الحمد لله تقدست ذاته سبحانه عن الند والمثال وتسامت صفاته عن التغيير والزوال ، سبحانه تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال.. أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال.. وأشهد إن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له ،
هو الأول والآخر والظاهر والباطن لا إله إلا هو الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال.. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته ، واقتدى بهديه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين . وبعد :
فإن من أهم صفات عباد الله المؤمنين : وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8] ..
أي: حافظون مراعون للعهود والأمانات الشاملة بكل أنواعها وصورها ؛لذا كانت الأمانة أم الفضائل، وأصل الرغائب ، جوهرة نفيسة، وخلق جامع ، ومعنى شامل فالشخص الأمين مخلص ومتقن ، فضلا عن العفة والحياء ، والصدق والوفاء ، خلق يجمع مكارم الأخلاق من ألفها إلي يائها ، ومن مبدأها إلى منتهاها ، والأمانة تشمل كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه ، وهي دليل صادق وبرهان واضح على إيمان المرء وحسن دينه وكرم أخلاقه ؛ لذا ربط النبي ﷺ بين الأمانة والإيمان .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ.
أخرجه أحمد وسنده صحيح .
ومن أهم صور الأمانة أمانة العامل والصانع ؛ لاحتياج الأفراد والمجتمعات لامانتهم ، وما الاتقان وعدم الاستغلال إلا فرع من فروع الأمانة بمفهومها الشامل الذي دعا إليه الإسلام ..
العنصر الأول .
عمل الأنبياء بالحرف والصناعات..
لقد أولى دين الإسلام للعمل والحرف والصناعات ولاية كبرى وعناية عظمى ، وجعلها سببا للحياة الكريمة في الدنيا والآخرة، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن قدوتهم أشرف خلق الله وأفضلهم الأنبياء والمرسلين .
ومن بين هؤلاء نتخير نموذجين تحدث القرآن الكريم عنهما، نبي الله نوح ونبي الله داوود ..
أولا : نبي الله نوح عليه السلام:
يعد أقدم نجار في تاريخ البشرية سيدنا نوح عليه السلام ، لقد أوحي الله إليه أن يصنع سفينة وأطلعه الله مستقبلا على غرق الكافرين ونجاة المؤمنين ، فقام بالزراعة للإعداد الأخشاب اللازمة لصناعة سفينة عملاقة يحمل فيها ما أمر بحمله لعدم فناء البشرية ، وجميع المخلوقات الحية، بلفظ واصنع الفلك … ويصنع الفلك .
وبالفعل تمت صناعة سفينة عملاقة ، وجاء هذا الأمر من الله لحماية الكائنات الحية من الطوفان العظيم، وقد نقل الله تعالى نوحًا ومن معه إلى مكانٍ آخر سماه القرآن الكريم الجودي، وقيل إن هذه السفينة كان تحوى ثلاثة أدوار . أحد الطوابق للحيوانات والثاني لمن آمن معه من البشر ، والثالث للطيور ، وكان يحمل من كل نوع من الحيوانات والطيور زوجين اثنين ،
و قليل من مؤمني قومه قاموا بمساعدته ، وأكثرهم كانوا يسخرون منه ، ويستهزءون به ، وبمن آمن معه، ( قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)..
ففي الآيتين السابقتين أخبرنا المولى عز وجل بأنه من على عبده داوود وأنعم عليه وعلمه مبادئ الصناعة المدنية و العسكرية ، فآلان له الحديد ، وصنع منه ما يحتاجه هو وقومه في حياتهم المدنية والعسكرية وصناعة الدروع ، التي تقي المحارب من الأخطار ، وعلى الرغم من كون نبي الله داوود عليه السلام من الملوك الأثرياء سخرت له كل أسباب الدنيا إلا أنه كان يحب أن يصنع بيده ، ويعمل بيده ، ويأكل من عمل يده ..
