خطبة بعنوان (السماحة من أخلاق الإسلام العالية) (تنشر لأول مرة) للدكتور مسعد الشايب
adminaswan
6 أكتوبر، 2024
خطب منبرية, د / مسعد الشايب
78 زيارة
(من مظاهر العظمة في الشريعة الإسلامية)
الجمعة 24 من شوال 1440هـ الموافق 28 يونيو 2019م
الجمعة 15 من جماد أول 1441هـ الموافق 10يناير 2020م
الجمعة الموافقة 8 من ربيع الثاني 1446هـ الموافقة 11/10/2024م
أولا: العناصر:
1. ماهية السماحة، ومكانتها في الشريعة الإسلامية.
2. من صور، وأشكال السماحة في الشريعة الإسلامية.
3. الخطبة الثانية: (الترابط بين الرحمة والسماحة في الشريعة الإسلامية).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، هدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، أمرنا بالأخلاق الطيبات وأبان لنا طرقها، ونهانا عن الرذائل والخبائث وحذرنا سوء عاقبتها، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد أيها الأحبة الكرام:
(1) ((ماهية السماحة، ومكانتها في الشريعة الإسلامية))
الدين الإسلامي هو دين المثل والقيم والأخلاق، وما أرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا ليتمم صالح الأخلاق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد).
ومن أخلاق الإسلام العالية، ومن مثله، وقيمه السامية، ومن جوانبه المشرقة ما يعرف بــ (السماحة)، فماهي السماحة؟ وما هي مكانتها في الشريعة الإسلامية؟ وماهي صورها وأشكالها؟ هذا ما سنتعرف عليه بإذن من الحق تبارك في لقاء الجمعة الطيب المبارك، فأعيروني يا عباد الله القلوب وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:
==
السماحة يُقصدُ بها في الشريعة الإسلامية: السلاسةُ، واليسرُ، والسهولةُ، ولينُ الجانب في المعاملة مع الآخرين؛ مع المسلم وغير المسلم، مع الزوجة، مع الخادم، مع البائع، مع المشتري، مع صاحب الحاجة…إلخ، مع جميع الفئات البشرية بغض النظر عن الدين والمعتقد والثقافة والتوجه واللون.
==
والسماحةُ ضدُّ التشديدِ، والتعسير، والقهرِ، والفظاظةِ، والغلظةِ، والجفاءِ، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ)(مسند أحمد) أي: عامل الخلق الذين هم عيالُ الله وعبيده بالمسامحة والمساهلة يُعاملك سيدهم بمثله في الدنيا والآخرة، وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ)(رواه الترمذي)، والسماحة أيها الأخوة الأحباب:
==
مكانة السماحة في الشريعة الإسلامية:
1ـ من أبرز خصائص الدين الإسلامي، فالسماحة ليست خلقًا من أخلاق الإسلام وحسب؛ ولكنها أبرز ما تميز به الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي دينُ يسرٍ، وسهولةٍ، وسلاسةٍ ولينٍ، لا تضييقَ فيه ولا تشديدَ، ولا حرجَ ولا تعسيرَ، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:286]، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7].
==
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ)(رواه أحمد)، أي: سهلة على النفوس لا مشقة فيها.
فالدين الإسلامي يتميز بالسهولة واليسر في كل مناحي الحياة؛ في عقيدته، في عبادته، في سلوكياته وأخلاقه، في تعامله مع الآخرين، أيضًا من مكانة السماحة في الشريعة الإسلامية:
==
2ـ أنها من أخلاق الحق تبارك وتعالي، وسماحته سبحانه وتعالى تتجلي في سعة رحمته، وعظيم مغفرته، وصفحه وعفوه عن العصاة والمذنبين، ودعوته لهم بالإنابة، والتوبة، والأوبة، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[النحل:61]، وقال تعالي: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ*وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ*أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر:53ـ56].
==
* ومن أعظم مظاهر سماحته سبحانه وتعالى؛ إنعامُه على الكفرةِ والمشركين بصنوفِ النعم، وعدمُ قطع رزقه عنهم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[البقرة:126].
==
* ومن مظاهر سماحته سبحانه وتعالى ما تقدم من تخفيفه للتكاليف عن عباده، قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28].
==
* ومن مظاهر سماحته سبحانه وتعالى؛ نهيه عن التنطع والتشدد والغلو على لسان المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ)(سنن النسائي)، أيضًا من مكانة السماحة في الشريعة الإسلامية:
==
3ـ أنها من أعظم أخلاق المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، فعن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه): (وَقَدْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ)(رواه البخاري).
==
ومن سماحته (صلى الله عليه وسلم)، عفوه عمن أساء إليه (صلى الله عليه وسلم) بالقول أو الفعل، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ)، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، (حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ)، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، (فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ)(متفق عليه)، أيضًا من مكانة السماحة في الشريعة الإسلامية:
==
4ـ أن الاتصاف والتحلي بها يساعد على الاتصاف بأخلاق كثيرة، فمن تحلى بالسماحة تحلى بالجود والكرم والإنفاق بل إن من معاني السماحة: بذل وإعطاء ما لا يجب تفضلًا؛ لسهولة ذلك عليه، ومن تحلى بها أيضا تحلى بالرأفة والرحمة ولين القلب، فهي من سخاوة الطبع، وحقارة الدنيا في القلب، فمن لم يجدها من طبعه؛ فليتخلق ويتحلى بها، فعسى أن يسمح له الحق تبارك وتعالى بما قصّر فيه من طاعته، وعسر عليه في الانقياد إليه في معاملته، إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته.
==
(2) ((من صور، وأشكال السماحة في الشريعة الإسلامية))
1ـ السماحة مع الزوجة والزوجات: أي: السلاسة والسهولة في معاملتهنّ، وفي المعاشرة لهنّ، والتغاضي عما يصدر منهن، كما كان (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة (إناء كالقصعة المبسوطة) فيها طعام فضربت التي في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الفلقتين، ثم جعل يجعل فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: (غَارَتْ أُمُّكُمْ). وحبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت)(رواه البخاري).
==
* ومن سماحته (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته مساعدتهن في أمور البيت تخفيفًا للعبء عنهن، فقد سأل رجلٌ السيدة عائشة (رضي الله عنها): هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعمل في بيته شيئًا؟ قالت: (نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ)(رواه احمد)، وفي رواية: (كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ـ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ـ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ)0رواه البخاري)، ومن سماحته (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته (ما كان من أمر مسابقته (صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة (رضي الله عنها)(رواه ابو داود).
==
2ـ السماحة مع الجيران: بالإحسان إليهم، والتغاضي عن آذاهم، فقد عدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك من كمال الإيمان، فعن أبي شريح العدوي (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ). قيل: ومَنْ يا رسول الله؟. قال: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)(متفق عليه)، أي: ظلمه وأذاه وشروره، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ…)(متفق عليه).
==
3ـ السماحة مع الخادم: أي: حسن التعامل معه فلا نكلفه ما لا يطيق، ونطعمه مما نأكل، ونلبسه مما نلبس، ولا نسئ إليه سواء بالقول أو الفعل، فعن أنس (رضي الله عنه) قال: (خَدَمْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ)(رواه البخاري)، وعن المعرور بن سويد، قال: لقيت أبا ذر (رضي الله عنه) بالربذة، وعليه حلةٌ، وعلى غلامه حلةٌ، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه، فقال لي النبي (صلى الله عليه وسلم): (يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)(رواه البخاري)، وعن أبي مسعود الأنصاري (رضي الله عنه) قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا: (اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ). فالتفت فإذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله، هو حرٌ لوجه الله. فقال: (أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ)(رواه مسلم).
==
4ـ السماحة مع أهل الكتاب: وهذا له صور متعددة منيرة في شريعتنا الإسلامية الغراء، منها: المحافظة على دمائهم: فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري).
==
_ ومنها: المحافظة على أموالهم، وأعراضهم: فعن عدة، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أبو داود).
==
_ ومنها: محبة الخير لهم: فعن أنس (رضي الله عنه)، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فمرض، فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: (أَسْلِمْ). فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم (صلى الله عليه وسلم)، فأسلم، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ)(رواه البخاري).
==
_ ومنها: المعاملة الحسنة لهم: كالبيع والشراء، وزيارة مريضهم، وتهنئتهم بأعيادهم، وتعزيتهم في أفراحهم…إلخ: فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)(رواه البخاري)، وقال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:9،8]، قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجواز برّهم، وإن كانت الموالاة منقطعة. (زاد المسير).
والبر: هو حسن المعاملة والإكرام، فهو لفظٌ عامٌ يشمل كل إكرام بالقول أو الفعل، ومن الإكرام بالقول تهنئتهم بأعيادهم، وهذا كله من المعاملة الحسنة لهم.
==
_ ومنها: الوفاء لهم بعهدهم، والرفق بهم: فعن عمرو بن ميمون الأودي، قال: رأيت عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ـ وذلك لما طعن ـ يقول: يا عبد الله بن عمر: (…أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ)(رواه البخاري).
==========
5ـ السماحة في البيع والشراء: أي: عدم المغالاة في الربح، والإكثار من المساومة، بل عليه أن يكون كريم النفس. وبالمقابل على المشتري أيضًا أن يتساهل، وأن لا يدقق في الفروق القليلة، وأن يكون كريمًا مع البائع وخاصة إذا كان فقيرًا، وأن يدفع ما عليه بيسر وسهولة دون مماطلة، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى)(رواه البخاري).
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب……….
==
(الخطبة الثانية)
((الترابط بين الرحمة والسماحة في الشريعة الإسلامية))
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
==
أيها الأحبة الكرام: إذا أردنا أن يرحمنا الله (عزّ وجلّ) فعلينا بالسماحة مع خلقه وعباده، فإن بين الرحمة والسماحة ترابط عظيم لمن تأمل ذلك فالحق تبارك وتعالى بين ووضح أن السماحة أساسًا تنبع من الرحمة، فقال مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:159].
==
والنبي (صلى الله عليه وسلم) بين أن من أسباب رحمة الله (عزّ وجلّ) السماحة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى)(رواه البخاري)، وعن حذيفة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: (أُتِيَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟. قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي)(رواه مسلم)، فإذا أردنا أن يرحمنا الله (عزّ وجلّ) فعلينا أن نتحلى بالسماحة في كل شئون حياتنا.
==
فاللهم أهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به كاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب