اعداد وترتيب العبد الفقير إلى الله الشيخ
احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية؟
عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟
1/خطاب الله تعالى لأهل الإيمان؟
2/نداء أهل الإيمان بالادب مع رسول الله ؟
3/النداءالاخير لأهل الإيمان بنداء الصدق؟
المقدمة
الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار…
وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار…
وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، سخر لنا الفُلك ومهد لها أمواه البحار…
وخلق الشمس والقمر وقلب الليل والنهار…
صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار…
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]…
نحمده تبارك وتعالى حمد المتقين الأبرارونعوذ بنور وجهه الكريم من خلق الأشرارونسأله السلامة من دار البوار..
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهارالملك فوق كل الملوك القوي الجبارالمستوي على عرشه دون حلول أو مماسَّة أواستقرارالعظمة رداؤه والكبرياء إزاره…
ليس كمثله شيءوهوالسميع البصير فلا تحجب رؤيتَه الظلمات والأستار…
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كامل النور…
المرفوع ذكره في التوراة والإنجيل وكذلك في الزبور…
المزمل بالفضيلة، والمدثر بالطهر والعفاف، والمبرأ من الشرور…
ما كان سبابًا، وما كان صخابًا، ولا دعا بالويل أو الثبور…
ما هيئت له الوسائد، وما مدت لأجله الموائد، ولا امتلأت بألوان طعامه القدور…
هو الرحمة المهداة، وهو النعمة المسداة، ولو تبِعْنا سنَّته ما اختلطت علينا الأمور…
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا بدر البدور…
وعلى الصحب والآل ومن تبِعهم، وقِنا بحبهم كل الشرور…
أما بعد أيها الإخوة المسلمون
فقد نادى الله عباده المؤمنين في تسعة وثمانين موضعا في القرآن، ظفرت سورة البقرة بـإحدى عشرة موضعا، وسورة المائدة بستة عشر موضعا، لکثرة ما فيهما من أحکام وتشريعات فهذه أول ما نزل والأخرى آخر ما نزل، وبقية تلك النداءات مبثوثة بين السور الکريمة.
فتعالوابنانقف مليا عند النداء الأول من الرب الجليل لعباده المؤمنين کما هو في ترتيب المصحف، إنه لم يکن أمرًا بالصلاة ولا بالزکاة، ولا الحج ولا غيرها من العبادات التي تتبادر للذهن فشدني النداء الذي من أجله نودوا أول نداء وأثار عجبي أن يکون هو أول نداء ينادى الله به عباده المؤمنين! قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْکَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة. تبين جهل کثير من المسلمين خطورة التشبه بالکفار وخاصة اليهود الذي أطال القرآن الکريم ببيان صفاتهم وأفعالهم وأقوالهم لتجنبها ومنها هذه الآية أن النداء أسلوب من الأساليب التربوية التي تدفع السامع للترکيز والاهتمام، وأيضًا: عناية الله بعباده المؤمنين بتوجيههم وإرشادهم واختيار الأفضل والأرقى لهم، وأظهر مکانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه والدفاع عنه واختيار أرقى الألفاظ عند التحدث معه وبين جانبًا من مکر اليهودوخبثهما
النداء الأول: في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ] وهذا النداء بدأ به الله، فأول نداء بيا أيها الذين آمنوا هو هذا النداء؛ لأن الذي لا يتأدب مع رسول الله هو حيوان هابط ممزق متلاش، لا وجود له ولا قيمة، فإذا لم يتأدب المؤمنون مع نبيهم فإنهم لا يطيعونه ولا يسمعون بما يدعوهم إليه من حمل الرسالة وإبلاغها، وهذا السر قد أسمعناه السامعين، وقلنا: سر فرض الله تعالى على المؤمنين والمؤمنات حب نبيهم حباً حقيقياً مهما بعدوا عنه، وأن من لم يحب رسول ليس بمؤمن، مع أن الرسول يموت؛ لأن حبه عقيدة، فمن لم يحب رسول الله فهو كافر، وعليه لعنة الله، ولا يدخل دار السلام، ورسول جميل، وهو والله أجمل الخلق، وهو أديب، ووالله ما وصل أحد إلى مستواه في الأدب، وقل ما شئت، ولكنه يموت، ولكن يبقى هذا الحب، وقد فرض الله تعالى حب رسوله من أجل أن يطاع؛ إذ لو كنا لا نحبه فلن نطيعه، وإلى الآن الذي لا تحبه لا تطيعه، والذي تحبه تطيعه، فعلة فرض الحب هو أن يطاع، وهذه الطاعة هي سلم سعادة الآدمي وكماله، فحب الرسول واجب من أجل الطاعة، فثمرة الطاعة وفائدتها هي أن يكمل الآدمي ويسعد في الدنيا والآخرة، وليس وراء ذلك شيء، بل هي فقط من أجل أن تكمل يا آدمي- في آدابك وأخلاقك وتسعد في حياتك ومماتك. هذه هي طاعة الله والرسول.
