خطبة بعنوان : صفات التاجر الأمين للدكتور محمد جاد قحيف

بقلم د/ محمد جاد قحيف

من علماء الأزهر والأوقاف

الحمد لله الذي امتن على أمتنا بأعظم رسول وهدانا إلى خير كتاب لننهل من نور ربنا بالسير على خطى نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم وبعد :

فإن الواجب على جميع من تخرج من مدرسة الصيام فصام وقام رمضان وعمل الصالحات في هذا الشهر الكريم أن يحقق أولى ثمرات الصيام لعلكم تتقون ؛ لأن من أهم أهداف الصيام غرس خلق المراقبة، فالصائم حين يمتنع عن الطعام و الشراب والشهوات فهو بذلك يراقب ربه ، والصيام عبادة ذاتية ينبغي أن يظهر أثرها على حياة الناس ومعاملتهم ويحيا بها ضمائرهم الغافلة النائمة.

ومن أهم معالم التقوى المعاملة الحسنة في شتى مجالات الحياة ، ومن أهم مجالات المعاملة حسن المعاملة في البيع والشراء والأخذ والعطاء والصدق والأمانة والصراحة في إظهار العيب وجودة السلع ومصدرها والحذر من أسباب غضب الله وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب الغش والخيانة والكذب.

ومن الحكم العصرية”

لاتحدثنى كثيرا عن الدين ولكن دعنى أرى الدين فى سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك”.

(صحيفة الخليج)..

♦♦♦

العنصر الأول ♦♦♦.

الصدق والأمانة في التجارة من هدي النبي ﷺ ..

لقد رغب دين الإسلام في التجارة الحلال بمواصفات وآداب خاصة حرص عليها هذا الدين كالصدق والأمانة والسماحة ، و أهمها طبعا الأمانة ؛ لأنها طبعا تحمل معاني الصدق والإخلاص، وكثير من الخلال ، والأمانة بمثابة رأس المال الحقيقي للتاجر المسلم الذي يعتمد عليه من أجل توطيد علاقته بزبائنه ، وعلاقته بربه كي يرزقه الله سبحانه و تعالى بالرزق الحلال الوفير .والصدق والأمانة في التجارة سبب للبركة في الأموال، فيبارك الله -تعالى- في أموال الصادق الأمين في تجارته، وكانت التجارة عمل النبي صلى الله عليه وسلم،. ففي مطلع شباب النبي صلى الله عليه وسلم خرج النبي للتجارة وسافر إلى الشام مع عمه أبي طالب وهناك التقى ببحيرى الراهب وبعدها كان صلى الله عليه وسلم يتاجر في مال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وقبل ذلك عمل بالتجارة في الجاهلية قبل أن يبعث فكان (صلى الله عليه وسلم) خير قدوة للتاجر الأمين، حيث وصفه السائب رضي الله عنه بقوله: كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك؛ لا تداريني، ولا تُماريني- أي: لم يكن (صلى الله عليه وسلم) يخفي عيبا في سلعة، ولا يجادل بالباطل».

♦♦♦

العنصر الثاني ♦♦♦.

صفات التاجر المسلم الأمين ..

من أهم صفات التاجر المسلم الأمين مايلي :

١- التجارة في الكسب الطيب الحلال :

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [سورة البقرة: 172] .

فينبغي أن تكون التجارة في ما أحله الله من الطيبات ، والبعد عن الخبائث والمحرمات ، هذا فضلا عن التراضي بين طرفي البيع والشراء وما أحله الله من صور المعاملات .

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

٢- التحلي بالصدق والأمانة :

لان الصدق والأمانة مجلبان للخير والبركة ، والكذب والغش والخداع مجلبان للفقر والمحق وانعدام البركة .

فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال: (البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما).

وبسبب التزام التاجر المسلم بهما وبسائر أخلاق الإسلام في سلوكه التجاري ترتفع منزلة التاجر إلى مكانة سامية ، ومنزلة عالية ، ويحشر مع الأنبياء والصديقين والشهداء .

وعن أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن.

وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما (التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة) أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح .

فالتحلي بالصدق والأمانة يرفعان مقام التاجر بين الناس؛ فيُقدمون على التعامل معه بكل طمأنينة وثقة ، و التحلي بالصدق والأمانة من أسباب البركة في المال كما قال النبي بورك لهما في بيعهما ، والعكس يسبب المحق وعدم البركة ، كما أن الصدق والأمانة يبعثان في قلب التاجر الطمأنية والراحة النفسية. والتحلي بهما يجعلان من التاجر وفياً للعهود والمواثيق التي تلفظ بها.

أما التاجر الكذوب الذي يبيع آخرته بدنياه، فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة، فلا بركة في ماله، ولا نفع في كسبه.

٣- عدم الغش والتدليس

عد النبي صلى الله عليه وسلم التدليس على الناس في البيع والشراء نوع من أنواع الغش والخداع ، والكذب والخيانة ، ولا يستحق صاحبه أن يكون من أتباع الصادق الأمين سيدنا محمد (صلوات الله وسلامه عليه ) .

روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبرة طعام، “كومة كبيرة من الطعام” فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، فمن غشنا فليس منَّا».

وهذا المنهج النبوي التربوي يربي أمته على خلق الصدق والأمانة في البيع والشراء، فلا غش ولا خداع ولا لف ولا مداورة ، هذا المنهج لا يكتفي بإصدار الأوامر والنواهي في هذا الشأن، فهناك نفوس من البشر لا يخافون الله ولا تحيا ضمائرهم الميتة ، ولا يراقبون الخالق في أعمالهم وشتى تصرفاتهم ، ولا يلتزمون أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لابد من متابعتهم من قبل الحاكم ، أو من ينوب عنه من الأجهزة الرقابية لمراقبته ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى، لإحياء ضمائرهم ، فالله جل جلاله لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عنه سر ولا علانية ، والإحساس بمعيته في جميع الأحوال في السفر والحضر، في الخلوة والجلوة، في الليل والنهار، في السرّ والعلانية، كما في قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة المجادلة آية رقم (٧) .

خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر بنا راعٍ من الجبل فقال له:

يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك فقال: قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: اعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو ان تعتقك في الآخرة. كما غرس فيهم عقيدة إحصاء الأعمال وتسجيلها على أصحابها بواسطة الملائكة كما في قوله تعالى: « وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ ، كِرَاما كَـٰتِبِینَ،یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ» سورة الانفطار ١٢/١٠ .

كما غرس فيهم عقيدة البعث والحساب على الأعمال يوم القيامة، كما في قوله تعالى: « فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرا یَرَهُۥ ، وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّة شَرّا یَرَهُۥ ﴾الزلزلة٨/٧.

٤- القسط في الكيل والميزان ..

من صفات التاجر الأمين العدل في الكيل والميزان، فمن خلال هذا المنهج ربّى الإسلام أتباعه على خلق الأمانة وجاءت آيات القرآن تذكر الناس بمراعاة القسط في المكاييل والموازين كما في قوله تعالى: « وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)» الرحمن آية رقم (٩).

وهدد الذين يتلاعبون بالمكاييل والموازين بعذاب أليم يوم القيامة ، وإن من يفعل هذا عنده ارتياب في أمر البعث والإيمان بقدرة الخالق جل في علاه .

قال تعالى: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ » .

المطففين ٦/١.

قال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل والوزن بالقسط ، فإن المطففين يوم القيامة يوقفون حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم ..

(تفسير القرطبي) ..

وقال أحد الصالحين : “دخلت على مريض وقد نزل به الموت، فجعلت ألقنه الشهادة ولسانه لا ينطق بها فلما أفاق قلت له: يا أخي، ما لي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها؟ .

قال: يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها!

فقلت له: بالله أكنت تزن ناقصا؟

قال: لا والله، ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني ” يعني لا أدقق ، ولا أتأكد من صحة ميزاني . فيا أيها التاحر لا تعلم متى تلقى ولا أين ولا بأي سبب؟. فاحرصوا على تسجيل الديون ، بل وأداءها عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ) .

وكتابة الوصية وبيان ما لك وما عليك ولتحرص أن تلقى الله طاهرا من الدين ومن أغلال الديون ، بل وتوصي بشيء من مالك إن استطعت كما كان حال سلفنا الصالح رضي الله عنهم

٥- عدم كثرة الحلف

فعن أبي ذر رضي الله عنه،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنّان الذي لا يعطي شيئاً إلا منّة، والمنفق سعلته بالحلف الكاذب) (رواه مسلم).

فعلى التاجر المسلم أن يتقي الله ولا يقسم كذبا من أجل ربح مادي زائل ، ولا يكثر حتى من الأيمان صادقا أو كاذبا ، يدل على هذا ما روي عن رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه: «أنه خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق»(رواه الترمذي).

٦- عدم الاحتكار :

الاحتكار يعني : حبس السلع والطعام وأقوات الناس وقت الحاجة ليرتفع سعرها ارتفاعا فاحشا .

قد ورد النهي عن الاحتكار في عدة أحاديث، منها: حديث معمر رضي الله عنه: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» رواه مسلم، وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «منِ احْتَكَرَ حِكْرَةً يُريدُ أن يُغْلِيَ بها علىٰ المسلمينَ فهو خاطِئٌ» أخرجه الهيثمى فى مجمع الزوائد.وقوله ﷺ: «من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالىٰ، وبرىء الله تعالىٰ منه» أخرجه أحمد

ووجه الدلالة: فى الأحاديث السابقة أنها واضحة علىٰ تحريم الاحتكار وعدم جوازه.

وعلى الأجهزة الرقابية أن تتدخل لحماية الأفراد من طمع وأنانية كثير من التجار وأصحاب الشركات ، ومصاصي دماء الشعوب، والثراء على حساب الفقراء ومحدودي الدخل ، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار، ورفع المعاناة من على كاهل الناس ، وعدم التكالب على الشراء وتخزين السلع والتكاتف والتضامن مع الفقراء والمحتاجين .

وليعلم المحتكر أنه ملعون يعني مطرود من رحمة الله جل في علاه و أن الذي يسعي في جلب السلع بسعر رخيص وربح قليل الله عز وجل يبارك له في رزقه ؛ لما رواه ابن ماجه وغيره قوله صلى الله عليه المحتكر ملعون والجالب مرزوق. والحكمة في تحذير الإسلام من الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس تبعا للقاعدة الفقهية الكلية المحكمة لا ضرر ولا ضرار .

٦- السماحة في البيع والشراء وفي شتى صور التعامل المادي

أخرج الإمام البخاري عن جابر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «رحِم الله رَجُلا سَمْحَا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى». يعني إذا طالب الناس بقضاء الدين أو قام هو بقضاء دينه .فيا أيها التجار يسروا على المعسرين والمتعسرين فمن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والسماحة في المعاملة تكون من البائع والمشتري ومن يفصل بينهما بحكمة حال النزاع إن وجد .

يحكي النبي صلى الله عليه وسلم عن أخبار السابقين من

بني إسرائيل فيما أخرجه الإمامين البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني؛ إنَّما اشتريتُ منكَ الأرض، ولم أبتع منك الذهب وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ قال أحدهما : لي غلام، وقال الآخر : لي جارية، قال : أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا (رواه البخاري في أخبار بني إسرائيل ومسلم) .

♦♦♦

العنصر الثالث ♦♦♦. أنواع التجارة في الإسلام..

مما يجدر الإشارة إليه أن التجارة في الاسلام نوعان تجارة مادية دنيوية منها الحلال ومنها الحرام ومنها الطيب ومنها الخبيث ، وتجارة إيمانية وهي التجارة مع الله ، وهي تجارة رابحة تنجي صاحبها من سخط الله وعذابه

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ الصف: 10، 11 .

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]. ودعا الإسلام التاجر المسلم للتوازن بين التجارتين المادية والمعنوية ، وعدم الانشغال بالبيع والشراء عن الصلوات وإخراج الزكوات وذكر الله وطاعته .

والمقاطعة الاقتصادية للصهاينة وأعوانهم فرض عين على كل مسلم ، وهي من التجارة الرابحة مع الله، ولا شك أن سلاح المال والاقتصاد من أشد الأسلحة تأثيراً في هذا العصر ..

إياك يا أخا الإسلام أن تنشغل بتجارة الدنيا وتنسى ذكر الله والصلاة وعمل الصالحات اجعلها في يديك وليست في قلبك

قال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37].

لهذا فقه سلفنا الصالح هذا التوازن بين متطلبات الدنيا والآخرة والروح والجسد فاغناهم الله من فضله ، فكانوا قدوة وقادة وقيمة وقامة نتعلم من سيرتهم ومسيرتهم ما يضيء دروب حياتنا ، وينير قلوبنا .

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة قدم عبدالرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلنى على السوق. فخرج إلى السوق وتاجر حتى أصبح من أغنى أغنياء المدينة؛ يقول عبدالرحمن بن عوف:” فلقد رأيتنى ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة.”

لقد كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله فضلا عن كونه عالما وإماما لايشق له غبار له ، تاجرا أمينا صادقا يحن على الفقراء . وهذا ما لا يعرفه عنه الكثير ، فقد كان أبو حنيفة كريمًا واسع الكرم، وتاجرًا أمينًا ماهرًا، ظل يعمل بالتجارة طوال حياته، وكان له دكان معروف في (الكوفة) كان أبو حنيفة -رضي الله عنه- يحب العمل حتى ينفق على نفسه، فكان يبيع الخز (وهو نسيج من الصوف)

جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة ، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة ، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة ، قال : هو خير من ذلك ، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراها بخمسمائة .

وعن أبي سباع رضي الله عنه قال: (اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال: اشتريت؟، قلت: نعم، قال: أبيّن لك ما فيها، قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟، قلت: أردت بها الحج، قال: فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد علي، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه» (صحيح الترغيب) . ومعنى أن الناقة سمينة ظاهرة الصحة أنها للذبح وليست للسفر و لا يستطيع من اشتراها أن يحج عليها.

بأخلاق سلفنا الصالح وحسن معاملاتهم (مع الأخذ بالعدة وأسباب القوة ) وسلوكهم التجاري وصدقهم وامانتهم اتسعت الفتوحات الإسلامية وانتشرت في ربوع الدنيا شرقا وغربا وشمالاً وجنوبا..

قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت

ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً ،

وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون .

( إحياء علوم الدين /م٢ .المكتبة الشاملة).

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واغننا بحلالك عن حرامك واكفنا بفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك اللهم إن كان رزقنا في السماء فأنزله وإن كان رزقنا في الأرض فأخرجه وإن كان رزقنا قليلا فبارك لنا فيه ، وافتح لنا من أبواب فضلك وخزائن خيرك، وارزقنا الرزق الحلال والمال الحلال وبارك لنا فيه .. وارزقنا وانت خير الرازقين ،وارفع عنا الغلاء والوباء وأنزل علينا السكينة والشفاء ، واحفظ بلدنا مصر من كل سوء ، وأعن إخواننا المستضعفين في فلسطين ، وسائر بلاد المسلمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.