الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمة بخير البرايا، وجعل التَّمَسُّكَ بسنته عصمةً من الفتن والبلايا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالِم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، كريم الخصال وشريف السجايا، جيَّش في سبيل الله الجيوشَ وبعَث السرايا..
فَخرُ المَشارِقِ وَ المَغارِبِ أحمَدُ ..
هوَ قدوَتي وَ لَهُ المَناقِبُ تَشهَدُ ..
هوَ خَاتَمٌ للأنبياءِ؛ تَعَطَّرَتْ ..
في ذِكرِهِ الأنفاسُ ذاكَ مُحَمّدُ ..
مَنْ ذَا سَأقصِدُ غَيرَهُ كوَسيلَةٍ ..
أو أسوَةٍ بينَ الخَلائَقِ تُقْصَدُ ..
وَ بِهِ الفَضائلُ كُلهَا تَتَجَسّدُ ..
هوَ أوَّلٌ قبلَ المَلائِكِ وَ الثَرَى ..
هوَ كوكبٌ ، هوَ آيَةٌ ، هوَ فَرْقَدُ ..
ذاكَ الشَفيعُ إذَا الجَحيمُ تَأجَجَتْ ..
إذ لا مَناصَ وَ نارُها تَتَوقّدُ ..
كلّ الشَوَاهِدِ لَو ذَكرتُ سَتَختَفي ..
وَ مُحَمّـــدٌ دونَ الشهودِ مُخَلَّدُ ..
اللهم صل على الهادي البشير والقمر المنير وسلم أفضل السلام ، وأشرف التحايا..
وبعد : فحينما نتحدث عن حبيبنا وقدوتنا، وقائدنا وأسوتنا النبي المصطفى والرسول المجتبى تنجذب الأرواح، وتهفو القلوب، وتصغى الآذان !..
لما ولد رسول الله ﷺ حُقّ للأرض أن تفرَحَ بمقدمه، وحقّ للزمان أن يفخر بمجيئه.
إن النفوس المؤمنة لتشتاق إلى الحديث عن الحبيب، فبذكره ترقّ وتلين القلوب، كما تطمع إلى رؤيته والالتقاء به عند حوضه ونهر كوثره العظيم، وفي جنات النعيم ..
لقد ولد النبي ﷺ في أشرف بيت من بيوت العرب، وحظي النَّبيُّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بنسبٍ شريفٍ ، فهو من أشرف بيوت العرب نسبا ، وأعلاها مكانة .
العنصر الأول .. حال العالم قبل مولد الحبيب المصطفى ..
كانت الحياة قبل مولد النبي ﷺ ومبعثه فوضى ، وفتناً وشروراً وظلماً وفساداً يطغى على المجتمعات الإنسانية في كل مكان، وخاصة جزيرة العرب فشا فيها عبادة الطواغيت والأصنام ، وأعرضوا عن عبادة الله خالق الكون والأنام ..
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِم * * إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ. وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ ** لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ..
وكانت الغارات للسلب والنهب وسفك الدماء من العادات الأصيلة التي اعتاد عليها العرب في جاهليتهم والحروب كانت لا تنتهي على أتفه الأسباب ، والشرور قائمة والفتن ماحقة إلى هذا المستوى وإلى هذا الحد وصل العرب بل العالم كله من الضلالات والجهالات ما كان أسوأ حالاً وأشد كفراً وطغياناً وأكثر غواية وتحللاً وضلالاً ..
وعلى الأخص الفرس والروم الذين نخر الفساد كيانهم ودمر أخلاقهم إلى جانب الطغيان السياسي والظلم الاجتماعي وعوامل التفسخ والانهيار التي كانت تعج بها أقطار الأرض في طولها وعرضها ،
لم تكن الأرض تعرف العدل والمساواة وكان الأفراد والجماعات والدول يذبحون بعضهم بعضا ، والجلادون يصنعون بالعبيد ما طاب لهم من التلذذ والمتعة ، والقتل والاستعباد ، والذل والمهانة ، وكان الظلم والظلام هو السائد على وجه الارض هكذا كان وضع العالم قبل مولده، يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض فكان مولده نورا يكشف دياجير الظلمات ، ووهديا ينير به الساحات..
