“وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ”
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
يَا أَيُّهَا النَّاس، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فتقوى الله هي زاد المؤمن وسلاحه في مواجهة التحديات والصعوبات. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” (الأنفال: 60). هذه الآية الكريمة دعوة لنا جميعًا للاستعداد والتأهب بأقصى طاقة وجهد لمواجهة التحديات والحفاظ على أمن الأمة وسلامتها.
أيها المؤمنون،
إنَّ مفهوم الإعداد في الإسلام واسعٌ وشامل، فهو ليس فقط على مستوى تجهيز العتاد، بل يشمل كافة مجالات الحياة التي تُعين المسلم على تحقيق الغاية من وجوده، ألا وهي عبادة الله وتعمير الأرض. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” (رواه مسلم)، فالقوة هنا قوة إيمانية، وأخلاقية، وعلمية، وجسدية، واقتصادية، لأنّ المسلم إذا قَوِيَ في هذه المجالات كان قادرًا على النهوض بمجتمعه ومواجهة تحدياته.
أيها الأحبة في الله،
لقد دعانا الإسلام إلى امتلاك أنواع مختلفة من القوة، ومن أهمها:
القوة الإيمانية: والتي تعني أن يكون المسلم قويًا في عقيدته وإيمانه، ثابتًا على منهج الله، يقينه بالله عظيم، فلا يهتزّ في مواجهة الصعاب. يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ” (الصف: 14).
القوة العلمية والفكرية: فالأمة التي تمتلك العلم والمعرفة قادرة على مواجهة أعدائها، وتحقيق استقلالها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة” (رواه مسلم). وهذا يُبيّن أهمية العلم كوسيلة لنهضة الأمة، وبناء قوتها الفكرية لمواجهة تحديات العصر.
القوة الاقتصادية: فالله سبحانه أمرنا بالعمل والسعي لكسب الرزق وتجنب الفقر الذي قد يجعل الأمة عرضة للذل والاحتياج. يقول الله تعالى: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (البقرة: 195). فالقوة الاقتصادية تُعزز مناعة الأمة واستقلالها، وتجعلها قادرة على مواجهة التحديات من غير حاجة لغيرها.
أيها المسلمون،
إنّ الإعداد والقوة لا يعنيان العنف أو الظلم، بل إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإعداد للردع، وليس للتعدي. يقول الله تعالى: “تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”، أي نُرهب أعداءنا حتى لا يعتدوا علينا ولا يفكروا في ذلك. فالقوة التي نتحدث عنها هي قوة رادعة، وليست مُعتدية، هي قوة تُحقق الأمن، وتمنع التعدي، وتوفر للأمة بيئةً آمنةً مستقرة.
عباد الله،
لا يتحقق هذا الإعداد إلا بمسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع. كلّ منا مسؤول عن إعداد نفسه، وتقوية إيمانه، وتطوير علمه، وتحصين اقتصاده. ويقع على عاتق الأسرة مسؤولية تربية الأبناء ليكونوا قادرين على مواجهة التحديات، وتعمل المؤسسات على تنمية الأجيال ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (رواه البخاري ومسلم)، وهذا يشمل الرعاية لكلّ ما يحقق الإعداد المطلوب.
لذ يجب أن نحرص على الاستعداد بكل ما أوتينا من طاقة، فلا ندع فرصة للتعلم، أو لزيادة الإيمان، أو لتنمية القدرات إلا وانتهزناها. ونسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من عباده المستعدين دوماً لمواجهة التحديات، وأن يرزقنا القوة في الدين والدنيا.
اللهم اهدنا واهد بنا، وأصلح أحوالنا، وأعنّا على ما يرضيك عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.