بقلم د/ محمد جاد قحيف
من علماء الأزهر والأوقاف
الحمدُ للهِ الذي جعل الإسلام أمانة وأمنا وجعل الزواج راحة وسكنا ، خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا، و نشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ونحمده على ما أَوْلَانَا من النعم أَسْنَاهَا، ، شهادةَ حقٍّ نلهج بها شكرًا واعترافًا، ونشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أسمى البرية شمائل وأوصافًا، وعلى آله الطيبين وأصحابه الطاهرين، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ يرجو من الرحمن قربًا وازدلافًا ..
وبعد: فالزواج من أعظم الروابط التي تربط بين العباد وصفه الرحمن بأنه ميثاق غليظ..
قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]..
رُوي عن ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير: أن المراد بذلك العقد ..
تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ١٤٨/١.
والزواج عبارة عن: شراكة بين زوجين وفق شرع الله وأحكامه ..
والتراحم بين الزوجين أهم أسس العشرة الطيبة بين الأزواج وذلك بالمودة والرحمة .
والرحمة أهم ثمرات الزواج
(وهي صفة المسلم أو المسلمة في كل حين ، وهي غريزة ملائمة كالعادة التي أفرزتها حسن المعاشرة ، ولين القول ، وإخلاص النصيحة)..
المرأة في التصور الإسلامي الشيخ عبد المتعال الجبري.
والعشرة الزوجية تجعل الزوجين متراحمين ، يتراحم الرجل مع زوجته فيغفر تقصيرها ، ولا ينظر لهفواتها ، ولا يتصيد أخطاؤها ، ويغض الطرف عن كل هذا ، وتتراحم المرأة مع زوجها حبا واحتراما ، وإخلاصا ووفاء ..
والميثاق الغليظ بمعنى العقد أو العهد الوثيق .
والميثاق الغليظ يعني أخذنا منكم ” عهدا قويا يتعذر حله فيربط ، ويحفظ المصالح ، ويندمج به كلا من الطرفين في صاحبه” .
الاسلام عقيدة وشريعة الشيخ شلتوت .
والزواج ميثاق غليظ ،
يمثل :كلمة الصدق والتراحم والوفاء ..
والطلاق يمثل: كلمة الهدم والخراب ، الطلاق كلمةٌ من الكلمات أبكَت عيون الأزواج والزوجات، وروَّعَت قلوب الأبناء والبنات، يا لها من كلمة صغيرة، ولكنها جليلة عظيمة خطيرة ، الطلاق : الوداع والفراق، والجحيم والألم الذي لا يُطاق، كم هدم من بيوت للمسلمين، كم فرَّق من شمل للبنات والبنين، كم قطع من أواصر للأرحام والمحبِّين والأقربين! يا لها من ساعة حزينة، يا لها من ساعة عصيبة أليمة! يوم سمعت المرأة طلاقها، فمسحت دموعها، وودَّعَت زوجها، ووقفَت على باب بيتها؛ لتلقي آخرَ النظرات على بيتٍ مليءٍ بالذكريات،
كَفْكَفَتْ دُمُوعَهَا وَقَالَتْ وَدَاعَا *** كُلُّ مَا كَانَ بَيْنَنَا قَدْ تَدَاعَى
أَنْتَ حَطَّمْتَهُ فَلَمْ تَرْعَ حَقًّا *** مِنْ حُقُوقِي وَالْعَدْلُ أَلَّا تُرَاعَى ..
العنصر الأول : كراهة الإسلام للطلاق ..
دين الإسلام لا يدعو إلى الطلاق ، ولا يحث عليه ، بل ينفر منه ، ويجعله من طائفة المكروهات ، ومما يدلُّ على كراهية الطلاق في الإسلام..
أنَّ “الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ”(مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ). وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي ذَمِّ السِّحْرِ وَبَيَانِ بَعْضٍ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْبَاطِلِ: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة: 102], وَقَالَ ﷺ : “أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ”(رَوَاهُ أبو داود بِسَنَدٍ صَحِيحٍ) ..
