الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب، وأتمَّ نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، ذو العرش رفيع الدرجات، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، اللهم صلّ وسلِّم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله وأصحابه ومن أقتفى أثرهم إلى يوم الدين؛ أما بعد: فيا أيها المسلمون: لقد تحالفت قُوَى الشرِّ على أمتنا، وأصبح الصراع عنيف، والميدان واسع، والسلاح متنوِّع، ذلك لأنَّ الصراع بين الحقِّ والباطل قائم وقديم، ومستمرُّ إلى قيام الساعة، وأمتنا اليوم تعيش في معترك فتنٍ عظيمة متنوِّعة، وتواجه حرب شعواء من قبل أعدائها، لذلك كان لزاماً على الأمة أن تأخَذ بكل أسباب ووسائل القوة حتى يرد الله عنها كيد الأعداء ويؤيدها بنصره قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾(الأنفال: ٦٠)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «المؤمنُ القَوِيُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خيرٌ احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ باللهِ ولا تَعْجَزْ فإنْ أَصابَكَ شيءٌ فلا تقولنَّ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كان كذا وكذا ولكنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وما شاءَ فعلَ فإن لوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان» رواه مسلم.
أولاً: القوة العلمية؛ لقد كان لأمتنا سبقاً فى الإبداع والعلوم والمعارف؛ ولا عجب فأول ما نزل من القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يعلم﴾( العلق:١-٥)، لقد تجاوب أسلافنا الكرام مع دعوة القرآن الكريم إلى العلم فصاروا رواد للعلم والمعرفة؛
– فأضافوا إلى علم الهندسة ما لم يعرفه غيرهم واستخدموا الجبر في حل بعض مسائل الهندسة كما استخدموا الهندسة في حل بعض مسائل الجبر فكانوا أول من وضع أسس الهندسة التحليلية وكان من أعظم علماء العرب في الرياضيات الخوارزمي والطوسي والبيروني والبتاني ولقد ترجمت مؤلفاتهم إلى اللاتينية وانتفعت بها أوربا في بناء الحضارة الغربية الحديثة.
– وفى ميدان الطب نبغ أبوبكر الرازي الذى ترك تراثاً كبيراً من المؤلفات من ذلك؛ كتاب الجُدري والحصبة وكتاب به أبحاث خاصة بالنقرس والحصوة، وأمراض الكلى والمثانة وأمراض الأطفال وقد طبع هذا الكتاب في أوروبا في الفترة ما بين عامي ١٤٩٨ – ١٨٦٦ حوالى أربعين مرة.
– كذلك كان من أشهر أطباء العرب الطبيب الرئيس ابن سينا، ومن أعظم مؤلفاته كتاب القانون في الطب الذى اعتبره الأوروبيون خير ما أنتجته العقلية العربية.
– ومن أبرز علماء الجغرافيا العرب الشريف الإدريسي صاحب كتاب “نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والجزر والمدائن والآفاق” ولقد وضع الإدريسي أكثر من أربعين خريطة بالكتاب وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية وطبع، وصنع الإدريسي كرة سماوية وخريطة للعالم على شكل قرص ووضح مواقع البلدان.
قال الكاتب الفرنسي جوتيه: إن الإدريسي كان هو الاستاذ الذى علم أوربا هذا العلم.
هذا هو ما وصل إليه أسلفنا من النبوغ في كل العلوم والفنون والآداب حتى صارت أمتنا رائدة للعلم والمعرفة.
– وجابر بن حيان يبرع في علم الكيمياء، والحسن بن الهيثم كان أول من فكر في آلة التصوير الفوتوغرافي.
– ولقد أهتم المسلمون بتدوين العلوم حفاظاً عليها ولتستفيد الأجيال منها فطلب الخليفة أبو جعفر المنصور من الإمام مالك رضي الله عنه أن يدون الموطأ وازدادت النهضة التدوينية أيام هارون الرشيد، وبلغت نهضة التدوين غايتها في عصر المأمون الذى كان قد جعل مجلساً للعلماء والأدباء وكانت تدور في المجلس المناظرات العلمية وقام العلماء بالتدوين في مختلف العلوم والفنون والآداب؛ كما ترجموا الكثير من المخطوطات اليونانية والفارسية، والسريانية فأحدث ذلك حركة فكرية ضخمة امتلك بها العرب العلوم العربية والإغريقية، وقدموها ناضجة لجميع الأمم فكان ما بذلوه من جهد سبيلاً لإسعاد الإنسانية وإعماراً للكون.
– لقد شهدت إبداعات أسلافنا الكرام لما كانوا عليه من قوة علمية فكرية ونبوغ حضارى فى حين كان الكثيرون يتخبطون فى ظلمات الجهل والضعف.
ومن هذا المنطلق يجب على المسلمين أن يأخذوا بكل وسائل العلم والمعرفة حتى يلحقوا بركب التقدم والتطور التكنولوجى المعاصر وأن يتخدوا من العلم قوة فى مواجهة التحديات المختلفة التى تتوالى عليهم تترا..
ثانياً: القوة الإقتصادية؛ لقد جعل الله عز وجل قوة الأممِ وبقاءَها مرتبط ارتباطاً كبيراً بقوة إقتصادها من أجل ذلك جاءت دعوة الإسلام إلى العمل والكفاح من أجل بناء إقتصاد قوى؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(التوبة: ١٠٥)، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾( الجمعة: ١٠)، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾(الملك: ١٥)، وعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه أحمد.
وهذا أبلغ دليل على أن العمل مطلوب لذاته،
– والمسلم عليه أن يظل عاملاً منتجاً حتى نهاية الحياة وهذه قِمَّة الإيجابية لأنَّ العمل الصالح في حدِّ ذاته عبادةٌ، سواء قطَف فاعلُه الثمرةَ بنفسه، أو استفاد منه غيره من المخلوقات فعن جابر بن عبد الله، عن النَّبيِّ ﷺ أنه قال: «ما من مسلم يَغْرِسُ غرسًا إلا كان ما أُكِلَ مِنهُ له صدقةً، وما سُرقَ له منه صدقةٌ، وما أكل السَّبُعُ منه فهو له صدقةٌ، وما أكلتِ الطيرُ فهو له صدقةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلا كان له صدقةٌ» رواه مسلم.
– ولقد كان من هدى سيدنا رسول الله ﷺ تحويل البطالة إلى طاقة إنتاجية فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النبي ﷺ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: «أَمَا في بَيْتِكَ شَىْءٌ» قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ قَالَ: «ائْتِنِى بِهِمَا» فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ الله ﷺ بِيَدِهِ وَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِى هَذَيْنِ» قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ:
– لقد كان رسول الله ﷺ حريصاً على تربية المؤمنين على العفة والاستغناء عن الخلق والجدية والسعي وبذل المجهود لكسب الحلال من أجل بناء إقتصاد قوى.. فما أحوج أمتنا إلى قوة إقتصادية حتى تستطيع أن تمتلك حريتها، وكما قيل إذا أردنا أن تكون كلمتنا من رأسنا فلابد من أن تكون لقمتنا من فأسنا، فقوة الإقتصاد من أهم أسباب البقاء للأمم خاصة فى وسط التكتلات الإقتصادية الكبرى،
ثالثاً: القوة فى تحمل المسؤلية؛ لقد ضرب أسلافنا الكرام رضى الله عنهم أروع الأمثلة في قوة تحمل المسؤلية من ذلك؛
– الصديق رضى الله عنه يضرب أروع الأمثلة في قوة حفظ الأمانة؛ لما نزل الموت بأبي بكر الصديق رضى الله عنه أوصى عائشة فقال: الناقة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبغ فيها والقطيفة التي كنا نلبسها كنا نتفع بذلك حين كنت ألي أمر المسلمين فإذا مت فرديه إلى عمر بن الخطاب فلما مات الصديق رضي الله عنه أرسلت عائشة بهذه الأشياء إلى عمر رضى الله عنه فقال عمر : رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك؟!
–والفارو على الدرب؛ يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه خلف بكرين من الإبل من إبل الصدقة يريد أن يدخلهما في الحمى خوفاً من أن يضيعا فيسأله الله تعالى عنهما وكان ذلك في يوم شديد الحر كأنه نفخ السموم فرآه عثمان بن عفان رضى الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك؟ قال عمر رضى الله عنه: عد إلى ظلك يا عثمان فقال عثمان رضى الله عنه: «من أحب أن ينظر إلى القوى الأمين فلينظر إلى هذا» رواه ابن الأثير في أسد الغابة.
– وهذا التابعي الكبير عامر بن عبدالله التميمي رضى الله عنه لما انتصر المسلمون على الفرس في معركة القادسية بقيادة البطل المغوار سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه وكان سعد قد أمر بجمع الغنائم وتقويمها وبينما الناس كذلك إذ برجل يأتي وهو يحمل صندوق قد ملئ بالأشياء النفيسة غالية الثمن ووضعه عند من يقومون على جمع الغنائم وولى منصرفاً فقالوا له: يا هذا أين وجدت هذا الكنز العظيم؟ فرد قائلاً: غنمته في المعركة في مكان كذا قالوا: هل أخذت منه شيئاً؟ قال: معاذ الله إن كنوز كسرى وما ملكه الفرس لا يساوى عندي قلامة ظفر ولولا أنى مؤتمن ومسؤول أمام الله ما أتيتكم بهذا الكنز فسألوه من أنت يرحمك الله؟ فرفض أن يخبرهم باسمه حتى لا يكافؤه أو يحمدوه على أمانته، وأيضاً رفض أن يخبرهم باسمه حتى يحافظ على إخلاصه فتبعه رجل منهم فعلم أنه عامر بن عبدالله التميمي.. لقد أعطى أسلافنا الكرام رضي الله عنهم القدوة الصالحة فى القوة وحفظ الأمانات، فما أحوحنا إلى مثل هذا النوع من القوة!!
