خطبة بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه
adminaswan
14 سبتمبر، 2024
ش/أحمد عبدالله عطوة
94 زيارة
اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله الشيخ
احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية؟
عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟
1/اختلت موازين القدوةوالاسوة؟
2/النبي يحدثنا عن نفسه؟
3/صفات النبي التي جذبت نفوسَ الخلق إليهِ .
4/حديث الله عن نبيه؟
الخطبة الأولى:-
الحمد لله الذي زيَّن قلوب أولياءه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذَ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوَجَلَ والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتب، ولا في أي الفريقين يُساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلَّاق.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة أعدها من أكبر نِعَمِه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقائه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، البشير النذير، السراج المنير، الذي عمَّ نوره الآفاق، والنور الذي لا يعترض ضياءه كسوف ولا محاق، الحبيب القريب الذي أُسريَ به على البُراق، إلى أن جاوز السبع الطِّباق.
يا سيدي يا رسول الله:
وأحسن منك لم تر قطُّ عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خُلقتَ مبرَّأً من كل عيب
كأنك خُلقتَ كما تشاءُ
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه، واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:
فياإخوة الإسلام والإيمان:
حديثنا في ذلك اليوم الطيب الميمون الأغر مع حبيب القلوب، حبيب علام الغيوب، مع سيد ولد آدم، مع من بعثه ربه رحمةللعالمين فأعيروني القلوب والأسماع
أما بعد .. في زمنٍ اختل فيه ميزان الاقتداء ، واضطرب فيه منهاج الائتساء عن أيّ قدوةٍ سأتحدث؟ وعن أي إنسانٍ سأتكلم؟
إننا اليوم ، نتحدث عن تلك الروح الزكية التي مُلئت عظمةً وأمانةً وسمواً .. وعن تلك النفس الأبية التي مُلئت عفةً وكرامةً ونبلاً .
ماذا أقول إنَّهُ محمد بنُ عبد اللهِ صلى الله عليه وسلم ، رسولُ اللهِ إلى العالمين ، وحجتُه على الخلق أجمعين .محمد ، الذي اختاره الله جل جلاله لحملِ رايتهِ، والتحدثِ باسمهِ، وجعله خاتمَ رسلهِ ، وأثنى عليه ربه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وتحدث هو عن نفسه حينما قال – إنَّ لي أسْماءً، أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا الماحِي الذي يَمْحُو اللَّهُ بيَ الكُفْرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ النَّاسُ علَى قَدَمِي، وأنا العاقِبُ فلا نبي بعدي بل إن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ؟ قال : نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى ( أخي ) عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمئة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ؛ فقال : دعه [ ص: 167 ] عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها
أيُّها الأحبةُ ..
إنَنَا حينما نستلهمُ الحديثَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإنَنَا لا يمكن أن نُوفِّيهِ بعضَ حقهِ، وإنَّما هي إطلالة سريعة ، وإشارةٌ موجزة ، إلى شيءٍ من سِماتِهِ التي جعلت أفئدةَ الناسِ تهوي إليه ، وشيءٍ من صفاته التي جذبت نفوسَ الخلق إليهِ .
لقد رأى الصحابة رأيَّ العينِ كلَّ فضائلهِ ومزاياه، رأوا طُهرِهِ وعفتهِ ، رأوا أمانته واستقامتهِ ، رأوا شجاعته وبسالته ، رَأوا سُمُوه وحنانه .
بل رأى كلَّ هذا أهل مكة ، الذين عاصروا ولادته وطفولته ، بما انطوت عليهِ من رجولةٍ مبكرةٍ .
لقد كانت قريشٌ تتحدثُ عمَّا أنبأتهم بهِ، وأذاعتهُ بينهم مرضعتهُ حليمة، حينَ عادت بهِ إلى أهلهِ .
لقد كانت حليمة تدرك أن هذا الطفلَ غيرُ عادي ، وأنَّهُ ينطوي على سرٍّ يعلمهُ الله، وقد تكشفهُ الأيام .
ما إن أخذت حليمةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، حتى دَرَّ ثديها اللبن، فارتوى منهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وابنُها الذي كانَ يبكي من الجوعِ لجفافِ ثدي أمِّه، ثم امتلأ ضرعُ راحلتها باللبنِ بعد أن كانَ يابساً، فشبعت هي وزوجها .. ثم أصبحت الراحلة نشيطةً قوية، ولما وصلت ديارها أخصبت الأرض وأربعت ، فلا تحل أغنامُ حليمةَ إلا وتجدُ مرعاً خصبا، فتشبعُ أغنامها ، حين تجوع أغنام قومها .