قَالَ الشَّوْكَانِي -رَحِمَهُ اللهُ-: “وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا تَحْرِيمًا شَدِيدًا؛ وَكَفَى بِذَنْبٍ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَبْلَغِ مُنَادِيًا عَلَى فَظَاعَتِهِ وَشِدَّتِهِ”. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ” (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ مرسل).
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الشَّرْعِ أيضا لِلطَّلَاقِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يَسْعَى إِلَيْهِ وَيَفْرَحُ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا..
قَالَ ﷺ : “إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ؛ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ”(رَوَاهُ الإمام مُسْلِم)..
وَ هذا الحديث يؤكد “تَعْظِيمُ أَمْرِ الطَّلَاقِ، وَكَثْرَةُ ضَرَرِهِ، وَعَظِيمُ فِتْنَتِهِ، وَعَظِيمُ الْإِثْمِ فِي السَّعْيِ فِيهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، وَشَتَاتِ مَا جَعَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- فِيهِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، وَهَدْمِ بَيْتٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَتَعْرِيضِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَنْ يَقَعَا فِي الْإِثْمِ وَالْحَرَجِ”.
ولكن إذا استحالت الحياة بين الزوجين ؛ لكثرة الخلافات المنفِّرة للقلوب، فإنَّ الطلاق هو آخر الحلول؛ لذا عدَّه الشارِع الحكيم من أبغض الحلال؛ أي: إنه في المرتبة الأخيرة من المباح في تقسيم الحكم التكليفي..
أما قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]، فقد جاءت هذه الآية بعد الآيات الداعية إلى الإصلاح عند نشوز أحد الزوجين؛ فإنَّ الطلاق لم يشرع إلَّا بعد محاولات الإصلاح بين الزوجين، عند نشوب الخلافات بينهما..والأصل في الحياة الزوجية الاستمرار ..
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: “رُبَّمَا فَسَدَتِ الْحَالُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَيَصِيرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَفْسَدَةً مَحْضَةً، وَضَرَرًا مُجَرَّدًا بِإِلْزَامِ الزَّوْجِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَحَبْسِ الْمَرْأَةِ، مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ، وَالْخُصُومَةِ الدَّائِمَةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ شَرْعَ مَا يُزِيلُ النِّكَاحَ؛ لِتَزُولَ الْمَفْسَدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْهُ”..
وبذلك يتحقق استغناء كلا منهما عن الآخر وإغنائه ..
العنصر الثاني : أسباب انتشار ظاهرة الطلاق ..
كثرةُ وقوعِ الطلاقِ في المجتمعِ وانتشاره ظاهرةٌ مقيتةٌ، وناقوسُ خطرٍ، وجرسُ إنذارٍ، وعلامةٌ على غيابِ الوعيِ، وقلَّةِ الفِقْهِ،
ملايين حالات الطلاق في بلدنا مصر بمعدل أكثر من ربع مليون حالة كل عام ، وثلاثين حالة طلاق كل ساعة في مصر وفق آخر الإحصائيات..
ويرجع انتشار معدلات الطلاق في بلاد عربية تدين بالإسلام لعدة أسباب نذكر بعضها من باب:
عرفتُ الشر لا للشر ولكن لتوقِّيه
من لم يعرف الشر من الخير يقع فيه ، منها ما يلي:
أولًا: الجهلُ بأحكامِ الإسلام، وضعفُ الوازعِ الديني، وعدمُ النظرِ في العواقِبِ فيتساهلُ الزوجُ في التَّلَفُّظِ بالطَّلَاقِ، وربَّما على أَتْفَهِ الأسبابِ، وتَتَسَاهَلُ المرأةُ في طَلَبِ الطَّلاقِ، والتَّصْرِيحِ بهِ، مما يدلُّ على نقصِ في الرؤية، وعدمِ المسؤولية..
وعدم اتباع المنهج الإسلامي في الإصلاح بين الزوجين من العظة، الهجر في المضطجع ، والضرب غير مبرح ..
ومسألة الحكمين الحكيمين عند الشقاق ..
قال تعالى:
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)﴾ النساء..
