خطبة بعنوان : العلم والتعلم في ضوء قصة سيدنا موسى والعبد الصالح

إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن
خطبة الجمعة ٢٤ من رببع أول ١٤٤٦هــ الموافق ٢٧ من سبتمر ٢٠٢٤م
الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد
إنّ طلبَ العلم له مكانةٌ عالية في الإسلام، ومن النعم التي أنعمها الله على آدم بعد خلقه أنْ علّمه الله -سبحانه وتعالى- الأسماء كلها؛ والمولى -تبارك وتعالى- ضرب لنا مثلًا من أروع الأمثلة في طلب العلم من العلماء وآداب طلب العلم التي يجب توافرها في طالب العلم في شخص موسى -عليه السلام- في بضع آياتٍ من سورة الكهف؛ فالعلمُ في الإسلام له مكانته التي لا تخفى على أصحاب الفهم السليم، ولا يُنكر هذه المنزلة للعلم والعلماء إلا السفهاء الذين لا يعلمون. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ….. } [الكهف: ٦٠-٧١].
لقد ضربَ موسى عليه السلام أرْوعَ الأمثلة وأسمى نموذج للمتعلِّم الحريصِ على الاستزادة من العلم؛ حيث أخبَره الله بأن هناك مَنْ هو أدْرى منه بأمور لم يُحِطْ بها موسى علمًا، حينها قصد موسى عليه السلام الخَضِرَ، طالبًا منه العلمَ في تواضعٍ وتلطُّفٍ وأدب رفيع، ووجد موسى في الخَضِر عليه السلام المعلِّمَ القدوة الذي وهبه الله العلم اللَّدُنِّيَّ؛ حيث تكرَّم عليه بالعلم النافع؛ وذلك منَّة وعطاء من الباري عز وجلَّ.
إنَّ التأمُّل في قصة موسى والخضر عليهما السلام الوارد ذكرُها في سورة الكهف، والتدبُّر في مجريات أحداثها، وما حفلت به من دلالات وإشارات قويَّة تتعلَّق أساسًا بموضوع التعلُّم – يُمكن أن يوصل إلى استنباط أهمِّ المبادئ والأسس التي يمكن أن نشيِّد عليها صَرْحَ تعليمنا، ونتخذها لَبِناتٍ أساسيَّةً في كلِّ فعل تربويٍّ نروم من خلاله تحقيقَ الجودة وإعداد متعلِّمين سمتهم الأساسيَّة الجد والمثابرة، وفيما يلي بيان لأهمِّ هذه المبادئ كما نَطَقَت بها الآيات الكريمات:
• التضحية في سبيل التعلُّم:
ذلك أنَّ موسى عليه السلام تَرَكَ أهلَه وأصحابَه وبلدَه، وخرَج طالبًا للعلم إلى وجهة لا يعلمها إلا علَّام الغيوب سبحانه وتعالى، مستعدًّا لضرب أكباد الإبل، وتحمُّل جميعِ أنواع المشاق في سبيل التعلُّم بعد عتاب الله تعالى له، فيما أَخْرَجَه البخاري رحمه الله في صحيحه، عن أُبَيِّ بن كعب، قال: خَطَبنا رسولُ الله ﷺ فقال: (إنَّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسُئِل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنَّ لي عبدًا بمَجْمَع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب، فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فَقَدت الحوت فهو ثَمَّ)
وقد سيقت هذه القصة ببيان أكمل، وتفاصيل أوفى في أحاديث رسول الله ﷺ؛ لأن السنة هي المبينة للقرآن، والمفصلة لمجمله. ونريد أن نقف أمامها مليًا ونأخذ منها الدروس والفوائد.
وتبدأ الآيات بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
أولا: نكشفُ عن مكانة طرفي العملية التعليمية -أو الأصوب عملية التعلم- مَنْ الطالب للعلم؟
الطرفُ الأوّل: طالبُ العلم موسى، فهو نبي ورسول لله -كليم الله مباشرةً من وراء حجاب- أعلمُ بني إسرائيل بالتوراة التي أنزلها الله عليه.
الطرفُ الثاني: هو عَبْدٌ أنعم الله عليه بفرعٍ من فروع العلم المُختلفة.
ثم نستخلص الشروط في طلب العلم:
الشرط الأوّل: حبّ طلب العلم والرغبة فيه: فالمتعلِم مُحِبٌّ لطلبِ العلمِ راغب فيه بدليل قوله كما حكى عنه المولى -تبارك وتعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} فالرغبة في طلب العلم هي التي ستعينه على تحمّلِ المشاق والمعاناة، وهو السير حُقبًا على قدميه، أي أزمانًا طويلة في سبيل طلب العلم.