فالأدب الأول من النداءات: الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ الآية 104 من سورة البقرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104] ]. وهيا نحفظ هذا النداء، فنحن في حاجة ماسة ان نحفظ كتاب الله وتصلي به نافلتك في الليل والنهار لكأنما كسبت به أعظم كسب في هذه الدنيا، فهيا نتغنى بهذا النداء ونتلذذ به، فهذا كلام رب العالمين الذي تشتاقون إلى النظر إلى وجهه، هذا كلام رب العالمين، فلنتلذذ به، بدلاً أن نردد غناء العواهر وكلامهن ، ويسمون فنانين، وهم قتالون لروح الإيمان.
فاحفظوا هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104]. وصلوا بها النوافل والفرائض ولا تخافوا، فهي آية كاملة.
[ هذا نداء الله تعالى لعباده المؤمنين ] لا الكافرين ولا المشركين، ولا الملاحدة ولا العلمانيين، وإنما هو للمؤمنين به تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبكتابه القرآن الكريم، وبلقائه حيث الجزاء بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، فهو نداء الله تعالى لعباده المؤمنين [ ناداهم بنداء الإيمان ] فلم يقل: يا بني هاشم! يا بني عدنان! يا بني قحطان! وإنما ناداهم بعنوان الإيمان، وليس بعنوان الإسلام، فلم يقل: يا أيها الذين أسلموا! لأن الإسلام قد يكون نفاقاً، فلا يكون أهلاً لأن يرتقي إلى أن يناديه الرحمن، وإنما إذا آمن فقد أصبح أهلاً لأن يسمع النداء ويفهم ما يقال له بعده [ لأن المؤمن حي بإيمانه، يسمع ويعقل ويقدر على الفعل والترك ] والقول [ بخلاف الكافر، فإنه لا يسمع ولا يعقل، ولا يفعل إن أُمر، ولا يترك إن نُهي ] لأنه ميت، والمستمعون يسلمون بهذه القضية، فالحي هو الذي إذا ناديته سمع النداء، وإذا أمرته فعل، وإذا نهيته انتهى، فهذا هو الحي الذي يصلح للنداء، وأما الميت إذا ناديته فإنه لا يسمع، وإذا أمرته لا يفعل، وإذا نهيته لا يترك، فلا فائدة لندائه، وقد عرف الأبناء والمؤمنات معرفة يقينية أن المؤمن الحق حي والكافر ميت، فلهذا لا نقلد الكافر، ولا نأتسي به، ولا نعشقه ولا نحبه، ولا نتزين بزيه، ولا نتكلم بلسانه أبداً؛ لأنه ميت، فلهذا لا نقلده، وفي الإمكان إحياء الكافر، وفي إمكانك أنت أن تحييه إذا نفخت فيه الروح، فقل له: ارفع رأسك يا عبد الله! وانظر هذه الكواكب من كوكبها؟ وهذه الأفلاك فوقك من أدارها؟ وهذه الشموس والأقمار من أنارها؟ وطأطئ رأسك وانظر إلى هذه الأرض من بسطها؟ ومن نصب الجبال عليها؟ ومن أوجد هذه الحيوانات فيها؟ وغير ذلك من الأسئلة، فيقول: ها لا أدري، فقل له: كيف لا تدري وأنت الرجل الفحل العاقل تطير في السماء وتغوص في الماء ولا تدري؟ إن الذي فعل ذلك هوالله رب العالمين وخالق الأكوان كلها أجمعين، فإذا قال: عرفني به، فأنا لا أعرفه، فقل له: تعال، إن الذي خلق هذا يسمع كلامك هذا الآن والله – وسبحان الله! فهو والله يراك ويبصرك الآن، ويعرف ما في جيبك، بل ما في قلبك، وهو الذي رزقك منه، وطعامك وشرابك من فضله، وحياتك ومماتك بيده، فسيقول لك: دلني ما أفعل معه، وكيف أحبه وأطيعه؟ فقل له: قم اغتسل، وتطهر بالماء؛ لأنك كنت نجساً، ثم قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وادخل في حظيرة الإسلام، فتجده بعد ذلك يسمع ويطيع ويفعل؛ لأنه قد حيي، وأما وهو ميت فلن يفعل شيئاً، ولا أحد يقول للميت: قم صل، فهذا ليس معقولاً، فعلموا الناس أن المؤمن بحق حي، مستعد لأن يعطيك ويأخذ منك، ولأن يفهم عنك، والكافر ميت، لا يسمع ولا يعقل ولا يبصر، والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:80-81] .
وجوب التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم باختيار الألفاظ المناسبة عند مخاطبته
قال: [ واعلم أيها المسلم أن الله تعالى إذا نادى عباده المؤمنين إنما يناديهم ليأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، أو لينهاهم عما فيه شقاؤهم ونقصانهم، أو ] يناديهم [ ليبشرهم، أو ينذرهم، أو ليعلمهم ما ينفعهم ] وصدقوا هذا الكلام، فهو والله لكما سمعتم، فاقبلوه ولا تردوه؛ لأن الله تنزه عن اللهو واللعب والباطل، ( يا أيها الذين آمنوا!) فأعطها أذنك، واسمع، فأنت منادى يا عبد الله! إن كنت مؤمناً، وإذا كان الإيمان صورياً فقط فلست بالمنادى، لأن الله ينادي الأحياء لا الأموات [ ولنستمع إلى عبد الله بن مسعود ] الهذلي [ رضي الله عنه وقد قال له رجل ] من عامة الناس: [ اعهد إلي يا عبد الله! ] هذا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وممكن بعد وفاة أبي بكر وعمر ، أوصني بشيء أقوم به يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! [ فقال له: إذا سمعت الله ] تعالى [ يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأعرها سمعك ] أي: أعطها سمعك، من الإعارة، ونحن نقرأ: (يا أيها الذين آمنوا) فاستمع حتى يكمل؛ لتعرف ما المراد، فإذا قال: اتقوا الله، قل: اللهم أطعنا واتقينا أو وفقنا، وإذا قال: لا تشربوا الخمر فلا نشربها [ فإنه خير يؤمر به، أو شر ينهى عنه ] [ وقد نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية ] أي: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104] [ لينهاهم عن كلمة راعنا، ويرشدهم إلى كلمة انظرنا ] فاعرفوا هذا [ وذلك لأن المنافقين من اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: راعنا، وهي في لغتهم العبرية بمعنى الاستهزاء والسخرية ] فنهاهم عن كلمة راعنا؛ لأن فيها سوء الأدب مع رسول الله، وأمرنا ببديلها، وهو: انظرنا؛ لأن مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد كان يجلس فيها منافقو اليهود والعرب، والمنافقون يظهرون أنهم مسلمون، وكانوا يصلون وقلوبهم لا تؤمن بالله ولا بلقائه، ولا برسول الله ولا بكتابه، بل هم كفار كملايين الكفار، ولكن اضطرتهم الظروف إلى أن ينافقوا حتى تحفظ دماؤهم وأموالهم، هذا هو السر، فهؤلاء المنافقون من اليهود يقولون: راعنا يا رسول الله! حتى نفهم، ولا تستعجل، وشوهدوا يدخل أحدهم رأسه في ثيابه ويضحك مع زميله؛ لأنها في اللغة العبرية كلمة استهزاء وسخرية، فوجدوا نظيرها في العربية فاستغلوها، وكان العرب المسلمون لا يعرفونها؛ لأن هذه الكلمة واضحة عندهم، فراعنا عندهم بمعنى: أمهلنا حتى نسمع ونفهم، فكانوا يقولونها، ولما يقول أبو بكر أو عمر : راعنا يا رسول الله! كان اليهودي يدخل رأسه في ثيابه ويضحك، وهذا من مكر اليهود [ فكانوا بذلك يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه، والاستهزاء بالرسول والسخرية منه كفر، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا إليه يتعلمون الكتاب والحكمة: راعنا، وليقولوا بدلها وهي في العربية بمعناها: انظرنا، بمعنى: أمهلنا ولا تعجل علينا؛ حتى نحفظ أو نفهم ما تقول لنا ] ومن هنا أنزل الله تعالى هذه الآية تحمل هذا النداء: لا تقولوا بعد الآن راعنا، وقولوا: انظرنا؛ لأن الله عز وجل لا يحب أن يؤذى رسوله، وقد قدمنا ما سمعتم من أن أذية الرسول كفر ولو بالكلمة، فالمستهزئ برسول الله لا يبقى له إيمان يدخل به الجنة، فهذا مستحيل.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاث مرات، حتى إذا سلم يسلم ثلاث مرات، لأنه أمر بالبلاغ، ويمكن أن المرة الأولى ما فهم كلامه أو ما سمع، فكان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، وإذا سلم سلم ثلاثاً، صلى الله عليه وسلم [ وأمرهم بالإصغاء والسماع عند تلقي العلم والمعرفة والتأدب في ذلك ] كما نحن الآن والحمد لله، فأنتم على منهج رسول الله وأصحابه، فليس هناك من يغني الآن بيننا، أو من يقول: دعني أنام [ وأعلمهم أن للكافرين وهم المستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم والساخرون منه من اليهود وغيرهم عذاباً أليماً، أي: شديداً موجعاً، وقد ينالهم في الدنيا قبل الآخرة.
خطورة الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل
وفي هذه الآية الكريمة: بيان ] الله لعباده المؤمنين بـ[ وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمة الإساءة إليه بقول أو عمل، هذا مع الجهل وعدم العلم ] هذا إن كان لا يدري، لأن الصحابة لما قالوا: راعنا ما كانوا يدرون أنها سخرية واستهزاء، فلهذا ما توعدهم، وإنما فقط أمرهم وعلمهم، فلما علموا فلو أعادها واحد منهم لكفر. والآن كل مؤمن ومؤمنة يعرف أن إساءة الأدب مع الرسول كفر، وأن الاستهزاء به أو السخرية منه كفر فلنحذر إساءة الأدب مع الله ومع رسوله صل الله عليه وسلم
الخطبة الثانية
حمدًا لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على الحبيب المصطفى، ومن سار على نهجه واقتفى؛
أما بعد:فيا أيها الإخوة:-
مع النداءالاخير من نداءات القران حيث يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
كلما قرأت هذه الآية، وتأملت فيها، تنتابني مشاعر الرهبة والخشية والتعجب في نفس الوقت، إنه نداء من رب العالمين، إنه نداء خاص، وليس نداء عامًّا للبشرية، إنه نداء خاص بفئة معينة، إنهم المؤمنون.
فأتوقف وأتأمل، لمَ لا يكون لغير المؤمنين؟ وأقول لنفسي: إن غير المؤمنين هم الذين كان يجب أن يُطلب منهم ذلك، فالمؤمن – حسب تفكيري أناومن المفروض أنه صادق، فأتعجب، ثم أعود وأتذكر.إنه قول ربي إذًا هناك شيء آخر.
هناك من المؤمنين من يحتاج أن يكون صادقًا.نعم، صدق الله العظيم.واقع الحياة ينطق بصدق الآية الربانية في كتاب الله.
انظر قول المؤمنين بعضهم مع بعض، انظر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تموج بالكذب والخداع ونشر الفساد هنا وهناك.
انظر التعاملات التجارية، والصناعات، وحتى الزراعة، وما يشوب كل ذلك من غش وفساد.
هناك الكثير من المؤمنين لديهم نقص في هذه الدرجة من السمو، وإنهم لم يصلوا إليها.صدق الله العظيم.
الواقع يؤكد حاجتنا إلى الصدق في كل مجالات الحياة.
نحن في حاجة إلى صدق في أداء مناسكنا من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج.
نحن في حاجة إلى صدق في المشاعر، وفي القول، وفي العمل، وتعاملاتنا بعضنا مع بعض.
ومن هنا كان النداء الرباني لنا نحن المؤمنين.
إن الله يريدنا أن نجاهد أنفسنا للوصول لدرجة أعلى في إسلامنا.
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
نعم، إن درجة الصادقين من الدرجات العليا في الجنة.
انظر قول ربك: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
والصديقون هم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولًا وعملًا وحالًا، ودعوة إلى الله، تصديقًا لا يخالجه شك، ولا تحوم حوله ريبة، وصدقوا في دفاعهم عن عقيدتهم وتمسكهم بها، وسارعوا إلى ما يرضى الله بدون تردد أو تباطؤ.
وقد دلت الآية على أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف، وهو كون الإنسان صدِّيقًا؛ ولذا أينما ذُكر في القرآن الصديق والنبي، لم يجعل بينهما واسطة؛ كما قال تعالى في صفة إدريس: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 56].
ثم انظر الثواب العظيم لمنزلة الصديقين في هذه الآية: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119].
كم نحن في حاجة أن نستشعر معاني الصدق في أنفسنا، وكيف ندرب أنفسنا عليها ونعيشها عمليًّا، كما استشعرها الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك ثم تاب الله عليهم!
نحتاج أن نربي الأبناء على الصدق العملي، ونجعلهم يتذوقون حلاوته وجدانيًّا وروحيًّا، ويعيشونه في الواقع حتى يصبح واقعًا في حياتهم.
لا بد من تكاتف الجهود للرقي في حياتنا بهذا الصدق الذي سيكون مردوده على الجميع بالخير في الدنيا والآخر فرزقكم الله وإياكم هذا الأدب وغيره،
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ].