خطبة بعنوان : التاجرالصدوق ومنزلتة

اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله الشيخ

احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية؟

عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟

1/نداء خاص لأخي التاجر٠٠٠٠٠؟

2/من أخلاق التجار الأبرار اليسر والتسامح٠٠٠٠؟

3/من أسباب البركةالصدق في المعاملة ٠٠٠٠٠٠؟

إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ له الحمد لله الذي أكرم المؤمن بضياء الإيمان،،

وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ

وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.

أمّا بَعْدُ

فيا أيها الإخوةالمؤمنون:

لا شك أن التجارة هي من أفضل الأعمال الدنيوية التي يعمل فيها الناس؛ لتحصيل أرزاقهم، وأرزاق أهليهم وعيالهم، وخدمة مجتمعاتهم، ومما يتميز به التاجر المسلم عن غيره تمسكه بقيم دينه، وتوكله الدائم على ربه؛ ولذلك كان لا بد لكل تاجر مسلم في هذا الزمان أن يتعرف على الأخلاق والمأمورات والمنهيات التي تتعلق بعمله؛ وذلك لانتشار المحرمات، وكثرة الشبهات، التي تعتري أكثر المعاملات، فتحرفها عن الضوابط الشرعية التي أمر الله تعالى بها، ولتعلم أخي في الله – أنه لا انفكاك بين التجارة وقيم الإسلام وضوابطه وأنه كلما اقترب التاجر من أخلاق دينه وقيمه كان أقرب إلى الله تعالى وأقرب إلى قلوب الناس وأنفع لنفسه ولأبناء أمته ومجتمعه لذا كانت هذه النداءات لك خاصة أخي التاجر

فاسمع مني هذه النداءات:

1/أولًا: قدِّم أمر الله على تجارتك.

أيها المسلمون: ولعل من أولى ما يُذكَّر به التاجر المسلم في هذا الصدد ألَّا تشغله تجارته عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاة، ولا عن تلاوة كتاب الله تعالى، ولا عن أداء حق الله في ماله؛ فقد أثنى الله عز وجل على عباده المؤمنين الذين لا تشغلهم تجارتهم عن طاعته، فقال: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37].

واحذر أولئك الذين استغرقوا في تجارتهم ومصالحهم، وشَغَلهم مزيد شفقتهم وحبهم لأبنائهم، والسعي من أجلهم، عن ذكر ربهم وطاعته؛ فاستحقوا بذلك كمال الخسارة لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة؛ لأنهم باعوا العظيم الباقي، بالحقير الفاني؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

فالتاجر المسلم هو الذي يقدم أمر الله تعالى على تجارته وربحه، ولا يساوم على دينه وقيمه مهما كلَّفه ذلك، بل لا يرضى أن يكون الله تعالى وأوامره في آخر اهتماماته؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].

2/ثانيًا: ثِقْ بأن الله تعالى ضمن لك رزقك:

قال الله تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].

وقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].

• وروى أبو نعيم عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن روح القدس نَفَثَ في رُوعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛

وروى الطبراني عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرزق لَيَطْلُبُ العبد أكثر مما يطلبه أجله))؛ [صحيح الجامع للألباني].

وعليك بحسن التوكل والأخذ بالأسباب؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].

وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].

وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم كنتم تَوَكَّلون على الله حق توكله، لرُزقتم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانًا))؛ [الترمذي ].

ومن حسن التوكل التبكير في طلب الرزق، فالرزق في البكور، والتاجر الذي يتأخر في الذهاب إلى تجارته يفوته خير كثير، ويُحرم بركة الرزق التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم للمبكرين؛ كما أخبر الصحابي صخر الغامدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها، قال: وكان إذا بعث سريةً أو جيشًا بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارةً بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله))؛

3/ثالثًا: عليك بالسماحة في البيع والشراء، والتيسير والتغاضي عن المعسرين: فمن يسَّر على معسر، يسر الله عليه، ولا ينبغي للتاجر المسلم أن يضيِّق على من يعاملهم بكثرة المطالبة، مع علمه بضيق ذات يدهم؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يتحلى بخلق السماحة والتيسير في اقتضاء حقه من الناس؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))؛ [أخرجه البخاري].

وروى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه))؛ [أخرجه مسلم].

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تاجر من بني إسرائيل كان يتعامل مع الناس بالتيسير والسماحة، فكان جزاؤه من الله تعالى أن تجاوز عنه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا، قال لفتيانه: تجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا؛ فتجاوز الله عنه))؛ [أخرجه البخاري ومسلم].