رابعاً القوة فى حماية الحق؛ لقد ربى سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه الكرام رضى الله عنهم على القوة في حماية الحق فكان ممن تحدث الركبان بشجاعتهم وتواترت الأخبار بقوتهم؛
– على بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، وأبو دجانة، والقعقاع بن عمرو التيمي، والمثنى بن حارثة الشيباني، وأبو عبيدة بن الجراح،
– وكان بعضهم يقدر بألف رجل. فقد طلب عمرو بن العاص المدد من الخليفة عمر رضي الله عنه عندما أبطأ عليه فتح مصر فأمده عمر بأربعة آلآف رجل على كل ألف رجل يقوم مقام الألف وهؤلاء هم: الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد فرضى الله عنهم وأرضاهم.
– وهذا حنظلة بن اليمان رضي الله عنه يضرب أروع الأمثلة فى قوة الإيمان؛ إنه شاب بنى بعروسه ليلة أُحد وخرج ملبياً للنداء حي على الجهاد وهو جُنب ولم يفكر لحظة هل سيعود من جهاده لعروسه أم أنه سيقتل في المعركة، إننا أمام جيل فريد من نوعه فعن عبدالله بن الزبير رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول عند قتل حنظلة بن أبى عامر: «إن صاحبكم تغسله الملائكة فسألوا صاحبته عنه – زوجته – فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب. فقال رسول الله ﷺ: «لذلك غسلته الملائكة»، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة: ١١١)، إن الحق يحتاج إلى قوة تحميه، وما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة!!
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الأخذ بكل وسائل القوة وأسبابها مطلب شرعى وهدى نبوى كريم
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد: فيا أيها المسلمون: إن القوة المحمودة هي التي تستعمل في حماية الحق والدفاع عنه، ورفع الظلم عن الضعفاء، وأما القوة
التى تستخدم فى العدوان على حقوق الضعفاء وقتل الأبرياء وإحتلال الأراضي، والإعتداء على المقدسات فإنها تمثل دماراً على الإنسانية كلها.
وصدق القائل:
الله خلق الشعوبا جميعاً سواسيا
لا رب بينهم ولا مربوبا
لن يستقيم لكم سلام ما شكا
شعب ضعيف حقه المغصوبا
خامساً: القوة التى تحقق السلام؛ لقد ذم الله عز وجل القوة التى تساند الباطل ولا ترحم الضعيف؛ قوة الكبرياء والبغى في الأرض بغير الحق؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ﴾(غافر: ٢١)، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾(فصلت: ١٥)،
– وبينما الصحابة الكرام رضى الله عنهم جلوس إذ مَرَّ بهم رجل عظيم فَقالَ النبى ﷺ: «ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ يُسْتَمَعَ؛ ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: «ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْتَمَعَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ من مِثْلَ هذا» رواه البخارى.
فالمعول عليه فى الخيرية قوة الإيمان وتقوى الله عز وجل.
– استخدام القوة بغير وجه حق وظلم الناس والإعتداء عليهم مُحرم؛ فعن أبى مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: «كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ» رواه مسلم.
– ولقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عماله: «أمَّا بَعدُ، فإذا دَعَتك قُدرَتُك على النَّاسِ إلى ظُلمِهم، فاذكُر قُدرةَ اللهِ تعالى عليك، ونَفادَ ما تَأتي إليهم، وبَقاءَ ما يأتونَ إليك»
– وقال مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنهما:«إنِّي لأستَحي أن أظلِمَ مَن لا يجِدُ عليَّ ناصِرًا إلَّا اللهَ»
لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً
فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ
– فينبغى للعاقل أن يستخدم قوته فى إعانة الخلق ونصرة المظلومين، ولقد أرشدنا سيدنا رسول الله ﷺ إلى ذلك؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، قالَ: تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ و الآفاتِ و الهلكاتِ، و أهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ» رواه السيوطى.
– وكذلك فإن على المسلم أن يتجرد من حوله وقوته ويلوذ بربه جل وعلا؛ فعن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ، ألا أعَلِّمُك كَلِمةً هي من كنوزِ الجنَّةِ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ» رواه أحمد والنسائى والحاكم.
قال النووى: قال العلماء: سبب ذلك أنها كَلِمة استسلامٍ وتفويضٍ إلى اللهِ تعالى، واعترافٍ بالإذعانِ له، وأنَّه لا صانِعَ غَيرُه، ولا رادَّ لأَمْرِه، وأنَّ العبدَ لا يَملِكُ شيئاً من الأمرِ.
فاتقوا الله عباد الله: واستغلوا ما وهبكم الله عز وجل من قوة فى الخير وإسداء المعروف، والسعى فى حاجات الفقراء والمساكين.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.