ثانيًا: تدخل الآخرين في حياة الزوجين..
فبعض الناس يشعلون نار الفتنة بين الزوجين، فويل لمن كان سببًا في خراب بيوت المسلمين، وإفساد المرأة على زوجها من أكبر الكبائر، فعلى الزوجين إذا حصل نزاع بينهما ألَّا يستشيرا من كان ناصحًا أمينًا، أو يحاولا إصلاح أمرهما بأنفسهما دون تدخل من أحد ..
وكثرةُ تدخلِ الأهل ، والْأَقَارِبِ فِي الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ،خَاصَّةً أَهْلَ الزَّوْجِ حِينَ يَكُونُ الْعَيْشُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وظهورُ المشاكلِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ أُخْتِهِ تُؤَثِّرُ فِي عَلَاقَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ،
وَقَدْ حَدَثَتْ طَلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمْ تَحْتَمِلِ الْعَيْشَ مَعَ أَهْلِ الزَّوْجِ، وَحِينَ تُسْأَلُ عَنْ زَوْجِهَا تُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا.
وَفِي الْمُحَصِّلَةِ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ لِلْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَطَوَّرُ إِلَى أَنْ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، أَوْ تَطْلُبَ هِيَ مِنْهُ الطَّلَاقَ، حِينَمَا تَسْتَحِيلُ الْعِشْرَةُ الزَّوْجِيَّةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَرَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِاسْتِحَالَةِ اسْتِمْرَارِ عَيْشِهِ مَعَ الْآخَرِ.
وكذلك تدخل أم الزوج (الحماة)قد تسبب في كثير من المشاكل بين الزوجين..
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: “لَيْسَ للزَّوْجَةِ أَنْ تُطِيعَ أُمَّهَا فِيمَا تَأْمُرُهَا بِهِ مِنَ الِاخْتِلَاعِ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مُضَاجَرَتِهِ حَتّى يُطَلِّقَهَا: مِثْلَ أَنْ تُطَالِبَهُ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالصَّدَاقِ لِيُطَلِّقَهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهَا فِي طَلَاقِهِ إذَا كَانَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِيهَا” ..
كما أن دخول الوسطاء غير الأمناء وبعض المحامين الذين يصبون الزيت على النار ، ويفسدون العلاقة بين الزوجين ، أمر حذر منه النبي ﷺ ..
فقال: .((ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها أو عبدًا علَى سيِّدِه)) أخرجه أبو داود وسنده صحيح..
ثالثاً: سوء العشرة بين الزوجين:
فالطلاق يكثر والعلاقات الزوجية تنهار إذا أساء كلا الزوجين للآخر، وقصر أحدهما فيما يجب عليه من الواجبات، وطالب بما له من الحقوق، فبذلك تتهدم الأسر، وقد أوصانا ربنا سبحانه بوصية جامعة، بها تنصلح البيوت، وتدوم الألفة بين الزوجين، وصية الموازنة بين الحقوق والواجبات ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]..
لقد أوصى النبي ﷺ الزوج أن يتودد إلى أهله ويعاملهم بالمودة والرحمة،
ويتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- القائل: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”(أخرجه الترمذي، وسنده صحيح)..
وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك؛ قالت: ((سابقتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسبقتُهُ ، فلمَّا حملتُ اللحمَ سابقتُهُ فسبقني ، فقال : هذهِ بتِلْكَ)). أخرجه أبو داود وسنده صحيح..
وَظُلْمِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ إِهْمَالِهِ لَهَا، وَعُنْفِهِ وَقَسْوَتِهِ فِي التَّعَامُلِ مَعَهَا، وَاكْتِشَافِ الزَّوْجَةِ انْحِرَافَ زَوْجِهَا؛ كَأَنْ يَكُونَ مُدْمِنًا لِلْمُخَدِّرَاتِ، أَوْ شَارِبًا لِلْخُمُورِ،أَوْ ذَا عَلَاقَاتٍ مُحَرَّمَةٍ بِالنِّسَاءِ.
