الثاني سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في يوم شديد الحرارة يجري مهرولا يتلفت لأحد وكأنه لا يري الإ الوصول إلي مراده وهدفه فقط دون أن يعبأ حتى بمن ينادون عليه .
وأثناء انطلاق فاروق الأمة لمحه ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فسأل خادمه: من هناك يجرى هكذا؟! قال الخادم: إنه أمير المؤمنين عمر.
وفي هذه اللحظة فنادى عليه عثمان: يا أمير المؤمنين.. يا أمير المؤمنين.. لم تجري هكذا؟! فرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد شرد بعير من بعير الصدقة.
وهنا تدخل سيدنا عثمان مخاطبا ابن الخطاب : تعال يا أمير المؤمنين إلى الظل وتناول كوبا من الماء البارد وسأرسل خادمي وراءها.
ولكن الفاروق عمر لم يستمع لمطلب سيدنا عثمان بل علي العكس رد قائلا بكل خوف ووجل: دعني يا عثمان فأنا من سأسأل عنها أمام الله… ثم تابع سعيه وراء الدابة .
الفاروق عمر خلع رداء الخلافة وهرع وراء الدابة بنفسه خوفا من يوم الحساب وحفاظا علي المال العام وهو ما تكرر في موقف اخر عندما اقترض من آحاد المسلمين وتحت يده مال الدولة إذ أرسل عمر رضي الله عنه إلى عبد الرحمن بن عوف يقترض منه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: أتقترض مني وعندك بيت المال، ألا تأخذ منه ثم تردّه ؟.
عمر ابن الخطاب رد علي الصحابي المبشر بالجنة قائلا : إني أتخوّف أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك: أتركوا هذا لأمير المؤمنين؟. حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني اقترضتها منك فإذا ما مت جئت فاستوفيتها من ميراثى —– قصة عن سيدنا عمر بن عبدالعزيز —فى يوم من أيام العيد جاءت بناتُ عمر بن عبدالعزيز، وقُلْنَ له: يا أمير المؤمنين، العيد غدًا، وليس عندنا ثياب جديدة نَلْبَسُها – بناته يوم العيد لا يَجِدْنَ ثيابًا يَلْبَسْنَها – فماذا كان ردُّ أمير المؤمنين عليهِنَّ؟ – نظر إليهنَّ، وقال :يا بناتي، ليس العيد من لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد!
فقال له وزير ماليته: يا أمير المؤمنين، ما ضرَّ لو صرفنا لك راتبَ شهرٍ مُقَدَّمًا، فنظر إليه عمر نظرةَ غضبٍ، تكاد من شدة غضبها أن تهتكَ حِجاب الشمس، وقال له: ثكلتك أُمُّك، هل اطلعت على علم الغيب، فوجدتني سأعيش يومًا واحدًا بعد الآن، صدقت يا أمير المؤمنين، هل يوجد هذا اليقين عند المسلمين في دنيا اليوم؟! هل يتذكرون قول الله – تعالى -: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].
إذًا ليكنْ يقينُنا كما قال ابن عمر: “إذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح”.—قصه عمر بن الخطاب وإبل إبنه عبد الله
يخرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل عمر : إبل من هذه؟
فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر ،
فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت!
ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به.
ويأتي عبد الله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه،
فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله : ما هذه الإبل يا عبد الله ؟!
فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة، فأرسلت بها إلى المرعى- لكى تكبر وتسمن لأتاجر فيها،وأبتغي ما يبتغيه المسلمون:
فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله
قال عمر : نعم وإذا رآها الناس
قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين!
قال عبد الله: نعم يا أبتِ
قال: اذهب وبع هذه الإبل الان ،وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين . الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قَسَمَ النِّعَمَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا فِي الأَقْدَارِ وَالقِيَمِ، سبحانه جَعَلَ الأَرضَ مَهْدًا وَقَرَارًا، وَسَلَكَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مَنَافِعَ وَخَيْرَاتٍ وَثِمَارًا، أحمده – سبحانه – وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود صاحب العطاء، والفضل والجود.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً ——– أما بعد:——
عباد الله: إن الشعوب والأمم والدول لتعتز وتفتخر بمنجزاتها ومكتسباتها في مختلف جوانب الحياة، بل وتسعى جاهدة إلى تربية وتوجيه أبنائها للحفاظ عليها، ورعايتها وتنميتها وتطويرها، حتى يستمر عطاؤها، وتستفيد منها الأجيال بعد الأجيال.
فالمستشفيات والمدارس والجامعات، والحدائق والملاعب، والمصانع والمؤسسات والوزارات، وحقول استخراج المعادن والثروات، والجسور والشوارع والطرقات، والكهرباء والمياه، وغيرها؛ ممتلكات ومكتسبات عامة ليست ملك لأحد، بل هي ملك لجميع أفراد المجتمع، فكان الحفاظ عليها مسئولية الجميع، وهي من المال العام الذي ينبغي الحفاظ عليه، ويعتبر الاعتداء عليه بأي وسيلة أو طريقة نوع من الإفساد في الأرض، قال – تعالى -: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ? ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 85].