ففي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ﴾، المراد باللبوس هنا الدروع؛ لأنها تلبس، وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها، وهو بمعنى الملبوس؛ كالجلوس والركوب، قال قتادة: أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود، وكانت من قبل صفائح، والدرع: يجمع الخفة والحصانة، ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ ﴾ لتحرزكم وتمنعكم، ﴿مِنْ بَأْسِكُمْ﴾؛ أي: من حرب عدوكم، قال السدي: من وقع السلاح فيكم، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب: ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ ﴾ بالتاء؛ يعني: الصنعة، وقرأ أبو بكر عن عاصم بالنون لقوله: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ ﴾، وقرأ الآخرون بالياء، وجعلوا الفعل للبوس، وقيل: ليحصنكم الله عز وجل، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾، يقول لداود وأهل بيته. وقيل: يقول لأهل مكة: فهل أنتم شاكرون نعمي بطاعة الرسول، فكان خير نموذج يقتدي به البشر بما فيهم الأنبياء والملوك وسائر الناس .
قال السدي : كان الحديد في يد داود عليه السلام كالطين المبلول ، والعجين والشمع ، يصرفه ويمدده ويشكله كيف شاء ، من غير إدخال نار ولا ضرب بمطرقة . وقاله مقاتل . وكان عليه السلام يفرغ من صنع الدرع في بعض اليوم أو بعض الليل ، ثم يبيعها بألف درهم . وقيل : أعطي داود عليه السلام قوة يثني بها الحديد ..
ولو أن عالمنا العربي والإسلامي اقتدى بني الله داوود عليه السلام وصنع أسلحته وطائرته لوفر المليارات التي تعود على أمتنا بالنفع في كثير من المجالات ..فسلام الله على نبي الله داود عليه السلام..
عَنِ الْمِقدَامِ رَضِي اللَّه عَنْه قال صلى الله عليه وسلم : ” فما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده “. أخرجه الإمام البخاري ..
بهذا يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده ، وكان عليه السلام حِرَفِيًّا يُجيد صناعة الدُّرُوعِ وغيرها من ألآت الجهاد والقتال والحرب .
واختم هذا العنصر بأن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان له معرفة بصناعة البناء كما يؤكد القرآن الكريم ، فقد قام ببناء بيت الله الحرام ، وكان يعاونه نبي الله إسماعيل عليه السلام .
قال تعالى : و إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سورة البقرة (127) .
وكذلك شارك النبي ﷺ في بناء الكعبة ، ومسجد قباء ، والمسجد النبوي الشريف، وكان يعمل معهم في صناعة الخيام ، وبعد توليه مسئولية النبوة والقيادة كان قدوة للمتواضعين والعاملين والبنائين حتى قال قائلهم :
وإن من أفضل أنواع الصدقات الصدقة بكد اليد وعرق الجبين ، وإن الأمة التي لا تنتج ، أو لا تصنع غذاءها من كد يدها ، هي أمة منقوصة الإرادة .
قال صلى الله عليه وسلم : عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فقالوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، فمَن لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يَعْمَلُ بيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ …
أخرجه الإمام البخاري .
وإن كان الحديث يحث على ثقافة العمل والصناعة اليدوية إلا أنه يحمل رسائل أخرى تدعو إلى الاستقلال ، والاعتماد على الذات في إنتاج وصناعة السلع و المواد الغذائية ، وغيرها مما يحتاجه البشر ؛ لذلك قال شيخنا الشيخ الشعراوي رحمه الله هكذا بالعامية ( ال رغيفه من فاسه رأيه من راسه ) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الانتفاع بجلود البهائم حتى ولو كانت ميتا أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس (وَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بجِلْدِهَا؟ قالوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، قالَ: إنَّما حَرُمَ أكْلُهَا)..
العنصر الثاني .
القرآن الكريم والحديث عن الحرف والصناعات .
يمكن القول بأن اصول كثير من الحرف والصناعات قد أشار إليها القرآن الكريم ، وأصل لها تشريعيا ، منها ما يلي :
ولا ريب أن للحديد منافع عديدة في الصناعات المدنية والعسكرية وصناعة السيارات والطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والقطارات والسكك الحديدية والبيوت والمساكن والمشروعات الكبري والصغرى وبناء المصانع والشركات وغيرها الكثير .
قال عز وجل : ﴿ وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾ [طه ١٢١].
