خطبة بعنوان (فلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية) للدكتور مسعد الشايب
adminaswan
3 أكتوبر، 2024
د / مسعد الشايب
52 زيارة
الجمعة 1من ربيع الأول 1443هـ الموافق 8 من أكتوبر 2021م
الجمعة الموافقة 1من ربيع الثاني 1446هـ الموافقة 4/10/2024م
===========================================
أولا: العناصر:
1. هل تشريع الجهاد في الإسلام ينافي الدعوة إلى إفشاء السلام وإحلاله؟.
2. فلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية، وبيان الحكمة منه.
3. الخطبة الثانية: (حتمية الفهم لفلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، وأتباعه وأحبابه، وجميع إخوانه، وبعد:
===========================================
(1) ((هل تشريع الجهاد في الإسلام ينافي الدعوة إلى إفشاء السلام وإحلاله؟))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: عشنا في لقاءت سابقة مع الدعوة إلى إفشاء السلام، والدعوة إلى تحقيق السلام النفسي والكوني، وعلمنا أن ذلك مما تميزت به شريعتنا الإسلامية الغراء، وأنها أرست قواعد إفشاء السلام وإحلالِه مجتمعيًا، ومحليًا، وعالميًا، وكونيًا، ضمن جملة من التشريعات والأحكام لا يعرف لها مثيل في الرسالات السماوية السابقة.
==========
وهنا يثور تساؤل مشروع: هل تشريعُ الجهاد وحثُّ الشريعة الإسلامية عليه ينافي ما أرسل به النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرحمة، وينافي الدعوة إلى إفشاء السلام وإحلاله مجتمعيًا، ومحليًا، وعالميًا، وكونيًا كما سمعنا ورأينا سابقًا؟ وهل هذا يسول لغيرنا وصف الإسلام بالإزاحة والإقصاء لغيره؟.
===
وأقول: إن تشريع الجهاد وحثُّ الشريعة الإسلامية عليه لا ينافي ما أرسل به النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرحمة، ولا ينافي الدعوة إلى إفشاء السلام وإحلاله مجتمعيًا، ومحليًا، وعالميًا، وكونيًا، كما أنه لا يسول لغيرنا وصف الإسلام بالإزاحة والإقصاء لغيره؟ فتشريع الجهاد هو عين الرحمة، يتضح ذلك من خلال الحديث عن فلسفة الجهاد، والحكمة منه في الشريعة الإسلامية:
===========================================
(2) ((فلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية، وبيان الحكمة منه))
===========================================
فالجهاد والحرب في الشريعة الإسلامية لم يشرعا إلا لحكم عالية سامية، ولم يكونا يومًا غايةً، ولا هدفًا في شريعته، كما سيتضح لنا، فقد شرع الجهاد والحرب في الإسلام للأسباب الأتية:
=======
1ـ ردٌّ للظلم والعدوان، ولا عيب ولا انتقاص للإسلام في ذلك، فهذا أمرٌ تعارفت عليه البشرية جمعاء، بل والحيوانات العجماوات أيضًا، حينما زودها الله بالأعضاء القتالية الدفاعية، والحق تبارك وتعالى يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، والاعتداء المنهي عنه فيه ثلاثة أقوال: أحدها: قتال مَنْ لم يقاتل. والثاني: قتل النساء والولدان. والثالث: أنه القتال على غير الدِّين، ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة:194]، ومما يؤكد أن الجهاد والحرب لم يشرعا في الإسلام إلا ردًّا للظلم والعدوان:
===
أن الشريعة الإسلامية أمرت بالإحسان إلى الأسرى، وعدم إساءة معاملتهم، فالحق تبارك وتعالى حينما تحدث عن خصال وأفعال أهل الجنة ذكر أن منها إطعام الطعام للأسير، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8]، فهذا يقتضي الإرشاد إلى حسن معاملتهم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يأمر بالإحسان إلى الأسارى امتثالًا لإرشاد القرآن الكريم، فعن أبي عزيز بن عمير، قال: كنت في الأسارى يوم بدر فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اسْتَوْصُوا بِالْأَسَارَى خَيْرًا). وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز بوصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إياهم)(المعجم الصغير والكبير)، وقد كان الخبز عندهم أنفس من التمر؛ لندرة القمح وكثرة التمر آنذاك؛ فلهذا آثروه بالخبز من باب الإكرام والحفاوة.
===
كما أن الشريعة الإسلامية أمرت بالمحافظة على البنية التحتية، وعدم الاعتداء على المدنيين، والعزل من السلاح، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّه،ِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(رواه أبو داود)، وعن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أنه بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر (رضي الله عنه): (مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ، وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ، إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). ثم قال له: (إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ، فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعَرِ، فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: (لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ)(موطأ مالك)، أيضًا شرع الجهاد والحرب في الإسلام:
=======
2ـ حمايةً للمقدسات والحرمات من الديار والأوطان والأعراض من أن تنتهك، وتدنس، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، فالصوامع للصابئة، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه الترمذي)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي).