فالرجل إذا غضب واشتد غضبه أول ما يفكر، يفكر في الطلاق ويسارع إليه، ولو لأتفه الأسباب، فعلى الزوج إذا غضب، وعلَتِ الأصوات، واشتدت الخلافات – أن يتحلى بالصبر، ويتحكم في ألفاظه وأن يراعي الآداب النبوية عند الغضب ..
قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]..
وقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَا يَفْرَكْ -أَيْ: يُبْغِضُ- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ”(رَوَاهُ الإمام مُسْلِم) وَأَمَرَ الْإِسْلَامُ الزَّوْجَةَ بِطَاعَةِ زَوْجِهَا وَعَدَمِ مَعْصِيَتِهِ، وَوَعَدَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ زَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ؛ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ”(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وسنده صحيح).
والرجل كامل الرجولة هو من يملك نفسه عند الغضب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ)).
أخرجه الإمام البخاري.. وليغير الزوج من حالته ساعة غضبه؛ فعن أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ)). أخرجه أبو داود وسنده صحيح..
هذا فضلا عن دخول الحياة المادية ، وكثرة طلبات المرأة ، والضغوط على رب الأسرة له نصيب كبير في أسباب انتشار ظاهرة الطلاق ..
رابعاً: سوء استخدام وسائل التواصل الحديثة:
فمَا تُثِيرُهُ وَسَائِلُ الاِتِّصَالِ الحَدِيثَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ فِتنٍ وَشُكُوكٍ وَسُوءِ ظَنٍّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ،وزرعٍ للشكِّ والريبةِ بين الأزواجِ..
وَمِنِ اِطِّلَاعٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَا يَخُصُّ الآخَرَ، وَخَاصَّةً المَرْأَةُ الَّتِي تَسْعَى لِلتَّفْتِيشِ فِي أَجْهِزَةِ زَوْجِهَا، وَقَدْ تَجِدُ مَا لَا يَسُرُّهَا وَقَدْ تَكُونُ وَجَدَتْ بِجِهَازِ الزَّوْجِ شَيْئًا عَنْ طَرِيقِ الخَطَأِ وَلَكِنَّهَا تُعَظِّمُ الأُمُورَ، وَتُخْرِجُ القَضِيَّةَ إِلَى خَارِجِ حُدُودِ بِيْتِ الزَّوْجِيَّةِ.
كَذَلِكَ كَثْرَةُ تَذَمُّرِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اِنْشِغَالِ كُلِّ طَرَفٍ بهَذِهِ الأَجْهِزَةِ عَنِ الطَّرَفِ الآخَرِ. لَقَدْ سَبَّبَتْ هَذِهِ الأَجْهِزَةُ الحَدِيثَةُ وَالَّتِي حَوَتْ خَيْرًا وَشَرًّا فِي زَرْعِ الشَّكِّ بَيْنَ بَعْضِ الأَزْوَاجِ، وَنَشَرِ الرَّيْبَةِ؛ فَغَالِبُ هَذِهِ الأَجْهِزَةِ شَرُّهَا فِي بَعْضِ البُيُوتِ أَعْظَمُ مِنْ نَفْعِهَا وَأَكْبَرُ..
والدعواتُ المغرضةُ التي يُطْلِقُهَا أصحابُ القلوبِ المريضةِ؛ ليفسدوا بين المرءِ وزوجِهِ، بدعوى الحرِّيَّةِ والاستقلاليةِ، وعدم إلزام المرأة بمسئوليات بيتها ، هي في الحقيقة دعواتٌ للانحلال والخراب ..
خامساً: إفشاء الأسرار الزوجية:
لا سيما الأسرار الخاصة – بين الزوجين طريق خراب للبيوت، وقد عدها بعض الأئمة من الكبائر، تذهب المرأة فتفشي أسرار بيتها لأمها أو لجارتها أو لصاحبتها، وكذا الرجل يفعل ذلك، فتخرب البيوتات وتتهدم الأسر، وهذه خَصلة قبيحة، وصاحبها من شرار الخلق عند الله؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)).
أخرجه الإمام مسلم..
