الحمد لله الحي القيوم الذي عنت له الوجوه ، وسجدت له الجباه ، وخضعت له الرقاب ، وخشعت له الأصوات .
وأشهد أن لا إله إلا الله غافرِ الذنوبِ ، ومفرجِ الكروبِ ، وصل اللهُم على عبدِه ورسولِه سيدنا محمدِ النَّبيِّ المحبب إلى القلوبِ .
وبعد :
فإن المولى سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفته في أرضه ، وطالب هذا المخلوق بتحقيق خلافته في الأرض ، وعمران الأرض بالعبادة والعمل ، وهذه أهم مهام الإنسان في هذه الحياة ، وجعله ثمرة المخلوقات ..
وقد جمع الله تعالى بين العبادة والعمل لعمران الحياة في قوله جل شأنه: ﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ سورة هود آية رقم: ٦١.
يقول الشيخ الشعراوي (رحمه الله) في بيان معنى قوله تعالى{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها} ساعة ترى الألف والسين والتاء فاعلم أنها للطلب، وهكذا يكون معنى كلمة (استعمر) هو طلب التعمير .
ومن الخطأ الشائع تسمية البلاد التي تحتل بلاداً أخرى: ب ( دول الاستعمار).
أقول: إن ذلك خطأ، لأنهم لو كانوا دول استعمار، فهذا يعني أنهم يرغبون في عمارة الأرض، ولكنهم في حقيقة الأمر كانوا يخربون في الأرض ، وينهبون ثرواتها ؛ ولذلك كان يجب أن تسمى( دول الاستخراب). {واستعمركم فِيهَا} أي: طلب منكم عمارتها . ينظر خواطر الشيخ الشعراوي حول الآية ٦١ من سورة هود .
ويذكر الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا”، (أي سهلة تستقرون عليها، والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر: الذل، وهو اللين والانقياد …وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع و الغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار )؛ لأن الله مهدها وسهلا وأعدها لكل هذا .
العنصر الأول : مكانة العمل في الإسلام
إن للعمل في الإسلام مكانة عالية ومنزلة سامية ، به ينال المجتمع المسلم الخير في الدنيا والآخرة، وهو عبادة عظيمة أمرنا الله عز وجل بها وحث عليها .
لقد يسر الحق سبحانه وتعالى أسباب العمل ، فجعل الأرض ذلولا ، أي سهلها وذللها للعبادة والعمل، وسخر الشمس والنهار للعمل والمعاش ، والليل والنوم للراحة والسكون .
وعد العمل في أقل الأعمال خير من سؤال الناس فقال النبى صلى الله عليه وسلم (لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ) .
أخرجه الإمام البخاري .
كما أنه لايوجد في الإسلام سن ولا زمن للقعود عن العمل ، فالإسلام لا يعرف الكسل واليأس والقنوط .
عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا “
الأدب المفرد للإمام البخاري وسنده صحيح .
لقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل، في المصنع أو في المتجر أو في المستشفى أو في السوق، أو في بناء العمارات وتشييد المباني، أو في الحقل و الزراعة وحراثة الأرض، وكذلك العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض، أو حتى كان في القضاء والفصل بين الناس أو غير ذلك،
بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه .
العنصر الثاني : صور من عمل الأنبياء :
فالأنبياء الذين هم أفضل خلق الله هم خير قدوة لجميع البشر ، قد اجتهدوا في الأعمال النافعة ٬ مع المهمة الأساسية التي أوكلت إليهم ، فقد كان لكل منهم مهنة عمل عرف بها ومن ذلك :
١- رعي الغنم :
فهناك العديد من الأنبياء الذين ورد عنهم أنّهم عمِلوا في رعي الغنم، ومنهم: سيدنا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رعي الغنم في بداية حياته مع عمِّه أبي طالب ، والحكمة من رعي الأنبياء للغنم قبل النُبوَّة؛ لِما في ذلك من تدرُّبٍ وتمرَّنٍ على ما سيُكلِّفهم الله -تعالى- به من أمر الأُمَّة، ولِما في ذلك من الشفقة والرَّحمة والصبر على رعيهم للغنم ونقلها من مكانٍ إلى آخر، تشبيهاً بتنوُّع النَّاس وتفاوت عُقولهم، كما أنَّ الغنم أضعَفُ من غيرها، وسُرعة انقيادها أسرع من غيرها، بالإضافة إلى كسب الرّاعي من عمل يده، وذلك يدُلُّ على تواضع الأنبياء.
وقد ذكر القُرآن الكريم رعيه للغنم عدةَ سنواتٍ عند العبد الصّالح مُقابل أن يُزوِّجه ابنته. شُعيب -عليه السلام- وذلك لِما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ شُعيب -عليه السلام- كان راعياً ..
٢- العمل بالتجارة :
هناك العديد من الأنبياء الذين قاموا بالعمل بالتجارة، ومنهم: سيدنا موسى -عليه السلام- فقد كان موسى -عليه السلام- يعمل برعي الغنم، إضافةً إلى عمله بالتِّجارة، مما يدُلُّ على إعلاء شأن العمل، وتشريفِ العاملين .
وقد عمل بالكتابة، حيث كان يكتب التوراة بيده. النبي مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- عمل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بالتِّجارة بعد عمله برعي الغنم، وذلك بعد أن طلب من عمِّه أبي طالب وهو في سنِّ الثانية عشر من عُمره أن يصحَبَهُ معه في تجارتهِ إلى بلاد الشّام، وهناك التقوا بالراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أنّ ابن أخيه محمّد سيكون له شأنٌ عظيمٌ، ثُمّ كانت رحلته الثانيّة إلى بلاد الشَّام في تجارةٍ للسيدة خديجة -رضي الله عنها- مع غُلامها ميسرة.
وهكذا ظل النبي صلى الله عليه وسلم يقدر العمل ، ويعمل حتى عندما كان رأسا لدولة المدينة ، في بناء المسجد وحفر الخندق ، وفي جميع الغزوات والسرايا ، وكثير من الصحابة ينظرون إلى النبي القدوة ويلومون أنفسهم على عدم الجد والنشاط .
هناك العديد من الأنبياء الذين عملوا بالأعمال والمهن الصناعيّة والحِرفيّة، وفيما يأتي ذكرهم: سيدنا زكريا -عليه السلام- فقد كان يعمل بالنِجارة، بدليل ما جاء عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (كان زكريَّا نجارًا) .
سيدنا آدم -عليه السلام- قال القرطبي إن آدم -عليه السلام- عمِلَ في الزّراعة،كما نُقل عن أنس -رضي الله عنه- أنّه كان يعمل بالحياكة، ورُويَ أنّه أوَّل من عمل بالحِياكة . وسيدنا نوح -عليه السلام- كان نجَّاراً، بدليل صناعتهِ للسفينة، لِقولهِ -تعالى-: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ* وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ).
سيدنا إدريس -عليه السلام- ذكر الشيباني في كتابه “كسب الأنبياء” أنّ إدريس -عليه السلام- كان يعمل بالخياطة. إبراهيم ولوط -عليهما السلام- كانا يعملان بالزراعة ؛ حيث جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّهم اشتغلا بالزِّراعة .
وكان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بنَّاءً، فقد بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وسيدنا داود -عليه السلام- كان حداداً، لِقولهِ -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)،
فكان يصنع الدُّروع التي تُستخدم في الحرب، ويُنفق من ذلك على نفسه وأهله، ويتصدَّق منها، فقال الله -تعالى- عنه: (وَعَلَّمناهُ صَنعَةَ لَبوسٍ لَكُم).
وخصّهُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بقوله: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)، وقد خصَّه بالذِّكر بالرغم من أنّ مُعظم الأنبياء كانوا يعملون؛ لأنّه كان ملكاً، ونبياً، وصانعاً في نفس الوقت، ورويَ أنَّ سُليمان -عليه السلام- كان يصنع المكاييل .
أما سيدنا عيسى -عليه السلام- فقد كان يعملُ بالصباغة والطِّب، حيثُ كان يُبرئ الأكمَهَ والأبرّصَ.
وهُناك العديد من الأنبياء الذين عملوا بالحُكمِ والمُلك، ومنهم ما يأتي: داود -عليه السلام- لِقولهِ -تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)، حيثُ كان خليفةً في الأرض .
سُليمان -عليه السلام- حيثُ كان وريثاً للحُكم بعد أبيه داود -عليه السلام-، فقد كان يُشاورهُ في الحُكم؛ لوفورة عقله، فقال -تعالى- عن ذلك: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) ؛
أي ورثهُ في النُبوَّة والمُلك والحُكم، وكان ملكاً على الشَّام، وقيل: إنّه مَلَكَ الأرض جميعها، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: “ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين”، وكان في حُكمهِ ربّانياً، وعادلاً، بعيداً عن الطُغيان والظُلم، وقد أعطاه الله -تعالى- ملكاً عظيماً وكبيراً.
