خطبة بعنوان (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) للدكتور مسعد الشايب
adminaswan
21 أغسطس، 2024
د / مسعد الشايب
70 زيارة
((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))
في رحاب الحديث الشريف
الجمعة الموافقة 18 من صفر 1446هـ الموافقة 23/8/2024م
===========================
أولا: العناصر:
1. القوة، وبيان معناها، وأقسامها.
2. اهتمام الشريعة الإسلامية بالقوة إجمالا، وتفصيلا.
3. الخطبة الثانية: (من أهم صور المحافظة، والعناية، والاهتمام بالقوة البدنية والعقلية).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام، وحفظ وتلاوة آيات القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وشفيعنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار ومن سار على نهجهم إلى يوم القرار، أما بعد:
=================================
(1) ((القوة، وبيان معناها، وأقسامها))
=================================
فيروي لنا الإمام مسلمٌ في صحيحه، من حديث سيدنا أبي هريرة (رضي الله عنه)، وعن الصحابة أجمعين، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)(رواه مسلم).
==
أيها الأخوة الأحباب: هذا الحديث النبوي الشريف يرشدنا ارشادًا لطيفًا إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون قويًا، حيث بيّن ووضح لنا المصطفى (ص) أن المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ عند الله من المؤمن الضعيف، إذا كان الأمر كذلك فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، لنتعرف على معنى القوة، وأقسامِها، وبعضِ صورها المرادة في شريعتنا الإسلامية الغراء، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالقلوب قبل الآذان، فأقول، وبالله التوفيق:
=====
القوة: ضد الضعف وخلافه، ومنه، قولهم: قوى الله ضعفك: أَي أبدلك مَكَان الضعْف قُوَّة، وهي تعني القدرة، والطاقة على انجاز الأعمال سواء أكانت شاقة أم بسيطة سهلة، فالقوة مبعث النشاط والحركة عمومًا، ومن هنا كانت تسمية الجيوش الوطنية بالقوات المسلحة، وتلك تسمية محدثة.
==
والقوة أيها الأخوة الأحباب تكون في البدن، وهذا هو الأصل السابق، فقوة البدن في الإنسان تتأتى قبل قوة العقل، ولذا تأخر التكليف بالطاعات والعبادات إلى سن البلوغ، كما أن بعض الكائنات تتصف بقوة البدن، وليس فيها عقلٌ مطلقًا كالحيوانات.
==
والقوة أيها الأخوة الأحباب كما تكون في البدن تكون في العقل أيضًا، ولا يستلزم أحدهما الأخر، فقوي البدن لا يشترط أن يكون قوي العقل، وقوي العقل لا يشترط أن يكون قوي البدن ومن هنا فالقوة تنقسم إلى قسمين:
=====
1ـ قوة بدنية، وتعني صحة الأعضاء والجوارح، وقيامها بوظائفها الحيوية التي خلقت من أجلها، فالقوة البدنية واحدة لا تتجزأ، وهي مجموع كلي من صحة أغلب الأعضاء والجوارح.
2ـ وقوة عقلية، وتعني القدرة على الموازنة بين الأمور، بتبين الحلال من الحرام، وتمييز الصالح من الفاسد، والنافع من الضار، والأخذ بالحلال الصالح النافع، وترك الحرام الفاسد الضار، ولذا سمي العقل عقلا وحجرً؛ لأنه يعقل الإنسان ويحجره، أي: يحبسه ويمنعه عن الحرام، والفاسد والضار، ومن هنا فلا مؤاخذة ولا لوم، ولا عقوبة على المجنون، الذي ستر وغطي عقله، ومن هنا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)(رواه أبو داود).
======================================
(2) ((اهتمام الشريعة الإسلامية بالقوة إجمالا، وتفصيلًا))
=====================================
أيها الأخوة الأحباب: إذا كانت القوة تنقسم إلى عقلية وبدنية، فبكلٍّ اهتمت الشريعة الإسلامية، وأمرت بالحفاظ عليها، فإجمالا أمرت شريعتنا الإسلامية الغراء بحفظ الكليات الخمس:
وهي الأمور التي لابد منها لقيام مصالح الدنيا والدين، بحيث اذا عطلت لم تقم مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد، وآل مصير الانسان في الآخرة الى الخسران المبين، وسميت كليات لأن جميع الأحكام الشرعية تؤول اليها وتسعى للحفاظ عليها.
==
وهي حفظ النفس، والدين، والعقل، والمال، والنسب أو العرض، فحفظ النفس إشارة بل هو القوة البدنية، وحفظ العقل هو القوة العقلية، هذا عن اهتمام الشريعة الإسلامية بالقوة البدنية، والعقلية، والأمر بالمحافظة عليها إجمالا، أما عن الاهتمام، والعناية، والمحافظة عليها تفصيلا، فها هي بعض صورها:
==========
1ـ الإرشاد إلى الدعاء بالحفظ والوقاية من الأمراض والبلايا، والالتجاء إلى الله والتضرع إليه، ولاشك أن ما يصيب الجسد من أمراضٍ، وعللٍ يؤثر على العقل، وصحته.
فالدعاء بالحفظ والوقاية من الآفات، والأمراض، والعلل مظهرٌ روحيٌ إيمانيٌ ينبئ عن الإيمان الصادق والتوكل الحقيقي، والاعتماد الكامل على الله، فالله (عزّ وجلّ) هو الخالق للأمراض والبلايا، وهو منزلها ومصيب بها من يشاء من عباده وهو الذي يرفعها ويكشفها.
==
وقد كان من دعائه (صلى الله عليه وسلم): (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ)(رواه أبو داود)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو كل غداة (صباح) ويقول: (اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) يُعِيدُهَا ثَلَاثًا حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثًا. (رواه أبو داود)، والعقل لاشك من جملة البدن.
وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ، فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ)(رواه أبو داود).
وقال(صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ)(رواه الترمذي)، وقال أيضًا: (إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ)(رواه الترمذي)، وقال(صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)(الحاكم في المستدرك)، أيضًا من العناية، والاهتمام، والحفظ للقوة البدنية والعقلية في شريعتنا الإسلامية:
==========
2ـ الحضُّ على التغذية الصحية السليمة بالطيبات دون الخبائث، وبدون إسراف وإفراط في ذلك، وصدق الله إذ يقول: قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ)(رواه النسائي)، وقال أيضًا: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)(رواه الترمذي).
==
وقد أرشدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى بعض الأطعمة المفيدة وندبنا إلى تناولها لما فيها من عناصر غذائية لازمة لحماية الجسم ووقايته من الأمراض، كالحبة السوداء، وزيت الزيتون، والتلبينة (مخلوط من اللبن والعسل والدقيق وسميت بذلك لبياضها)، وعسل النحل، والتمر…الخ، وهذا ما أثبته الطبُّ الحديث.
==
وحرم القرآن الكريم التغذي بالمحرمات والخبائث لما لها من أضرار على الصحة العامة، ولما تسببه من بلايا وأمراض، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157]، وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}[المائدة:3].
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا)(رواه أبو داود)، والجلالة: هي الحيوان أو الطائر الذي يتغذى على القاذورات صغيرًا كان أم كبيرًا، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ)(رواه مسلم)، لأن هذه الحيوانات وهذه الطيور لا تتغذي إلا على النجاسات والقاذورات، وأكلها يضر بصحة الإنسان.
==
فالجسد، وكذلك العقل بدون طعامٍ وشرابٍ صحي يهلك ويفسد ويصبح عرضةً للأمراض والبلايا، فلا نستطيع التعبد لله بأعضاء الجسد وجوارحه، ولا نستطيع التفكر والتدبر، والخشوع والخضوع في العبادة بعقولنا، ولذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ)(متفق عليه، واللفظ لمسلم).
==
أيها الأخوة الأحباب: إن الحضُّ على التغذية الصحية السليمة بالطيبات لا ينافي ما أمر الله به من صيامٍ لشهر رمضان، أو ما ندبنا إليه المصطفى من صيام التطوع؛ لأن ذلك أيامًا معدودة ومحدودة وبساعات معلومة، فلا تغتروا بقول الجاهلين الحانقين على الإسلام وشرائعه، أيضًا من العناية، والاهتمام، والحفظ للقوة البدنية والعقلية في شريعتنا الإسلامية:
==========
3ـ الحضُّ على تقوية الجسد، والعقل، والصحة العامة، والمحافظة عليهم عن طريق العديد من الأمور، لما تؤدي إليه قوة الجسد، والعقل من القدرة على القيام بالعبادات والطاعات، والإكثار منها، والصبر عليها، ولما تؤدي إليه من الإقدام في مواضع الجهاد.
===
فمن هذه الأمور التي تؤدي إلى قوة الجسد، والعقل وصحتهما، ممارسة الألعاب الرياضية، التي تؤدي إلى قوة الجسد وشدة العضلات، كرياضة الرمي (رمي الرمح رمي الجلة…)، والمصارعة، والمبارزة، والمسابقة، والسباحة، وركوب الخيل، والوثب والقفز…وهكذا، فالأطباء يقولون: العقل السليم في الجسم السليم.
ومما يستدل به على جواز ممارسة الألعاب الرياضية؛ مرور النبي (صلى الله عليه وسلم) على نفر من أسلم ينتضلون (يتسابقون برمي السهام)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا…)(رواه البخاري).
وانظروا لنبينا (صلى الله عليه وسلم) وهو يسمح للسيدة عائشة (رضي الله عنها) أن تشاهد الأحباش من خلف ظهره (صلى الله عليه وسلم) وهم يلعبون بالدرق (الترس) والحِراب والعصي في مسجده (صلى الله عليه وسلم)(متفق عليه)، فهذا دليلٌ على إباحة تلك الألعاب، وإلا ما سمح النبي (صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة (رضي الله عنها) بمشاهدتهم، وانظروا لنبينا (صلى الله عليه وسلم)؛ وقد سابق السيدة عائشة (رضي الله عنها) فسبقته مرة، وسبقها الأخرى. (رواه أبو داود).
وعن سمرة بن جندب (رضي الله عنه)، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَعْرِضُ غِلْمَانَ الْأَنْصَارِ، فِي كُلِّ عَامٍ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ) أي: بصفوف المجاهدين (الهايكستب النبوي) قال: فعرضت عامًا، فألحق غلامًا، وردني فقلت: يا رسول الله، لقد ألحقته ورددتني ولو صارعته لصرعته. قال: (فَصَارِعْهُ). فصارعته فصرعته فألحقني. (مستدرك الحاكم)، فهذا دليلٌ على إباحة لعبة المصارعة؛ إذا كان الغرض منها التقوية للجهاد.
===
ومن هذه الأمور التي تؤدي إلى قوة الجسد، والعقل وصحتهما، إعطائهما حظهما، وحقهما من الراحة وخصوصًا الجسد، فالتوسط في كل شيء مطلوب، ولا ينبغي أن يغلّب جانبٌ على جانب، ولا ينبغي أن يرهق الإنسان جسده ويؤذي بدنه حتى ولو كان في طاعة الله وعبادته، فإرهاق الجسد إرهاق للعقل.
فقد نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن التشدد في العبادة والغلو المؤدي لضرر النفس، فقال (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما): (يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟). فقلت: بلى يا رسول الله قال: (فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا…)(متفق عليه)، ولا شك أن قلة النوم كما تؤثر في صحة الجسد؛ تؤثر في صحة العقل. وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى)(مسند الشهاب).
===
ومن هذه الأمور التي تؤدي إلى قوة الجسد، والعقل صحتهما، القيام بالعبادات والطاعات بدون غلو وتشدد كما تقدم، فالصلوات بأنواعها، والحج ومناسكه، والصيام بأنواعه الطب الحديث يثبت اليوم أنها من مقويات الجسد والعقل ومن أسباب صحتهما، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)(رواه النسائي). (وَحَرَ الصَّدْرِ) غشُّه ووساوسه، وقيل: حقده، وقيل ما يحصل في القلب من الكدورات والقسوة، ولا شك أن الراحة النفسية تتسبب في الراحة الجسدية البدنية، والعكس، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (صُومُوا تَصِحُّوا)(الطبراني في الأوسط).
وفي رواية: (سَافِرُوا تَصِحُّوا)(مسند أحمد)، وفريضة الحج نوعٌ من أنواع السفر، وفي وراية: (اغْزُوا تَصِحُّوا وَتَغْنَمُوا)(مصنف بن أبي شيبة)، وكلها روايات ضعيفة ولكن يستأنس بها، وهي مقبولة متنًا وإن كانت ضعيفة سندًا، كما أن بعضها تعضد بغيرها. أيها الأخوة الأحباب: تلك هي بعض صور العناية، والاهتمام، والمحافظة على القوة البدنية والعقلية في الشريعة الإسلامية، فادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
=====================================
(الخطبة الثانية)
((من أهم صور المحافظة، والعناية، والاهتمام بالقوة البدنية والعقلية))
======================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: مازال الحديث موصولا مع اهتمام، وعناية الشريعة الإسلامية بالقوة البدنية، والعقلية لأفرداها وأتباعها، ومن أهم صور العناية، والاهتمام، والمحافظة على القوة البدنية والعقلية في شريعتنا الإسلامية:
==========
تحريم المسكرات، والمخدرات، والمفترات، فمن الخبائث التي حرمها الله (عزّ وجلّ) الخمر والمسكرات والمخدرات بأنواعها المختلفة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90]، وعن السيدة أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)(رواه أبو داود)، أي: ما يحدث به التراخي والانكسار في الأعضاء، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ، حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)(رواه ابن ماجه).
===
أيها الأخوة الأحباب: إن تناول الخمور…جناية واعتداء على أهم نعمة أنعم الله بها على الإنسان وميزه بها عن سائر المخلوقات والكائنات، ألا وهي نعمة العقل، التي هي مناط التكليف، وطريق الهداية، وبها يميز الإنسان بين الحق والباطل، والخير والشر، والحلال والحرام، والضار والنافع، فشرب الخمور….يضيع العقل ويذهب تمييزه بين الحق والباطل على المدى البعيد، ويؤدي بالإنسان إلى الرذائل والفواحش والأعمال الحيوانية، فيصبح الإنسان كالحيوانات لا فرق بينه وبينها في عدم التمييز والادراك، فالخمر ما سميت خمرًا إلا لكونها تخمر العقل تغطيه وتستره، ولذا سمي خمار المرأة بالخمار لأنه يغطي مفاتنها ومحاسنها.
تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): (حرّم أبو بكر (رضي الله عنه) الخمر على نفسه فلم يشربها في الجاهليّة ولا الإسلام. وذلك أنّه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة (الغائط)، ويدنّيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها. فقال: إنّ هذا لا يدري ما يصنع وهو يجد ريحها فحرّمها. (نضرة النعيم).
سيدنا عروة بن الزّبير، لمّا أراد الأطباء قطع رجله، لمّا دخلتها الأكلة وقالوا له: لا بدّ أن تشرب شيئًا يغيّب عقلك حتّى لا تحسّ بالألم، ونتمكّن من قطعها. فقال: (ما ظننت أنّ أحدا يؤمن بالله ويشرب شيئا يغيّب عقله حتّى لا يعرف ربّه (عزّ وجلّ)(البداية والنهاية)، وقال الحسن البصري (رحمه الله تعالى): (لو كان العقل يشترى لتغالى النّاس في ثمنه، فالعجب ممّن يشتري بماله ما يفسده)(نضرة النعيم).
ومرّ الإمام ابن أبي الدنيا، برجل سكران وهو يبول في يده ويغسل به يده كهيئة المتوضئ، ويقول: الحمد لله الّذي جعل الإسلام نورًا، والماء طهورًا)(نضرة النعيم).
===
كما أن تناول الخمور والمسكرات والمخدرات بأنواعها نوعٌ من أنواع الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، فالله (عزّ وجلّ) يقول: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، فهذه الآية وإن كانت في ترك الجهاد في سبيل الله، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالخمور والمسكرات والمخدرات تؤثر بالسلب على جميع أعضاء الجسد، مما يؤدي إلى التهلكة في نهاية الأمر، وقد أفاض الأطباء في بيان الأضرار التي تلحق أعضاء الجسد جراء شربها، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(رواه ابن ماجه).
=======================================
فاللهمّ إنّا نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب