الجمعة ١٥ من ربيــع الآخر ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ١٨ من أكتوبر ٢٠٢٤ ميلادياً
إعداد الشيخ / أيمن حمدى الحداد
عناصر الخطبة:
أولاً: من صور التنمر والسخرية.
ثانياً: التقوى هى ميزان التفاضل.
ثالثاً: وسائل العلاج.
نص الخطبة:
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن أتبع هداهم إلى يوم الدين؛ أما بعد: فيا أيها المسلمون: لقد حذر ديننا الحنيف من الإساءة إلى الآخرين أو السخرية منهم أو التنمر بهم بأي وسيلة، قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾(اﻷحزاب: ٥٨)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾(الأحزاب:٦٩)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسولُ اللهِ ﷺ المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال: «يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ» رواه الترمذي.
لا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا
فَيَهْتِكَ الله سِتْراً مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إِذَا ذُكِرُوا
وَلا تَعِبْ أَحَداً عَيْباً بِمَا فِيكَا
ومن المعلوم أن التنمر والإستهزاء لم يسلم منه نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الحد الذي وصف الله عز وجل هذا الفعل بوصية المجرمين لبعضهم بعضاً كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾(الذاريات: ٥٢-٥٣)، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾(الانعام:١٠)،
ولقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من التنمر والسخرية بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل أقوامهم من ذلك؛
– تنمر وسخرية قوم نوح من نوح عليه السلام قال تعالى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾(هود: ٣٨)،
– تنمر فرعون لعنه الله من موسى عليه السلام قال تعالى: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾(الزخرف: ٥٢)،
– تنمر وسخرية المشركين بسيدنا رسول الله ﷺ؛ قال تعالى: ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾(القلم:٥١-٥٢)،
قال القرطبي: وأن مرادهم بالنظر إليه قتله، ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك.
قال الهروي: أراد ليعتانونك بعيونهم، فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوةً لك.
أولاً: من صور التنمر والسخرية؛
– التنمر والسخرية من شكل الإنسان وخلقته؛ وهذا ما حدث مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما صعد شجرة الأراك ليأتي بسواك، وكانت ساقه دقيقة فضحك الناس فقال سيدنا رسول الله ﷺ: «مم تضحكون؟» فقالوا: من دقة ساق ابن مسعود يا رسول الله، فقال النبي ﷺ: «لهما أثقل عند الله عز وجل في الميزان من جبل أحد»، وذلك لأن العبرة بالتقوى؛ فعن أَبي هُريرةَ عن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لا يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ» متفقٌ عَلَيه.
قال تعالى: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾(الكهف: ١٠٥)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ للنبيِّ ﷺ حسبُك من صفيةَ كذا وكذا – تعني قصيرةً – فقال: «لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته» رواه أبودواد.
– ومن التنمر السخرية بالضعفاء؛ فقد يكون الإنسان فقير ضعيف فيراه البعض أنه لا قيمة له، فيتنمرون به، وينكتون عليه، وربما كان عند الله عز وجل أفضل من الكثيرين؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «رُبَّ أشعثَ أغبَرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ» رواه مسلم.
وفي رواية: «رُبَّ أشعَثَ ذي طِمْرَيْنِ لو أقسَم على اللهِ لَأبَرَّه» رواه ابن حبان.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم» رواه مسلم..
– ومن صور التنمر والسخرية التنابز بالألقاب؛ وهو نداء الآخرين بصفة تضايقهم أو الإشارة إليهم بها أمام الناس، ولقد حذر الله عز وجل من ذلك؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚوَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(الحجرات: ١١)، وعن أَبي ذَرٍّ قَالَ: «إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قِيلَ: إِنَّ الرَّجُل الْمَذْكُور هُوَ بِلَال الْمُؤَذِّن مَوْلَى أَبِي بَكْر.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ صفيةَ أن حفصةَ قالت: بنتُ يهوديٍّ فبكت فدخل عليها النبيُّ ﷺ وهي تبكي فقال: «ما يُبكيكِ؟ فقالت: قالت لي حفصةُ إني ابنةُ يهوديٍّ فقال النبيُّ ﷺ: «إنك لابنةُ نبِيٍّ وإن عمَك لنبيٌّ وإنك لتحتَ نبِيِّ فبِمَ تفخرُ عليك؟ ثم قال اتقي اللهَ يا حفصةُ» رواه الترمذي.
قال ابن عباس ومجاهد: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
أي: لا يطعن بعضُكم على بعض.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب﴾؛ أي: لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخصَ سماعُها.
وقوله جل وعلا: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ أي: بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب – كما كان أهل الجاهلية يتناعتون – بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾، أي: من هذا ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، أن بحسبه من الشر بتنمره أن يؤذي أخاه المسلم أو يحقره أو يكون تجاههُ طعاناً معتدياً أثيماً قد أسلم قياده للشيطان.
– التنمر بالمتصدقين بالقليل، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(التوبة: ٧٩)،
قال البغوي فى معالم التنزيل: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ﴾الْآيَةُ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بأربعة آلاف دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ»، فَبَارَكَ اللَّهُ في مال عبد الرحمن حَتَّى إِنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْم مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَجَاءَ أبو عقيل الأنصاري واسمه الحبحاب بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي وأتيتك بالآخر، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إلا رياءً وإن كان اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يذكر فيمن أعطى الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾.
أَيْ: يَعِيبُونَ، الْمُطَّوِّعِينَ الْمُتَبَرِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَاصِماً.﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾، أَيْ: طَاقَتُهُمْ..
– التنمر بالسائل والتعرض له بالأذى، قال تعالى:﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(البقرة:٢٦٢-٢٦٤)، وقال تعالى:﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ (الضحى: ١٠)، فينبغى للمسلم أن يعامل السائل برفق ولين إن وجد أعطاه وإن لم يجد ما يعطيه فليرده بكلمة طيبة.
ثانياً: التقوى هى ميزان التفاضل؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات:)، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ» رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، والبيهقي في شعب الإيمان.
– ولقد مرَّ على سيدنا رسولِ اللهِ ﷺ رجلٌ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «ما تقولونَ في هذا الرَّجلِ؟ قالوا: رأيَكَ في هذا، نقولُ: هذا من أشرافِ النَّاسِ، هذا حريٌّ إن خطبَ، أن يخطَّبَ، وإن شفعَ، أن يشفَّعَ، وإن قالَ، أن يسمعَ لقولِهِ، فسَكتَ النَّبيُّ ﷺ، ومرَّ رجلٌ آخرُ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «ما تقولونَ في هذا؟ قالوا: نقولُ، واللَّهِ يا رسولَ اللهِ، هذا من فقراءِ المسلمينَ، هذا حريٌّ إن خطبَ، لم ينْكح، وإن شفعَ، لاَ يشفَّع، وإن قالَ ، لاَ يسمع لقولِهِ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «لَهذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا» رواه ابن ماجة.
اللـــــــه قد أثنى عليك
فهل لمن أثنى عليه الهـــــــه اطراء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
فالكل فى حق الحياة سواء
لو أن انسانا تخير ملــــــــة
ما اختار إلا دينك الفقــــــــــراء
– وعن أنس رضى الله عنه أنَّ رجلًا مِن أهلِ الباديةِ كان اسمُه زاهِرًا وكان يُهدي إلى النَّبيِّ ﷺ الهَديَّةَ فيُجَهِّزُه رسولُ اللهِ ﷺ إذا أراد أن يخرُجَ فقال رسولُ اللهِ ﷺ إنَّ زاهرًا بادِيَتُنا ونحن حاضِروه وكان النَّبيُّ ﷺُ يُحِبُّه وكان دَميمًا فأتى النَّبيُّ ﷺ يومًا وهو يبيعُ متاعَه فاحتَضَنه مِن خَلفِه وهو لا يُبْصِرُه فقال أرْسِلْني مَن هذا؟ فالتفَت فعرَف النَّبيَّ ﷺ فجعَل لا يَأْلو ما ألصَقَ ظَهرَه بصَدرِ النَّبيِّ ﷺ حينَ عرَفه وجعَل النَّبيُّ ﷺ يقولُ: «مَن يشتري العبدَ؟
فقال يا رسولَ اللهِ: إذن تجِدَني كاسِدًا فقال النَّبيُّ ﷺ: «لكنَّك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسِدٍ أو قال عندَ اللهِ أنت غالٍ» الأصابة لابن حجر.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الاسلامُ سلمانَ فارسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبْ
– ولقد جأء فى الحديث: «أَنَّ امْرأَةً سَوْداءَ كَانَتَ تَقُمُّ المَسْجِد -أَوْ: شَابًّا- فَفقَدَهَا رسولُ اللَّه ﷺ، فَسَأَلَ عَنْهَا – أَوْ: عنْهُ – فقالوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي، فَكَأَنَّهُمْ صغَّرُوا أَمْرَهَا –أَوْ: أَمْرهُ- فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فدلُّوهُ، فَصلَّى عَلَيه، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ» متفقٌ عَلَيهِ.
فاتقوا الله عباد الله: ولا تزدروا خلق الله، ولا تنمروا بهم، واعلموا أن تقوى الله عز وجل هى ميزان التفاضل بين الناس جميعاً، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ومَن أبطَأ به عمَلُه لَمْ يُسرِعْ به نسَبُه» رواه بن حبان.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد: فيا أيها المسلمون: إن للتنمر والسخرية تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع
فنجد أن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر يصابون بأمراض عقلية ونفسية وجسدية واجتماعية، كما يشعرون بحالة من الاكتئاب الحاد والقلق، ويميلون إلى الوحدة ويعيشون فى حالة من الحزن، الذي قد يودي بهم إلى الانتحار فى نهاية المطاف؛ لذلك كان التَّنمر من السلوكيات المرفوضة التي تُنافي قيمتي السلام وحسن الخلق في ديننا الحنيف؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نهى الله عنه» رواه البخارى.
والمتنمر بالناس يأتى مفلساً يوم القيامة، فعن
أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار» رواه مسلم.
ثالثاً: وسائل العلاج؛ لقد وضع ديننا الحنيف العلاج الشافى لتخلص من داء السخرية والتنمر بالآخرين من ذلك:
– التحلى بمكارم الأخلاق، وترويض النفس على الرفق واللين؛ قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾(الإسراء: ٥٣)، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» أخرجه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا» رواه البخاري.
وقال ﷺ: «أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ» أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
– ولقد نهى ﷺ عن كل ما يُروع الناس، فقال: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ –أي: وَجَّهَ نحوه سلاحًا مازحًا أو جادًا- فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» أخرجه مُسلم..
– التربية منذ الصغر على الأحترام وصيانة اللسان؛ قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾(النساء: ١٤٨)، وقال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾(ق: ١٨)، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: «ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم»رواه أحمد.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ» متفق عليه.
وعن أَبي شُريْحٍ الخُزاعيِّ: أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ» رواه مسلم.
– بناء الشخصية لتكون قدوة حسنة في المجتمع من خلال التحلى بما يُهذبها؛ قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾(الشمس: ٧-١٠)، لقد حث ديننا الحنيف على بناء الشخصية الإيجابية حتى تصبح متوازنة لا تتنمر بأحد من الناس ولا تسخر منه، وأن يكون التعامل بين الناس قائم على الإحسان، والرحمة، والإخاء وتقريب القلوب والتآليف بينها،
والعمل على تعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية، قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾(الفرقان: ٦٣)، وعن جابر رضي الله قال رسول الله ﷺ: «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس»رواه الدار قطني.
فاتقوا الله عباد الله: وتحلوا بمكارم الأخلاق وإياكم وسيئها، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
وأقم الصلاة