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه سمحًا في بيعه وشرائه، سهلًا في تعامله مع الناس، وعندما ابتاع (اشترى) حائطًا – حديقة – من رجل فساومه حتى قاومه عن الثمن الذي رضيَ به البائع، فقال عثمان: أرنا يدك، فقال الرجل: لا أبيعك حتى تزدني عشرة آلاف، فالتفت عثمان إلى عبدالرحمن بن عوف فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدخل الله الجنة رجلًا كان سهلًا؛ بائعًا ومشتريًا))، اذهب قد زدتك العشرة آلاف؛ لأستوجب بها الكلمة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا خُلُق كريم من أخلاق التجار الأبرار، الذين يطمعون فيما عند الله تعالى من الرحمة والرضوان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أقال مسلمًا، أقاله الله عثرته))؛ [أخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك].

4/رابعًا: عليك بالصدق: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصدقَ من أسباب البركة؛ كما في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحق بركة بيعهم))؛ [أخرجه البخاري ومسلم].

وقد أثنى النبي صلى الله على التاجر الصدوق في بيعه وشرائه؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء))؛ رواه الترمذي

وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده: ((أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يُبعثون يوم القيامة فُجَّارًا، إلا من اتقى الله وبَرَّ وصدق))؛ رواه الترمذي .

5/خامسًا: أنفِقْ يُنفَق عليك: اعلم – أخي التاجر الكريم – أن الإنفاق في سبيل الله تعالى هو التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة؛ فاحرص على الإنفاق من مالك على قدر استطاعتك، في وجوه الخير، وهي كثيرة؛ مثل: بناء المساجد وعمارتها، ونشر كتب العلم النافع، ومساعدة الفقراء، وكفالة الأيتام المحتاجين، وغير ذلك من أبواب الخير.

واعلم – أخي الكريم – أن الصدقات تزيد الحسنات والمال.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

وقال جل شأنه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

وقال سبحانه: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 17].

وروى مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))؛ [مسلم].

واحذر – أخي التاجر الكريم – من وسوسة الشيطان؛ فإنه سوف يوسوس لك قائلًا: لا تنفق من مالك، وأمسكه عليك؛ فإنك محتاج إليه لتربية أولادك، وصدق الله تعالى؛ حيث قال: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

ويكفيك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعض صحابته وهم في السوق فقال: ((إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب فشوبوها بالصدقة))؛ [رواه النسائي ].

ويجب على التاجر المسلم أن يتفقه في دين الله تعالى بالقدر الذي يساعده على تصحيح عقيدته وعبادته لله تعالى، ولقد كان كثير من العلماء من التجار، ويجب على التاجر أيضًا أن يعرف الأحكام الشرعية الخاصة بالتجارة التي يمارسها، وذلك بسؤال أهل العلم؛ حتى يتجنب الشبهات والوقوع في الحرام، واعلم – أخي الكريم – أن طلب العلوم الشرعية يرفع منزلتك عند الله تعالى وعند الناس؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فيا أيها الإخوةالمؤمنون، نداءات لا بد منها لأخي التاجر، ومن هذه النداءات أخي التاجر فإني أحذرك من الوقوع في بعض الأشياء، فاتق الله في نفسك، واحذرها؛ لتنجو في الدنيا وفي الآخرة؛ فأقول:

إياك والحرام وابتعد عن الشبهات:وذلك بأن يتحرى التاجر صحة معاملاته وموافقتها لشرع الله، ويبتعد عما يشتبه فيه منها؛ فلا يسعى للبحث عن المخارج والرخص، والآراء الشاذة؛ ليصحح معاملة قام بها، أو ليبرر ربحًا جاء من تعامل فيه شبهة حرام أو ربًا، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نبتعد عن الشبهات؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة))؛ [أخرجه الترمذي والنسائي والدارمي].

وكذا أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الذي يقع في الشبهات، ويستخف بشأنها يؤدي به ذلك للوقوع في الحرام؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام))؛ [أخرجه البخاري ومسلم].

فالتاجر المسلم هو الذي يتحرى ألَّا يُدخِل على نفسه الحرام مهما كان، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ملتزمًا بنهي ربه وهو يخاطبه بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29].

وبقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].

والمسلم التقي لا يملأ بطنه، ولا يصلح عيشه بشيء جاء من الحرام؛ أخرج البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان لأبي بكر غلام يُخْرِجُ له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة! إلا أني خدعته، فأعطاني بذلك، فهذا منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه)).