وقال – صلى الله عليه وسلم -: “إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة”[البخاري3118)].
قال ابن حجر: “أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعمُّ من أنْ يكون بالقِسمة وبغيرها”[فتح الباري شرْح صحيح البخاري(6/ 219)].
ويقول – عليه الصلاة والسلام -: “إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة”[الألباني في السلسلة الصحيحة (4/123)].
وقال – تعالى -: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)[البقرة: 188].
وقال أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
ويقول – عليه الصلاة والسلام – مبيناً حرمة هذه الأموال: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”[رواه مسلم4650)].
فالمال العام حرمته كبيرة، وحمايته عظيمة؛ بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته، وحرمة أخذه والتفريط فيه عندما، قال: “إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم”.
والله -تعالى- يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
وإن من ينظر إلى كثير من الممتلكات العامة يجد الإهمال والتسيب والاعتداء واضحاً على معالمها؛ فكثير من الناس لا يحافظون على نظافتها ولا أدواتها، ولا الطرق الصحيحة للاستفادة منها، ولا يقومون بإصلاح ما تلف أو تعطل منها، أو رفع ذلك إلى الجهات المسئولة عنها.
وقد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني والحدائق، وأثاث المدارس بصورة متعمدة.
ويتخذ التخريب صوراً متعددة، منها: تشويه منظرها بالكتابة عليها، أو كسر النوافذ الزجاجية منها، أو إتلاف الأشجار.
هذا من جانب الأفراد في المجتمع؛ أما العاملون والموظفون ومن يدير هذه المؤسسات والممتلكات العامة، فإن صور الاعتداء من بعض القائمين عليها تظهر في عدة جوانب: من ذلك الأخذ والاختلاس من هذه الممتلكات العامة، والاستفادة منها دون وجه حق، وقد حذر الدين من هذا الأمر؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ”[رواه أبو داود (2943) وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ومعنى الحديث: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غلول، والغلول هو الخيانة والاختلاس من أموال المسلمين، وقال – تعالى -: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 161].
وروى الإمام مسلم وغيره عن ابن عباس عن عمر – رضي الله عنهما -، قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال – صلى الله عليه وسلم -: “كلا والذي نفسي بيده إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة غلها”.
ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: “يا ابن الخطاب! اذهب فنادِ في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون”.
إن اختلاسه وأخذه من المال العام؛ هذا الشيء اليسير قبل أن يوزع على المسلمين مع جهاده وشرف صحبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يشفع له عند الله؛ فكيف بمن يعبث ويسرق ويختلس الأموال والعقار.
ألا يخاف الله؟
قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30].
عباد الله: والإهمال في هذه المؤسسات والممتلكات العامة صورة بارزة من صور الاعتداء عليها؛ فأدواتها وأجهزتها، وأثاثها ووثائقها، وأموالها ومصالح الناس فيها؛ قد تتعرض للإهمال واللامبالاة؛ فتضيع حقوق، وتهدر أموال، وتتعطل مصالح، وانظروا إلى حرص عمر بن الخطاب على المال العام؛ ليعتبر ويتعظ كل موظف ومسئول في أموال المسلمين وممتلكاتهم.
بلغ الورع بعمر بن عبد العزيز: أنه كان إذا جاء وزرائه ليلاً ليتحدثوا في أمور المسلمين أوقد لهم شمعة يستضيئوا بها؛ فإذا أكملوا حديثهم، وجلسوا يتسامرون أطفأها، وأوقد أخرى مكانها، فيسألونه لما يا عمر، قال: هذه الشمعة من بيت مال المسلمين، وكنا نتحدث في مصالحهم، أما وقد فرغنا من ذلك أوقدت سراجي، وجاءوا له بزكاة المسك، فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته، ورعاً عن المال العام، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة؛ فقال: وهل يستفاد منه إلا برائحته.
الله أكبر؛ فأين من نظر للمال العام بأنه غنيمة باردة، فأخذ ينهب منها بغير حساب.
.
حذر – سبحانه وتعالى – من ذلك، فقال: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) [البقرة: 188].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: “لعن رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – الراشي والمرتشي”[صحيح أبي داود للألباني: 3055].
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلاً من الأزد، يُقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم وهذا أُهْدي لي، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظرُ أَيُهْدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر “-أي تصيح-، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: “اللهم هل بلغت” ثلاثًا [البخاري: 2597- مسلم: 1832].وقد سأل عمر – رضي الله عنه – أبا هريرة واليه على البحرين: “من أين اجتمعت له عشرة آلاف درهم؟ فأجاب أبو هريرة: خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت، فأمر بها عمر فقبضت” [أبو عبيد: الأموال 282- 283، وابن سعد: الطبقات 4: 335)].