ومعنى إفشاء سر الزوجة: “تصوير ما يحدث بين الزوجين من علاقات خاصة ، و ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا، أو يفشي عيبًا من عيوبها، أو يذكر من محاسنها ، فيتحدث الناس بهذا ، ما يجب شرعًا أو عرفًا سترها، قال ابن الملك: أي: أفعال كل من الزوجين وأقوالهما أمانة مودعة عند الآخر، فمن أفشى منهما ما كرهه الآخر وأشاعه، فقد خانه،
وهذا من نتائجه المرة المشاحنات والسباب والشتائم بين الزوجين، أو أهليهما، وقد يصِل ذلك حد الضَّرب والاقتتال، أو إظهار عيوب ومساوئ كل طرف أمام الناس، وفي ساحة المحاكم؛ حتى يبرر الوضع الذي انتهى إليه، وهذا شيء لا يرضاه الدِّين
روى أن رجلًا طلَّق زوجته، فسأله أحد الناس عن السَّبب في طلاقها، فقال: كنتُ أصون لساني عن ذكر عيوبها وهي زوجتي، فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عنِّي؟!..
سادساً: إهمال تزين الزوجة لزوجها:
فالمرأة التي تترك التزين لزوجها بما أباحه الله لها من الزينة تعرض نفسها لإعراض زوجها عنها، وتطلعه إلى غيرها، وكذلك الرجل الذي لا يتزين لزوجته، يعرضها أن تنظر لغيره إن لم يحجزها عن ذلك تقواها لربها.
وانظر – أخي الكريم – لهذا الصحابي الفقيه عبدالله بن عباس؛ إذ يقول: “إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]..
ومتى كانت المرأة عاقلة، احترزت أن يرى الرجل منها مكروهًا، وقالت بدوية لابنتها حين أرادت زفافها: “لا يطلعن منك على قبيح، ولا يشمن إلا أطيب ريح”.
العنصر الثالث :مخاطر الطلاق وأضراره
الطلاق له مخاطر عظيمة وبلايا جسيمة، تَبَدُّل المودةِ والرحمةِ والوئامِ إلى فُرقةٍ وبُغْضٍ وخِصَامٍ، ليس بين الزوجين فقط، بل بين أسرتينِ وربما أكثر، وتَشَتُّتُ الأولادِ وضياعُهِمْ،ووقوعُهم في براثِنِ الشَّرِّ وأوكار الخرابِ ، كل هذا لا ريب يعود على المجتمع بالسلب والمخاطر والأضرار..
و من أهم الأخطار ما يلي :
١-الْآثَارُ النَّفْسِيَّةُ السَّلْبِيَّةُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَقَدْ وَصَفَ اللهُ الزَّوَاجَ بالسَّكَنِ؛ فَقَالَ –تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[الأعراف: 189]. وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[الروم: 21]..
لكن في عصرنا لم تعد البيوت تقوم على السكن ، والحب ، والمودة والرحمة ، كما كان الحال في زمن مضى ، إلا ما رحم الله ، وذلك بسبب غياب الإيمان والدين الحق في حياتنا.. وانْفِصَالُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمَا يُعَزِّزُ الشُّعُورَ بِالنَّدَمِ وَالْحِرْمَانِ، وَمَرَارَةِ الْفَشَلِ، وَخَوْفِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ نَظْرَةِ الْمُجْتَمَعِ إِلَيْهَا،وَاهْتِزَازِ ثِقَةِ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ فِي إِنْجَاحِ حَيَاةٍ زَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، تَقُولُ إِحْدَى الْمُطَلَّقَاتِ: “إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَعُودُ حَامِلَةً جِرَاحَهَا وَآلَامَهَا وَدُمُوعَهَا فِي حَقِيبَتِهَا، وَتَكُونُ مُعَانَاتُهَا النَّفْسِيَّةُ أَقْوَى”.
٢- تَشَتُّتُ الْأُسْرَةِ
وَمِنَ الْأَضْرَارِ: تَشَتُّتُ الْأُسْرَةِ، خَاصَّةً إِذَا كَانَ لَدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْلَادٌ؛ فَيَتَشَتَّتُونَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَيُعَانُونَ هَذَا الشِّقَاقَ وَالِانْفِصَالَ وَهُمْ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى حُضْنِ الْوَالِدَيْنِ مَعًا، وَرُبَّمَا سَمِعُوا كَلَامًا سَيِّئًا مِنْ أَبِيهِمْ عَلَى أُمِّهِمْ ، أَوْ مِنْ أُمِّهِمْ عَلَى أَبِيهِمْ؛ فَيُؤَثِّرُ سلبيا فِي نَفْسِيَّتِهِمْ، وَقَدْ يَحْمِلَانِ مَشَاعِرَ الْحِقْدِ وَالْكُرْهِ عَلَى أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ؛ نَتِيجَةً لِلشَّحْنِ الْخَاطِئِ مِنْ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ تِجَاهَ الْآخَرِ، وَأَحْيَانًا يَدْخُلَانِ فِي مَجَالِ النِّزَاعِ الْقَضَائِيِّ فِيمَنْ يَؤُولُ إِلَيْهِ الْحَضَانَةُ مِنَ الْوَالِدَيْنِ، وَقَدْ يَتَخَلَّى أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ عَنْ أَوْلَادِهِ نِكَايَةً بِالْآخَر .
وكل هذا يؤدي إلى انْحِرَاف الْأَوْلَادِ؛ حَيْثُ يَعِيشُونَ فَرَاغًا عَاطِفِيًّا؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْأُسْرَةِ مُجْتَمِعَةً مُسْتَقِرَّةً ، وَالَّتِي يَتَرَبَّوْنَ فِي ظِلِّهَا تَرْبِيَةً سَلِيمَةً ، فَتَكُونُ التَّرْبِيَةُ مَنْقُوصَةً لِفَقْدِ أَحَدِ الْمُرَبِّينَ؛ إِذْ قَدْ تَكُونُ الْأُمُّ ضَعِيفَةً أَوْ مَشْغُولَةً عَنْ أَوْلَادِهَا، أَوْ يَكُونُونَ مَعَ زَوْجَةِ أَبِيهِمُ الَّتِي قَدْ لَا تُرَاعِي اللهَ -تَعَالَى- فِيهِمْ؛ فَيُتْرَكُونَ هَمَلاً لِأَصْدِقَاءِ السُّوءِ، وَفَسَادِ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ ،
هذا فضلا عن تشردهم إذا كانوا في حضانة أمهم، وهي عاجزة عن النفقة والتربية ، فيتشردون في الطرقات، وتسوء أخلاقهم، وقد يشربون المحرمات، وتتلقفهم صحبة السوء فتفسدهم، إن الْأَوْلَاد بِحَاجَةٍ إِلَى إِشْرَافِ الْأَبِ وَحَنَانِ الْأُمِّ مَعًا، وَفَقْدُ أَحَدِهِمَا يُؤَثِّرُ عَلَيْهِمَا قطعا بالسَلْب ..
وهذا ما يريده إبليس عليه لعنة الله ..
ومن القصص الواقعية المريرة : وفاة زوج بمحكمة التجمع الخامس بعد أن عرف عدد القضايا التي رفعتها عليه زوجته وأولاده ..
المحامي كان حاضرا وقت الجلسة في القاعة ، بيحكي أنه لما تأكد الحاجب أن الزوج توفي وهو قاعد في الجلسة أمام زوجته وأولاده .. وأولاده جريوا عليه ويعيطوا ويصرخوا ويحضنوا فيه ويقلولوا اصحى يا بابا احنا مش عاوزين فلوس بس اصحى وكلمنا !! ..هكذا بالعامية ..
نادى القاضي على الزوجة و قالها بالعامية مبسوطة كده للأسف الدعوى انقضت بوفاة زوجك وسيتم شطب القضية..بيقول أن الزوجة قعدت تلطم وتصرخ أمام القاضي ، مش علي موت زوجها ، لكن على النفقات اللي كانت بتأخدها من الزوج بالتراضي كلها ضاعت بوفاته ..(فيتو).