أما سيدنا يوسف -عليه السلام- فقد كان وزيراً للماليَّة أو التموين، وهو منصبٌ يتعلَّق بالأموال، والإحصاءات، والتَّخزين والتَّوزيع، لِقولهِ -تعالى-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
العنصر الثالث : آداب العمل في الإسلام .
وللعمل والسعي علي الرزق سلوكيات يجب أن نتحلى بها، منها:
١- استحضار النية:
المسلم يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام، والتقوى علي العبادة، وعمارة الأرض ابتغاء مرضاة الله .
عن سيدنا صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها. وَكانَ إذا بَعثَ سريَّةً أو جيشًا بَعثَهُم من أوَّلِ النَّهارِ وَكانَ صخرٌ رجلًا تاجرًا، وَكانَ يَبعثُ تجارتَهُ من أوَّلِ النَّهارِ فأثرَى وَكَثُرَ مالُهُ” (أخرجه الإمام أبو داود وسنده صحيح).
؛ لذا قيل لا تؤخر عمل اليوم إلي الغد .
٣- إتقان العمل
إن إتقان العبادة والعمل من أهم أسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة .
فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضى الله عنها) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ”. صحيح الجامع للمحدث الشيخ الألباني .
يعني : أداء العمل دون خلل أو نقص ، سواء في أمور الدين ، أو أمور الدنيا
قال صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ..”أخرجه الإمام مسلم
حتى في الصلاة: كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو صحابته إلى إتقان الصلاة.
المسلم يذهب إلي عمله بجد ونشاط، دون تباطؤ أو كسل، فمن جد وجد، ومن زرع حصد.
وصدق من قال :
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ *** أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ .
٥- عدم الانشغال بعمل الدنيا عن العبادة والطاعة:
المسلم يعمل لكي يحصل علي الكسب الطيب له ولأسرته، واثقا مطمئناً من رزق الله له .
قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] .
وإذا كان العمل لاكتساب الرزق وإعفاف النفس عن المسألة عبادة في حد ذاته، فإن ذلك لا يشغلنا عن طاعة الله فيما أمرنا به من سائر العبادات .
الحرص على الجمع والجماعات (صلاة الجماعة) وطلب العلم في بعض الساعات .
٦- الالتزام بأخلاقيات المسلم
أ /البعد عن العمل الحرام:
المسلم يختار عملا لا يتعارض مع أصل شرعي، فلا يعمل في بيع لحم الكلب و الخنزير أو الخمور أو ما شابه ذلك.
ب/ الأمانة:
المسلم أمين في عمله؛ لا يغش ولا يخون، ولا يتقاضى رشوة من عمله، وهو حافظ لأسرار العمل، ويؤديه علي أكمل وجه.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ. فأدخلَ يدَهُ فيها. فنالت أصابعُهُ بللًا. فقالَ ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ. يا رسولَ اللَّهِ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي) (أخرجه الإمام مسلم ).
ج /مراعاة حقوق العمال والبسطاء :
مناسبة الأجر للعامل
فمن حق العامل الأجر المناسب لقدراته ومواهبه. فيقول الله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشيائهم)،أي لا تنقصوا أموالهم، كما يحذر الله من سوء العاقبة إذا لم يتناسب الأجر مع العمل كما في قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)).(المطففين).
ومعنى المطفف هو المقلل حق صاحب الحق ، وأصل الكلمة من الطفيف ، أي : القليل وسرعة دفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ).
أخرجه ابن ماجه وسنده صحيح .
ويروي الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قالَ اللَّهُ عز وجل: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه) .
فعلى صاحب العمل، حفظ حقوق العاملين ؛ فيدفع لهم الأجر المناسب دون ظلم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون من العمل، كما أنه يوفر لهم ما يحتاجون إليه من طعام وكسوة ، و رعاية صحية واجتماعية إن أمكن ذلك .
العنصر الرابع : من أنيس الصالحين :
يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة”، وكان يقول أيضاً: “إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة ؟! فإن قالوا لا سقط من عيني!”. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.
وورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا ، وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العُمى من حوله، أما سمعت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى ..» (متفق عليه) .
(موسوعة الأخلاق على المكتبة الشاملة) .
عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه ” أنَّ رجلًا منَ الأنصارِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يسألُهُ فقال: أما في بيتِكَ شيءٌ. قال: بلى حِلسٌ نلبسُ بعضَهُ ونبسُطُ بعضَهُ وقَعبٌ نشربُ فيهِ منَ الماءِ. قال: ائتني بِهِما.قال: فأتاهُ بِهِما فأخذَهُما رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بيدِهِ وقال: من يشتري هذَين؟ قالَ رجلٌ: أَنا آخذُهُما بدِرهمٍ. قال: من يزيدُ على درهمٍ؟ مرَّتينِ أو ثلاثًا قالَ رجلٌ: أَنا آخذُهُما بدِرهَمين. فأعطاهما إيَّاهُ وأخذَ الدِّرهمينِ وأعطاهما الأنصاريَّ وقال: اشترِ بأحدِهِما طعامًا فانبذهُ إلى أَهْلِكَ واشترِ بالآخرِ قدومًا فأتني بِهِ. فأتاهُ بِهِ فشدَّ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عودًا بيدِهِ ثمَّ قالَ لَهُ: اذهب فاحتطِب وبع ولَا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا. فذَهَبَ الرَّجلُ يحتطِبُ ويبيعُ فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمَ فاشترى ببعضِها ثوبًا وببعضِها طعامًا. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: هذا خيرٌ لَكَ من أن تجيءَ المسألةُ نُكْتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ إنَّ المسألةَ لَا تصلحُ إلَّا لثلاثةٍ لذي فَقرٍ مدقعٍ أو لذي غُرمٍ مُفظعٍ أو لذي دمٍ موجعٍ ” .
أخرجه الإمام أبو داود وسنده ضعيف .
وختاما :
لقد كان حول النبي عليه الصلاة والسلام عصبة من الرجال والشباب ، كلهم همة وعمل ونشاط ،
و تخرجوا من مدرسته ، وتشرفوا بصحبته ، نشروا دعوة الإسلام في نصف الكرة الأرضية ، في أقل من نصف قرن من الزمان .
وإن نظرة سريعة إلى حال الشباب من البنين والبنات تجعل المؤمن يتألم من ملابسهم ، وقص شعرهم ، وافتتانهم بالموضة والأفكار الغربية ، فهل ينصلح الشباب بهذا الحال؟! والله ثم والله ثم والله لن ينصلح حال الشباب بل حال الأمة بأسرها ، بل العالم كله ،
إلا بعودة حقيقة إلى هذا الدين وأحكامه وتشريعاته الطاهرة ؟ ، ووالله لن ينصلح الحال والشباب غارقون في الشهوات (إلا من رحم الله) يضيعون الصلوات ، ويفرطون في الأوقات في مشاهدة الأفلام ، والمباريات ، وينادي منادي الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح ، ولكن لا حياة للكثير منهم .
ذكروهم يا معشر الدعاة بالقدوات الصالحة سيدنا عقبة بن نافع الذي جعل للمسلمين قدما في الشرق في الصين وأواسط أسيا، وعقبة بن نافع الذي جعل للمسلمين قدما في بلاد المغرب العربي ، ونظر إلى المحيط الأطلسي متوجها إلى الله بهذا المناجاة : (اللهم رب محمد لو أعلم أن خلف هذا البحر بلدا لخضت البحر ، وذهبت إليها لنشر دين الله) .
(صيد الفوائد).
فهل انتشرت دعوة الإسلام إلا بالجد والاجتهاد والهمة والنشاط ، وهل قامتْ الدَّعوةُ إلا على أكتافِ وساعد الرجال الأقوياء ؟.
قال الشاعر محمد إقبال :
كنا جبالا في الجبال وربما سرنا************على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان آذاننا**********قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها***********
سجداتنا والأرض تقذف نارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة********خضراء تنبت حولنا الأزهار
لم نخش طاغوتا يحاربنا**********ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهارا لا إله سوى الذي*********صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤسنا يارب فوق اكفنا*********نرجوا ثوابك مغنما وجوارا .
أيُّها الإخوة المسلمون مما يجدر الإشارة إليه أن الصيام في شهرِ مُحرَّم مستحبّ ، وأنَّ صوم اليوم العاشر منه المعروف بعاشوراء آكَد، نصومه شكرًا لله؛ لأنَّه أَنْجى فيه موسى – عليه السَّلام – وأغرق فيه فرعون، فكان صيامُه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلَّم -: ((يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية))؛ مسلم، وصيام التاسع كان من ختام وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، واغننا بحلالك عن حرامك ، واكفنا بفضلك عمن سواك ، وانصر الإسلام والمسلمين واحفظ المستضعفين في فلسطين واحقن دماء المسلمين في كل مكان ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، وارزقنا فيه وأولادنا من الخيرات والبركات .