وثبت أن عمر – رضي الله عنه – عاقب الصحابي أنس بن مالك؛ لأنه فرط في حفظ ستة آلاف درهم من الأموال العامة؛ استودعها عند أنس، فضمنه إياها.
ويبدو من السياق أن عمر شعر بوجود إهمال في حفظها، ولم يتهم أنسًا بالخيانة والسرقة؛ لكنه تحملها لمجرد الإهمال في حفظها.
نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يوفقنا لكل خير، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل.
قصة سيدنا عمر بن الخطاب وحرمة المال العام .. هكذا خلع رادءه وجري وراء ابل الصدقة الخليفة الراشد الثاني سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في يوم شديد الحرارة يجري مهرولا يتلفت لأحد وكأنه لا يري الإ الوصول إلي مراده وهدفه فقط دون أن يعبأ حتى بمن ينادون عليه .
وأثناء انطلاق فاروق الأمة لمحه ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فسأل خادمه: من هناك يجرى هكذا؟! قال الخادم: إنه أمير المؤمنين عمر.
وفي هذه اللحظة فنادى عليه عثمان: يا أمير المؤمنين.. يا أمير المؤمنين.. لم تجري هكذا؟! فرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد شرد بعير من بعير الصدقة.
وهنا تدخل سيدنا عثمان مخاطبا ابن الخطاب : تعال يا أمير المؤمنين إلى الظل وتناول كوبا من الماء البارد وسأرسل خادمي وراءها.
ولكن الفاروق عمر لم يستمع لمطلب سيدنا عثمان بل علي العكس رد قائلا بكل خوف ووجل: دعني يا عثمان فأنا من سأسأل عنها أمام الله… ثم تابع سعيه وراء الدابة .
الفاروق عمر خلع رداء الخلافة وهرع وراء الدابة بنفسه خوفا من يوم الحساب وحفاظا علي المال العام وهو ما تكرر في موقف اخر عندما اقترض من آحاد المسلمين وتحت يده مال الدولة إذ أرسل عمر رضي الله عنه إلى عبد الرحمن بن عوف يقترض منه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: أتقترض مني وعندك بيت المال، ألا تأخذ منه ثم تردّه ؟.
عمر ابن الخطاب رد علي الصحابي المبشر بالجنة قائلا : إني أتخوّف أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك: أتركوا هذا لأمير المؤمنين؟. حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني اقترضتها منك فإذا ما مت جئت فاستوفيتها من ميراثى —– قصة عن سيدنا عمر بن عبدالعزيز —فى يوم من أيام العيد جاءت بناتُ عمر بن عبدالعزيز، وقُلْنَ له: يا أمير المؤمنين، العيد غدًا، وليس عندنا ثياب جديدة نَلْبَسُها – بناته يوم العيد لا يَجِدْنَ ثيابًا يَلْبَسْنَها – فماذا كان ردُّ أمير المؤمنين عليهِنَّ؟ – نظر إليهنَّ، وقال :يا بناتي، ليس العيد من لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد!
فقال له وزير ماليته: يا أمير المؤمنين، ما ضرَّ لو صرفنا لك راتبَ شهرٍ مُقَدَّمًا، فنظر إليه عمر نظرةَ غضبٍ، تكاد من شدة غضبها أن تهتكَ حِجاب الشمس، وقال له: ثكلتك أُمُّك، هل اطلعت على علم الغيب، فوجدتني سأعيش يومًا واحدًا بعد الآن، صدقت يا أمير المؤمنين، هل يوجد هذا اليقين عند المسلمين في دنيا اليوم؟! هل يتذكرون قول الله – تعالى -: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].
إذًا ليكنْ يقينُنا كما قال ابن عمر: “إذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح”.—قصه عمر بن الخطاب وإبل إبنه عبد الله
يخرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل عمر : إبل من هذه؟
فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر ،
فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت!
ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به.
ويأتي عبد الله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه،
فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله : ما هذه الإبل يا عبد الله ؟!
فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة، فأرسلت بها إلى المرعى- لكى تكبر وتسمن لأتاجر فيها،وأبتغي ما يبتغيه المسلمون:
فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله
قال عمر : نعم وإذا رآها الناس
قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين!
قال عبد الله: نعم يا أبتِ قال: اذهب وبع هذه الإبل الان ،وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين . . اللهم احفظ مصر واجعلها في امانك واحسانك
اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا
ومن كل ضيق مخرجا
ومن كل بلاء عافيه
اللهم انت ملاذنا وانت عياذنا
وعليك اتكالنا اللهم احفظ مصر من كل سوء ومكروه وفتنه
يا كريم يا كريم يا رحيم
اللهم احفظ امننا ووحدتنا واستقرارنا
اللهم اكشف الغمه
اللهم اكشف الغمه
اللهم اكشف الغمه
اللهم اجعل مصر آمنه مطمئنه ساكنة مستقره
محفوظة مصونه