ثم تنتقل الآيات لشرط ثانٍ؛ إذ قال المولى -تبارك وتعالى-: {… هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، وهذا السؤال يكشف عن تواضع موسى -عليه السلام- فبرغم نبوته ورسالته إلاّ أنّه يستعطف معلمه في أدب جمّ أنْ يُعلمه ممّا أنعم الله عليه ليتعلمَ منه وهو مَنْ هو، فهو النبي والرسول الكليم.
وتكشف لنا أهمية الرحلة في طلب العلم؛ حتى ولو تحمل في سبيل ذلك المشاق، وقد كان ذلك ديدن السلف الصالح وهو
– الرحلة في طلب العلم:
فينبغي لطالب العلم أن يجتهد في التحصيل، وأن يقسم وقته بين حضور الدروس، والحفظ، والمذاكرة، والمطالعة، فإن سَمِع بعالِم من أهل السنة يُدَرِّسُ علمًا رحل إليه، وإن لقي النصب في ذلك (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) هذه رحلة في طلب العلم والصبر على ذلك وأن لا يتعجل النتيجة (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)
فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه – يسافر مسيرةَ شهر كامل ليأخذ حديثًا واحدًا؛ ففي مسند أحمد عن عبدالله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: بَلَغني حديثٌ عن رجل سَمِعه من رسول الله ﷺ فاشتريتُ بعيرًا، ثم شددتُ عليه رَحْلي، فسِرْتُ إليه شهرًا حتى قَدِمتُ عليه الشام، فإذا عبد الله بن أُنَيس، فقلت للبوَّاب: قل له: جابرٌ على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم.
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقنِي واعتنقتُه، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سَمِعته من رسول الله ﷺ في القِصاص، فخشيتُ أن تموت أو أموت قبل أن أسمعَه، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يُحشَر الناسُ يوم القيامة – أو قال: العبادُ – عُرَاةً غُرْلاً [جمع أغرل، وهو الذي لم يختتن] بُهمًا [جمع بَهِيم وهو الأسود، وقيل: الذي لا يخالط لونه سواه]. قال: قلنا وما بهمًا؟ قال: (ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوتٍ يسمعُه مَن قَرُب: أنا الملِك، أنا الديَّان، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحدٍ من أهل الجنة حق حتى أقصَّه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصَّه منه، حتى اللطمة)، قال: قلنا: كيف وإنَّا إنما نأتي الله – عز وجل – عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا، قال: (بالحسنات والسيئات) [ حسن: رواه أحمد بسند لا بأس به، وصححه الحاكم، والذهبي، وله شواهد صحيحة].
ومن العجيب أنك ترى بعض الناس يشكو الظلم العقلي لنفسه من خطيبٍ بعينه، ثم لا يغادر ذلك إلى مسجدٍ آخر -بينه وبينه بضع خطوات- للبحث عن خطيبٍ آخر يستفيد منه!!!.
الشرط الثاني: التواضع، وهذا يؤدي إلى:
– التأدُب مع المُعلم.
يكشف هذا السؤال عن معرفة موسى قدر المُعلم ومكانته ومنزلته، فلم يقل موسى -على سبيل المثال-: أنا موسى بن عمران رسول الله، علمني ممّا علمك الله، حاشاه من سوء الأدب، أو قال له: أرسلني الله إليك لتعلمني، علمني على سبيل التعالي؛ لمنزلة موسى عند ربّه، فما ينبغي له أنْ يقوله؛ فالأنبياء والرسل أفضل الناس أخلاقًا.
– ووجوب معرفة كلّ متعلم قدر مُعلمه.
التواضع للعلم:
فحيث علم العلم قصده، وممن سمعه أخذه، فالحكمة ضالة المؤمن، ولا يستصغر كلمة فإنه من تكبر على العلم ذهب عنه، فإن العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي (قانون التأويل: ٦٣٧) قال النووي: “وينبغي له أن يتواضع للمعلم والعلم، فبتواضعه يناله، وقد أمرنا بالتواضع مطلقا فهنا أولى، وعليه أن ينقاد لمعلمه، ويشاوره في أموره، ويأتمر بأمره، كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح، وهذا أولى لتفاوت مرتبتها”. (المجموع: ١ /٦٢)
وقد ذكر الماوردي أن من آداب المتعلم أن يطلب العلم ممن وجده عنده، ولا يستصغر أحدًا، فقد قيل “يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر”. فقال رحمه الله: “وليأخذ المتعلم حظه ممن وجد طلبته عنده، من نبيه وخامل، ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء إذا كان النفع بغيرهم أعم، إلا أن يستوي النفعان، فيكون الأخذ عمن اشتهر ذكره، وارتفع قدره أولى، لأن الانتساب إليه أجمل، والأخذ عنه أشهر.
