خطبة بعنوان (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) للدكتور مسعد الشايب

((وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا))

((الطلاق، أسبابه، وبعض مخاطره))

الجمعة الموافقة 10من رجب 1443هـ الموافقة 11/2/2022م

الجمعة الموافقة 3 من شهر ميلاد النور 1446هـ الموافقة 6 من سبتمبر 2024م

===========================================

أولا: العناصر:

1. الطلاق، وحكمه، وحكمة مشروعيته.

2. من الأسباب المؤدية للطلاق.

‏.3. الخطبة الثانية: (بعض مخاطر وأضرار الطلاق).

===========================================

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله ربّ العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:216]، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، صلاة وسلاما عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:

===========================================

(1) ((الطلاق، وحكمه، وحكمة مشروعيته))

===========================================

عشنا في جمع سابقة مع الأسرة ومكانتها في الشريعة الإسلامية، وأهمية المحافظة عليها، ولفتّ الأنظار إلى بعض المخاطر التي تهدد استقرارها، وتقوض بنيانها، ومن أعظم هذه المخاطر: (الطلاق).

فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، لنتعرف على الطلاق، وحكمه، وحكمة مشروعيته في شريعتنا الإسلامية الغراء، والأسباب المؤدية إليه، والمخاطر والأضرار التي تعود على الفرد والمجتمع من جراء انتشار حالات الطلاق، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:

=====

الطلاق أو السراح أو الفراق أو الإطلاق أو التطليق لغة: تعني رفع القيد وحل الرباط سواء أكان الرباط معنويًا أم حسيًا، ومنه، قولهم: ناقة طالق، أي: مرسلةٌ بلا قيد، وأطلقت الأسير، أي: حررته ورفعت عنه قيد ورباط الأسر.

أما في الشرع والاصطلاح: فالطلاق يعني حل وفك عقدة النكاح بلفظ الطلاق، أو الفراق، أو السراح، فيقول الزوج لزوجته: طلقتك، فارقتك، سرحتك، ونحو ذلك من الألفاظ التي تفيد حل ورفع رباط الزوجية.

=====

والأصل في الطلاق: أنه محظور لا يباح إلا لحاجة، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء، وهو الرأي المختار عندي، والراجح في نظري؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة الرأي الأخر، كما أن أدلة الرأي الأخر مردودٌ عليها، وقد عدّ الإمام ابن حجر الهيتمي ت (974هـ) في كتابه: (الزواجر عن اقتراف الكبائر) سؤال المرأة زوجها الطلاق من غير حاجة كبيرة من الكبائر.

يقول الحق تبارك وتعالى معلمًا لنا وسائل تقويم الزوجة الناشز لزوجها: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النساء:34]، الشاهد معنا قوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}، إن استقامت الزوجة، وسمعت وأطاعت لزوجها في غير معصية؛ فليس لزوجها أن يلتمس سبيلا (طريقًا) لهجرها، أو شتمها، أو ضربها، أو طلاقها، فالنكرة (سبيلا) في سياق الشرط تفيد العموم، والنهي يقتضي التحريم، ما لم تصرفه قرينة عن ذلك.

فهذا دليلٌ على حرمة الطلاق بدون حاجة لذلك، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)(حم، ه، د، ت)، فتحريم الجنة ورائحتها دليلٌ على حرمة الفعل المؤدي لتحريمها ألا وهو الطلاق في غير حاجة، ومن باب مفهوم الموافقة، إذا كان الطلاق محرمًا على الزوجة سؤاله في غير حاجة، فهو كذلك محرمٌ على الزوج إيقاعه في غير حاجة.

=====

فالطلاق في الشريعة الإسلامية تشريع استثنائي لا يباح إلا عند الحاجة والضرورة القصوى، وهو يشبه مشرط الطبيب الجراح، إن استخدم في المكان المناسب، والوقت المناسب أتى بأطيب النتائج والثمرات، وإن أُسيئ استعماله أتي بأسوأ النتائج والثمرات، فالعيب ليس في مشرط الجراح، وإنما العيب في الجراح الذي أساء استعماله.

كذلك الطلاق في الشريعة الإسلامية ليس فيه عيب، وليس فيه ظلمٌ وامتهانٌ للمرأة، وإنما العيب في الأزواج الذين يسيئون استخدامه واستعماله، فنرى أزواجًا يقدمون على الطلاق وهدم الأسر لأسباب تافهة حمقاء، كمن يطلق زوجته؛ لأنها لا تعطيه مالها، أو يطلقها؛ لأنها لم تطيعه في جماعها مرة أو مرات نظرًا لتعبها، أو يطلقها؛ لأن أمه أشارت بذلك بغير ما ذنب أو جناية من الزوجة، أو يطلقها بسبب غيرة زائدة، وغضبة منه حمقاء….وهكذا.