===
ومن عجيب الأمر في الشريعة الإسلامية أن الجهاد، والحرب وإعداد القوة ما شرعت إلا محافظةً على السلام العالمي، يرشدنا إلى ذلك النظم القرآني فالدعوة إلى المسالمة والموادعة في قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنفال:61]، ما جاءت إلا بعد الأمر بإعداد العدة، وأخذ القوة، في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60]، ويقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:251]، أيضًا شرع الجهاد والحرب في الإسلام.
=======
3ـ محافظةً على هيبة الإسلام، وإقامة لفرائضه وحدوده، فقد قام بالأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وقد مال الدين ميلة حتى كاد أن ينجفل (ينقلب ويسقط)، فثبته الله تعالى به فوطد القواعد، وثبت الدعائم، وردّ شارد الدين وهو راغم (ذليل)، وردّ أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام، وبين الحق لمَنْ جهله، وأدى عن الرسول ما حمله.
===
انظروا إلى سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) وتمسكه وعزمه وإصراره على قتال مانعي الزكاة مع أن فضلاء الصحابة كسيدنا عمر (رضي الله عنه) لم يوافقوه أولا على ما قرر وأرادوا صرفه عنه إلى اتخاذ موقف الملاينة معهم ولكنه (رضي الله عنه) لم يعبأ بخلافهم وصمم على رأيه قائلًا: (وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا). قال عمر (رضي الله عنه): (فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ (رضي الله عنه) (أي: لقتالهم)، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ (بما ظهر من الدليل الذي أقامه أبو بكر)(متفق عليه)، أيضًا شرع الجهاد والحرب في الإسلام.
=======
4ـ حماية للمستضعفين من فتنتهم في دينهم، وردًّ لبغي البغاة والمعتدين على إخوانهم من المسلمين، فعن نافع، أن ابن عمر (رضي الله عنهما)، أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا، وفي رواية: ضيعوا (أي: صنعوا ما نرى من الاختلاف فأضاعوا الدين والدنيا)، وأنت ابن عمر، وصاحب النبي (صلى الله عليه وسلم)، فما يمنعك أن تخرج؟. فقال: (يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي). فقالا: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[الأنفال:39]، فقال: (قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ)(رواه البخاري).
وفي رواية عند البخاري أيضًا: أن رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما، وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله (عزّ وجلّ)، وقد علمت ما رغب الله فيه؟. فقال له: (يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ، إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ). فقال يا أبا عبد الرحمن: ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}[البقرة:193]،[الأنفال:39]. فقال: (فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ).
===========================================
(3) ((فالحرب وسفك الدماء ليست غايةً ولا هدفًا في الشريعة الإسلام))
===========================================
فالحرب وسفك الدماء ليست غايةً ولا هدفًا في الشريعة الإسلام، وكيف تكون الحرب غايةً وهدفًا في الإسلام؟!، والجهاد لم يشرع إلا بعد أربعة عشر عامًا من بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم)، بعد أربعة عشر عامًا من الصبر، والأخذ بالعفو، والأمر بضبط النفس، فقد كان تشريع الجهاد في العام الثاني الهجري، وكانت أول آية في تشريع الجهاد هي قول الله (عزّ وجلّ): {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[الحج:40،39].
===
كيف تكون الحرب غايةً وهدفًا في الإسلام؟!، وقد دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه ألّا يتمنوا الحرب ولقاء العدو، وأن يميلوا إلى المسالمة والموادعة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ)(رواه البخاري).
===
كيف تكون الحرب غايةً وهدفًا في الإسلام؟!، وقد دعا القرآن الكريم إلى إفشاء السلام العالمي صراحة، والجنوح له، فقال مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم): {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنفال:61].
===
كيف تكون الحرب غايةً وهدفًا في الإسلام؟!، وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى إفشاء السلام بالقضاء على أسباب الصراعات، والحروب الدموية التي تنشب بين الشعوب والدول، بل والقارات، وتحقيق الأمن والطمأنينة، والسلامة لكافة الشعوب، والبلدان، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن عقيدته، ولونه، وقوته أو ضعفه، وغناه أو فقره، ودولته وجنسه.
===
فنبينا (صلى الله عليه وسلم) هو نبي الرحمة، وما أرسله ربّنا سبحانه ونعالى إلا رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]، ومن معاني الرحمة القضاء على الاعتداءات، ونصرة الضعفاء والمستضعفين، وردّ بغي البغاة والمعتدين، والقضاء على الصراعات والحروب التي تقضي على السلم والسلام العالمي، لذا كان تشريع الجهاد عين الرحمة.