إياك والأيمان الكاذبة في البيع والشراء:

إننا نجد – وللأسف – بعض التجار يحلف بالله كاذبًا؛ ليقنع المشتري بسعر البضاعة، أو بجودتها، أو بصلاحيتها، أو ليخفي عيوبها، أو مصدرها، أو لأسباب أخرى؛ وقد نهى الله تعالى عن بذل الأيمان لغير ضرورة؛ فقال جل جلاله: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ [القلم: 10]، والحلف في البيع مكروه، ولو كان البائع صادقًا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة))؛ [رواه البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله، أو ليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدِّثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون))؛ [رواه أحمد ].

أخي التاجر، اعلم أن أصل اليمين في البيع والشراء ينبغي تركه، هذا إن كان حقًّا، فكيف إذا كان باطلًا؛ قال الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].

وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))؛ [أخرجه مسلم]، المنفق سلعته بالحلف الكاذب: الذي يحلف كذبًا ليزيد ثمن السلعة، يقول: والله لقد اشتريتها بعشرة، وقد اشتراها بأقل من ذلك.

أخي التاجر، إياك التطفيف:وهو أن يتلاعب التاجر في الكيل أو الوزن أو العدد؛ وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 35]، وقال: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [الأنعام: 152]، وقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9].

وقد حذر الله تعالى من ذلك أشد التحذير، وتوعد فاعله بالعذاب الشديد؛ فقال سبحانه:﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ

الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 – 6]

بل إن الله تعالى أهلك قوم مدين؛ لتطفيفهم الكيل والميزان، وذلك لما جاءهم شعيب عليه السلام فنهاهم عن ذلك فأبَوا، فكانت عاقبتهم الهلاك والدمار.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بوزان، فقال له: ((زِنْ وأرْجِحْ))؛ [أبو داود والترمذي]؛ وذلك خشية أن يدخل هذا الوزان في الوعيد الخطير، الذي أوعد الله به المطففين.

أخي التاجر، إياك الغش: وهو أن يخفي التاجر عيوب بضاعته، ويظهر محاسنها، أو يزوِّر تاريخ صلاحيتها، أو يكذب في بلد الصنع والإنتاج، أو يكذب في مواصفاتها وجودتها، أو غير ذلك من أنواع الغش التي كثُرت في زماننا، وهو كبيرة من الكبائر، تجمع في طيَّاتها جملة من الكبائر المحرمة؛ كالكذب، والخيانة، والتزوير، وأكل الحرام.

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الغش، وأخبر بأن الغاشَّ ليس على طريقة المسلمين، ولا على منهجهم؛ ((فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على صَبْرَةِ – الطعام المجتمع كالكَومة – طعام، فأدخل يده فيها؛ فنالت أصابعه بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء أي: نزلت عليه الأمطار يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، من غشَّ فليس مني))؛ [مسلم].

أيها المسلمون، ذات يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب، فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع على عيبه، فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل، لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب، فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر: إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة؛ فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس مني))، فاندهش اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلًا منها، ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وإياك والاحتكار: وهو حبس أقوات الناس وحاجاتهم؛ بقصد إغلائها، واستغلال حاجة الناس إليها، مما يسبب إضرارًا وتضييقًا على أفراد المجتمع المسلم، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل، وأخبر بأن فاعله آثم خاطئ، فقال: ((من احتكر، فهو خاطئ))؛ [مسلم]، وقال: ((لا يحتكر إلا خاطئ))؛ [أخرجه مسلم في المساقاة].

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يعجِّل العقوبة للمحتكر في الدنيا قبل الآخرة؛ معاملةً له بنقيض قصده، فهو أراد من حكرته أن يزيد في ربحه، فعاقبه الله تعالى بذهاب نعمتي العافية والمال؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من احتكر على المسلمين طعامًا، ضربه الله بالجذام والإفلاس))؛ [أخرجه أحمد في المسند، وابن ماجه واللفظ له، قال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله موثقون، وقال ابن حجر في الفتح: إسناده صحيح].

وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله: مع هذا الطعام في يوم تدخل البصرة فلا تؤخره إلى غد، قال: فوافق السعر فيه سعة، قال له التجار: إن أخَّرته جمعة ربحت فيه أضعافًا، فأخَّره جمعة فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا قد كنا قنعنا أن نربح الثلث مع سلامة ديننا، وإنك قد خالفت أمرنا، وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي، فخذ المال كله فتصدق به على فقراء أهل البصرة، وليتني أنجو من الاحتكار كفافًا لا عليَّ ولا لي.

أيها الأحبة الكرام، كانت هذه نداءات للإخوة التجار؛ أسأل الله أن ينفعنابها،

فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد، وأسأل مولانا الجليل أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،

وأقم الصلاة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.