ما أجمل أن يحدثنا نور الله ﷺ عن نفسه ، وإذا ما تحدث عن نفسه ينبغي أن ينتبه السامع ويصغي الجميع..
قال عليه الصلاة والسلام: “أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ وبِشارةُ عيسى ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ له قصورُ الشَّامِ ” ..
وأُمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هي السيدة آمِنةُ بنتُ وهبٍ؛ سيِّدةُ نِساءِ بني زُهرةَ، ورُؤيتُها إنَّما هي على الحقيقةِ، ويَحتمِلُ أنْ تكونَ الرُّؤيا مَناميَّةً، وقد أُوِّلَ ذلك النُّورُ بوَلدٍ يَخرُجُ منها، يكونُ ذلك النُّورُ منه، وهذا النُّورُ إشارةٌ إلى ما جاء به مِن النُّورِ الذي اهتَدَى به أهلُ الأرضِ، وأُزِيلَتْ به ظُلمةُ الشِّركِ، “أضاءَتْ منه”، أي: كُشِفَت لها به “قُصورُ الشامِ”، وعبَّر بالشامِ؛ دَلالةً على أنَّ أمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَطوفُ المشرِقَ والمغربَ، ويَحتمِلُ أنَّ الشامَ أرضٌ مُبارَكةٌ يكونُ فيها مُلْكُه ومَحلُّ سُلطانِه، فهذه هي الأُمورُ التي كانتْ أوَّلَ بِدايةٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الأمْرِ العظيمِ الذي بلَغَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ..(الدرر السنية).
لقد كان مولد الحبيب -صلوات ربي وسلامه عليه- بشارة لبزوغ فجر جديد يحمل في طياته النور المبين والحق المتين؛ فجر مؤذن بزوال الشرك والكفر وسبيل المبطلين، وإرساء توحيد رب العالمين، فكما أن مولده أنار الأرض وأضاء من ضيائه ما قد علمتم ، إلا أن مولده أرهب أهل الكتاب الذين يتيقنون خروجه، ويعلمون وصفه، ولا يخفى عليهم أمره، وأن كثيرا من أحبارهم كانوا يؤملون أن يكون منهم؛ فارتحل كثير منهم من بلاد الشام إلى المدينة، لما يتربصون به من مخرجه ومبعثه، وقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة : ” كَانَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ يَدْرُسُونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-فِي كُتُبِهِمْ ، وَيُعَلِّمُونَ الْوِلْدَانَ بِصِفَتِهِ ، وَاسْمِهِ ، وَمُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَلَمَّا ظَهَرَ حَسَدُوا، وَبَغُوا – وَأَنْكَرُوا”(تفسير ابن كثير).
إن شخصية النبي الحبيب المصطفى هي الشخصية الفذة التي تتضاءل عند عظمتها عظمة كل عظيم من البشر حبيب النفوس وطب القلوب المبلغ عن علام الغيوب .. فحبُّ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في أعماق النفوس، وفي شغاف قلوبنا مغروس، ولا يغيض حبُّه إلا من قلب منافق منحوس.
العنصر الثاني ..
ظروف المولد والنشأة ..
مات والده عبدالله بن عبدالمطلب تاركاً خلفة زوجته آمنة بنت وهب القرشية وهي حامل بالنبي محمد -ﷺ- مولودها البكر والأول والأخير، ولم تكن تعلم وقتها أنها تحمل أكرم مخلوق وأعظم إنسان، وكان حملها حملا طبيعيا كباقي نساء العالمين؛ حيث عاش الجنين المنير في القرار المكين؛ حتى قضى أجله، وأتم عمره، ثم وضعته أمه ولم تكن تعلم أنها وضعت طفلاً؛ ليس ككل الأطفال، بل طفلاً سيغير الله به مجرى الحياة الفكرية والاجتماعية والسلوكية.
وبين بطاح مكة ورباها نشأ وترعرع -عليه الصلاة والسلام- ودرج مدارج الصبا محفوظا بحفظ الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية، نشأ يتيما تكلؤه عناية الله، وعندما بلغ الأربعين من عمره الشريف أكرمه الله بحمل الرسالة وبعثه إلى كافة الناس للهداية والبشارة والنذارة، وكم لقي في سبيل تبليغ دعوة ربه من الأذى فصبر وصابر واستمر وثابر، ثلاث وعشرون سنة لم تلن له قناة ولم يفتر عن تبليغ رسالة الله، أيده الله بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، ووهبه من الأخلاق أعلاها ومن المكارم أزكاها ومن الآداب أفضلها وأسناها، وحسبكم بمن وصفه ربه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [الْقَلَمِ: 4]..
لم يؤثر عنه ﷺ أنه عبد وثنا أو أتى كاهنا ، أو شرب خمرا أو مارس رزيلة ، أو ولعب الميسر ، أو القمار ، لم يقترف ذنبا مما سبق قط، لا قبل البعثة ولا بعدها ؛ لقد بغضه الله في الكفر والفسوق وسائر ألوان المعاصي، و هداه الله وحببه للإيمان ، بفطرته النقية ، ولما أعده الله للنبوة والرسالة .
أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في معنى قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾
قالَ: القُرْآنُ.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: «قِيلَ: لِمُحَمَّدٍ – صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ – هَلْ عَبَدْتَ وثَنًا قَطُّ ؟ قالَ: لا، قالُوا: فَهَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا قَطُّ ؟ قالَ: لا، وما زِلْتُ أعْرِفُ أنَّ الَّذِي هم عَلَيْهِ كُفْرٌ، وما كُنْتُ أدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ، وبِذَلِكَ نَزَلَ القُرْآنُ ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾
فتح القدير للإمام الشوكاني .
كما لم يشارك عليه الصلاة والسلام أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك،
استفاض في كتب السيرة أنه سمع وهو في سن الشباب غناء من إحدى دور مكة في حفلة عرس، فأراد أن يشهدها، فألقى الله عليه النوم، فما أيقظه إلا حر الشمس .
عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ما هَمَمْتُ بقبيحٍ ممَّا كان أهلُ الجاهليَّةِ يَهُمُّون به إلَّا مرَّتينِ مِنَ الدَّهرِ، كِلْتَيْهِما يَعصِمُني اللهُ عز وجل مِنهُما… ” الحديث المطالب العالية للحافظ ابن حجر وسنده حسن .
ومن هنا لم يحيا النبي ﷺ حياة الجاهلية ويمارس طقوسها المنحرفة ، بل كان كثيراً ما ينعزل مجالسهم وحببت إليه الخلوة والانقطاع، كانقطاعه في جبل حراء الليالي ذوات العدد ..
**لقد قضى النبي ﷺ عدة سنوات من حياته قبل البعثة في رعي الغنم في الصحاري والقفار ؛ ليكون بذلك صبوراً في تربية الناس وقيادتهم وهدايتهم .
وإن الصبر والتحمل في جميع مراحل العمل يعد أمرا ضروريا للوصول إلى تحقيق الهدف المطلوب ،
للقادة ورجال الإصلاح، وربما يكون هداية المولى تعالى لنبيه (ﷺ) العمل في مهنة رعي الغنم النظر في عالم الخلق والتفكر في الأسرار الكونية فمن خلال النظر والتأمل والتفكر يصل العبد إلى أعلى مراتب الايمان ، ويبلغون أسمى درجات اليقين ، وعلى الرغم أن قلوب الأنبياء مشرقة بنور الإيمان والتوحيد إلا إنهم لاغنى لهم عن التأمل ، والنظر في ملكوت الرحمن ، والعمل بالرعي يعطى فرصة كبيرة للنظر والتأمل نهارا ، والتعبد في غار حراء فرصة للتفرغ للعبادة والنظر والتأمل ليلا ونهارا .
تأمل في الوجود بعينِ فِكرٍ .. ترى الدنيا الدنية كالخيال
ومن فيها جميعاً سوف يفنى .. ويبقى وجه ربك ذو الجلال .
ومن الارهاصات كذلك؛ ما اشتهر به من الصدق والأمانة وحسن الخلق والذي تفرد بها عن سائر الناس حتى لقب بذلك وعرف واشتهر به قبل بعثته فعرضت عليه السَّيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أن يعمل عندها ويدير تجارتها، فربحت تجارة السيدة خديجة مالا كثيراً ببركة النبي صلى الله عليه وسلم .
كانت السيِّدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ذات مال وجمال ، وشرف وحكمة ، وعفة وطهارة وكانت أرملة ثرية عمرها أربعين سنةً، فطمع الكثير من أهل مكَّة بالزَّواج منها لكنَّها رفضت، ولمَّا رأت خُلق محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- في تجارته، وكانت تعلم من ابن عمِّها وهو ورقة بن نوفل أنِّ محمّداً له شأنٌ عظيم، عندئذ عرضت نفسها على النَّبيَّ، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً، فخطبها له عمُّه أبو طالب وتزوَّجها فكانت أوَّل زوجاته .
” إن أول ما يدركه الإنسان من هذا الزواج هو عدم اهتمام الرسول بأسباب المتعة الجسدية ، فلو كان مهتما بذلك كبقية أقرانه من الشباب لطمع بمن هي أقل منه سنا ، أو بمن ليست أكبر منه على أقل تقدير ” فقه السيرة د/ محمد البوطي ..
العنصر الثالث .
حاجة البشرية إلى ميلاد جديد لمنهجه ﷺ ..
إننا بحاجة إلى ميلاد جديد ومبعث جديد ليس لنبي آخر بعد النبي والرسول الخاتم ، بل ميلاد جديد لمنهجه وهديه في هذه الحياة ، يجدد المسار، ويصحح المواقف ، ويراجع النفس ويحاسبها ، على ما قدمت لنبيها ودينها ، نريد مطالعة السيرة كي يزيد الإيمان ، ويُزْكي السريرة، ويعلو بالأخلاق ويسمو بالقيم، ويقوم المسيرة..
إن عز الأمة وسعادتها وصلاحها وهدايتها مرهون باتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وشواهد ذلك جلية في نصوص الشرع وحوادث التاريخ، فيوم أن كانت الأمة متمسكة بإسلامها الحق مهتدية بنور الوحيين، مقتفية آثار النبوة دانت لها المشارق والمغارب، اجتمعت كلمتها وتوحدت صفوفها ولم تجد البدع والأهواء طريقا إلى مجتمعها، وتمر القرون وتمضي الأعصار والسنون، وتبتلى هذه الأمة بالفرقة والاختلاف في أمور دينها حتى تسربت إلى صفوف الأمة ألوان من العقائد المنحرفة ، وتسللت عبر الحصون دروب من الطرق الفاسدة ، التي تشوش على الأمة في أعز ما تملك، في عقيدتها واتباعها وحبها لرسولها -صلى الله عليه وسلم-، مما يجسد المسئولية على حماة السنة وحراس الملة ؛ ليهبوا من رقدتهم ، وليفيقوا من سباتهم ، وليكفوا عن انشغالهم بالجزئيات، وانقسامهم إلى مذاهب وجماعات ؛ ليذبوا عن سنة حبيبهم -صلى الله عليه وسلم- تعلما وتعليما ودعوة وجهادا وصبرا ..
إنه نور النبي ﷺ ضياء الحق والإيمان ، أشرق على الدنيا فبدد قديما سحب ظلام الجاهلية ، وقضى على معالم الشرك والوثنية، وانطلق بالإنسان إلى آفاق الحرية المنضبطة بالشرع..
وحديثا لم تعد عزةً، ولم تُورِثْ منعةً، ولم ترجع مقدسات، وإذا كانت الأمة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها تتحدث عن سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فكيف يطيب الحديث؟ وكيف يحلو الكلام ودماء الأبرياء ومقدَّسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام والمسلمين من الصياهنة الأخباث؟ وها هم يصعِّدون عدوانَهم ويزيدون في إذكاء نار الفتنة، تحديا لمشاعر المسلمين ، في استنقاص نبي الإسلام ، والاستهانة بدستور المسلمين القرآن الكريم، في صور ساخرة ورسوم مغرضة فاجرة من حين لآخر ، كيف يجمل الحديث وأعداء الإسلام في كل البقاع يصرون على صلفهم وعدوانهم ضد إخواننا المسلمين ، كيف يحلو الكلام وأعداء الإسلام يمعنون في حقدهم السافر عبر قنواتهم ضد عقيدة الأمة وقيمها ومثلها، كيف يحلو الحديث وقضايا المسلمين وهمومهم متكاثرة وأوضاعهم متردية إلا من رحم الله..
وختاماً: إن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذاك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخِر يجعل الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- قدوتَه، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أسوتَه؛ كما قال عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ:21]..
وإنَّ أحد أبرز أسباب تخلُّف المسلمين عقديًّا ودنيويًّا، واقتصاديا واجتماعيا…
هو اعتبارهم سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مجرد رواية تحكى لملء الفراغ ، ومصممة الشفاه، أو قصص نبوية يستأنس بها، بينما هي في الأساس علم كامل بأبوابه وفصوله المتَّصلة ؛ فالسِّيرة النبوية الشريفة “علم كبير دقيق ، في روايته وإسناده وضبطه، علم في مدلوله وفقهيَّاته ودلالته على علوم الإسلام من عقائد وشرائع وأخلاق وغيرها”(التبيان).
ومن يطالع سيرته ومسيرته يعلم جيداً أن نبينا ﷺ لم يكن بشرا عاديا ، بل كان رسولا نبيا ، وأننا كمسلمين دعاة ومدعويين ، حكاما ومحكومين ، مقصرين في التعريف بنسب وأخلاق رسولنا الكريم ، ونشر سيرته ومنهجه وحياته ؛ حتى يعرفها هذه الأجيال التي يحفظ أغلب شبابها ونسائها ، سيرة التافهين من الفنانين واللاعبين أكثر من معرفتهم برسول الله وهديه ومنهاجه معرفة حقيقية .
حقا لقد كان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل للكفاءة القياديَّة، فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد حباه الله بكلِّ صفات القيادة المهمَّة، إداريَّة وسياسيَّة وعسكريَّة واجتماعيَّة، متميزًا بذكاء وعلم وبصيرة وبُعْدُ نظر وقوَّة ذاكرة ونشاط وهمَّة ملهمة ..
فاللهم أحينا جميعا على سنته ، وأمتنا على ملته ، واحشرنا في زمرته ، ارزقنا اللهم شفاعته وأوردنا حوضه ، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا يوم القيامة يارب العالمين..
و صل اللهم وسلم على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، والسراج المنير، صلاة متبع لسنته، مهتدي بهديه ، وصل اللهم على نبينا محمد ﷺ عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، وصل اللهم على سيدنا محمد ﷺ ما تعاقب الليل والنهار ، وصل اللهم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار ، وصل اللهم وسلم على صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود، وأصحابه وأتباعه الركع السجود وسلم تسليما كثيرا..