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((حتمية الفهم لفلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أخوة الإيمان والإسلام: فقد رأينا الحكمة من تشريع الجهاد وفلسفته في الشريعة الإسلامية، ورأينا العلاقة الحقيقة لعلاقة الإسلام بغيره بعيدًا عن العلاقة والصور المشوهة التي تصدر عن الإسلام، وسماحته، بقي لي أنا أؤكد على حتمية الفهم لفلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية، وضرورته الملحة لم يترتب عليه، كالآتي:
=======
1ـ الفهم لفلسفة الجهاد في الشريعة الإسلامية، فيه ردُّ على التهم التي تلصق بالإسلام زورًا وبهتانًا، وتشوه صورته ظلمًا وعدوانًا، وتخفي سماحته حسدًا وغيظًا، كادعاء أن الإسلام دين الإرهاب وسفك الدماء، وأنه لم يأت بالمحافظة على الأرواح، وادعاء أنه انتشر بحدّ السيف، وأن علاقته بغيره علاقة إقصاء وإزاحة، وما يترتب على ذلك من الصدّ عن دين الله، وتنفير الناس عنه، وصدق الله إذ يقول: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ*الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}[إبراهيم:3،2]، وقال تعالى مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم)، آمرًا إياه بمعاتبة أهل الكتاب: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[آل عمران:99].
=======
2ـ الفهم لفلسفة الجهاد والحرب في الشريعة الإسلامية، من أعظم طرق التصدي، والقضاء على فكر الجماعات المتشددة فكريًا، الضالة سعيًا، المنحرفة طريقًا، كالدواعش وإخوانهم، الذين شوهوا صورة الإسلام، وأعطوا أعدائه فرصة للطعن فيه، بإلباسهم إياه عباءة سفك الدماء والإرهاب بممارساتهم الخاطئة، النابعة من قلة علمهم، وكثرة جهلهم، وتأويلاتهم الفاسدة، كرمي المجتمعات بالكفر، ووصف العلماء بألقاب السوء، ثم استباحة الدماء، والأموال، والأعراض من كل هؤلاء، بالإضافة لاستباحتها من غير المسلمين، فضلًا عن الاعتقاد أن الجهاد يحقُّ لأي أحدٍ إعلانه، والقيام به، وأنه موجهٌ لأبناء الوطن والأمة المخالفين لهم في الرأي والفكر، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)(رواه مسلم).
=======
3ـ الفهم لفلسفة الجهاد والحرب في الشريعة الإسلامية، مهمٌ في قضية تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى العوام، سواء أكان عن قصد أم غيره، كالاعتقاد أن الشهيد فقط هو شهيد المعركة مع غير المسلمين، فعن أبى هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟). قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ). قالوا: فمن هم يا رسول الله؟. قال: (مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ…)(رواه مسلم)، تفصيل ذلك في قوله (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه الترمذي).
وكالاعتقاد بأن المظلوم له أخذ حقه بنفسه بدون رجوع لولي الأمر، وكالخلط بين شهيد الحق، وقتيل الباطل، فالشهيد الحق هو من عرف الحق، وأخلص له وضحى من أجله، وبذل روحه في سبيله، والذي قال في حقه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(متفق عليه)، الشهيد الحق هو من يأبى الدنية ويرفض المذلة والهوان، ويقاوم من يحاول أن يستولي على ماله أو متاعه، فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتِلْهُ). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: (فَأَنْتَ شَهِيدٌ). قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: (هُوَ فِي النَّارِ)(رواه مسلم)، كذلك الشهيد الحق هو من مات دفاعًا عن أرضه وعرضه ووطنه كما تقدم، فليس الوطن والعرض أقل خطرًا ومكانة من النفس والدين والمال.
أما قتيل الباطل: فهو الذي يسفك دماء الأبرياء بغير حق، ويزعزع استقرار الوطن، ويسعى في الأرض فسادًا، ويروع الآمنين بعمليات انتحارية، وتفجيرات إرهابية لا يقرها دين، ولا يقبلها عقل، ويحسب أنه يحسن صُنعا، وهذا لا يُعد شهيدًا، بل يصدق فيه قول الله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}[فاطر:8].
=======
4ـ الفهم لفلسفة الجهاد والحرب في الشريعة الإسلامية، فيه بيانٌ لرحمة الإسلام، وبياض صفحته ونصاعة جبهته، فالجهاد ما جاء إلا رحمة بالضعفاء والمستضعفين، والحماية لهم ولأعراضهم……الخ كما تقدم من حكم مشروعيته، وصدق الشاعر حينما قال:
تحياتي لمجتمع السلام***وكفي ممسكٌ بيدِ الحسام
فإن جنحوا لسلمٍ فهو سلمٌ***ترفرف عليه أسراب الحمام
و إن مالو لحربٍ فهي حربٌ*** تشيب لهولها رأس الغلام
فإنا قد بلونا القوم قبلا***و خضنا في العداوة و الخصام
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.