خطبة بعنوان : لا يسخر قوم من قوم للشيخ أحمد عبدالله عطوة

إعداد / الشيخ أحمد عبدالله عطوة

عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟

1/التحذير من الوقوع في السخرية

2/ بيان عواقب السخرية من الآخرين

3/ التحذير من اتخاذ السخرية فنا أو حرفة

إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له،

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ،

وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))،

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .

يا أهل الإيمان : نداء من نداءت الرحمن لكم فأرعوه قلوبكم وأسماعكم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) .

بنو سلِمة قوم من الأنصار وكانت تكثر فيهم الألقاب والمعايير يقول أبو جبيرة بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه: “فينا بني سَلِِمة نزلت هذه الآية ( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )”، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يا فلان”، فيقولون مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم ، فنزلت الآية ” [رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وصححه الألباني] .

عباد الله:

خُلقٌ من الأخلاق الذميمة ومرضٌ من الأمراض الاجتماعية السقيمة إنه السخرية والاستهزاء بالآخرين .

إنه خُلُقٌ من أخلاق الكافرين المجرمين (( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ))، فكم سخر الكافرون من أنبيائهم وأتباع الأنبياء المؤمنين،((بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ )) .

إنه خُلُقُ المنافقين، فمن مقولة المنافقين: ((إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ))، وهم الذين كانوا: ((يلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصِّدَقَاتِ)).

أما المؤمنون ،، فهم إخوة لا يسخر بعضهم من بعض، بل هم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، مجتنبين نهي ربهم: ((وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)) أي: لا يلمز بعضكم بعضا، فجعل الملموز بمنزلة النفس، وليس من اللائق ولا من العادة أن يلمز الإنسان نفسه، فكان في هذا تنفير بليغ من هذا الخلق الذميم لأن المؤمنين ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) .

أيها الناس: السخرية والاستهزاء، حرام حرام بين المؤمنين أهل الإسلام، وفاعلها يستحق اسم الفاسقين الظالمين، سواء كانت بالهمز أو اللمز أو النبز أو الغمز أو كانت بالتعيير أو التهكم ((وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))، ويتوعد الله تعالى على هذا الخلق الذميم فيقول: ((وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة))، والهماز: هو الذي يعيب الناس ويتنقصهم بالأفعال، كحركة الرأس والعين والفم واليد ونحوها، واللماز: هو الذي يعيب الناس بالقول .

((ويل لكل همزة لمزة)) مَنْ الذي يَتَوَعَّد؟ إنه العظيم القوي القادر شديد العقاب، ذي البطش الشديد القائل : ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ))، والقائل: ((إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)) .

فويلٌ للساخرين بالمؤمنين، وسيقول المفرط يوم الدين: ((يَا حَسْرَتَى عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ))، روى البخاري في صحيحه من حديث المعرور قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ -رضي الله عنه- بِالرَّبَذَة ِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أبا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إنك امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخوانكم خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ » .

نعم والله.. إن السخرية بالناس جاهلية ومن فعل أهل الجاهلية.

قالت عائشة رضي الله عنها : قلت يوماً عند النبي صلى الله عليه وسلم : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا – تعني أنها قصيرة – فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

يا ألله ،، ما أقبح السخرية، وما أشنع عاقبتها، وما أنتنها ، كلمة واحدة من السخرية تعكر ماء البحر كله بنتانتها ، فكيف بكلمات وعبارات وحركات ورسائل مكتوبة وصور ومقاطع. فاتقوا الله يا أهل الإيمان ولا تُعرضوا أنفسكم لغضب الديان، فكما تدين أيها الإنسان تدان .

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من المواعظ والحكمة ، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

أيها المسلمون:

ومن ذلك: الاستهزاء بالأنبياء والرسل:

فالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام – وهم أشرف خلق الله – لم يَسْلموا من سخرية أقوامهم واستهزائهم بهم. هكذا كان دأب الكافرين في كل الأمم؛ يسخرون من رسلهم وأنبيائهم، ويتهمونهم بكل عيب ونقيصة، كما أخبر الله تعالى بذلك عنهم: (يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ). وقال عز وجل: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 52، 53]. كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون، وما تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد، تجمع بين المنحرفين من الغابرين واللاحقين.

فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقابله قومه بالسخرية والاستهزاء، يضحكون منه ويسخرون منه حين رأوه يصنع السفينة في الصحراء؛ قال الله تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [هود: 38، 39].

وهذا نبي الله هود عليه السلام أرسله الله إلى عاد فسخروا منه: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جئتنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بتارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقولُ إِلَّا اعْترَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) [هود: 53].

وهذا نبيّ الله صالح عليه السلام أرسله الله إلى ثمود فأجابوه بهذا الجواب: (قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 75 – 77].

وهذا نبي الله لوط عليه السلام أرسله الله إلى قومه فنهاهم عن فاحشة اللواط، وإتيان الرجال شهوة من دون النساء: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [النمل: 56].

وهذا شعيب عليه السلام يقابله قومه بالسخرية والاستهزاء فيصبر ويحتسب، قال الله عنهم: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود: 87].

أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقى من الاستهزاء والسخرية ما تتفطر له القلوب، واجه صلى الله عليه وسلم سخرية قبائل العرب المشركين في الفترة المكية، وواجه سخرية واستهزاء المنافقين واليهود في الفترة المدنية.

قال الله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 41، 42].

وقال عز وجل: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

وفي شأن المنافقين الذين يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويزعمون أن ذلك مجرد لعب ومزاح، نزل قول ربنا سبحانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65، 66].

نسأل الله السلامة والعافية، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
اللهم ربنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لنا مغفرةً من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا يحي يا قيوم نسألك أن تغفر لنا وتغيثنا غيث الرحمة، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين … اللهم يا من لا يملك إنزال الغيث غيره أسقنا وأغثنا .. اللهم أغثنا غيثاً مغنياً سحاً غدقاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار اللهم سقيا رحمة…لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.. اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا غيثا عاجلاً غير آجل تحيي به البلاد وتغيث به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم أغث البلاد وانشر رحمتك على العباد واجعله بلاغاً للحاضر والباد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم لا تردنا خائبين ولا من رحمتك يائسين يا رحمن يا رحيم . اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.