خطبة بعنوان (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) للدكتور مسعد الشايب
adminaswan
15 سبتمبر، 2024
د / مسعد الشايب
41 زيارة
((وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا))
((الشريعة الإسلامية شريعة السلام))
الجمعة الموافقة 17 من ربيع الأول 1446هـ الموافقة 20/9/2024م
===========================================
أولا: العناصر:
1. لم وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام.
2. كيف جعلت الشريعة الإسلامية السلام، واقعًا عمليًا.
3. الخطبة الثانية: (إفشاءُ السلامِ مطلبٌ عالمي، وكوني).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، القائل في كتابه الكريم في حق سيدنا يحيى (عليه السلام): {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّاَ}[مريم:15]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والأخرين، وحبيب ربّ العالمين لا رسول بعده ولا نبي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، صلاة وسلاما عليك يا سيدي يا رسول الله دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وعلى آلك وأصحابك وأتباعك وأحبابك إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((لم وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام))
===========================================
أيها الأخوة الأحباب: فقد تميزت شريعتنا الإسلامية الغراء؛ بدعوتها إلي السلام بأنواعه، وأرست قواعدَه ضمن جملة من التشريعات والأحكام لا يعرف لها مثيل في الرسالات السماوية السابقة، ولا عجب.
==========
1ـ فإلهها ومعبودها، وربها من أسمائه السلام: فالسلام: اسم من أسماء الله الحسنى، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الحشر:23]، أي: المخلص لعباده عمومًا، ولأوليائه خصوصًا من الشدائد، والمكاره، والأزمات والضيق والكربات. وقيل: السلام: الذي سلمت ذاته عن العيوب، وصفاته عن النّقائص، وأفعاله عن الشرّ، وسلمت ذاته عن الهلاك والفناء، وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأن:
==========
2ـ نبيها، ورسولها هو داعية السلام: فقد كانت أول كلماته (صلى الله عليه وسلم) بعد أن وطئت قدماه تراب المدينة، ما قصه علينا الحبر اليهودي سيدنا عبد الله بن سلام (رضي الله عنه)، فقال: لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة انجفل الناس إليه (ذهبوا مسرعين)، وقيل: قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ)(رواه الترمذي).
كما علّم النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه ألّا يتمنوا الحرب ولقاء العدو، وأن يميلوا إلى المسالمة والموادعة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ)(رواه البخاري)، وقد قال (صلى الله عليه وسلم): (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)(سنن النسائي)، وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأن:
==========
3ـ كتابها، قرآنها يحض ويرشد إلى السلام: فقد دعا القرآن الكريم إلى إفشاء السلام العالمي صراحة فقال مخاطبا النبي (صلى الله عليه وسلم): {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنفال:61].
ومن عجيب الأمر في الشريعة الإسلامية أن الجهاد، وإعداد القوة ما شرعا إلا محافظة على السلام المجتمعي، والوطني، والعالمي، يرشدنا إلى ذلك النظم القرآني فالدعوة إلى المسالمة والموادعة ما جاءت إلا بعد الأمر بإعداد العدة، وأخذ القوة، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60]، وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:251]، ولله درّ القائل:
تحياتي لمجتمع السلام *** وكفي ممسكٌ بيدِ الحسام
فإن جنحوا لسلمٍ فهو سلمٌ *** ترفرف عليه أسراب الحمام
و إن مالو لحربٍ فهي حربٌ *** تشيب لهولها رأس الغلام
فإنا قد بلونا القوم قبلا ***و خضنا في العداوة و الخصام
و قد ذقنا لهم من قبل غدرا *** فلن نرضى بمعسول الكلام
==========
4ـ وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأن؛ تحيتها، وشعارها السلام: فالسلام هو تحية المسلمين فيما بينهم، وهو شعارهم في الحياة، من لدن أبينا آدم (عليه السلام) إلى يومنا هذا، قال (صلى الله عليه وسلم): (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ، النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ)(متفق عليه)، أي: على صورته في الخلقة، وصورته في إفشاء السلام، وأن الخلق يتناقصون في الخلقة، ويتناقصون في إفشاء السلام إلى يومنا هذا، وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأن:
==========
5ـ مستقر، ومأوى أتباعها في الأخرة الجنة التي وصفت بدار السلام: فالسلام اسم من أسماء الجنة، قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:127]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[يونس:25]، ووصفت الجنة بدار السلام؛ لأن السّلامة الحقيقيّة لا تكون إلّا في الجنة، إذ فيها بقاءٌ بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ)(رواه مسلم)، وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأن:
==========
6ـ تحية أتباعها في الجنة هي السلام: فالسلام هو تحية أهل الجنة، فيما بينهم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس:10،9]، وهذا يعني أن أصحاب الجنة سالمين من الأمراض القلبية البشرية الاجتماعية، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ*وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ*لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}[الحجر:45ـ48]، وصفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة السلام؛ لأنها:
==========
7ـ جعلت السلام واقعًا عمليًا، حسيًّا، ملموسًا، ومطبقًا على أرض الواقع: بإشاعة الأمن والطمأنينة في المجتمعات، والبلدان، والأوطان، والمحافظة على الأوطان، والأرواح، والأموال، والأعراض، وعدم الإيذاء بدون تفرقة بين المسلم وغيره، وقد وضعت الشريعة الإسلامية مجموعة من التشريعات لإفشاء السلام، وتطبيقه عمليا على أرض الواقع، كالتالي:
===========================================
(2) ((كيف جعلت الشريعة الإسلامية السلام، واقعًا عمليًا، حسيًّا، ملموسًا، ومطبقًا على أرض الواقع))
===========================================
1ـ حرمت القتل عمومًا حفاظا على الأرواح، وغلظت عقوبته، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الأنعام:151]، وتوعد (عزّ وجلّ) على إزهاق الأرواح بغير وجه حق بكافة أنواع العقاب في الدنيا والأخرة، فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93].
==========
2ـ حرّم النبي (صلى الله عليه وسلم) إزهاق أرواح غير المسلمين؛ ممن لهم عهد وذمة عندنا كالسائحين، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَنْ يَزَالَ (لَا يَزَالُ) الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)(رواه البخاري).
==========
3ـ كما أن الشريعة الإسلامية أمرت بالصلح بين المسلمين، وقتال البغاة المعتدين، إفشاء للسلام وتطبيقا عمليا له، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:10،9]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا)(اللفظ للبخاري).
==========
4ـ وحفاظا على الأموال: وإفشاء عمليا للسلام؛ حرمت الشريعة الإسلامية أكل أموال الناس بالباطل، وحرمت السرقة، وجعلت قطع اليد عقوبة للسرقة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:29]، وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[المائدة:38].
==========
5ـ وحفاظا على الأعراض، وإفشاء للسلام عمليا: حرمت الشريعة الزنا، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء:32]، ووضعت له عقوبة؛ فغير المتزوج عقوبته الجلد مائة جلدة، قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2]، والمتزوج عقوبته الرجم حتى الموت، فقد رجم (صلى الله عليه وسلم) ماعزا والغامدية. (رواه مسلم).
==========
6ـ كما حرمت الشريعة قذف المحصنات تطبيقًا للسلام واقعيًا، وعدّه النبي (صلى الله عليه وسلم) من الكبائر، فعن أبى هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ). قيل: يا رسول الله وما هنّ؟. قال: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ)(متفق عليه).
كما نهت الشريعة الإسلامية عن السباب والشتم، والإيذاء بوجه عام وعدّته فسوقا، وهذا من الإفشاء العملي للسلام، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)(متفق عليه).
==========
7ـ كما جعلت الشريعة الإسلامية لقذف المحصنات حدا وعقوبة، تطبيقًا للسلام واقعيًا، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:4].
==========
8ـ وقد شرّع الإسلام حدّ الحرابة للحفاظ على كل هذا، وإفشاءً للسلام عمليا، فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33].
==========
تحذير: إن التهاون في التمسك بتلك الأمور الثمانية يهدد السلام المجتمعي بين أفراد المجتمع، ولا يؤدي إلا إلى الاحتراب والاقتتال الداخلي، فبالله عليكم ماذا يفعل الإنسان حينما يعتدى على أرواح ونفوس أقاربه بغير وجه حق؟ وماذا يقدم إذا اعتدى على عرضه، وانتهكت حرماته؟ وكيف يتصرف إذا نهب وسرق ماله؟.
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب……….
===========================================
(الخطبة الثانية)
((إفشاء السلام مطلب عالمي وكوني))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
==========
أيها الأحبة الكرام: عشنا في الخطبة الأولى مع أسباب وصف الشريعة الإسلامية بشريعة السلام، وكيف جعلته واقعًا، عمليًا، ملموسًا، مطبقًا على أرض الواقع، وإتماما للفائدة في تلك الجمعة المباركة، نعيش مع الأسباب الداعية إلى جعل السلام مطلبًا عالميًا، كونيًا، لجميع البشر بغض النظر عن عقائدهم، وأجناسهم وألوانهم، فأقول: من تلك الأسباب الداعية:
==========
1ـ أن السلام لا غنى للبشرية عنه؛ فبدونه لا تستقيم الحياة البشرية، فانعدام السلام يهدد الأمن المجتمعي بين أفراد المجتمع، بل بين دول العالم أجمع، ولا يؤدي إلا إلى الاحتراب والاقتتال، كما ذكرت سابقًا:
فبدون سلام لا يأمن الناس على أرواحهم، ولا على أموالهم، ولا على أعراضهم، فالحروب تأكل البشر وتفنيهم، كما أنها تأكل الأخضر واليابس علي وجه الأرض، ولنا فيما خلفته الحربان العالميتين الأولي والثانية درس وعبرة فقد مات بسببهما مئات الألوف من البشر، وتشرد مئات الألوف، ودمرت مدن ودول بأكملها، ولنا في الحرب الروسية الأوكرانية اليوم التي بدأت شرارتها من العام قبل الماضي (2022م) درسٌ وعبرة، فالخبراء يقولون: أنها ستؤدي إلى مجاعة عالمية، فضلا عن البشر الذين يقتلون فيها.
==========
2ـ بدون سلام لا تستقيم عمارة الأرض، ولا تبني الحضارات، ولا يتحقق التقدم والرخاء، بدون السلام العالمي لا تتواصل الأمم ولا الحضارات، ولا نستطيع نقل الثقافات والمعارف، ولا نستطيع تبادل الخبرات، فالمساحات المشتركة بين الناس كثيرة وواسعة بالنظر إلى جانب الإنسانية، والبشرية، وبغض النظر عن المعتقدات، والألوان، والأجناس وصدق الله حينما قال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1]، وينبغي أن أنبه إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بإرساء قواعد السلم والسلام المجتمعي والعالمي في أرجاء العالم.
==========
3ـ ما يسمي بالعيش والعمل المشترك سواء أكان بين أتباع الدين الواحد على اختلاف مذاهبهم، ومشاربهم، أم كان بين المسلمين وغيرهم، لا يتحقق إلا بإفشاء السلام، فالعالم بأسره في ظل التقدم التكنولوجي، والمعرفي الهائل؛ أصبح كقرية صغيرة، لا غنى لأهله عن بعضهم البعض، بل لابد من تعايشهم، وتبادلهم الحوائج، والمنافع، والمعارف، والخبرات…الخ، كل ذلك لا يتحقق إلا بإفشاء السلام، وفد أرشد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك، فقال يوم الحديبية: (…وَاللهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا…)(رواه أحمد)، وقال عروة بن مسعود الثقفي لقريش يومها: (…فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ…)(رواه البخاري).
==========
4ـ حفاظًا على البيئة والكون من حولنا، فمن المسلمات في الشريعة الإسلامية الغراء النهي عن الفساد في الأرض والإفساد فيها، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205]، وقال تعالي: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف:85]، أي: بعد أن هيئت لحياتكم ومعيشتكم.
ومن المسلمات فيها أيضًا، وكما هو مسطور في القاعدة الفقهية، المأخوذة من قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(رواه ابن ماجه)، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يتسبب في الضرر لأحد حتى ولو جمادًا كمكون من مكونات البيئة (غابات، بحار، محيطات، جبال…الخ)، ولا يحل له أيضًا الإضرار بنفسه.
==========
الخلاصة: إن إفشاء السلام هو الذي يجب أن يسود جميع العالم، ولعل هذا ما أشار إليه حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلاَئِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ…)(متفق عليه)، فالرحمة لا تتحقق، إلا إذا تحقق السلام، كما تنبئ عنه صيغة السلام.
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به كاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب