خطبة بعنوان : مفاتيح الرزق وأسبابه للدكتور محمد جاد قحيف

بقلم د/ محمد جاد قحيف

من علماء الأزهر والأوقاف

الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كلّ شيء لقدرته، وأشهد أن لا إله إلا الله ذلّ كل شيء لعزّته، و خضع كل شيء لمُلكه.وأشهد أن سيدنا محمد رسول اللّه ﷺ وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .. اللهم ارزقنا في الدنيا محبته واتباع سنته ، وارزقنا في الآخرة شفاعته.. وبعد:

فإن أكثر ما يشغل بال أغلب الناس في كل زمان ومكان هي قضية الرزق؛

تكلم القضيةِ المهمة، التي شغلت جُلَّ تفكير الناس اليوم، واهتم بها الصغار والكبار ، والرجال والنساء، في هذا الزمان الذي عمَّتْ فيه البطالة ، وقلت فيه الوظائف وفرص العمل ، وأضحى كثير من الشباب يقلق بشأن رزقه، ويخاف الفقر والجوع والحاجة؛

مما يدفع البعض للسرقة والرشوة والاختلاس ، وأكل الحرام؛ و ذلك طمعًا وحرصًا وخوفًا على مستقبله ، ومستقبل أولاده ، و ضيق الرزق ، وقلة المال ..

♦♦♦

العنصر الأول : معرفة أن الله هو مالك العباد ورازقهم ..

من أهم مفاتيح الرزق معرفة أن الله هو مالك العباد ورازقهم، فالله سبحانه وتعالى مالك الملك وخالق الخلق ، ولا ريب أن الرزق لا يملكه أحد سواه..

والرزق مقسوم، قد تكفَّلُ الله به للخلق، وكتب رزق كل مخلوق وهو في بطن أمه، قبل أن يخرج إلى الدنيا. قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6] وقال الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60]..

وقال جل جلاله ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُۥٓ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾/١٧.

وقال تعالى:- (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 – 58]..

وهذا تأكيد لما جاء في صدر سورة الذاريات ..

قال تعالى : {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} الذريات/٢٣/٢٢.

قال سعيد بن جبير والضحاك : الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق . قال سعيد بن جبير : كل عين قائمة فإنها من الثلج . وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه : فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم . وقال أهل المعاني : وفي السماء رزقكم معناه وفي المطر رزقكم : سمي المطر سماء؛ لأنه من السماء ينزل . قال الشاعر :

إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا..

وقال ابن كيسان : يعني وعلى رب السماء رزقكم : نظيره : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها . وقال سفيان الثوري : وفي السماء رزقكم أي عند الله في السماء رزقكم . وقيل : المعنى وفي السماء تقدير رزقكم ، وما فيه لكم مكتوب في أم الكتاب…

وما توعدون قال مجاهد : يعني من خير وشر .. وقيل : الجنة .

قال الضحاك : وما توعدون من الجنة والنار ..

[ تفسير القرطبي]..

وهذا اعتقاد المؤمن على منهاج السلف الصالح رضوان الله عليهم ؛ لذلك لم يلتفتوا لأحد سوى الله في أرزاقهم، وكانوا بما في يد الله أوثق منهم بما في أيديهم..

قال الحسن: “إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله -عز وجل-“..

والرزق والأجل والشقاوة والسعادة أمور محسومة مكتوبة ومسجلة في اللوح المحفوظ منذ أن خلق الله الجنين في بطن أمه، وقبل أن يبعث في هذه الحياة ..

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدَّثنا رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: “إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملَك فينفخُ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكَتب رزقه، وأجله، وشقيٍّ وسعيد…”. (متفق عليه).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ..”أخرجه المنذري بصيغة التصحيح..

فسبحان من قسم الأرزاق بين عباده ، فمن الناس من وضع رزقه وهو مستريح على كرسيه!، ومنهم من وضع الله رزقه أمام الفرن أو التنور مع شدة الحرارة، ومنهم من جعل الله رزقه في مصنع الثلج مع شدة البرودة..

♦♦♦

العنصر الثاني :  معرفة أنواع الرزق ..

