الحمد لله قدم من شاء بفضله وأخر من شاء بعدله لا يعترض عليه كل ذي عقل بعقله ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده ، ونشهد أن سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير وبعد :
إن منهج الإسلام قائم على ربط الإيمان بالأخلاق . والدين بالعلم والعمل ، و هذه الدعائم من أهم أسس بناء الوطن ، ونهضته ورفعته .
ولأن المسلمين تراجعوا عن هذا النهج الكريم، وقَصَرو الإسلام علي أداء بعض الصلوات في المساجد، وعلى العمرة والحج، وعلي تلاوة القرآن، وبعض الصدقات ، وتركوا الأمور الحياتية للآخرين، وأصبحوا يتحكمون فينا وفي أرزاقنا، وصناعاتنا وحاجاتنا، حتي الدواء .. أصبح المسلمون لا يستغنون عن أعدائهم الذين يريدوننا أمة مريضة حتى يصدرون لنا الدواء ، جائعة حتى يصدرون لنا الغذاء ، متحاربة متخلفة حتى يصدرون لنا السلاح ؛ لأننا أهملنا الجانب الذي ركز عليه نبينا صل الله عليه وسلم ، مثل : العلم والإيمان وأخلاق الإسلام ، ومن نتاج هذاه الدعائم الأمانة ، والإخلاص ، والعدل ، والإتقان ، والشعور بالمسؤولية ..
الإيمان والاعتقاد في الله وتنمية الروح الإيمانية أهم ضماناتٍ سلامة الوطن والمجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب والقبائل والأعراق واللغات في رحاب المجتمع الواحد والوطن الواحد.. والإيمان يضبط التصوراتِ والأفعالَ والسلوكَ وفق قيمٍ واحدة، هدفها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة..
كما أن الإيمان يصنع الفرد والأسرة والمجتمع صناعة تضمن لهم جميعًا طمأنينة النفس، وراحة البال، وانشراح الصدر، وخيرية الدنيا، والنجاة يوم القيامة..
والإيمان هو حياة الإنسان الحقيقية ، وبدونه يكون هذا المخلوق حائرا ، كريشة في مهب الريح لا نفع فيها ولا تستقر على حال من القلق والاكتئاب..
والإيمان إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان “القلب” وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان .(لمعة الاعتقاد لابن قدامة) ..
فالصلاة، والصيام، والحج، والصدقة، وذكر الله وقراءة القرآن، والتفكُّر في مخلوقات الله، وغيرها من الطاعات تزيد الإيمان ، على عكس المعاصي والسيئات..
وفي عصرنا فشا كثيرٌ من الأمراض الاجتماعية والنفسية والسلوكية والأخلاقية ؛ بسبب ضعف الإيمان، والتعلق بالدنيا، ونسيان الآخرة، وبسبب هذه الحضارة المادية التي لا تعطي الروح أية أهمية؛ بل جل اهتمامتها فقط الجسد ، وخدمة الجسد ورفاهيته..
وأضحى سلوك وتصرف كثير من المسلمين بعيدة عن الإيمان بالله واليوم الآخر ، ومن آثار ذلك البغي والظلم، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، والقسوة والجفاء، والتهرب من المسؤولية، والتنصل من الواجبات، والعنف والشدة، ونكران المعروف وحب الذات، وتحكم الهوى والمنافع والمصالح الشخصية..
ولا شك أن هذه الأمراض تفتك بالأفراد والأوطان والمجتمعات..
العنصر الثاني : البناء العلمي للوطن
العلم أهم عناصر البناء..
لقد كان النبي صلي الله عليه و سلم حريصاً على الأخذ بكل المستحدثات العصرية في زمانه وفي عصره وأوانه، جاء النبي ﷺ لزيد بن ثابت رضي الله عنه – وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشر عاماً، ويحفظ الكثير من سور القرآن، فقال : يا زيد، أريد أن تتعلم لي لغة اليهود؛ لأنني تأتيني كتب منهم ولا آمنهم علي الإسلام. فانظر إلي نبوغ هؤلاء السادة الأجلاء!! قال زيد: ((فذهبت وتعلمت السريانية – وهي لغة اليهود – في خمسة عشر يوماً))، ورجع وهو يتقن اللغة أحسن من أهلها، ليكون معه مترجماً فلا يُغَش في الرسائل التي يرسلها له الآخرون.[أخرجه الإمام الترمذي]..
رأَى عمرُو بنُ العاصِ رضي اللهُ عنه قومًا نَحَّوْا فتيانَهُم عن مجلسِهِم فوقفَ عليهم وقال: ” ما لي أراكُم قد نحّيتُم هؤلاءَ الفتيانِ عن مجلسِكُم؟ لا تفعلُوا، أوسعُوا لهم وأدْنوهُم وحَدّثُوهُم وأفْهِموهُم الحديثَ فإنّهُم اليومَ صِغارُ قومٍ ويوشكون أنْ يكونُوا كبارَ قومٍ، وإنّا قد كنّا صِغَارَ قومٍ ثمّ أصبحنَا اليومَ كبارَ قومٍ.”.(الطبقات الكبرى لابن سعد).
ومما لاشك فيه أن العلم أهم سبيل لتقدم الأوطان ورفعتها ونهضتها، فبالعلم تبنى الأوطان ، وتستصلح الأراضي، وتشيد السدود ، وتعمر الحياة ، وتعظم السلالات، وتدار التجارات، وتطور الصناعات، وتعالج المياه ، وتنحى الآفات، وتستخرج المعادن، والأمة العظيمة هي التي تبهر العالم بما تنتجه من علم ومعرفة، وما تتقنه من زراعة، وصناعة، وتجارة، وثقافة، وما تخرجه من الأطباء البارعين والمهندسين المتقنين، والصناع الحرفيين الماهرين .
فهل تقوى أمة الإسلام على تقديم مشروع اقتصادي إسلامي عالمي إلا إذا كان لها مراكز البحث العلمي المتخصص، والجامعات العريقة المتخصصة، والباحثون المتخصصون في كل المجالات النافعة في الحياة..
وإن كل ميدان من ميادين الحياة له ارتباط وثيق بالدين، ولا انفصال بين الدين والحياة، وإننا في حياتنا نحتاج إلى التاجر والمزارع والطبيب والمهندس والمدير والحاكم، وكل هؤلاء يحتاجون إلى العلم والعلماء، وإن الناس إذا استغنوا عن العلماء ورثة الأنبياء ، أو خرجوا عن طاعتهم، لم يفسد دينهم فحسب، بل يفسد دينهم ودنياهم على حد سواء..
ومن هنا يعتبر العلم أساساً متينا في بناء الدول وبدونه كيف تُبنى الدول وتتقدم ؟ .
وإذا ما اجتهد الإنسان وبذل وسعه في تلقّي العلم في مجالِسِهِ وأماكنه، فلا قيمة للإنسان بغير علمٍ يُثري فِكره ويجعله مُلمّاً بأمورِ دينه وأحكامه في جميع الأمور ..
لذلك كله كان العلم ضرورة لتقدم الأمم وعمران الحياة ..
العنصر الثالث : البناء الأخلاقي وضرورته..
إن البناء الأخلاقي يقوم على أساس البناء الإيماني والعلمي ؛ فكلما كان الأساس متينًا كان بناء الأخلاق قويًّا متماسكًا ؛ لذلك فقد عمل المنهج الإسلامي على تقوية الميل الفطري إلى القيم والأخلاق بالتربية السليمة الواعية ،
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “البر حسن الخلق”. أخرجه الإمام مسلم .
وقد مدح الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي اختاره واصطفاه بقوله سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
ولما سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: “أحسنهم أخلاقًا”. الترمذي 1162، أبو داود 4682
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: “إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”رواه الإمام البخاري.
لقد كانت الأخلاق في حياة المسلمين سببًا رئيسًيا لعزتهم وقوتهم ومنعتهم وسعادتهم، فأسسوا حضارة أبهرت العالم ؛ ذلك لأن الحضارات لا تقوم إلا على أسس ودعائم : أهمها الإيمان والعلم والأخلاق .
فالعلم ينتج التطور والازدهار والرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي، والإيمان والأخلاق ينتجان الأمانة والإخلاص والعدل والإتقان والشعور بالمسؤولية والإيثار وتقديم النفع وحب الخير، ومن هنا يمكن القول بأنه : إذا اختفت هذه الدعائم أو إحداها وتلاشت آثارها، حل الجهل بدل العلم ، والإلحاد بدل الإيمان ، والرذائل والخطايا بدل الأخلاق ، بهذا تنهار الأوطان وتتفكك المجتمعات ، ويحلّ البلاء بأهلها وتتراجع الحضارات
يقول ابن خلدون: “إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات ، وانتحال الرذائل وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس وأدى فيما أدى إلى ضياعه”
وأدرك هذه الحقيقة أيضًا “كوندي” أحد الكتاب الغربيين ، فقال : “العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات” .
وصدق أمير الشعراء شوقي عندما قال:
إنَّمَا الْأُمَم الْأَخْلَاق مَا بَقِيَتْ***
فَإِنْ هُمْ ذَهَبَت أَخْلَاقِهِم ذَهَبُوا
و إذَا أُصِيب الْقَوْمِ فِي أَخْلَاقِهِمْ ***
فَأَقِم عَلَيْهِم مَأْتَمًا و عويلا .
وتأسِّيًا بسلف الأمة الذين تحوَّلُوا من خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية ، إلى نماذج فريدة سُلوكًا وإخلاصًا، بل وتأسِّيًا بأخلاق النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – الذي كان خلُقُه القُرآن الكريم .
ففي معركة اليرموك أرسل أحد قادة جيش الروم واسمه القُبُقلار، رجلاً من قضاعة يقال له ابن هزارف، فقال له: ادخل في هؤلاء القوم -يعني المسلمين- فأقم فيهم يوماً وليلة ثم ائتني بخبرهم، فدخل ابن هزارف في جيش المسلمين، فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم رجع إلى قائد الروم، فقال له القائد: ما وراءك؟! قال: بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق فيهم ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رُجم لإقامة الحق والعدل فيهم ، فقال القائد: لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم عليّ. ينظر : تاريخ الطبري ج٢ /ص٦٠٨.
يا لعظمة هذه الأخلاق والقيم النبيلة! والعدالة في أسمى صورها ، فماذا نقول اليوم لمن ساءت أخلاقهم وفسدت أفعالهم؟! . يستحلون دماء المسلمين وأعراضهم، قتل وخطف وتعدٍ وظلم وتخويف ، وقطع طريق وتدمير منشأة ومصلحة عامة، لقد أوجبَ الإسلامُ ضرورةَ المحافظةِ على النفس والدماء المعصومة وحرمتها أعظم في الإسلام من حرمة الكعبة ، والمحافظة على مقدراتِ الوطنِ التي هي ملكٌ للجميعٍ، ومنفعتُهَا للعامةِ، وإذا كان مَن يأخذُ شيئًا ليس مِن حقِّهِ، أو يتلفُ أمرًا ما، أو يؤذِي شخصًا ما، فإنَّ فاعلَهُ سيكونُ خصيمًا له يومَ القيامةِ، فمَا بالُنَا بمَن يضرُّ بالمال العام ، أو يسعَى لتخريبِه لا شكَّ أنَّ الذنبَ أعظمُ، والحرمةَ أشدُّ وآكدُّ، والجميعَ خصماءُ لهُ أين ستذهبون من أعمالكم عندما تقفون بين يدي الله ولا حجة لكم؟ .
وفساد الأخلاق كان سببا في انهيار الأمم السابقة كعاد (بسبب الاستكبار في الأرض بغير الحق) ومدين بسبب(التطفيف في الكيل و الميزان)، ولوط بسبب ( انتشار فاحشة اللواط ) وأمم كثيرة لا يعلمها إلا الله جل في علاه .
وإن الخطر الذي يحدق بأمتنا لا يكمن فقط خارج البيت، بل الخطر قد دخل عليهم بيتهم يشارك في تربية الأولاد؛ هذا الخطر هو سوء استعمال (الهاتف والوسائل الحديثة) الذي يعد هذه الأيام المربي الأول لأطفال العالم كله،
لقد أصبحوا ينامون ويستيقظون والهواتف في أيديهم ، وما يبنيه الأب والمربي في سنوات تهدمه هذه الأجهزة في أيام، وأخطارها متنامية، ينبغي التنبه لهذا الخطر ومنها:
أ- انحراف القدوة ؛ حيث يرون في بطل الأفلام، الذي يضرب ويقتل وتحبه النساء ، قدوة لهم .
ب- طمس الحقائق وقلب المفاهيم؛ وقلب الحق باطلا والباطل حق ؛ و يظهر الفاسد المنحرف في صورة القوي البطل، ويظهر الصالح الملتزم في صورة الضعيف الأحمق، أو في صورة المتشدد الرجعي.
وتغيرت نظرة كثير من الناس تجاه من يتخلق بالفضائل والمحاسن؛ حيث أصبح الناس يرون الإنسان الطيب بصورة الساذج الأحمق، الذي لا يعي حقائق الأمور، في حين يرون الفاسق الفاجر طويل اليد واللسان هو الشخص الذي له حضور ويعرف الدنيا معرفة تامة ، وإن لم يتبقى من الإيمان وأخلاق الإسلام شيئا ، لكن يمدح على الشكل الظاهري فقط ، وصدق رسول صلى الله عليه وسلم عندما قال وهو يذكر علامات الساعة: (حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) .
السابق والحديث أخرجه الإمام البخاري .
جـ-رؤية الأفلام والمقاطع الدرامية تؤدي لانبهار الأولاد -وكذلك الكبار- بالغرب وأفكاره ، وقيمه وسلوكه، وما يستتبع ذلك من التقليد الأعمى لهم
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من التقليد الأعمى والتبعية ، قبل الانزلاق في مهاوي الضلال، فيتشرب كل ما تمليه عليه البيئة المحيطة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ).
أخرجه الإمام البخاري.
ويعد حال الأمة الذي لا يخفى على أحد نكسة وترديا أخلاقيا ، بلغ حدًّا خطيرًا ؛ حتى رأينا احتفالات عبدة الشيطان، والسماح في بعض البلاد بما يسمى بالمساكنة بين الرجل والمرأة بلا زواج ، وما يطلق عليه زواج التجربة أو التجربة قبل الزواج ، وتقليد أعمى وممارسات لا أخلاقية تعج بها مجتمعاتنا بلا عقل ولا روية ، وفشت حالات الزنا المقنع بالزواج العرفي، ورأينا ترويجًا لثقافة الفحشاء وقلة الأدب و الحياء، وما يطلقون عليه ثقافة التربية الجنسية، ورأينا اجتراء على كل ثوابت العقيدة الإسلامية، وطعنًا في الذات الإلهية، وطعنًا في كل مقدس تحت مسمى الإبداع، ورأينا إنكارًا لفرضية الحجاب، وحربًا ضروسًا على الفضيلة والعفاف، وتضييقًا على المحجبات …
والنتيجة فقدان الشعور بهذا التردي، فلقد أصبح سماع مثل هذه الانحرافات الخُلقية أمرًا عاديًّا، لا يحرك وجدان الناس، ولا تهتز القلوب الحية لهذه الانحرافات، بل أصبحت اللغة الرسمية بين طلاب المدارس هي السباب والشتائم .
لقد أصبحت الشكوى مريرة لما أصابَ الناس في عصرنا من انهيارٍ في الأخلاق، واضطرابٍ في الموازين، فالقريب يتذمَّر من قريبه، والجار يشكو جارَه، والأمانة ضاعَتْ بين الناس، والمراوغة راجَتْ سوقُها، والغشُّ في المعاملات قائمةٌ سوقُه، وتضييع حقوق العباد وتأخيرها ممَّا ألفه كثيرون؛ ممَّا اضطرَّ الناس إلى البحث عن واسطة ، أو رشوةٍ ، وإنَّه لخطرٌ عظيم ينذرُ بالشرور والفوضى حذر الله من ذلك فقال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)
[الإسراء:16].
وختاماً:
إننا اليوم دون غيره بحاجة ملحة إلى الإيمان والعلم ، والعودة إلى أخلاق الإسلام، فنمارسها سلوكاً في الحياة في زمن طغت فيه المادة وضعفت فيه القيم وفهمت على غير مقصدها وغاياتها، وتنافس الكثير من أبناء هذه الأمة على الدنيا، ودب الصراع بينهم من أجل نعمة زائلة أو لذة عابرة أو هوى متبع!!
أين الله في حياتنا ؟! أين عقيدة الإسلام ؟! وأين أحكام هذا الدين ؟! . أين القيم والأخلاق التي دعا إليها رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟!.
فما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام فأزمتنا أزمة أخلاقية ، ونحن نرى التقاطع والحقد والضغينة والتدابر والتحاسد على أبسط الأمور وأتفه الأسباب!! ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى جرأة كثير من الناس على الدماء والأموال والأعراض دون وجه حق أو مسوِّغ من شرع أو قانون، وأصبحت صحف الأخبار والقنوات التلفزيونية والفضائية العالمية لا يتصدر أخبارها في كل يوم إلا أخبار دمائنا المسفوكة وأعداد قتلانا وضحايانا وكوارثنا ومشاكلنا، وفي كل أقطارنا ودولنا في عالمنا الإسلامي والعربي الفسيح!! ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته ونحن نرى قطيعة الرحم وضعف البر والصلة وانعدام النصيحة وانتزاع الرحمة والحب والتآلف بين كثير من الأبناء والآباء والجيران والإخوة وبين أفراد المجتمع الواحد!! ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته لتستقيم أمورنا وتنصلح أحوالنا وتضبط تصرفاتنا ويحسن أسلامنا ويكتمل إيماننا، فلا ينفع إيمان أو يُقبلُ عمل أو ترفع عبادة بدون أخلاق تحكم السلوك وتوجه التصرفات.
ما أحوجنا إلى التعاون لبناء بلدنا حفظه الله بحفظه ورعايته ، فنحن في سفينة واحدة ؛ ولابد أن نتضامن جميعا من أجل نجاة هذه السفينة ؛ كما علينا أن نأخذ على أيدي العابثين بهذه السفينة؛ وإلا غرقت بنا جميعا ؛ فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ” ( البخاري ) .
اللَّهُمَّ حبب إلينا الإيمان، وَزَيِّنْهُ في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. وأَصْلِحْ لِنا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا ،و اللهم أَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتنا الَّتِي إليهَا مَعَادِنا؛ وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ”وانصر المسلمين المستضعفين واحقن دماءهم في كل مكان يا رب العالمين واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين..