خطبة بعنوان : لا يسخر قوم من قوم للشيخ أحمد عزت

العناصر

١- – موقف الإسلام من التنمر

٢- سبق الإسلام لمحاربة التنمر

٣- أنواع التنمر

٤- أسباب التنمر

٥- علاج التنمر

الموضوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد

أولًا: موقف الإسلام من التنمر

لقد حذر الإسلام من الإساءة إلى الآخرين وتجريحهم بالقول أو الفعل أو السخرية منهم بأي طريقة كانت، وهو ما يصطلح عليه حاليًا بالتنمر وإن القرآن أكد في مختلف الآيات على حرمة ذلك مستخدمًا عبارات دقيقة جدًا تصب في مفهوم التنمر، فحذر من ذلك في سورة الهمزة متوعدًا من يقوم بهذه السلوكيات العدائية بالقول: «ويل لكل همزة لمزة» في إشارة إلى من يقوم بالطعن في الناس ويعيبهم ويتحدث فيهم بما يكرهون لما في ذلك من أذى لهم،

ويدع الإسلام إلى الأخلاق والآداب الإسلامية الحسنة، وإلى البعد عن الأخلاق السيئة ومنها التنمّر؛ ففيه سخرية وتهكّم على الناس، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).[الحجرات] فالآية الكريمة تنهى عن الاستهزاء بالآخرين أو إهانتهم، كما تنهى -أيضًا- عن لمز الناس؛ بأن نقول لهم ما يُهينهم، أو يُحقّرهم ويصغّرهم، فالسخرية هي الأخرى تدخل ضمن التنمر

بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك عندما نهى عن التنابز بالألقاب؛ فلا يجوز مناداة الأشخاص بأسماء، أو صفات سيئة يكرهون سماعها. بل لا مزاح فيه، لما في ذلك من شحن للأنفس بالضغائن، بل اعتبره كمن كفر بعد إيمانه ليؤكد على خطورة هذا السلوك «ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان».

فالسلوك البشري العدواني مستقبح في الفطر السليمة، وما وظيفة الأديان إلا التأكيد على قبحه، والتوعد على فعله، والترغيب في البعد عنه،

وإذا كان العدوان مستقبحًا كله، فإنه أشد ما يكون قبيحًا وقت أن يكون على الضعيف في جسمه،

أو الفقير في ماله، أو الصغير في سنه، أو المهيض في بنيانه، أو المبتلى في عقله، ولبشاعة العدوان حينئذ، ولخروج المعتدي حينئذ من إنسانيته إلى سلوك الحيوانات الضارية، أسماه الناس باسم خاص به، فأطلقوا عليه “التنمر” .

والتنمر صورة مصغرة من الاحتلال، والاستبداد والبلطجة الاجتماعية -وخاصة في وسائل التواصل الإجتماعي- فالمشترك في كل هذه الظواهر العدوانية، هو اعتداء القوي على الضعيف.

وظاهرة التنمر: يقصد بها الاعتداء اللفظي والجسدي المتكرر ، والذي يمارسه عادة -المعتدي- على من هم في سنه أو أصغر، ويعتمد المعتدي على قوته، أو رُفْقَته، وفي المقابل يستغل ضعف المعتدى عليه، أو انفراده.

– فلقد وصل التنمر إلى أن أصبحنا نسمع عن طفل ينتحر؛ لأنه لم يعد يقدر على احتمال سخرية زملائه منه، وعليه: فالتنمر هو كل لفظ وفعل يصدر من فرد أو مجموعة من الأفراد يتسبب في إيذاء وإساءة فرد آخر أضعف، وقد يكون جسديًا، أو لفظيًا أو بأي شكلًا كان؛ بغرض الترهيب والتخويف لاتباعه والانصياع لأوامره.

فالتنمر بالآخرين إفساد في الأرض، والمتنمر ليس من المصلحين، وليس هو القوي في مفهوم الإسلام، وكيف يكون قويا، وما هو إلا عبد استجاب لداعية بهيمية محضة، وما استطاع أن يتغلب على غريزته! وقديمًا قال الرجل لسيدنا موسى لما أراد أن يبطش به: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: ١٩].

ثانيًا: سبق الإسلام لمحاربة التنمر

إنّ مسؤولية حماية المجتمع من التنمر هي مسؤولية مشتركة؛ لكل من الأهل، والمدرسة، والمسجد، والعلماء والخطباء دور في محاربة التنمر، والإسلام قد سبق إلى ذلك، فالمسلم لا يتعرض للناس بالأذى ولا يسبّهم، ولا يشتمهم ويبتعد عن كل ما يسبب لأخيه المسلم الأذى كأن يتعرّض له بكلام سيئ أو يضربه أو يشتمه.