الرزق ليس مخصوصًا أو منحصرًا في المال وحده، فالسعادة غير مرتبطةٍ بجني المال وحسب، فالمال نوعٌ واحدٌ ضيِّقٌ من أنواع الرزق، بينما أنواع الرزق أكثر من أن تحصى أو تحصر في المال، وهي كثيرة يمكن تعدادها ؛ حتى تشمل جميع جوانب حياة الإنسان وما يُنتفع به فيها، وما قد يسَّره الله له لتسهيل العيش في الدنيا..

ومن الفهم القاصر أنه إذا ذُكرت كلمة: “رزق” انصرفت الأذهان إلى المال بشتى أصنافه، ولكن الحق أن المال نوع من أنواع الرزق، وليس كل الرزق؛ فإن الصحة رزق، والأولاد رزق، والزوجة رزق، والذكاء رزق، والجمال والوسامة رزق، والقبول عند الناس وحبهم رزق، وطاعة الله رزق، وانشراح الصدر وراحة البال رزق، وحسن الخاتمة وقول: “لا إله إلا الله” عند الموت رزق… ولا آخر لأنواع الرزق وإن تفاوتت في قيمتها وبقائها ونفعها لصاحبها، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[العنكبوت: 62].

صحيح أن رِزق المال: هوَ رزقٌ يتعيش منهُ الإنسان، ويقضي بهِ حوائجه، وينتفع بهِ هو وأهله. لكن ثمت أنواع عديدة للرزق يحتاجها الإنسان في مسيرته في هذه الحياة فالزوجة الصالحة رزق يهبه الله لعباده، وبذلك جاءت الإشارة النبويّة؛ حيث صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ).

والذريّة الصالحة رزقُ من خير ما يتحصّل عليه الإنسان في الدنيا؛ لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات، بينما الذريّة الطيّبة تَسعد بها أنت ومن حولك، وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة.

وحب الناس رزق..

فالإنسان القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض وبين عباده، فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته! وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم!

وصدق القائل :

لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ

ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ

فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا

عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ

وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً

بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ

وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ

تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ..

فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً

فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ.. الديوان: لحافظ إبراهيم..

ومن أجمل الأرزاق؛ سكينة النفس وطمأنينة الروح، ونور العقل، وصحة الجسد، وصفاء القلب، وسلامة الفكر …

ومن الناس من رزقه في المدارس أو في المصانع، ومنهم من رزقه لُجّةً البحر فهو يغوص ليستخرجه! أو فوق طبقات الهواء فهو يركب الصعاب ليأتي به، ومنهم من رزقه وسط الصخر الصلد، فهو يكسره ليستخرجه، ومنهم من رزقه في الأرض وآخر مع دواب الأرض وثالث مع كنوز وجواهر الأرض. تعددت الأسباب وكثرت الطرق والرزاق واحد، هو الله جل جلاله..

والمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دومًا بالخير، فالإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.

ومن أهم أنواع الرزق العلم والحكمة ؛ فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيرًا كثيرًا، وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيرًا يُفقّههُ في الدين.

والصحّة والعافيةعلى أنواع الرِزق : فالصحة نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس، ومن كانَ مُعافىً في بدنه فكأنّهُ قد ملكَ الدُنيا بأسرها، فليست نعمةٌ في الدنيا -بعدَ الإيمان بالله- تعدلُ نعمة الصحة والعافية..

والرضا والاستغناء عن الناس رزق..

قيل لأبي حازمٍ: ما رِزقُك؟! قال: “الرِضا عن الله، والغِنى عن الناس”.

قال عليه الصلاة والسلام: “انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ” (متفقٌ عَلَيْهِ).

وإليكم نموذجاً تطبيقا لحسن العمل بهذه الوصية النبوية العظيمة: يقول عون بن عبد الله بن عتبة: “كنت أصحب الأغنياء، فما كان أحد أكثر هماً مني، كنت أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، فلما سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

♦♦♦

العنصر الثالث: مفاتيح الرزق الخفية ..

مفاتيح الرزق الخفية وإن شئت قلت الأسباب الإيمانية المعنوية لطلب الرزق ، و الأسباب الإيمانية أو المعنوية كثيرة منها على سبيل المثال :

١- الإيمان والتقوى

قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف:96].

يفسر الإمام الرازي هذه الآية بقوله : ﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا﴾ أيْ آمَنُوا بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ

(واتَّقَوْا) ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ وحَرَّمَهُ ﴿لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ بَرَكاتُ السَّماءِ بِالمَطَرِ، وبَرَكاتُ الأرْضِ بِالنَّباتِ والثِّمارِ، وكَثْرَةِ المَواشِي والأنْعامِ، وحُصُولِ الأمْنِ والسَّلامَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ السَّماءَ تَجْرِي مَجْرى الأبِ، والأرْضَ تَجْرِي مَجْرى الأُمِّ، ومِنهُما يَحْصُلُ جَمِيعُ المَنافِعِ والخَيْراتِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى وتَدْبِيرِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ كَذَّبُوا﴾ يَعْنِي الرُّسُلَ (فَأخَذْناهم) بِالجُدُوبَةِ والقَحْطِ ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ مِنَ الكُفْرِ والمَعْصِيَةِ.

والتقوى ليست شكل أو لباس معين، إنما هي الخوف من الله ، و التطبيق لأوامر الله ، وترك ما نهى عنه وزجر ، وبسبب التقوى يجعل الله لصاحبها مخرجا من ضوائق الدنيا ، ويرزق من الخيرات من حيث لا يتوقع قال تعالى: ﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾.

فكل من طلب البركة في الرزق والوقت والعمل ، فعليه بتقوى الله تعالى ، فإنها من أعظم أسباب الخيرات والبركات .

فالتقي هو الذي لا يفتقد حيث أمر الله ، ولا يرى حيث نهاه، بمعنى كلام الإمام الجنيد (رحمه الله).

فيا إخوة الإسلام اتقوا الله ربكم بامتثال الشرع ، والعمل بالدين ، والبعد عما حرم وحذر ، واتقوا الله فإن التقوى خير معين للعبد في دنياه، وخير زاد ليوم المعاد، إنها أمان للنفوس، وراحة للقلوب، ورحمة للعباد .

٢-إقامة شرع الله في الأرض .

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66].

الاستقامة على طاعة الله، واجتِنابَ معصيته؛ فما استُجلِبَت الأرزاق إلا بالطاعات، وما مُحِقَت إلا بالمعاصِي والذنوب، وإن العبد ليُحرَم الرزقُ بالذنبِ يُصيبُه..

فالذنوبُ والمعاصِي من أكبر الأبواب التي تُغلِقُ موارِد الأرزاق على الفرد وعلى الأمة، بالذنوب والمعاصِي تتعسَّر الأسباب، وتضيقُ الأبواب، وتُمحَقُ البركات: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [الجن: 16، 17].

وإن القحط والضُر والفساد والوباء والبلاء عقوبات إلهية جراء الذنوب و المعاصي ، والإعراض عن أحكام الله وشرعه .

قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41] .

وإن من مخاطر الذنوب أنها سبب من أسباب حرمان الرزق والبركة فيه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ” رواه أحمد حسن لغيره .

وما حُرم اليهود من الطيبات إلا بسبب ظلمهم ومعاصيهم، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:160-161).

٣- الاستغفار والتوبة.

فعندما يتوب الإنسان إلى ربه ، ويكثر من الاستغفار يزداد رزقه ويبارك له فيه ، فالاستغفار سبب رئيسي في جلب الخيرات ، ونزول البركات .

قال تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ [سورة نوح: 10-12].

وقال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود:52).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من لَزِمَ الاستِغفارَ جَعَل اللهُ له مِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ومِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورَزَقه مِن حيثُ لا يحتَسِبُ» أخرجه الإمام أبو داود وفيه الحكم بن مصعب .

يقول القرطبي رحمه الله: “في هذه الآية والتي في سورة هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار” أهـ .

خرج عمرُ يستسقي ، فلم يزدْ على الاستغفارِ . فقالوا : ما رأيناك استسقيت ! فقال : لقد طلبتُ الغيثَ بمَجاديحِ السماءِ الذي يُستنزلُ به المطرُ ، ثم قرأ ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ” . ينظر إرواء الغليل بسند ضعيف .

ويقول ابن كثير رحمه الله: “أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها”أهـ.

جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله يشكو الجدب فقال له: استغفر الله، وجاءه رجل ثانٍ يشكو الفقر، فقال: استغفر الله، وجاءه ثالث يشكو العقم، فقال: استغفر الله ، فعجب الناس فقرأ عليهم ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً …﴾ الآيات . ينظر تفسير الامام القرطبي .

فعلى المسلم أن يلجأ سريعًا إلى ربه ، تائبًا مستغفرًا نادمًا على ما وقع منه من ذنوب وخطايا، فالاستغفار يهدم الذنوب، كما أنه من أهم أسباب الرزق ، كل هذا من أجل أن يحفظ الله له رزقه، ولا يعاقب بشؤم معصيته .

٤-صلة الأرحام

من أهم ثمرات صلة الأرحام أنها : توسع الرزق والثانية أنها تُطيل العمر، فمن أراد هاتين الفائدتين ، فعليه بصلة الأرحام ، حتى وإن جفوا وقطعوا .

عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه ، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه» أخرجه الإمامان البخاري ومسلم .

وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي أهْلهِ، مَثْرَاةٌ فِي مَالِه، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ” قال مخرجو المسند : إسناده حسن ..

“وصلةُ الرَّحمِ، وحُسنُ الخُلُقِ وحُسنُ الجِوارِ، يُعمِّرانِ الدِّيارَ، ويَزيدانِ في الأعمارِ ” أخرجه الإمام أحمد وسنده صحيح..

“وكلُّ رحمٍ آتيةٌ يومَ القيامةِ أمام صاحبِها تشهدُ له بصلةٍ إن كان وصلها وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعها” ..أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد مرفوعا ، وسنده صحيح ..

٥-التوكل على الله:

ومعنى التوكل هو أن تأخذ بالأسباب المشروعة كلها ثم توقن أن رزقك سيصلك مهما حدث، وهو عكس التواكل والتخاذل ، الذي يعني التكاسل عن الكسب الحلال بحجة أن الله قد كتب الأرزاق كلها.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ .

[الطلاق: من الآية 2، 3].

ومن أهم مفاتيح الرزق وأحد أسبابه حُسن التوكُّل على الله ..

و التوكلُ على الله تعالى هو تفويض الأمر إلى الله والاعتماد على الله وحده، وعدم التعلق بالمخلوقين (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ) [العنكبوت: 17]لا عند غيره، والمتوكل الصادق هو الذي يفرغ قلبه من التعلق بغير الله، ويربط الله وينتظر الفرج والرزق منه لا من غيره جل وعلاه مع بذل الأسباب والأخذ بها. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:«لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا» .

[أخرجه الإمام الترمذي الترمذي ، وسنده صحيح] .

يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “هذا الحديث أصلٌ في التوكُّل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلَبُ بها الرزق”.

وهذه الطيور الصغيرة صادقة في توكلها، متوكلة عليه حق توكله سبحانه وتعالى، ولذا رزقها الله كل يوم رزقاً, (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3] أي يكفيه رزقه ودينه وما أهمه ، أما من ضعف توكله على الله واعتمد على الآخرين، ولكن إلى الوسائط وتعلق قلبه بالموظف الفلاني، أو النتائج لتلك الشركة أو الدائرة ، فقد يخذله الله لأنه ما صدق التوكل على الله، ولا أعتمد بقلبه على الله، ولم يترقب الفرج والرزق من الله.

فيتعلَّقُ القلبُ بمولاه، ويُفوِّضُ أمرَه إليه؛ فمن توكَّل على الله كفاه ما أهمَّه، ودفع عنه ما ضرَّه وأغمَّه، ورزقَه من حيث لا يحتسِب ..

٦- التبكير في طلب الرزق والكسب الحلال .

فعن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» قال صخر : وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثه في أول النهار . [أخرجه الإمام الترمذي وسنده حسن ].

وروي عن فاطمة رضي الله عنها قالت مر بي رسول وأنا مضطجعة فحركني برجله ثم قال: يا بنية قومي اشهدي رزق الله ولا تكوني من الغافلين فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»[ أورده الحافظ المنذري بصيغة التمريض ، فسنده ضعيف ].

٧-الصدق في التجارة:

من أسباب البركة الصدق في التجارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

« الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». أخرجه الإمام البخاري .

٨-شُكر الله تعالى

من أسباب حصول الرزق وثباته ونمائه شكر الله سبحانه وتعالى، وشكره باللسان والقلب والجوارح، وطاعته واستخدام نعمه فيما يُرضيه ، والرضا والقناعة كل ذلك من علامات الشكر وسبب البركة و الزيادة .

قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7].

فالشكر يقيد النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة، وفي ذلك يقول عمر بن عبد العزيز: “قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم، وسبب المزيد”.

٩-الدُّعَاءُ، وَمناجاة رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.