وقد أفصح الإمام النووي عن هذا المعنى فقال: “ولا يستنكف من التعلم ممن هو دونه في سن، أو نسب، أو شهرة، أو دين، أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه في جميع هذا، ولا يستحيي من السؤال عما لم يعلم، فقد روينا عن عمر وابنه رضي الله عنهما قالا: “من رق وجهه رق علمه”. وثبت في “الصحيحين” أن رسول الله ﷺ قرأ: (لم يكن الذين كفروا) على أبي بن كعب رضي الله عنه، وقال: “أمرني الله أن أقرأ عليك”، فاستنبط العلماء من هذا فوائد منها: بيان التواضع، وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة على المفضول”. (المجموع: ١ /٥٢ ) قال الإمام البخاري رحمه الله:”لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه”.(هدي الساري لابن حجر العسقلاني:٥٠٣)
** التواضع في طلب العلم الشرعي.
لابدّ أن يكون هناك تواضع في طلب العلم الشرعي، ولابدّ أن يكون حرص على الاستفادة من الآخرين حتى لو كنت أعلم من هذا الآخر بشيء، فقد يكون الآخر أعلم منك بشيء آخر، فإذًا ليس من الصحيح أن تقول: والله أنا أعلم من فلان، لماذا أذهب أتلقى عنه العلم؟ كيف أسأله؟ لا، قد تخفى أحيانًا مسائل على عالم وتظهر لطالب علم، وكم من صغار الطلبة في حلقات المشايخ والعلماء يفيدون الشيخ بأشياء لم يكن يعرفها من قبل، وهذا معروف فيجب التواضع في طلب العلم من الناس، حتى لو كانوا أصغر شأنًا أو أقل علمًا،
وموسى عليه السلام أفضل من الخضر، موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، الخضر ليس من أولي العزم، فموسى أفضل من الخضر، لكن هل دفع موسى هذه المنزلة التي أعطاه الله إياها على التكبر على الخضر، ويقول: كيف أتبع هذا لا يمكن أن أتبعه، لا بل حرص على أن يتبعه، وسأل الله تعالى كيف أستدل عليه، وكيف أذهب إليه؟
ثم التواضع في سؤال المعلِّم (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)
آداب المتعلِّم مع معلِّمه:
أ- ينبغي للطالب أن يستخير الله فيمَن يأخذ العلم عنه؛ لأن العلم الشرعي هو الذي يشكِّل عقيدتك وسلوكك، ويبصِّرك بطريق الوصول إلى الله؛ ففي صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم” [أثر صحيح: رواه مسلم في مقدمة صحيحه]
ب- التواضع للمعلم وتعظيمه وتوقيره:
فلو لم يكن له إلا فضل التقدم والتجربة لكفته، ويلزمه أن يعتقد له حق أبيه. قال النبي ﷺ: “إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أعلمكم “، وكما قيل أيضًا: “المعلم خير من الأب”. (قانون التأويل)،
وقال ابن العربي أيضًا في كتابه “سراج المهتدين”: “وعليه بالتواضع لمعلمه، والإصغاء إليه، ولا يقف في وجهه، وليأخذ ما تيسر له منه، ولا يكلفه إلا ما أعطاه”. وإذا كان المكان المنخفض أكثر البقاع ماء، فإن المتواضع من طلاب العلم أكثرهم انتفاعا، وأكثرهم علما، وأكثرهم نفعا لغيره.
قال النووي:”وينبغي أن ينظر إلى معلمه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على أكثر طبقته، فهو أقرب إلى انتفاعه به، ورسوخ ما سمعته منه ذهنه. وقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال:”اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه عني”. (المجموع: ١ /٦٣)
وقد ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: تنحَّ يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا أُمِرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد: أرني يدَك، فأخرجها، فقبَّلها، وقال: هكذا أُمِرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا ﷺ [القصة في ابن عساكر (١٩ /٣٢٦)]
وننتقلُ إلى شرطٍ آخر أشارتْ إليه الآيات؛ ألا وهو الصبر؛ فطلب العلم يحتاج إلى صبر، ولا ينبغي لطالب علمٍ إذا نال قسطًا من العلم أو حظًّا منه أنْ يكتفي به ويعتقد أنه أصبح لا يُدانيه أحدٌ من أهل العلم، ولا يحق لأحدٍ أنْ يُراجعه في رأىٍ،
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. وبعد
فمن شروط العلم أنه: لابدّ أن يكون اتباع الشيخ، والعالم على حسب الشرع.
فلا حجة للصوفية، وغيرهم من الذين يلزمون أتباعهم بأن يسيروا وراءهم، وأعينهم مغمضة، لا يجوز لهم الاعتراض على شيء، ومن قولهم في ذلك: “المريد أو التلميذ بين يدي شيخه كالميت بين يدي المغسل”
فهذا كلام خطير جدًا، تقول: يا جماعة أنتم عليكم أن تتبعوني، وأنا قائد لكم، ما يجوز أن تعترضوا عليّ، ولا حق لكم في هذا، هذا ضلال لماذا لأننا لسنا أنبياء، ولسنا معصومين قد نخطئ، وقد نصيب.
فالقاعدة الإسلامية: “لا تكون الطاعة إلا بالمعروف” بغير المعروف ليس هناك طاعة، والذين يلزمون متبوعيهم بأن يطيعوهم، ويقولون لهم: إذا أخطأنا الإثم علينا نحن أنتم مالكم شغل، أنتم فقط اتبعونا، هذا كلام خطير،
الله تعالى في عدة مواضع في القرآن ينعي على الكفار والمشركين أنهم ما عندهم أدلة على كفرهم وعلى مبادئهم: “ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”
[الأحقاف: ٤]، هاتوا دليل؟ أتبعك على ماذا؟ لابد أن يكون هناك بصيرة، توضح لي الموقف فأتبعك، أما أنك تجرني خلفك بسلسلة، وتقول: أينما ذهبت تذهب ورائي، هذا غير صحيح، هذا مبدأ غير إسلامي، وغير شرعي، “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا” -يعني: المتبوعين يوم القيامة يتبرؤون ممن تبعوهم، والعكس- “أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا”
[الأحزاب: ٦٧].
** كذلك لابدّ أن نفهم على العكس من ذلك الوجهة الأخرى من الموضوع، أنه لا يعني هذا الكلام أنك إذا وثقت بإنسان تتعلم منه، وتتلقى منه، ويربيك بالعلم، ولا يعني أنك لا تثق فيه، ولا تسير وراءه، ولا تتبعه، كلا أنت تتبع من هو أعلم منك، لكن عندما يخالف الشرع لا يجوز لك أن تتبعه مطلقًا، تقول له: قف، وتقول لنفسك: قفي، لا تتبع إذا رأيت قضية مخالفة للشرع لا يجوز لك مطلقًا الاتباع.
كذلك محل الثقة بالشيخ إذا لم يخالف الشرع، فإذا خالف الشيخ الشرع فلا يوثق به، ولا يستجاب له.
** أن الإنسان مهما أوتي من علم فهو جاهل. قال الله تعالى: “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” [الإسراء: ٨٥]، يعني: جاهل بالنسبة إلى علم الله مهما أوتي من علم فعلمه قليل، ولذلك يقول الخضر: “وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا”، فعندما يسئل الإنسان عن شيء لا يعلمه ماذا يقول؟ الله أعلم، أو يقول: لا أدري.
* كذلك عدم الموقف السلبي من الشيء إلا بعد تعلمه، والوقوف على حقيقته، يعني: الناس أعداء ما جهلوا، العادة أن الواحد إذا جهل الشيء يصبح عدوًا له، ولذلك لا يحسن بالإنسان لا يجوز له أن ينكر قضية حتى يعرف يقف على حكمها، لأن بعض الناس أول ما يسمع الحكم -قد يكون حكم غريب عليه أول مرة يسمعه- يبادر فورًا إلى إنكاره، هذا لا يجوز، هذا غير صحيح، يا أخي إذا وقفت على المسألة عرفت الأدلة وسألت عنها أهل العلم وإلا تنكر مباشرة هكذا من عندك.

ولذلك أحيانًا يقف الناس من الداعية موقف العداء، قد لا يكون موقف العداء لمجرد العداء والشر في النفس، ولكن يقفون منها موقف العداء لجهلهم بها، لذلك يجب على الداعية أن يوضح دعوته للناس حتى لا يسبب العداوة منهم لدعوته، يعني: بعض الناس يعادون ليس من أجل العداوة أو فيهم شر، وإنما يعادون لأنهم يجهلون حقيقة ما تدعوه إليه، لذلك لا بدّ من توضيح دعوتك، وكثير من الناس سبب صدودهم ومعاداتهم الجهل، فالسؤال مفتاح لخير كثير؛ كما في هذه القصة حيث سأل رجل موسى عليه السلام. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.