٣- الشقاق بين الأسرتين وقطيعة الرحم :
الشِّقَاقُ بَيْنَ أُسْرَةِ الزَّوْجِ وَأُسْرَةِ الزَّوْجَةِ ، وَأَحْيَانًا يَكُونُ بَيْنَ الْأُسْرَتَيْنِ صِلَةُ قَرَابَةٍ؛ فَتَتَقَطَّعُ الْأَرْحَامُ بَعْدَ الطَّلَاقِ -بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالشَّرْعِ-، وَتَحُلُّ الْبَغْضَاءُ وَالشَّحْنَاءُ ، بَلْ قَدْ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بِلَا سَبَبٍ إِلَّا أَنَّ أَخَاهَا طَلَّقَ أُخْتَهُ! وَيَشْتَدُّ النِّزَاعُ وَيَتَفَاقَمُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأُسْرَتَيْنِ حِينَ يَتَحَوَّلُ الطَّلَاقُ إِلَى قَضَايَا فِي الْمَحَاكِمِ؛ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وقد يتسبب الطلاق في قطيعة الأرحام ، وتُملأ الصدور بالشحناء، ويتفنن كل من الزوجين – إلا من رحم – كيف يؤذي الآخر، وينتقم منه!!..
وترى المحاكم مليئة بمشاكل الطلاق والخلع، وكأنه لم تكن بينهما مودة من قبل؛ وقد قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى الفضل الذي هو أعلى درجات حسن المعاملة…
فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم ..
٤-مضار تعود على المجتمع:
كل ما سبق ذكره يعود على المجتمع بالسلب ، فالأسرة والزوجين والأولاد والأهل ، أهم أسس بناء المجتمع..
والطلاق يتسبب في انتشار العديد من الظواهر المقلقة: ككَثْرَة الْعَوَانِسِ في البلد الواحد ، والْمَرْأَةُ غَالِبًا مَا تَكُونُ ضَحِيَّةً لِهَذَا الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ أُخْرَى، أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ فَأَكْثَرُهُنَّ يَبْقِينَ بِلَا أَزْوَاجٍ؛ نَظَرًا لِنَظْرَةِ الْمُجْتَمَعِ السَّلْبِيَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ؛ فَهُمْ يُحَمِّلُونَهَا -غَالِبًا- سَبَبَ الطَّلَاقِ، أَوْ يَخْشَوْنَ تَكْرَارَ التَّجْرِبَةِ الْفَاشِلَةِ مَعَهَا!.
وانْتِشَارُ الْفَوَاحِشِ فِي الْمُجْتَمَعِ؛ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ
أَوِ الْمَرْأَةُ ضَعِيفَيْ إِيمَانٍ لَا يَخَافَانِ اللهَ -سُبْحَانَهُ- أَشْبَعَا شَهْوَتَهُمَا بِالْحَرَامِ، وَانْسَاقَا وَرَاءَ مَلَذَّاتِهِمَا.
ومهما ذكرنا من مخاطر الطلاق ومفاسده على الأزواج والأولاد، والأسرة والمجتمع فهي كثيرة جدًّا..
ومن هنا ارْتَفَعَتْ مُعَدَّلَاتُ الطَّلَاقِ بِصُورَةٍ كَبِيرَةٍ ، وَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِيهِ؛ فَعِنْدَ أَيِّ خِلَافٍ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ يُطَلِّقُهَا مُبَاشَرَةً أَوْ تَطْلُبُ هِيَ الطَّلَاقَ، دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْعَوَاقِبِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ مِنْ أَضْرَارٍ عَلَى الْأُسْرَةِ وَالْأَوْلَادِ ..
ومن هنا يتضح أنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ الْحَلَّ الْأَمْثَلَ لِمَشَاكِلِ الْأُسْرَةِ ..
يا إخوة الإسلام الطلاق كمبارة كرة القدم لكن ليس فيها فائز وخاسر ، بل كل ما فيها خاسر !!.
يخسر الأولاد ، تخسر الزوجة ، يخسر الزوج ، ويخسر الأهل والمجتمع كذلك ..
يا لها من مصيبة عظيمة، هدمت بها بيوت المسلمين، وفرق بها شمل البنات والبنين!
فكيف يتهاون بعض الأزواج بعد ذلك بهذا الميثاق الغليظ، ويكفرون بنعمة الله تعالى عليهم، ويتهاون بكلمة الطلاق، فيحلفون بها على كل ما هبَّ ودب؟ بل ومن قلة المروءة والرجولة أن يجعل الزوج كلمة الطلاق سيفًا مسلطًا على زوجته؛ فيهددها به في كل وقت وحين، إن فعلتِ كذا، فأنتِ طالق، وإن تركتِ كذا، فأنتِ طالق، فالطلاق جعله الله بيد الرجل لا ليهدد به سفهاء العقول المرأة على كل صغيرة وكبيرة ، بل لقدرته على قوة التحكم في نفسه ، والانضباط حين الغضب ولقوة عقله..
وختاماً : يا إخوة الإسلام:
لا يخلو بيتٌ من المنازعاتِ والخلافاتِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ ، وهذا أمرٌ فِطْرِيٌّ، لكنْ يجبُ ضبطُ هذه الخلافات بميزانِ الشَّرعِ، لِاحْتِوَاءِ هَذِهِ الْخِلَافَاتِ وَحَلِّهَا، وَلَكِنْ حِينَ تَتَفَاقَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ حَدًّا تَسْتَحِيلُ مَعَهُ الْعِشْرَةُ بِالْمَعْرُوفِ ، أَبَاحَ الْإِسْلَامُ الطَّلَاقَ كَضَرُورَةٍ؛ لِامْتِنَاعِ تَحْقِيقِ الْمَقَاصِدِ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَ الزَّوَاجُ..
لَا تَنْظُرُوا إِلَى زَوْجَاتِكُمْ مِنْ زَاوِيَةٍ وَاحِدَةٍِ فَقَطْ، وَازِنُوا بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ؛ فَإِنْ رَأَيْتُمْ فِي زَوْجَاتِكُمْ بَعْضَ النَّقْصِ فَتَقَبَّلُوهُ ، وَقَوِّمُوا اعْوِجَاجَهَا بِحِكْمَةٍ وَحُسْنِ تَصَرُّفٍ..
وَاسْعَوْا إِلَى حَلِّ خِلَافَاتِكُمْ مَعَ زَوْجَاتِكُمْ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَدَرَّجُوا فِي مُعَالَجَةِ نُشُوزِ زَوْجَاتِكُمْ ، وَقَبْلَ ذَلِكَ تَفَقَّدُوا أَنْفُسَكُمْ أَوَّلًا، لَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْكُمْ وَالْعَيْبَ فِيكُمْ؛ فَلَا تَظْلِمُوا زَوْجَاتِكُمْ بِالطَّلَاقِ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُنَّ غَيْرُ مُخْطِئَاتٍ، كَمَا لَا تَرْجُونَ أَنْ تُظْلَمَ أَخَوَاتُكُمْ، “اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ, وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ”(رَوَاهُ الإمام مُسْلِمٌ)؛ هَذِهِ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ..
وليعلم الجميع أن هدم الأُسر هو في حقيقته هدم للمجتمع بأسره، فلنحافظ على بيوت المسلمين من الشتات والضياع بكل ما استطعنا، فللأزواج دور، وللزوجات دور ، وللوالدين دور، وكذا للعلماء دور عظيم في ذلك، وكذلك الإعلام عليه دور كبير في توجيه الأسر إلى ما ينفعها ويساعد على بنائها، والتحذير مما يساعد على هدم الأسر وشتاتها..
نسألُ اللهَ عزّ وجلّ أَنْ يُصْلِحَ بيوت المسلمين
وأن يحفظ بيوتنا من الشتات، وأولادنا من الفساد، ويغفر لنا الزلات، ويكفر عنا السيئات..
واللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، واللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميع الدعاء، وكاشف البلاء .