من أهم أسباب الكسب والرزق الحلال ، الدعاء ومناجاة الرحمن ، فَمَنْ ضَاقَ رِزْقُهُ، وَقَلَّتْ عَلَيْهِ مَصَادِرُهُ، وَمَنْ عَظُمَ عَلَيْهِ الْهَمُّ، وَكَثُرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَلْيَقْرَعْ بَابَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَخِيبُ قَارِعُهُ، وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ -جَلَّ جَلَالُهُ-، فَهُوَ الْكَرِيمُ الْجَوَادُ الَّذِي مَا وَقَفَ أَحَدٌ بِبَابِهِ فَرَدَّهُ خَائِبًا، وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ يَا مَنْ أَرَدْتُمْ سَعَةَ الْأَرْزَاقِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الثَّنَاءِ، وَعَظِّمُوا الرَّجَاءَ فِي رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَإِنَّ خَزَائِنَ اللَّهِ مَلْأَى، وَهُوَ الْقَائِلُ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ:

«يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَجِنَّكُمْ وَإِنْسَكُمُ، اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي جَمِيعًا فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا غُمِسَ فِي الْبَحْرِ..»

أخرجه الإمام مسلم .

عَن عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنَّ مُكاتبًا جاءَهُ فقالَ : إنِّي قد عَجزتُ عَن مكاتبتي فأعنِّي ، قالَ : “ألا أعلِّمُكَ كلِماتٍ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لو كانَ عَليكَ مثلُ جَبلِ صيرٍ دينًا أدَّاهُ اللَّهُ عَنكَ ، قالَ : قُل : اللَّهمَّ اكفني بِحلالِكَ عن حرامِكَ ، وأغنِني بِفَضلِكَ عَمن سواكَ” أخرجه الإمام الترمذي وسنده حسن.

ومن أسباب الرزق أيضا الإحسان إلى الضعفاء والمُحتاجِين، وتفقُّد أصحابِ الحوائِج، وفي الحديث: “وهل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم!!”. أخرجه الإمام البخاري.. وغير ذلك من مفاتيح الرزق الخفية..

♦♦♦

العنصر الرابع  :الأسباب المادية لطلب الرزق الحلال .

لقد حث دين الإسلام على السعي على المعيشة والكسب الطيب الحلال، فالخالق سبحانه وتعالى جعل الليل لباسا وسكنا وراحة ، وجعل النهار معاشاً وسعيا وكدحا ، و سبحاً طويلاً، و أمر عباده بالسعي والمشي في مناكب الأرض ليأكلوا من رزقه.

ومن أهداف العمل والكسب الحلال صون كرامة الإنسان ، وحفظ ماء وجهه من السؤال والطلب ؛ لذا أمر الحق سبحانه وتعالى بالسعي على الرزق الحلال والأخذ بأسباب الرزق .

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (168) سورة البقرة.

وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ الملك/ 15.

فقد جاء الأمر صريحا في القرآن الكريم بالبحث عن المعاش ، وتسخيره ؛ لنيل مرضاة الخالق سبحانه، فقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10] .

وقد جاء الأمر بالكسب بين واجبات شرعية، وأوامر دينية، بين الصلاة والذكر، وذلك قمة التوازن بين متطلبات الجسد والروح والشرع والعقل ، تنويها بأهمية الكسب وطلب الرزق، والحذر من تغليب السعي في الرزق على أمر الدين. وقوله تعالى (وابتغوا من فضل الله) بصيغة الأمر الذي يدل على طلب الرزق والمعاش، ووقوعه بين هذه الأوامر المذكورة دعا بعض الفقهاء إلى القول بوجوب السعي، وهذا ما يدلل على أن أحكام الإسلام تجمع بين خيري الدين والدنيا ، والاعتدال في طلب غاياتهما .

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تَحُثُّ على طَلَب الرزق والكسب الحلال؛ منها:عن المقدام بن معد كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ماأَكَل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أن يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلام كان يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه))

أخرجه الإمام البخاري ..

وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام : ((لأنْ يأخُذ أحدُكم أَحْبُلَهُ، ثم يأتي الجبَل، فيأتي بحزمة مِن حطب على ظهره فيبيعها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَه – خيرٌ له مِن أنْ يَسأل الناسَ؛ أعطَوْه أو منعوه)) .

رواه الإمام البخاري .

فاليَدُ التي تعمل وتتكسَّبُ الرزقَ الحلالَ هي التي تُعطي، وهي التي تَعمل مِن أجْل إعفاف النفس عن التذلل للآخرين؛ أعطوه أو منعوه .

ومن مأثور حكم لقمان: “يا بنيّ استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأكثر من هذا استخفاف الناس به “. ينظر : وصايا الرسول الشيخ طه عبد الله العفيفي .

وهذا حبيبنا ونبيُّنا وقدوتُنا صلى الله عليه وسلم ، كمن سبقه من الرسل والأنبياء ، كان يَرْعَى الغنمَ على قراريط لأهل مكة، وكان يَعمل في التجارة، فيُسافر ويَتعب؛ مِن أجْل تحصيلِ الرزق الحلال، وهكذا كان صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حريصين على الكسب الحلال؛ عن طريق عَمَلِهم في التجارة وغيرها من المهَن الأخرى، ومن هنا فخير الهدي هدي النبي ﷺ سيد المرسلين ، وعلى هديه صحابته رضوان الله عليهم أجمعين .

إن أوضاعَ الأمة ومآسيها ناتج عن عدم فهمنا لفقه الاعتماد على الأسباب الإيمانية والمعنوية .. وإن إخواننا الضعفاء في أرض العزة في بلاء وشدة؛ فعلى أمة الإسلام أن يتفقَّدُوهم، ويساعدوهم بما يملكون ، وهذا من فقه الأخذ بالأسباب ، اذا أردنا نصرَ الله وعونَه وتأييدَه ..

وختاماً : يا إخوة الإسلام

إن الأرزاق قسمة الكريم الوهاب، وإن من أجل نعم الخالق على عباده نعمة الرزق..

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾سورة فاطر /٣..

وعلى المسلم أن يجتهد قدر طاقته، ويأخذ بأسباب الرزق ، ثم يتوكل على العظيم واهب النعم والفضل ، ويكثر من ذكره في المساء والصباح، مع ضرورة كثرة اللجوء إليه فإنه الفتاح الذي يرزق النملة والطير والتمساح، ومن رضي بقضائه سَعِد وارتاح..

وعن الأصمعي أنه قال: “أقبلت من جامع البصرة؛ فطلع أعرابي على قعود؛ فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني أصمع؛ قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الله؛ فقال الرجل وهل الرحمن كلام يتلوه البشر ؟!.. قال نعم.. قال: اتل علي منه ، فتلوت: صدر سورة الذاريات ؛ فلما بلغت قوله: وفي السماء رزقكم ؛ قال: حسبك؛ فقام إلى ناقته؛ فنحرها؛ ووزعها على من أقبل وأدبر؛ وعمد إلى سيفه وقوسه؛ فكسرهما؛ وولى؛ فلما حججت مع الرشيد؛ طفقت أطوف؛ فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق؛ فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر؛ فسلم علي؛ واستقرأ السورة؛ فلما بلغت الآية صاح؛ وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا؛ ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: فورب السماء والأرض إنه لحق ؛ فصاح؛ وقال: يا سبحان الله؛ من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ لم يصدقوه بقوله حتى حلف؛ قالها ثلاثا؛ وخرجت معها نفسه”(المكتبة الإسلامية)بسند فيه مقال..

قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:

توكلتُ في رزقي على الله خالقي *** وأيقنتُ أن الله لا شك رازقي

وما يكُ من رزقي فليس يفوتني *** ولو كان في قاع البحار العوامق

سيأتي به الله العظيم بفضله *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطق

ففي أي شيء تذهب النفس حسرة *** وقد قسم الرحمن رزق الخلائق؟!..

اللهم أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، و اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك ، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعل أوسع أرزاقنا عند ضعفنا وكبر سننا، اللهم لا تحوجنا إلا إليك، ولا تذلنا إلا بين يديك، وصب علينا الرزق صبًّا، ولا تجعل معيشتنا كدًّا ..

اللّهم يا رزاق السائلين، يا راحم المساكين، ويا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غيّاث المستغيثين، اللّهم إن كان رزقنا في السماء فأنزله وإن كان رزقنا في الأرض فأخرجه وإن كان بعيدًا فقرّبه وإن كان قريبًا فيسره وإن كان كثيرًا فبارك فيه يا أرحم الراحمين ..

واللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، و انصر دينك وكتابك وسنة نبيك. واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين واحقن دماء المسلمين في كل بقاع الدنيا يا رب العالمين ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.