ذكر الشنقيطي في كتابه أضواء البيان في تفسير هذه الآية: أيْ: شَرَعا يَلْزَقانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِيَسْتُرا بِهِ عَوْراتِهِما. والعَرَبُ تَقُولُ: خَصَفَ النَّعْلَ يَخْصِفُها: إذا خَرَّزَها: وخَصَفَ الوَرَقَ عَلى بَدَنِهِ: إذا ألْزَقَها وأطْبَقَها عَلَيْهِ ورَقَةً ورَقَةً.
* الغزل والنسيج :
لقد وردت حرفة النسج أو النسيج في القرآن الكريم ضمنيا وجاء ذلك في سورة النحل قال الله تبارك وتعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ» (سورة النحل: 80) .
وقوله تعالى (مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ) . العنكبوت آية رقم ٤١ .
أما الهندسة ففي قوله: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ . لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}، فإن فيه قاعدة هندسية وهو أن الشكل المثلث لا ظل له .
وجاءت الإشارة إلى علم الهندسة الميكانيكية وهو يرتبط بالحديد دون غيره من المعادن والفلزات، وذلك في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]، وأشار إلى الهندسة المستوية التي تعتمد على بعدين اثنين طول وعرض، كما في قوله: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96]. وأشار القرآن إلى الهندسة المعمارية
في قوله تعالى :
و إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سورة البقرة (127) ..
حقا إن في القرآن الكريم أصول الصنائع ، وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها ، وضروب المأكولات والمشروبات ، وجميع ما وقع وما يقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى : ( ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلْكِتَٰبِ مِن شَىْءٍۢ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام آية رقم ٣٨.
ينظر الاتقان في علوم القرآن السيوطي ٢٢٧/٢٢٦.
والحق أننا نخجل كل الخجل أن يكون عندنا هذا الكنز الثمين القرآن الكريم الذي يدعونا إلى الجد والاجتهاد والمثابرة والتصنيع والإنتاج لما فيه نفع البلاد والعباد ، وينتشر في بلاد الإسلام الصناعات المستوردة من بلاد الشرق أو الغرب .
فقد تصلي في الحرم والسجادة الشخصية التي تصلي عليها ، صناعة صينية ، والمسبحة والشال والجلباب وساعة اليد وحقيبة الأغراض المهمة كلها صناعات صينية أو هندية ، ولو جرد المسلم من الملابس المستوردة لأصبح عاريا .
قس على هذا كل أدوات الكهرباء والمطبخ في منازلنا مستوردة ، وليس لنا في الصناعات ناقة ولا جمل ، إلا قليل من الصناعات التي إن وجدت فهي أقل جودة من غيرها ، وغير متقنة الصنع ، وان كنا بحاجة إلى تشجيع منتجاتنا على كل المستويات والأصعدة ، فيكون لنا كيان قوي في سوق الصناعة ، حتى لا نستجدي من غيرنا ونكون عالة عليهم في كل ما نحتاج .
العنصر الثالث .
آداب الصانع في الإسلام
١- الاخلاص والنية الصالحة
فقد اهتم الإسلام بنية الصانع والمنتج ، وأمره أن تكون نيته حسنة ، فهو يخرج من بيته يطلب الرزق من ربه سبحانه ،
فالأعمال بالنيات ، ولكل امريء ما نوى ، وقد تتحول العادات إلى عبادات بالنية الخالصة لوجه الله ، وابتغاء مرضاته .
قالَ ﷺ”مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ. ” أخرجه الإمام مسلم ..
وهذا القولُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإنْ كان في قصة الرُّقيةِ، إلَّا أنَّه يَتعدَّى إلى كلِّ ما فيه نفعٌ وخيرٌ للمسْلمِ.الدرر السنية..
٣ – الإتقان والجودة :
لقد وضع الإسلام أساس معايير الجودة ومعالم الصلاحية في قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ» (رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وسنده صحيح) .
ومعني الحديث يعنى أداء جميع الأعمال والصناعات على الوجه الكامل دون نقص أو خلل .
والله تعالى يحب إتقان العمل لأن كل ما خلق الرحمن خلق بدقة وإتقان .
قال تعالى : ( وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل آية رقم ٨٨ .
وقال عزوجل :(ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٍۢ ۖ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍۢ) سورة الملك آية رقم ٣ .
لقد كان السلف الصالح – رضي الله عنهم – يهتمون بإتقان الصنائع وتجويدها!! يقول الإمام الغزالي – رحمه الله -: ” والغش حرام في البيوع والصنائع جميعاً، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة ويحكمها، ثم يبين عيبها إن كان فيها عيب، فبذلك يتخلص.
هل سألنا أنفسنا سؤالا لماذا يتهافت الناس على الأدوات والصناعات الأجنبية ويتركون الصناعات المحلية ؟!
الإجابة لأنها صانعها قد صنعها بأمانة وإتقان وفق الآداب التي دعا إليها دين الإسلام..
٤- الأمانة في الحراسة والعمل:
فقد روي أنه ” في أحد الأيام كان هناك حارس بستان، دخل عليه صاحب البستان وطلب منه أن يحضر له رمانة حلوة الطعم فذهب الحارس وأحضر حبة رمان وقدمها لسيد البستان، وحين تذوقها الرجل وجدها حامضة، فقال صاحب البستان: قلت لك أريد حبة حلوة الطعم، أحضر لي رمانة أخرى، فذهب الحارس مرتين متتاليتين وفي كل مرة يكون طعم الرمان الذي يحضره حامضاً، فقال صاحب البستان للحارس مستعجباً: إن لك سنة كاملة تحرس هذا البستان، ألا تعلم مكان الرمان الحلو ؟!! فقال حارس البستان: إنك يا سيدي طلبت مني أن أحرس البستان لا أن أتذوق الرمان،كيف لي أن اعرف مكان الرمان الحلو؟!! فتعجب صاحب البستان من أمانة هذا الرجل، وأخلاقه، فعرض عليه أن يزوجه ابنته، وتزوج هذا الرجل من تلك الزوجة الصالحة، وكان ثمرة هذا الزواج هو: عبد الله ابن المبارك الزاهد العابد”(وفيات الأعيان).
٥-عدم الاستغلال
يحرم الإسلام الاستغلال بجميع أنواعه وصوره ، كالاستغلال عند الشراء ،
أو انقاص الكيل والموازين في شراء السلع و المواد الخام من أصحابها وكلامها والاحتكار وحبس السلع.
قال تعالى : “ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” الأعراف/ ٨٥ .
فعقيدة الإسلام تدعو لإحياء الضمائر ، فضلا عن متابعتهم من قبل الحاكم ، أو من ينوب عنه من الأجهزة الرقابية لمراقبته ،
كذلك يحرم الإسلام استغلال القوى العاملة ،
و شروط العمل المجحفة التي لا تحقق عدالة الأجر ومماطلة العمال في الحصول على حقوقهم .
عن كثير من النظم والعلوم العصرية الحديثة ، التي تعتني بمعايير الجودة وأسسها ، والتخطيط الجيد ودارسة ما يحتاجه سوق العمل كل هذا من القواعد الأساسية للنجاح في هذا المجال، وهذه القواعد هى أسس النجاح لأي صناعة تفيد البشرية ، بعيداً عن الاحتكار أو الغش والخداع . وإن تراجع المسلمين صناعيًّا في العصور المتأخرة لا يعني عجزهم وعدم كفاءتهم عن التقدم والازدهار الحضاري، ومضارعة الدول الصناعية؛ فالمسلمون يملكون الإمكانيات والقدرات والموارد المادية و البشرية والفكرية والمهاريَّة اللازمة لبلوغ ذلك ..
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ، واكفنا بفضلك عمن سواك ، وارزقنا من فضلك وخزائن جودك . وكرمك وأنت خير الرازقين .. وانصر الإسلام والمسلمين في كل بقاع الدنيا واحفظ مصر من كل سوء وسائر بلاد المسلمين، ووفق أبنائها للعمل بكتابك وسنة رسولك صلى الله عليه وسلم .. والحمد لله في البدء والختام وصلى الله على نبينا محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا .