الحمد للهِ ربِّ العالمينَ، جعَل ذكرَه حدائقَ للمتقينَ، ومناجاتَه غذاءَ أرواح الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين و الآخرين وأشهد أن سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمينَ، إمام الأنبياء ، وسيد الأتقياء ، وخير من مشى تحت أديم السماء ،
وهذا كقوله تعالى عن أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة/ 66 .
ولقد ذكر الله -تعالى- التقوى ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة نيفت على أربعين ومائتي موضعاً، وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك في مواضع كثيرة ، وهذا دليل على أنها من أخطر موضوعات الدعوة إلى الله أهمية وأثرا..
فكل من طلب البركة في الرزق والوقت والعمل ، فعليه بتقوى الله تعالى ..
ومن التعريفات الجامعة الشهيرة للتقوى تعريف سيدنا الإمام علي رضي الله عنه: ” التقوى هي : الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ..
ومن هنا فالتقوى ليس لها شكل أو لباس معين، إنما هي الخوف من الله ، و التطبيق لأوامر الله ، وترك ما نهى عنه وزجر ، وبسبب التقوى يجعل الله لصاحبها مخرجا من ضوائق الدنيا ، ويرزق من الخيرات من حيث لا يتوقع ولا يحتسب ..
قال الإمام القرطبي رحمه الله : الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم، وقال بعض أهل العلم: هذه الآية هي رحى آي القرآن كله؛ لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره..
وهذه الوصية وصية عظيمة جامعة لحقوق الله -تعالى- وحقوق عباده، جعلها دين الإسلام منهج حياة للمسلم في كل زمان ومكان ، وعلى أي حال .. ووصى بها رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا ذر ومعاذَ بنَ جبل -رضي الله عنهما- فقال لكل واحد منهما: “اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”. (رواه الترمذي وهو حديث حسن).
اتق الله حيثما كنت يعني في أي زمان أو عصر كنت ، وفي أي مكان كنت ، في الريف أو في الحضر ، في الإقامة أو في السفر ، في الخلوة أو الجلوة في السلم أو الحرب ..
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “اتَّق الله حيثما كُنت” مراده في السرِّ والعلانية حيث يراه الناسُ وحيث لا يرونه، وفي حديث عن أبي ذرٍّ: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال له: “أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ” (رواه أحمد وهو حسن لغيره).
و”كان -صلى الله عليه وسلم- إذا بَعَثَ أميراً على سَرِيَّةٍ أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيراً”.. (رواه مسلم)..
غياب التقوى والخوف من الله في حياة كثير من الناس في عصرنا أدت إلى انتشار المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها في جميع المجالات ..
ومن ذلك القصص الواقعية المريرة : وفاة زوج بمحكمة التجمع الخامس بعد أن عرف عدد القضايا التي رفعتها عليه زوجته وأولاده ..
المحامي كان حاضرا وقت الجلسة في القاعة ، بيحكي أنه لما تأكد الحاجب أن الزوج توفي وهو قاعد في الجلسة أمام زوجته وأولاده .. وأولاده جريوا عليه ويعيطوا ويصرخوا ويحضنوا فيه ويقلولوا اصحى يا بابا احنا مش عاوزين فلوس بس اصحى وكلمنا !! ..هكذا بالعامية ..
نادى القاضي على الزوجة و قالها بالعامية مبسوطة كده للأسف الدعوى انقضت بوفاة زوجك وسيتم شطب القضية..بيقول أن الزوجة قعدت تلطم وتصرخ أمام القاضي ، مش علي موت زوجها ، لكن على النفقات اللي كانت بتأخدها من الزوج بالتراضي كلها ضاعت بوفاته ..(فيتو).
وفي المقابل أزواج لا يتقون الله في نسائهم ، ويسيئون معاملتهم ؛ ويضربونهم على أتفه الأسباب ؛حتى يضطرونهم للإنفصال ، والتنازل عن حقوقهم التي شرعها الله لهم ..
وختاماً : فإن تقوى الله سبب كل خير ومفتاح كل توفيق، وكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فاتقوا الله -تعالى- يا إخوة الإسلام في سركم وجهركم ، واجعلوا تقوى الله في قلوبكم وأعمالكم ، وأقوالكم ، وسائر أحوالكم .
ويا إخوة الإسلام اتقوا الله ربكم بامتثال الشرع ، والعمل بالدين ، والبعد عما حرم وحذر ، واتقوا الله فإن التقوى خير معين للعبد في دنياه..
والتقي هو من إذا رأيته ذكرك بالله لنضارة وجهه ، وطهارة قلبه ، وحسن عبادته ، وسمو أخلاقه..
ومن إذا ذكرته بالله تذكر ، ولا تأخذه العزة بالإثم ..
والتقي ينال معية الله ؛
لأن تقوى الله سبب لعون الله ونصره وتأييده :
روى أن أحد الصالحين دعته امراءة لحاجة فدخل مسكنها فقالت ما دعوتك إلى هنا لحاجة ولا شيء ، فعلم أن المرأة ما ساقته إلى هنا إلا ليفجر بها ، فتوجه إلى ربه ، فقال اللهم إن أخافك واتقيك .. اللهم سود وجهها ونجني من شرها ، فاسود وجهها ، وشغلت المرأة بنفسها فخرج وهو يتلو قول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)….
والتقوى خير زاد ليوم المعاد، إنها أمان للنفوس، وراحة للقلوب، ورحمة للعباد ..
إ ذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا..
فإن كان لباس الجسد يحمي من الحر والبرد، فإن لباس التقوى يقي النفس من المعاصي في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة..
لذا كانت التقوى خير زاد للمؤمن ..
قال عز وجل : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة:197].
تَزَوَّدْ مـن التقـوى فإنك لا تـدري *** إذا جَنَّ ليلٌ هـل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من فَتًى أمسى وأصبح ضاحـكا *** وقد نُسِجَـْت أكفانُه وهو لا يدرِي
وكم من صغارٍ يُرْتَجَى طولُ عمرهم *** وقد أُدخلت أجسامُهم ظلمـةَ القبرِ
وكم من عروسٍ زينوهـا لزوجهـا *** وقد قُبضت أرواحُهـم ليلةَ القدرِ
وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ *** وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ ..
و النبي ﷺ كان أكثر دعائه : «اللهم إني أسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى»[رواه مسلم].
وكان من دعاءه ﷺ أيضا : «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
وفي دعاء السفر كان يقول ﷺ: «اللهم إنَّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى».
اللهم اجعَل لنا ولجميع المسلمين من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا، واللهم فرِّج همَّ المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين المستضعفين.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين ..
وصل اللهم وسلم على إمام المتقين، وسيد الخلق أجمعين ..