=====

أحبتي في الله: بالرغم أن الأصل في الطلاق الحرمة والحظر كما استمعنا؛ إلا أنه مع ذلك قد يكون واجبًا، في الحالات التالية:

1ـ إذا كان هو الوسيلة الوحيدة لقطع الشقاق والنزاع بين الزوجين، ولم تفلح وسائل الإصلاح والتقويم في لمّ الشمل، ورأب الصدع، ورقع الخرق، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء:130]، أي: بعد تعذر الإصلاح والتقويم.

2ـ عند الظلم البين الواضح للمرأة، كأن يتعذر على الزوج إمساك زوجته بالمعروف، و يتعذر عليه إعطائها حقوقها…الخ.

3ـ بعد أربعة أشهر وعشرة من قسم الزوج وحلفه ألا يطأ زوجته ويجامعها، وهو المعروف بالإيلاء؛ لقول الله (عزّ وجلّ): {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ*وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:227،226].

=====

أحبتي في الله: إن الطلاق بالرغم من كونه محظورًا لغير حاجة، إلا أنه يعد من محاسن الشريعة الإسلامية، نظرًا بما اشتمل عليه من حكم متعددة، جاءت كالتالي:

(1) الطلاق بصورته الحالية، وتهذيبه من صور إنصاف الشريعة الإسلامية للمرأة، فقد كان العرب في الجاهلية يطلقون ما شاءوا من غير حصرٍ ولا عدد، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي العِدَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي، وَلَا آوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟. قَالَ: أُطَلِّقُكِ، فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ المَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَخْبَرَتْهُ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة:229])(رواه الترمذي).

==

(2) الطلاق قد يكون خلاصًا من المفاسد والشرور التي قد تترتب على الحياة الزوجية الكريهة البغيضة، فقد تصاب الحياة الزوجية بما لا يستطاع معه المعاشرة بالمعروف، وقد تصبح نارًا وجحيمًا بعد أن كانت سكنًا وراحة، وشرًا بعد أن كانت خيرًا ونعمة، ومصدرًا للشقاء والتعاسة بعد أن كانت مصدرًا للسعادة.

وذلك بسبب تنافر طباع الزوجين، وتباين أخلاقهما، وقد يطلع أحدهما من الأخر على ما لا يحب ولا يرضى من السلوك والأخلاق، لهذا كان لا بد من الطلاق من إيجاد باب للخلاص من تلك الحياة الزوجية التي لا تحقق المقصود منها، والتي لو ألزم الزوجان بالبقاء فيها على ما بينهما من بغض وكراهية؛ لكاد كل منهما للأخر، وسعى للخلاص منه بما يتيسر له من الوسائل، وقد يهمل أحدهما صاحبه ويلتمس المتعة الجنسية عند غيره…الخ فحينئذ يكون الطلاق خلاصًا من تلك الشرور والمفاسد.

==

(3) الطلاق قد يكون وسيلة للعفاف والإنجاب، فقد يصاب الزوج بمرض لا يستطيع معه المعاشرة الجنسية، ولا يستطيع معه الإنجاب، والزوجة لا تستطيع الصبر على ذلك فيحق لها طلب الطلاق، ولذا رأينا الصحابية تشتكي زوجها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يستطيع معاشرتها طالبة بذلك الطلاق، فعن عائشة(رضي الله عنها) قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب (كناية عن ارتخاء قضيبه)، فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)(متفق عليه).

(عُسَيْلَتَهُ) تصغير عسلة، وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، يقولون: ذاق الرجل عسيلة المرأة وذاقت عسيلته إذا حصل لهما حلاوة الاختلاط ولذة المباشرة بالإيلاج، وهذ استعارة لطيفة شبهت لذة المجامعة بحلاوة العسل، أو سمى الجماع عسلا لأن العرب تسمى كل ما تستحليه عسلا، وفي (الأساس) للزمخشري ومن المستعار العسيلتان في الحديث للعضوين لكونهما مظنتي الالتذاذ، ولذا رأينا فقهاء الشريعة الإسلامية يعدون (العنة: أي عدم انتصاب القضيب) عيبًا من العيوب التي يفسخ بها النكاح.

==

(4) قد يكون الطلاق وسيلة لعدم ظلم الرجل، فقد لا يكون الزوج مقصرًا في حق من حقوق الزوجية، لا في إنفاق، ولا معاشرة بالمعروف، ولا المتعة الجسدية…الخ، ومع ذلك لا ترتضي المرأة العيش معه، ولو أجبرت على العيش معه ستقصر في حقوقه وتظلمه، فحينئذ يكون الطلاق وسيلة للخلاص من تقصير الزوجة في حق زوجها، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام (أي: ستر نعمته وفضله، أو أكره الوقوع في الأسباب المؤدية للكفر من سوء العشرة، والتقصير في حقه…)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟). قالت: نعم. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)(رواه البخاري).

===========================================

(2) ((من الأسباب المؤدية للطلاق))

===========================================

أحبتي في الله: إذا أردنا الحدّ من حالات الطلاق فعلينا الوقوف على أسبابه المؤدية إليها، ومعالجتها، فإن كانت مشاكل قمنا بحلها، وإن كانت تفريط في خلق إسلامي أو هدي نبوي دعونا المتزوجين، والراغبين في الزواج والمقبلين عليها في التمسك والأخذ بها…وهكذا.

فالطلاق يعود إلى عدة أسباب، منها: ما هو ديني، ومنها: ما هو اجتماعي أسري، ومنها: ما هو اقتصادي، ومنها: ما هو إعلامي، ومنها: ما هو شيطاني.

=====

أما السبب الديني: فيعود إلى مخالفة وصايا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخصوصًا فيما يتعلق بأمر الزواج، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) ينصح الشباب المقبلين على الزواج قائلًا: (…فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ…)(متفق عليه)، وينصح أولياء أمر البنت والمرأة قائلًا: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟. قَالَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ). ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)(الترمذي وابن ماجه).

فاختيار الزوجة ضعيفة الإيمان يؤدي إلى: الجهل بحقوق زوجها عليها، وجهل مكانته بالنسبة إليها، وجهل أنه أعظم الناس حقًا عليها بعد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أعظم حقًا من أبيها وأمها، وجهل أنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار…الخ.

واختيار الزوج ضعيف الإيمان يؤدي إلى: جهله بحقوق زوجته عليه من حسن المعاشرة والمعاملة، وجميل التحمل لها، والتطيب والتزين لها، والإنفاق عليها، والرعاية والتربية لأولاده…الخ.

هذا الاختيار المخالف لوصية سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأسرية، ويؤدي إلى ما نراه اليوم على من تفشي وانتشار حالات الطلاق في المجتمعات المسلمة بصورة مرعبة.

==

ومن تلك الأسباب الدينية أيضًا: ضعف التحلي والتمسك بالقيم والأخلاق اللازمة لاستمرار الحياة الزوجية من التحلي بالصبر، والحلم، والعفو، والصفح في مواجهة صعوبات الحياة الأسرية، والمشاكل الزوجية الناشئة من نوازع النفس البشرية وغيرها.

فعن أنس (رضي الله عنه) كان النبي (صلى الله عليه وسلم) عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غَارَتْ أُمُّكُم). ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)(رواه مسلم)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا)(اللفظ لمسلم).

وما يطالب به الزوج من التحلي بالحلم والصبر…الخ تطالب به الزوجة، وانظروا لهذا النموذج الرائع من الصبر على شظف العيش من صحابية جليلة، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: (تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ…)(متفق عليه).

=====

أما السبب الاجتماعي الأسري وغيره: فيتلخص في غياب دور الوالدين، وخصوصًا دور الأم وإهمالهما تربية أبنائهما وخصوصًا البنات، وتدريبهن على الحياة الزوجية، وتعليمهن حقوق زوجها وبيتها عليها، كما كانت النساء تفعلن قديمًا.

قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…)(متفق عليه).

وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)(متفق عليه).

وانظروا إلى وصية المرأة العربية لابنتها: (أي بنية، إن الوصية لو تُرِكت لِفَضلِ أدبٍ تُرِكت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومَعُونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لِغِنَي أبويها وشدَّة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقْنَ، ولهن خلق الرجال. أي بنية، إنك فَارقْتِ الجوَّ الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقَرِين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكا، فكونِي له أمَةً يكُنْ لك عبداً وَشِيكا، يا بنية احْمِلِي عنى عَشْرَ خِصَالٍ تكن لك ذُخْراً وذِكْراً:

الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عينه، والتفقُّد لموضع أنفه، فلاَ تَقَع عينُه منك على قبيح، ولاَ يشم منك إلاَ طيبَ ريح، والكحلُ أحسنُ الحسن، والماء أطيبُ الطيب المفقود، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه، فإن حَرَارة الجوع مَلْهبة، وتنغيص النوم مَبْغَضَة والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير، ولاَ تُفْشِي له سراً، ولاَ تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيتِ سِرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيت أمره أوغَرْتِ صَدْره ثم اتَّقِي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحَا، والاكتئاب عنده إن كان فَرِحَا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشَدَّ ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراما، وأشد ما تكونين له موافقة، يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنك لاَ تَصْلِين إلى ما تحبين حتى تُؤْثِرِي رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت، والله يَخِيرُ لك) (مجمع الأمثال للنيسابوري).

==

ومن تلك الأسباب الاجتماعية أيضًا: غياب الدور المدرسي التربوي التعليمي، بتغير وتغيير صورة المعلم والمدرس اليوم، وإهماله لتربية وتعليم تلاميذه، وبتغير وتغيير السياسة التعليمية ومنهجية التعليم، ورحم الله زمانًا كنا نتعلم فيه من المدرس القيم والمبادئ، زمانًا كانوا فيه يزرعون فينا المواهب، ويوجهوننا إلى المعالي، زمانًا كان الطالب يخاف أن تشتكيه أمه أو أبوه إلى معلمه، والله أتذكر أنني ما أحببت علم الفقه والقراءة والتبحر فيه إلى الأن (بالرغم أنه ليس تخصصي) إلا من أستاذي في أولى إعدادي أزهر الأستاذ/ محمود سعد (دفين جزيرة النجدي بالقليوبية عليه رحمة الله).

==

ومن تلك الأسباب الاجتماعية أيضًا: التداخل السافر للوالدين وخصوصًا الأم في الحياة الزوجية لأولادهما ذكورًا وإناثًا، والذي يؤدي لفشل الحياة الزوجية، وهدم الأسرة في أحيانٍ كثيرة.

=====

أما السبب الاقتصادي: فيتلخص في ضيق ذات اليد ورقة الحال بالنسبة للزوج، وعدم تحمل الزوجة، وعدم صبرها فبسبب الفقر يتدهور الوضع الصحي، والتعليمي، والاقتصادي للأسرة، وبالتالي تزيد المشاكل الأسرية، التي قد ينشأ عنها كثرة حالات الطلاق، قال (صلى الله عليه وسلم): (كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ)(شعب الإيمان)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو ويقول: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ)(مسند أحمد).

=====

أما السبب الإعلامي: فيتمثل في ما يبث وينشر في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، من ثقافة التغريب، وتدمير القيم والمبادئ والأخلاق، مما يقوي النساء على طلب الطلاق، أو يعلمهن ما يؤدي إلى الطلاق من الخيانة الزوجية، والتمرد على الحياة الزوجية….الخ، وإلا فقل لي بربك أين هي المساحة المعطاة للقيم والأخلاق والمبادي الدينية وعلماء الدين مقارنة بالبرامج الأخرى، والأشخاص الأخرين، هي من باب (بث الرماد في الأعين).

يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ)(متفق عليه)، هذا الحديث هو أحد معجزات النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخباره عن التغريب قبل أن يقع بمئات السنين.

=====

أما السبب الشيطاني: فيتمثل في أعظم فتن الشيطان في عصرنا هذا، ألا وهو إفساد كلا الزوجين على الأخر، وتدمير الأسرة، والحياة الزوجية، وهذا له صورٌ شتى في عصرنا اليوم، لا يتسع المجال لسردها، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من أعظم الأسباب في ذلك.

قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53]، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، أَوْ فَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ)(رواه مسلم واللفظ لأحمد).

وخطب النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم النحر، وفي رواية: أوسط أيام التشريق، ـ ولعل الوصية تكررت ـ فقال: (…أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ (قنط) أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ…)(رواه أحمد)، (في التحريش) أي: في إيقاع العداوة بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.

عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له

===========================================

(الخطبة الثانية)

((بعض مخاطر وأضرار الطلاق))

===========================================

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الأحبة الكرام: رأينا بعض الأسباب المؤدية إلى تفشي وانتشار حالات الطلاق، بقي لنا إكمالا وإتمامًا للفائدة أن نتحدث عن بعض مخاطر وأضرار الطلاق، فأقول:

=====

من هذه الأضرار، ضياع ما تكبدته الأسرتان في سبيل اتمام هذا الزواج من أموال طائلة في تجهيز مكان الحياة الزوجية، واشتراء أثاث منزلي، وإقامة حفل الزفاف، ووليمة العرس…الخ، وقد نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن إضاعة المال، فقال صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)(متفق عليه)

=====

من هذه الأضرار، هدم الأسرة، بانفصال طرفاها، الزوج والزوجة، وتشريد الأطفال، والتسبب في ضياعهم، إن كان للزوجين أطفال، فمَنْ بعد الأم والأب يقوم برعايتهم، ويقوم على شئونهم وحوائجهم التعليمية، والصحية، والاقتصادية…الخ، إن لم نأخذ بالضمانات التي شرعها الإسلام حرصًا على الأبناء بعد انفصال الأبوين.

=====

ومن هذه الأضرار، التأثير النفسي السيئ على أطفال تلك الأسرة، إن افترضنا وجود من يقوم على رعايتهم وتربيتهم، فانفصال الوالدين لا يفارق مخيلتهم حتى بعد بلوغهم، وما يترتب على ذلك من طريقة التعامل مع المجتمع.

=====

ومن هذه الأضرار، التأثير على المجتمع والوطن ككل، فهدم الأسر، وتشريد الأطفال يترتب عليه ما يعرف بظاهرة أطفال الشوارع وما يترتب عليها من السرقة، والاغتصاب، وتعاطي المخدرات والتجارة فيها، والتسول، وغياب الأمن والأمان، وانتشار الجهل والأمية، وقلة الإنتاج والبناء…الخ.

كما أن ازدياد حالات الطلاق يؤدي إلى كثرة المطلقات، وبالتالي يؤدي إلى كثرة العوز والاحتياج، وكثرة الفواحش والمنكرات لتعويض غياب الزوج، وانعدام الإنفاق، فازدياد حالات الطلاق يؤثر على الوطن ككل، ويؤدي إلى تشويه الوجه الحضاري للوطن، ويؤخر جهود التنمية والتقدم.

=====

ومن هذه الأضرار، تشويه سمعة الزوج والزوجة المصريين، والأسرة المصرية، والمجتمع المصري، الذي عرف من قديم بكفاحه، وتصدير القدوة السيئة والنموذج السيئ للغير.

=====

ومن هذه الأضرار، الشكاوى والدعاوى الكيدية من الطرفين الذكر والأنثى، كدعوى تبديد قائمة الزوجية (العفش والأثاث)، ودعوى التعدي والسبّ، والإهمال…الخ، وهذه الشكاوى وتلك الدعاوى من باب التسبب في الإيذاء للأخرين، والله (عزّ وجلّ) بقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب:58]، كما أنها من باب الزور والتشبع بما لم يعط، قال (صلى الله عليه وسلم): (المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)(متفق عليه).

=====

ومن هذه الأضرار، تشويه السمعة والعرض، بهدف المنع من الزواج بالغير، وهذا من أكبر الكبائر، ويؤثر على العلاقة بين أسرة الطرفين، وقد يتسبب في مشاكل مدمرة، ولو كان بين الطرفين أولاد فإنه يؤثر على نفسيتهم كما تقدم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}[النور:23ـ25]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ). قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ)(متفق عليه).

=====

ومن هذه الأضرار، الحرمان من رؤية الأولاد والتحايل على ذلك، وهذا أيضا من الأمور الشنيعة، ويسبب حرمان الأولاد من حنان أحد الوالدين مما يسبب بعد ذلك عقدًا نفسية لهم، وهو اعتداء على حق أصيل لكل من الطرفين.

=====

ومن هذه الأضرار، ادعاء العجز الجنسي للرجل، بهدف التشويه وإلقاء اللوم عليه وأنه السبب في الطلاق، وهذا نوعٌ من أنواع الكذب والبهتان، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟). قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ). قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (…وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)(متفق عليه)، ومن هذا الضرب ادعاء بخل الرجل وعدم نفقته على أولاده، وادعاء بلادة المرأة وعدم إجادتها للطهي وأعمال المنزل… وهكذا.

=====

ومن هذه الأضرار، تزوير أوراق وتحريات النفقة الشهرية سواء بالزيادة من المرأة أو النقصان من الرجل، وهذا نوعٌ من أنواع تضليل العدالة، وضربٌ من الكذب، وشعبة من التدليس والتزوير، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)(متفق عليه).

=====

إن هذه المكائد والأضرار والمخاطر تتسبب في دمار المجتمعات وخراب البيوت، وتقطع أواصر اللُحمة الاجتماعية بين الأسر والأفراد، فضلًا عن العقد النفسية التي تسببها للرجل والمرأة والطفل، وينتج عنها مشكلات اجتماعية لا حصر لها، وفوق كل ذلك هي مخالفات شريعة ينبغي للمؤمن أن يتحرز منها.

===========================================

فاللهم اهدنا لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، اللهم جنبنا منكراتِ الأخلاق والأهواء، والأعمال والأدواء، اللهمّ آمين.

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.