خطبة بعنوان : حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ربه

اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله الشيخ

احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية؟

عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟

1/حال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع ربه ؟

2/كان يَأْنَس بمناجاة خالق الكون،؟

3/كان أحب ألقابه إلى نفسه أنه عبد الله, ؟

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين وقيُّوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجةً على العالمين ليَحْيَ مَن حَيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره واستَنَّ بسُنَّتِه إلى يوم الدين،

أما بعد:-كان نبي الهدى عليه الصلاة والسلام أعرف الخلق بربه سبحانه، وأعظمهم قياماً بحقه.. تدرج في سلم الكمال البشري فبلغ مبلغاً يعجز عن فهمه أكثر العالمين، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! ثم هو يقوم من الليل حتى تنتفخ وتتفطر قدماه.

كان له صلى الله عليه وسلم بكاء المذنبين وأنين العاصين ودعاء المكروبين.

إن الباحث في نواحي العظمة المحمدية، لَيَبهرُه تعدُّدُ جوانبها، ويأخذ بقلبه سُموُّ مُقوماتها؛ فقد أرسل الله هذا النبي الأمي؛ ليَكشف للإنسانية الحائرةِ معالمَ التوحيد والعدل، ويَمحو الشِّرك والظلم، ويَنشر الأمان والمحبَّة، فبلَغ من ذلك حظًّا لم يدركه نبيٌّ قبله، وتَمَّ على يديه ما أراد الله أن تصل إليه الإنسانية من الكمال، فكان لذلك إمامَ الأنبياء وخاتم المرسلين، وبحسب الإنسان أن يذكر ذلك؛ ليُؤمنَ بأن هذا الرسول الأكرم كان منفردًا في عظَمته، ممتازًا في فِطرته.

وإن من أبرز نواحي العظمة المحمدية، ذلك الأدب العظيم مع الله الذي أرسَله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله.

كان -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ عباد الله خشيةً لربه، وأعظمهم رجاءً فيه، وأكثرهم حبًّا له، وكانت أحبَّ الأوقات إليه، تلك الساعات التي يعتزل فيها الناس؛ ليَأْنَس بمناجاة خالق الكون، ومُبدِع الوجود.

كان قبل أن يُبعث يَمكُث في غار حِراء الليالي ذوات العدد، مستغرقًا في عبادة خالقه، ويَملأ جوانب نفسه بالضراعة إليه، ولَما جاءَه الحق واختارَه ربُّه رسولاً إلى الناس كافة، كان أعظمُ ما تَسعد به نفسُه، تلك الساعاتِ الطويلةَ التي يَقضيها في التهجُّد راكعًا ساجدًا قانتًا لله؛ يُسبِّح بحمده، ويَذكر آلاءَه، ويُلِح عليه في الرجاء، ذاكرًا أنه قيُّوم السموات والأرض ومَن فيهنَّ، ونور السموات والأرض ومن فيهنَّ، وأنه الحق، ووَعْده الحق، ولقاؤه حق، وقوله حقٌّ.

وبعد أن فُرِضت الصلاة، كان يأنَس إليها أُنس الرضيع إلى صدر أمه، ويَشتاق قلبه إلى وقتها شوقَ الظمآن إلى الماء، فيها سَلوته، وفيها مَسرَّته؛ ((جُعِلت قرَّة عيني في الصلاة)).

ولقد بلَغ حال الرسول مع ربه، أنه كان يظَلُّ صائمًا طاويًا، مواصلاً الصيام، سعيدًا بالجوع والعطش؛ لأن فيه قربًا من العلي الأعلى؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ قال: ((أيُّكم مثلي؟ أَبيت يُطعمني ربي ويَسقين)).

ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يواظب على قيام الليل والتبتُّل، مواظبة أفرَغت في قلوب المسلمين إيمانًا به وحبًّا له، وتفانيًا في نُصرته، وتحققًا من صِدق قوله، وفي ذلك يقول ابن رَواحة:

وفينا رسولُ الله يَتلو كتابَهُ **

إذا انشقَّ معروفٌ من الفجْر ساطعُ**

أرانا الهُدى بعد العَمى فقلوبُنا **

به مؤمناتٌ أنَّ ما قال واقعُ**

يَبيتُ يُجافي جَنْبَه عن فراشِهِ**

إذا استَثْقَلت بالمشركين المَضاجعُ **

ولقد خُيِّل إلى بعض الصحابة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أجزَل له ربُّه في العطاء، حتى غفَر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وبعد أن نصَره نصرًا عزيزًا، وفتَح له فتحًا مبينًا – خيِّل إلى هذا البعض أنه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلَغ تلك المنزلة، سيُسَلِّم نفسه إلى شيءٍ من الدَّعة، ويَخلد إلى قليلٍ من الراحة، ولكنه -عليه السلام- يَغرق في العبادة، ويُكثر من الخَلوة، ويُبالغ في التهجُّد، فيَعجب لذلك هؤلاء الأصحابُ، ويسألون عن السر فيه؛ كما ورد عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تَتفطَّر قدماه، فقلت له: لِم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! فقال: ((أفلا أحبُّ أن أكون عبدًا شكورًا؟)).