وللإسلام قصب السبق في معالجة هذه الظاهرة، فمن ذلك:

١- زخرت السنة بنصوصها التي تبين أن من صفات المسلم الأساسية أن يسلم الآخرون من أذاه، بل جعلت السنة هذه الصفة لأهميتها تعريفا للمسلم، بحيث لا تنفك عنه، ولا ينفك عنه، وإلا لما استحق وصف المسلم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -ﷺ- قال: «المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده” [متفق عليه]

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده” [متفق عليه].

يقول ابن حجر : هذا يقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب؛ فإن سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة؛ فإن أذى المسلم حرام باللسان، وباليد، فأذى اليد: الفعل، وأذى اللسان: القول. [فتح الباري لابن رجب (١/ ٣٧)]

٢- وقد حذّر النبيّ ﷺ من إلحاق الضرر بالآخرين؛ حتى أنّه حذّر من يتعرّض لجاره بالأذى بعدم دخوله الجنّة،

فمما يغذي شعور المتنمرين بالعدوانية، تصورهم أن القوي هو من يصرع غيره، ويبغي عليه،

وإذا كانت الزمرة السابقة من الأحاديث -وغيرها الكثير- قد حضت ورغبت في الحفاظ على الاتصاف بالإسلام بأن يأمن الناس بوائقه؛ تلميحًا بأن من لم يسلم منه الناس ليس مسلمًا، فهناك زمرة أخرى تصرح بأن من لم يأمن جاره بوائقه فليس مؤمنًا،

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -ﷺ- قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه». وفي رواية: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» .[متفق عليه]. يقول ابن حجر: ”وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر” [فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٤٤٢)]

وهذا الحرص والتشديد على عدم التنمر على الآخرين؛ إنّما هو لحماية المجتمع المسلم من هذه الظاهرة، وما لها من آثار سلبية تعود على الفرد والمجتمع.

٣- كف الأذى

سأل أبو ذر رضي الله عنه رسولَ الله ﷺ قال : دلني على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنة؟

فقال رسول الله ﷺ: (يؤمن بالله)

قال: فقلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملا؟

قال: (يرضخ مما رزقه الله)

قلت: وإن كان معدمًا لا شيء له؟

قال: (يقول معروفًا بلسانه)

قال: قلت: فإن كان عييًا لا يبلغ عنه لسانه؟

قال: (فيعين مغلوبًا)

قلت: فإن كان ضعيفًا لا قدرة له؟

قال: (فليصنع لأخرق)

قلت: وإن كان أخرق؟

قال: فالتفت إلي وقال: (ما تريد أن تدع في صاحبك شيئًا من الخير!! فليدع الناس من أذاه)

فقلت: يا رسول الله إن هذه كلمة تيسير؟

فقال ﷺ: (والذي نفسي بيده ما من عبدٍ يعمل بخصلة منها يريد بها ما عند الله إلا أخذت بيده يوم القيامة حتى تدخله الجنة)

فالحديث الشريف يجعل كف الأذى من موجبات دخول الجنة، وربما يستقل الإنسان هذا العمل، لكن إذا عرفنا أن التنمر ما هو إلا إطلاق الأذى على الآخرين،

هو السخرية بالضعفاء والصغار، هو الاعتداء عليهم باليد واللسان وقسمات الوجه،

هو الصياح بالمسكين في الشارع والسخرية به، وضربه بالحجارة، ورميه بالسباب والشتائم، ووصفه بالجنون والخرق، إذا عرفنا شيوع هذه المظاهر في مجتمعاتنا، عرفنا إلى أي حد ليست هي بالأعمال القليلة ،بل هي أعمال صعبة على المتنمرين!

٤- وحرّم الإسلام الإيذاء والاعتداء على الآخرين حتى بالكلام والنظر، حيث قال الله تعالى: (ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين)، وقال رسول الله ﷺ: (لا ضرر ولا ضرار) أي أنّه قد حثنا الإسلام على تجنب إلحاق الضرر الجسدي والنفسي أيضًا الذي قد يكون أقسى وأكبر أثرًا من الجسدي.

٥- كما وأكّد الرسول ﷺ أنّه لا يجب للمسلم أن يسيء لأخيه أو يتنمر عليه بأي شكلٍ كان، وذلك بقوله: (لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلمًا)

وقال أيضًا: (من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه)، أي إذا وجّه الشخص لأخيه سلاحًا سواء كان مازحًا أو جادًا فإنّه مُلعَنًا عند اللهِ وملائكته.

٦- كما نهى الإسلام عن خداع الناس الذي يؤدّي إلى ترويعهم وإخافتهم ولو على سبيل المزاح، أي فعل ما يسمّى بالمقالب، وكذلك نهى عن الاستهزاء المتعمد من شخص أو من تصرفاته أو خلقته أو اسمه أو نسبه أو مجتمعه الذي قد يسبب له جرحًا نفسيًا ويضعف ثقته بنفسه ويسبب له إحراجًا ويدفعه إلى كراهية المجتمع والانتحار. كل هذه الأسباب تجعل حكم ممارسة التنمّر بكافة أشكاله مُحرّمًا ويجعل حكم مواجهتها واجبًا.

ثالثًا: أنواع التنمر

تتعدد أنواع التنمر ما بين القول والفعل أو هما معًا

أ- التنمر اللفظي

وهو من أكثر أنواع التنمر انتشارًا؛ فالأغلبية العظمى من أفراد المجتمع تعرضوا له بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

من خلاله يقوم شخص بتوجيه الكلمات والعبارات المسيئة كالشتائم، أو التشبيهات والإيماءات، والألقاب المُهيِنة بغرض التقليل من شخص آخر دون وجه حق أو استفزاز مسبق. ويُعد الفعل تنمرًا في حالة تعمد الفاعل القيام به وتكراره أكثر من مرة.

ب- التنمر الجسدي

وهو أشدهم إيذاءٍ وينتج عنه آثار طويلة المدى؛ يتعمد فيه المتنمر بضرب الضحية بطريقة تسيء له مثل: عرقلته، أو شد شعره، الضرب على الوجه والرقبة، الركل، الدفع أو أي فعل بدني بغرض السخرية.

ج- التنمر الاجتماعي

يحمل ذلك النوع الكثير من الحقد بين أفراد المجتمع، فمن خلاله يتعمد المتنمر توجيه الإحراج للضحك خلال التجمعات العائلية أو بين الأصدقاء، أو تحريضهم على ألا يكونوا ودودين معه.

وله وجهًا آخر يكون في شكل نشر الإشاعات الكاذبة حول شخصٍ ما في إطار مجتمعه بغرض تشويه صورته ومكانته الاجتماعية، وقد يكون من خلال النظرات السيئة، والتجاهل المتعمد.

د- التنمر الإلكتروني

وهو ينتشر أكثر بين المراهقين ويأخذ إحدى صور التنمر اللفظي عبر الإنترنت سواء في المحادثات الخاصة، أو خلال التعليقات المهينة بين العامة.

أو هو تنمر باستخدام التقنيات الرقمية، ويمكن أن يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلةومنصات الألعاب والهواتف المحمولة، وهو سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز المستهدفين به أو تشويه سمعتهم، وهو سلوك متكرر يهدف إلى تخويف الأشخاص المستهدفين أو إغضابهم أو التشهير بهم. ومن بين الأمثلة على هذا النوع من التنمّر:

– نشر الأكاذيب أو نشر صور محرجة لشخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي

– إرسال رسائل أو صور أو مقاطع فيديو مؤذية أو مسيئة أو تهديدات عبر منصات التراسل

– انتحال شخصية أحد ما وتوجيه رسائل دنيئة للآخرين باسمه أو من خلال حسابات وهمية

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. وبعد

رابعًا: أسباب التنمر

للتنمر أسباب عديدة ومتنوعة منها:

أ- عوامل أسرية

هناك للكثير من الأمور الأسرية التي يتعرض لها الأشخاص تخلق لديهم دوافع وخصائص المتنمر، فأكدت الأبحاث الاجتماعية على تعرض الشخص المتنمر منذ صغره للإساءة من إحدى والديه، أو تعرضه للعنف الأسري بشكل مستمر.

فبعض الأباء والأمهات يمارسون بعض من تصرفات التنمر دون وعي منهم كالمقارنة المستمرة بين الأخوة، أو أفضلية ابن واضطهاد الآخر، بالإضافة إلى أسلوب الترهيب والتهديد المستمر كل هذا يخلق دوافع لارتفاع العنف للتخفيف عن الغضب المكتوم بداخله على شخصٍ أضعف منه.

كما أيضًا التنافر والشجار الدائم بين الوالدين من شأنه أن يعزز السلوك العدواني، والصفات السلبية في أبنائهم.

* ومن أهمّ الأسباب التي تدفع المرء للتنمر هي غياب خلق الاحترام والوعي الإرشادي والتربوي والخلقي بين البشر، و كذلك التربية السيئة التي يكبر عليها الفرد والتي تمنعه من تقدير واحترام الآخرين، والنمو في بيئةٍ اجتماعيةٍ سيئةٍ بعيدة عن الأخلاق الحسنة.

والواجب على جميع الآباء والأمهات أن يقوّا الوازع الديني لدى أولادهم ، ويربوهم على العقيدة الصحيحة ، والأخلاق الحسنة، كالتسامح والاحترام والأدب ومحبة الآخرين والحرص على مساعدتهم ، والتعاون .. إلخ .

والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.