الحمد الله الذي جعل الأرض ذلولاً نمشي في مناكبها، والسماء بناءً نهتدي في كواكبها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله المعبود ، صاحب العطاء والجود ، والملك والخلود . وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد:
يكثر في هذه الأيام خروج الناس للمتنزهات والحدائق والأماكن العامة ، و الهدف منها المتعة والتنزه والترويح عن النفس .
ولا مانع في الإسلام من التمتع بالطيبات في هذه الحياة ، لكن مع الالتزام بآداب الإسلام وأحكامه في المحافظة على المنافع العامة ، والمال العام ..
١-معنى المنافع العامة :
المنافِعُ جمع مَنْفَعة وهي تعني : « كل ما فيه الخير والصّالح والفائدة، وكلّ ما يُنتفع به ” والمنفعة العامة: ما كانت فوائدها مشتركةً بين الناس وتُصرِّح السُّلطاتُ بإمكانيّة توفيرها للشّعب قال تعالى:{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ” منافِعُ الدّار: مرافقُها.» «معجم اللغة العربية المعاصرة»
٢-المراد بالمال العام :
يُقصد بالمال العام المال الذى ليس مملوكا لاحد ملكا خاصا،والذى يُفيد منه المجتمع كله، بإشراف السلطات التى تنظم جمعه وإنفاقه، كالمياه والمراعى والمعادن، والمرافق العامة التى يستفيد منها الجميع، كالمساجد والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور وما إليها.
(الوفد نيوز).
ودين الإسلام هو دين النظافة والطهر والنقاء كما أن ديننا يعلي من شأن النظافة ، والمساهمة في تنقية المرافق العامة من الشوائب ، بل جعل ذلك شعبة من شعب الإيمان .. تعالوا أحبتي واسمعوا معي لحبيبنا ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو يقول في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) .
أخرجه الإمام مسلم ..
وحرم إضاعة المال الخاص والعام يَقُولُ النَّبِيَّ ﷺ :”إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا:قِيلَ وَقَالَ،وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ” أخرجه الإمام البخارى ..
على الرغم أننا نعيش في بلاد غالبية أهلها يدينون بدين الإسلام إلا أن الكثير منا لا يطبق تعاليم هذا الدين في العديد من مجالات الحياة ..
لقد دعا الاسلام إلى المحافظة على المنافع العامة والمال العام ، وشدد على ذلك إلا أنه قد تعددت صورُ التعدِّي على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ ، ومن ذلك ما يلي :
والعلة من ذلك حتى لا نتسبب في تلوث البيئة ، و تنتشر الأمراض والجراثيم بين أفراد المجتمع..
كذلك نهَى الشارعُ الحكيمُ عن الإسرافِ في المياهِ، فقد مَرَّ ﷺ بِسيدِنَا سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ. ” (أحمد وابن ماجة).
٣- إيذاءُ الناسِ في طُرقِهِم: بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الأذَى، فقد أخرجَ الطبرانِيُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: « مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ »..
٤-سوء التصرف والسلوك مع المنافع العامة..
من صور انتهاك المنافع العامة: سلوكيات بعض الأشخاص أو الأسر ممن يذهبون للتنزه في الأماكن العامة والسياحية، ثم انظر بعد أن يغادروا المكان كيف يتركوه وقد انتن و تناثرت في جنابته نفاياتهم وبقايا طعامهم، حتى أحياناً لا يعد المكان صالحاً لأن يتنزه فيه غيرهم، بل لو جاءت نفس الأسرة للتنزه في نفس المكان لا تستطيع الجلوس فيه من آثار إفسادها السابق ..
ومن الصور السيئةأيضا قيام المارة في الطريق العام والحدائق العامة كسر المصابيح وإتلاف أعمدة الإنارة ، ومصادر المياه أو مقاعد الانتظار، أو قيام الموظف الذي يعمل على ماكينة، أو تسلم سيارة للعمل عليها بتعمد إتلاف ما تحت يده بهدف الحصول على إجازة أو راحة !!..
ومن الناس من يلقي بقاذوراته من شباك سيارته وهو يسير، وقد ينظر للأمر على أنه بسيط مجرد ورقة أو علبة فنقول له نعم بسيط ولكن لو كان يعيش في البلد مليون شخص وكل واحد منهم ألقى ورقة أو علبة فعندها يتكون تلا أو جبلا من القمامة والنفايات الضارة ..
ومنهم مع الأسف من يتعمد الإفساد في الممتلكات العامة فتجده يأتي إلى جدار مدرسة أو جدار في أماكن سياحية عامة فيكتب عليها فيسيء إلى منظرها بعد أن كانت جميلة،وقد يكتب كلاماً يخدش الحياء!. (الشرق نيوز).
وما سبق ذكره من صور وتصرفات تعد انتهاكا صارخا وتعديا على المنافع العامة والمال العام ، وإضرارا بالمسلمين ،
والله جل في علاه يقول: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } (الأحزاب:58)..
وقد قال أحد الزوار لبلاد العرب والمسلمين لما أغلب بيوت العرب والمسلمين نظيفة وشوارعهم ليست نظيفة ؟!.
قيل لأنهم يعتقدون أن بيوتهم ملكا لهم واوطانهم ليست ملكا لهم!!! .
إن دين الإسلام بريء من أخطاء كثير من المسلمين وتصرفاتهم وتدنيهم وتخلفهم ؛ لأنه دين الخير والنظافة والنظام ، والأخذ بأسباب التقدم في كل المجالات ، مع الاعتماد على رب الأسباب..
العنصر الثاني
آداب التنزه والرحلات في الإسلام
آداب وأحكام ينبغي للناس أن يراعوها ويأخذوا بها؛ لتكون رحلاتهم عبادةً لربِّهم
ومن هذه الآداب:
١-الدعاء عند الخروج من المنزل..
عن أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها قالت:ما خرج النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من بيتي قَطُّ إلا رفع طَرْفَه إلى السماءِ فقال اللهم أعوذُ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَلَيَّ” أخرجه أبو داود وسنده صحيح..
فالدُّعاءُ الصَّادِقُ مِنَ القلبِ الخاشِعِ يُمَثِّلُ درجةً عاليةً مِن حُسْنِ التَّوكُّلِ على اللهِ تعالى، والالْتِجاءِ إليه، والإقرارِ بقُدْرتِهِ، وأنَّه هو النَّافِعُ والضَّارُّ، وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دائمَ الدُّعاءِ للهِ في كُلِّ أحوالِهِ، ومِن هذه الأحوالِ عِندَ الخروجِ مِنَ البيتِ.
وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنها زوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَيْتي قَطُّ إلَّا رَفَعَ طَرْفَه” ببَصَرِه وعينَيْه “إلى السَّماءِ”، والمعنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان بصورةٍ دائمةٍ إذا خرَجَ مِنَ البيتِ دعا اللهَ وقال: “اللهُمَّ أَعُوذُ بكَ”، فأَلْجَأُ إليكَ وأَسْتجيرُ بكَ مِن: “أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ”؛ بأنْ أَقَعَ في الضَّلالِ بنَفْسي، أو أنْ أُضِلَّ غَيْري، “أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ”، والزَّلَلُ هو الوقوعُ في المعصيةِ، والمعنى: أَجِرْني واحْمِني مِن أنْ أقَعَ في الذَّنبِ أو المعصيةِ بقَصْدٍ أو بِغيرِ قَصْدٍ مِنِّي، “أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ”، أي: أَعوذُ بِكَ أنْ أَظْلِمَ أحدًا مِن خَلْقِك في أيِّ أَمْرٍ مِن الأمورِ، أو أنْ يَظْلِمَني أحدٌ؛ وهذا لسُوءِ عاقِبةِ الظُّلْمِ، “أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَليَّ”، أي: أَعوذُ بِكَ مِن أنْ أَفْعَلَ فِعْلَ الجاهِلينَ مِن سُوءِ الخُلُقِ وإيذاءِ النَّاسِ، أو أنْ يَفْعَلَ أحدٌ بي هذا الفِعْلَ، (الدرر السنية).
و كذلك ملازمة الدعاء في كل منزل كما قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ).أخرجه الإمام مسلم..
٢- الدعاء عند السفر وركوب السيارة ..
فمن السنة لمن يرتحل أو يسافر سفرا قريبا أو بعيدا أن يكبر ثلاثا ، ويدعو دعاء ركوب السيارة ، ودعاء السفر ، فقد جاء في الصحيح أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اسْتَوَى علَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا، وَما كُنَّا له مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ، وإذَا رَجَعَ قالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ..
أخرجه الإمام مسلم
مِن رَحمةِ اللهِ سُبحانَه أنْ خلَقَ لعِبادِه وممَّا وفَّقَهم لصُنعِه: ما يَركَبونَه في البَحرِ مِنَ السُّفُنِ، وفي البَرِّ مِنَ الإبلِ والخيلِ والسَّيَّاراتِ، وفي الجَوِّ مِنَ الطَّائراتِ، فتَحمِلُهم على ظُهورِها للوُصولِ إلى غاياتِهم بلا عَناءٍ ومَشَقَّةٍ، فإذا استَقَرُّوا عليها تَذكَّروا نِعمةَ اللهِ تعالَى عليهم بتَيسيرِه وتَذليلِه لهم تلك المراكِبَ…(الدرر السنية).
ولوْلا تَسخيرُ اللهِ سُبحانَه وتعالَى إيَّاه لَنا، «وَإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلِبونَ»، أي: وإنَّا إلى رَبِّنا من بعدِ مماتِنا لصائرونَ إليه راجِعونَ، فإنَّ الإنْسانَ لَمَّا رَكِبَ مُسافرًا عَلى ما ذَلَّلَه اللهُ له، كأنَّه يَتذكَّرُ السَّفرَ الأَخيرَ مِن هَذه الدُّنيا، وَهوَ سَفرُ الإنْسانِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إذا ماتَ، وحَمَلتْه النَّاسُ على أَعناقِهم..
٣- مراقبة الله وطاعته..
ومن آداب وأحكام الخروج إلى الرحلات والمتنزهات مراقبة الله والمحافظة على الصلاة في أوقاتها ، والتأكد من القبلة والاجتهاد في ذلك ، والتزام النساء والبنات باللباس الساتر ، والتفكر في خلق السماء والأرض والنجوم ، والحدائق والأشجار ، والجبال والبحار وغير ذلك.
والعبث بهذه المخلوقات أو اتلافها يعرض صاحبها للمساءلة الربانية ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ » (أخرجه ابوداود)
فالنص السابق صريح في تجريم من يقطع شجرة في فلاة ينتفع بها الغير عبثاً وظلماً ، وبالمقابل من يغرس غرساً فله بذلك أجر عند الله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « من يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ »
أخرجه الإمام البخاري.
٤-مراعاة حرمة المنافع
المنافع العامة أو المشتركة لها حقوق وواجبات لابد أن تحترم وتقوم بها حفاظا على المجتمع كله منها مثلا:-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ:«غَضُّ الْبَصَرِ،وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» صحيح مسلم (2121).
٥- المحافظة على نظافة المكان، فكلنا يرغب الجلوس في الأماكن النظيفة، ويكره الأماكن المتسخة، وتنظيفُ المكان قبل مغادرته من الأخلاق الاسلامية ، وعدم الاعتداء على الأشجار ..
ومن آداب التنزه : عدم إيذاء المتنزهين، فبعض الناس يؤذي إخوانه في المتنزهات والأماكن العامة، وذلك برمي المخلفات في الطرقات أو الظل، ونحو ذلك؛ لأنه يعد لونا من الإفساد في الأرض..
قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا…} وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي بأبدانكم وقلوبكم، وتفكروا في خلق ربكم وهكذا ينبغي أن تكون رحلاتنا اعتبار ومتعة وترفيه ..(ملتقى الخطباء).
العنصر الثالث
حرمة تخريب المال والممتلكات العامة ..
إن الشرائع السماوية نادت بحماية الممتلكات العامة والمال العام ، وأوجبت الحفاظ عليهما؛ لما لهما من دور كبير في سد الحاجات الأساسية للمجتمع، وإذا كان الله سبحانه قد حرم الاعتداء على مال الغير بأى نوع من العدوان ، وجعله ظلما يكون ظلمات يوم القيامة ، ووضع له عقوبات دنيوية بالحد أو التعزير بما يتناسب مع حجم الاعتداء وأهميته ، فإنه حرم علينا الاعتداء على الممتلكات العامة التى ليس لها مالك معين ، فهى ملك للجميع ولكل فيها قدر ما يجب احترامه ، والظلم فيه ظلم للغير وللنفس أيضا والحرم فيها أكبر وأعظم ، والله لا يحب الظالمين .
لقد قال الله فى الغنائم التى هى ملك للعامة{ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }آل عمران/١٦١.
والخلفاء الراشدون والسلف الصالح كانوا قدوة طيبة فى التعفف عن الأموال العامة التى هى حق المسلمين جميعا ، فكانوا لا يأخذون من بيت المال إلا حاجتهم الضرورية كما قال أحدهم : أنا فى مال المسلمين كولى اليتيم ، حيث يقول الله تعالى {ومن كان غنيا فليستعفف
ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } [ النساء : 6].
وقد خرج سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعدو ذات مرة وراء بعير أفلت، ويلقاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيسأله: الى أين يا أمير المؤمنين، فيجيبه عمر: بعير فر من إبل الصدقة أطلبه، فيقول له علي: لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك، فيجيبه عمر بكلمات متهدجة والذي بعث محمدا بالحق لو أن عنزا ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة..
(الدرر البهية).
وعندما جاء جندى بكل ما في قصر كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس كسرى بعد هزيمة جيش الفرس ، عجب من أمانته وقد كان عنده الفرصة فى سفره الطويل أن يأخذ ما يشاء ، حتى قال سيدنا عمر رضي الله عنه لرسول سيدنا سعد بن أبي وقاص إن قومًا أدُّوا هذا لأمناء. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعت) ثم قسم عمر ذلك في المسلمين..
(البداية والنهاية).
ورحم الله الخليفة العادل سيدنا عمر بن عبد العزيز سليل الأماجد الطاهرين الذى كان ينظر فى أمور الرعية على ضوء مصباح فى بيته فلما انتهى وبدأ النظر فى أموره الخاصة أطفأ المصباح حتى لا يستعمل مال المسلمين فى غير ما هو لعامة المسلمين .
إنه لا يعصم من الانحراف بخصوص المال العام إلا رقابة الله تعالى الذى لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عنه سر ولا علانية.(فتوى الشيخ عطيه صقر)
وختامًا: لقد كان أسلفنا الصالح مواقف رائعة فى تعففهم عن المال العام ؛ ليضربوا المثل لغيرهم على مدى التاريخ..
وإن مجتمعاتنا بحاجة الاهتداء والاقتداء بهم وإلى تربية إسلامية من جديد ؛ لنعرف أهمية المحافظة الأماكن العامة والمال العام، وحرمة الإضرار بهما ، وإن نربي أولادنا على آداب الإسلام في كل مجالات الحياة ، وكأن الغرب يطبقون أحكام الإسلام وهم غير مسلمين ، ونحن المسلمين لا نطبق معاني الإسلام ..