وعاش طفولته صلى الله عليه وسلم في بني سعد ، وكان ينمُو نمواً سريعاً لا يُشبهُ نمُوَّ الغلمان .
وأما شبابُهُ صلى الله عليه وسلم فيا لطهرِ الشباب .. وعندما حجَّ أكثمُ بن صيفي -حكيمُ العرب- ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهُو في سنِّ الاحتلام، قال لعمِّه أبي طالب: ما تظنُونُ به ؟ قال: نحسنُ بهِ الظن، وإنَّهُ لوفيٌّ سخي .. قال: هل غيرَ هذا ؟ قال: نعم، إنَّهُ لذوُ شدةٍ ولينٍ ، ومجلسٍ ركين، وفضلٍ متين .. قال: فهل غيرَ هذا؟ قال: إنَّا لنتيمّنُ بمشهدهِ، ونتعرّفُ البركةَ فيما لَمَسهُ بيده .
وأمَّا رجُولَتهُ فقد كانت ملءَ كلِّ عينٍ وأذنٍ وقلب .. لقد كانت رجولته مقياساً لقومه ..يقيسون بأخلاقه وتصرفاته كلَّ رُؤاهم عن الحقِّ والخير والجمال ، فهَاهُم ذا على وشكِ أن يقتتِلُوا في من يضعُ الحجرَ الأسودِ في مكانه، وأخيراً ألهَمهُم اللهُ تعالى إلى تحكيمِ أوَّلُ من يُقبلُ من بابِ الصفا، وما زالوا كذلك حتى أقبلَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، فما أن رَأوهُ حتى قالوا: هذا محمدٌ الأمين، رضينا به حكماً .
كانت حياته صلى الله عليه وسلم نقاءً وصدقاً، وعفافاً وطهراً، لم يُجَرِّبوا عليه كذباً ؟ لم يظلم إنساناً؟ لم يخُن صديقاً ولا عدواًً؟ لم يكشف عورة؟ لم يخفر ذمة؟ لم يقطع رحماً؟ لم يتخل عن مروءة؟ لم يشتم أحداً؟ لم يشرب خمراً؟ لم يستقبل صنماً؟
شخصية فريدة .. جعلت سادةَ قومهِ يُسارِعُون إلى الاستجابة لدعوته ، كأبي بكرٍ وطلحةَ والزبير وعُثمانَ وغيرِهم، تاركين وراءهم كلَّ مجدٍ وجاه ، مستقبلينَ حياةً تمورُ بالأعباءِ وبالصعابِ .
شخصية فريدة .. جعلت ضعفاءَ قومهِ يلوذُونَ بحماه، ويَهرَعُونَ إلى رايتهِ ودَعوتهِ، وهم يُبصرُونَهُ أعزلَ من المالِ ومن السلاح، يَنزلُ بهِ الأذى، ويُطارِدُهُ الشرُ ، دُونَ أن يملكَ لهُ دفعاً .
إنها القدوة ، التي جعلت أتباعه يزيدُونَ ولا ينقُصُون، وهُو الذي يهتفُ فيهم صباحَ مساء، لا أملكُ لكم نفعاً ولا ضراً، ولا أدرِي ما يُفعلُ بي ولا بكم .
إنها القدوة ، التي تملأ القلوب يقيناً وعزماً
أيها المؤمنون: يقول ربنا -سبحانه- وهو يحدثنا عن حياة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)[الضحى:6]؛ قال السعدي: “أي: وجدك لا أُمّ لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتى أيَّده بنصره وبالمؤمنين”.
وقال ابن كثير: “ثُمَّ قَالَ -تعالى- يعدد نعَمه عل عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ تُوفّي وَهُوَ حَملٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَقِيلَ: بَعْدَ أَنْ وُلِدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتُّ سِنِينَ. ثُمَّ كَانَ فِي كَفَالَةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانِ سِنِينَ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَحُوطُهُ وَيَنْصُرُهُ ويَرفع مِنْ قَدره وَيُوقّره، وَيَكُفُّ عَنْهُ أَذَى قَوْمِهِ بَعْدَ أَنِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ، هَذَا وَأَبُو طَالِبٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ وحُسن تَدْبِيرِهِ، إِلَى أَنْ تُوفي أَبُو طَالِبٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِقَلِيلٍ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وجُهالهم، فَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ الْهِجْرَةَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِلَى بَلَدِ الْأَنْصَارِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كَمَا أَجْرَى اللَّهُ سُنَّته عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ وَالْأَكْمَلِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ آوَوه ونَصَرُوه وَحَاطُوهُ وَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-، وَكُلُّ هَذَا مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُ وَكِلَاءَتِهِ وَعِنَايَتِهِ بِهِ”.
ولم ينسَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرارة اليُتْم، ولذلك أوصى باليتامى، ففي صحيح البخاري، عنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا”، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
أيها المؤمنون: يقول ربنا سبحانه- وهو يحدثنا عن حياة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)[الضحى:7]، قال ابن كثير: “قَوْلُهُ: (وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى)، كَقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى:52]. وقال السعدي: “أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق”.
أيها الإخوة: فليس معنى الآية أنه -صلى الله عليه وسلم- كان على الشرك أو الكفر أبدًا، فكل الأنبياء كانوا على التوحيد قبل البعثة، ولكن المعنى كنت لا تعلم أصول الدين وتفاصيل الشريعة وآيات القرآن، فهداك الله إلى ذلك كله، ومن أعظم منّه الله على عبده هدايته. ولذلك قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقدير هذه النعمة، فشكر الله عليها بعبادته لله، ثم قام بهداية الناس إلى ما هداه الله إليه، وعمل على إنقاذهم من الضلال.
(وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)[الضحى:8]؛ قال ابن كثير: “وَقَوْلُهُ: (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى)؛ أَيْ: كُنْتَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ، فَأَغْنَاكَ اللَّهُ عَمَّنْ سِوَاهُ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ مَقَامَيِ، الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-“. وقال السعدي: “أي: فقيرًا (فَأَغْنَى) بما فتح الله عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها وخراجها”.
جاء في تفسير ابن كثير: “قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى)، قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مَنَازِلَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ”.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أيها المؤمنون: وختام حديث ربنا العظيم عن حياة نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، تلكم الآيات الثلاث، التي قال الله فيها: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:9- 11].
قال الشوكاني: “ثُمَّ أَوْصَاهُ -سبحانه- بِالْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ فَقَالَ: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)، أَيْ: لَا تَقْهَرْهُ بِوَجْهٍ مِنْ وجوه القهر كائنًا ما كَانَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُحَقِّرِ الْيَتِيمَ فَقَدْ كُنْتَ يَتِيمًا. قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِالظُّلْمِ، ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَاذْكُرْ يُتْمَكَ. (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ، فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ زَجْرِ السَّائِلِ وَالْإِغْلَاظِ لَهُ، وَلَكِنْ يبذل الْيَسِيرَ أَوْ يَرُدُّهُ بِالْجَمِيلِ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُرِيدُ السَّائِلَ عَلَى الْبَابِ، يَقُولُ: لَا تَنْهَرْهُ إِذَا سَأَلَكَ فَقَدْ كُنْتَ فَقِيرًا، فَإِمَّا أن تُطْعِمُهُ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا. قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاه رُدَّ السَّائِلَ بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أَمَرَهُ -سبحانه- بِالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهَا لِلنَّاسِ وَإِشْهَارِهَا بَيْنَهُمْ، وَالظَّاهِرُ النِّعْمَةُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَ”.
وقال السعدي: “(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي: لا تسئ معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يُصْنَع بولدك من بعدك. (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي: لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي ردّه عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف وإحسان. وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورًا بحُسْن الخُلُق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكرامًا لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد.
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ)، وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية (فَحَدِّثْ)؛ أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة. وإلا فحدِّث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داعٍ لشكرها، ومُوجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن”.
اللهم إنا نشهد بأننا نحبك ونحب نبيك صلى الله عليه وسلم ، فاللهم ارزقنا اتباعه ، والتأسي به ، والاقتداء بهديه .. الله لا تحرمنا شفاعته يوم العرض عليك، اللهم اجعلنا من زُمرته، واجعلنا من أنصار دينه ، الداعين إلى سنته ، المتمسكين بشرعه .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد …
واقم الصلاة