ولقد اختلط الأمر على بعض الصحابة، فظنُّوا أن من الأدب مع البارئ -عز وجل- أن يَنقطع الإنسان إلى العبادة، وأن يترك الدنيا إلى الآخرة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- ردَّهم إلى الصواب، وبيَّن لهم – في جَلاءٍ لا يَقبل التأويلَ – أن خشية الله لا تَستلزم الانقطاع عن الدنيا، فلقد رُوِي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: جاء ثلاثة رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا، كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد غفَر الله ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟! فقال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أُفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((أنتم الذين قلتُم كذا وكذا؟ أما والله إني لأَخشاكم لله وأتْقاكم له؛ لكني أصوم وأُفطر، وأُصلي وأرقُد، وأتزوَّج النساء، فمن رغِب عن سُنتي، فليس مني)).

وهكذا كان أدبه -صلى الله عليه وسلم- مع ربِّه أثرًا من آثار خشيته له، وفَرْط حبِّه لذاته، وخضوعه لجلاله، فكان خاليًا عن المغالاة والتكلُّف، موسومًا بالعطف على الناس، بعيدًا عن الزِّراية بهم والنِّقمة عليهم، فلم يَدْعُ يومًا على قومه بالهلاك، بل كان يطلب لهم الهداية والمغفرة، قائلاً – في أشد المواقف إمعانًا في إيذائه والكفر به -: ((اللهمَّ اهْدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون)).

ولقد كان من بالِغ أدبه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يشعر أن فضائله قَبَسٌ من فضل الله عليه، فكان إذا صبَر على بلاءٍ، يشكر ربه على التوفيق، بل كان يستغفره؛ خوفًا من تَبِعة التقصير؛ فلقد جاء في سيرته الكريمة أنه ذهب يومًا إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فردُّوه ردًّا غير جميلٍ، وأغروا به سُفهاءَهم وعبيدهم، يَعفِرونه بالتراب، ويَحصِبونه بالحجارة، وهو صابر مُحتسب، فما هو إلا أن جلَس إلى ظلِّ شجرة، حتى طفِق يَستعيذ بالله من غضبه، قائلاً: ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرَقت به الظلمات، وصلَح به أمر الدنيا والآخرة، أن تُنزل عليَّ غضَبك، أو تُحِلَّ على سَخطك، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ، فلا أُبالي)).

أرأيت أيها المسلم الكريم هذا الأدب النبوي البالغ؟ إنه ليس مُستغرَبًا من هذا الرسول الكريم؛ لأن الله قد ملأ صدره حكمة وإيمانًا، وإليك نوعًا آخر فريدًا في باب الأدب، كان -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما تَفيض عيناه دمعًا، حين يجد أن لسانه وعمله لا يَفِيَان بالتعبير عن شكر الله على ما أنعَم به عليه؛ فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: “قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرأ عليّ))، قلت: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: ((فإني أحب أن أسْمَعه من غيري))، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلَغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((أَمسِك))، فإذا عيناه تَذرِفان”.

ولقد كان حياؤه من ربِّه مثلاً في أدب الأنبياء مع ربهم؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في حديثه عن المعراج وفرْض الصلاة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجَع ربَّه؛ نُزولاً على مشورة سيدنا موسى -عليه السلام- ثلاث مرات، حتى خفَّف فرْض الصلاة من خمسين إلى خمسٍ، فلمَّا أخبَر موسى بذلك، قال: ارجِع إلى ربك، واسْأَله التخفيف لأُمتك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((سألت ربي حتى اسْتَحْييتُ منه، ولكن أرضى وأُسلِّم)).

وكان من أعظم حال الرسول مع ربِّه، أن كان أحب ألقابه إلى نفسه أنه عبد الله، وكان يحب دائمًا أن يثبت ذلك في نفوس المسلمين جليًّا واضحًا، فتارة يُقرِّره بالقول؛ كما ورد عنه أنه قال: ((لا تُطروني كما أطْرَت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله)).

وتارة يقرِّره تقريرًا عمليًّا؛ فقد ورد عنه أنه دخل على أصحابه، فقاموا إجلالاً له، فقال لهم: ((لا تَقوموا كما تقوم الأعاجم، يُعظِّم بعضهم بعضًا؛ إنما أنا عبد؛ آكُل كما يأكل العبد، وأجلِس كما يجلِس العبد)).

فكلمة العبد محببةالي المؤمنين فيُنادِي الله تعالى على المُؤمنين بقولِه: (يَا عِبَادِيَ)؛ ليتفيَّؤُوا ظِلالَ عبادتِه على أي أرضٍ وتحت أي سماء، قال تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت: 56].

(يَا عِبَادِيَ) كلمةٌ رقراقةٌ تُحفِّزُ على العمل، وبها نادَى الخالِقُ عبادَه المُؤمنين ليُعلِّمَهم آكَدَ العبادات وعِمادَها، وأجَلَّ الطاعاتِ وأفضَلَها، قال تعالى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) [إبراهيم: 31].

يُنادِي اللهُ المُؤمنين بقولِه: (يَا عِبَادِيَ) فيرسُمُ لهم دُرُوبَ التقوَى، ويُوجِّهُهم إليها بقولِه: (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر: 16]، ويُثنِي عليهم ثناءً لا نظيرَ له بقولِه: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) [الفتح: 26].

أيها المسلم الكريم، كان حال الرسول مع ربه مثلاً بليغًا في الرضا بقضائه، والشكر على نَعمائه، والصبر على بلائه، والتسبيح بحمده والإخلاص في دعائه، والصدق في العبودية له، والحياء من جلاله؛ حتى استحقَّ من ربه مقامًا محمودًا، وثناءً كريمًا

﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 2 – 4].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.