الحمد لله الذي أغنى وأفقر وأعطي ومنع، وبسط وقبض، ورفع وخفض، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو على كل شيء قدير، نحمده على ما أعطى، ونشكره على ما أنعم و أولى وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَتَحَ لِعِبَادِهِ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَيْهَا الْخُلْدَ فِي نعيم الْجَنَّاتِ..
وأشهد أن سيدنا محمد رسول اللّه ﷺ اختار أن يكون عبدا رسولا، على أن يكون ملكا رسولا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: فالمال هو عصب الحياة ، ومعاش الأحياء ، بالمال يأكل الإنسان ويشرب ، ويلبس ويسكن ، ويتعلم ، وبالمال يصنع غذاءه ودواءه ولباسه ، وسكنه ، وسلاحه ، جعله الله تعالى قواما للحياة و قياما للناس ، وَإِنَّ مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا مَيَّالَةٌ إِلى المَالِ، مُحِبَّةٌ لِجَمعِهِ، فَكُلٌّ إِنسَانٍ يُحِبُّ المَالَ، وَكُلُّ نَفسٍ تَمِيلُ إِلى الاستِكثَارِ مِنهُ، وَمَا مِن أَحَدٍ يَرضَى أَن يُنقَصَ حَقُّهُ فِيهِ.
الحقوق المتعلقة بالمال كثيرة منها ما يلي: حق الله تعالى وحق الأسرة والمجتمع ..
العنصر الأول .
حق الله تعالى المالك الحقيقي للمال ..
ويقتضي هذا الحق التعبد لله باكتساب المال الحلال من طريق حلال،واستعماله في وجه حلال، وبذله في مرضاة الله عز وجل.
الله جل جلاله خالق هذا الكون ومالكه، ويتصرف في ملكه كما يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
ونظام المال في الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله وحده هو المالك الأصيل للمال، وله سبحانه وحده الحق في تنظيم قضية تملك الأموال، وإيجاب الحقوق في المال، وتحديدها وتقديرها، وبيان مصارفها، وطرق اكتسابها، وطرق إنفاقها..
ولأن المال مال الله وهو مالكه لذلك يتعلق به حق الأهل والمجتمع بأكمله..
العنصر الثاني.
حق النفقة على الأهل..
من أنواع الحقوق المتعلقة بالمال أيضاً النفقة على الوالدين الفقراء ، والزوجة والأولاد ، وعلى الفقراء والمحتاجين، و عد ديننا النفقة على كل هؤلاء لون من ألوان الإنفاق في سبيل الله ، بل هو خيرها ؛ وذلك لأن الأهل ممن يجب عليه نفقتهم ورعايتهم ، فالإنفاق عليهم فرض عين، والإنفاق على من سواهم فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية..
فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: “وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك” (أخرجه الإمام البخاري).
أَيْ: اللقمة التي تقع فِي فَمِ الزوجة يثاب عليها الزوج ، أو المراد ما تطعمه زوجتك بيدك مؤانسة وحسن معاشرة..
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ علَى دابَّتِهِ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى أصْحابِهِ في سَبيلِ اللَّهِ» .
أخرجه الإمام مسلم..
إنَّ أفْضلَ النَّفقةِ وأوْلَاها هيَ النَّفقةُ عَلى العِيالِ والأوْلادِ الصِّغارِ الَّذينَ لا يَستَطيعونَ التَّكسُّبَ، فتَكونُ هَذه النَّفقةُ إعْفافًا لَهُم عن سُؤالِ النَّاسِ، وإغْناءً لَهم عنِ الذِّلَّةِ والمَهانةِ، وهذا موافِقٌ لمَا جاء في حَديثِ مُسلِمٍ عن أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ودِينارٌ أنْفقْتَه على أهلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الَّذي أنْفقْتَه على أهْلِكَ»..
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً”..
العنصر الثالث.
حق المجتمع في المال..
النوع الثالث من أنواع الحقوق المتعلقة بالمال حق المجتمع ، وذلك بأداء الزكاة الواجبة فيه، والإحسان إلى الفقراء والمساكين منه، وتأليف قلوب الشاردين عن الإسلام به ، ودورها في حل مشكلة الفقر ، وكثير من أمراض المجتمع ..
قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 43]، وَعُقُوبَةُ مكتنزيها – حَابِسِيهَا وَمَانِعِيهَا – جاءت واضحة في القرآن الكريم قال جل جلاله :﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يوم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾
[التَّوْبَةِ: 35].
وفي سنة النبي ﷺ جاء الوعيد الشديد لمانع الزكاة.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ ..”
والزكاة معنى من معاني النماء والزيادة والبركة، سميت بذلك ؛ لأنها تزيد من إيمان المزكي ، وتزيد المال المخرج منه ، وتنمِّية وتطهير النفوس والأموال مما يضرها، وتطهر قلب من أخذها من الحقد والحسد.
وسميت الزكاة صدقة؛ لأنها دليل على صدق إيمان مؤديها وصحته؛ ولأن المال محبوب إلى النفس، ولا يخرجه إلا صادق الإيمان.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ أعْرابِيًّا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولِ اللهِ، دُلَّنِي علَى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وتُؤَدِّي الزَّكاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومُ رَمَضانَ، قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا أزِيدُ علَى هذا شيئًا أبَدًا، ولا أنْقُصُ منه، فَلَمَّا ولَّى قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَن سَرَّهُ أنَّ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هذا) (متفق عليه).
وفقراء البلد أولى من غيرهم ، لكن يجوز نقل الزكاة أو جزء منها من بلد إلى بلد آخر لشدة الحاجه.
وفي السنة النبوية الشريفة عن زياد بن الحارث الصدائي – رضي الله عنه – قال : أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فبايعته ، فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة فقال له : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك
الإنفاق أو الصدقة تطوعا، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره؛ طلباً لزيادة الأجر.
أخرجه أبو داود..
الإنفاق سواء كان واجباً أو تطوعاً يزيد من انشراح الصدر، وطمأنينة القلب.
والإنفاق سبب لرفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ودخول الجنات.