خطبة بعنوان (من أسباب الرزق الخفية 2) للدكتور مسعد الشايب

من أسباب الرزق الخفية (2)

((تقوى الله (عزّ وجلّ)))

27من المحرم 1446هـ الموافق 2من أغسطس 2024م

==========================

أولا: العناصر:

1. التقوى لغة، وبيان ماهيتها اصطلاحًا.

2. من مكانة التقوى في شريعتنا الإسلامية الغراء.

3. (الخطبة الثانية): ستـــةٌ من فوائـــد وثمار التقوى.

========================

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله رب العالمين، أعز من أطاعه واتقاه، وأذل من خالف أمره وعصاه، نحمده سبحانه وتعالى، ونشكره على حلو نعمائه، ومر بلوائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء، وأكرم الأتقياء، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

========================

(1) (( التقوى لغة، وبيان ماهيتها اصطلاحًا))

أيها الأخوة الأحباب: مازال الحديث بنا موصولا مع أسباب الرزق الخفية، وفي لقاء الجمعة السابق عشنا مع صلة الأرحام، كسببٍ من أسباب الرزق الخفية.

ومن أسباب الرزق الخفية أيضًا؛ (تقوى الله عزّ وجلّ)، فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، تعالوا بنا لنرى: (معنى التقوى لله (عزّ وجلّ)، ونتعرف على مكانتها في شريعتنا الإسلامية الغراء، والفوائد والثمار التي تعود علينا بالتزامها واتباعها)، فأعيروني يا عباد الله القلوب، وأصغوا إليّ بالآذان والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:

=====

اشتقاق التقوى لغويًا، وبيان معناها: كلمة (التقوى) في لغتنا العربية الشماء مشتقة ومستمدة من كلمة (الوقاية) التي تعني: دفع شيء عن شيء بغيره، فالعرب تقول: وقى: وقاه، وقيًا، ووقاية، وواقية، فالتاء بدل من الواو، والواو بدل من الياء. وهي الصيانة، والستر، والحاجز بين الشيئين، والحماية، والحذر، ومنه قول الحق تبارك وتعالى عن الأبرار يوم القيامة: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ}[الإنسان:11]، وقوله تعالى عن الكفرة والمشركين: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}[الرعد:34]، وقوله (صلى الله عليه وسلم) مرشدًا أمته: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)(متفق عليه).

=====

والتقوى تعني في الشرع والاصطلاح: أن يصون الإنسان نفسه عن المعاصي والآثام والذنوب، ويحذر من الوقوع فيها، ويجعل بينه وبينها حاجزًا، وهو خوفه منه (عزّ وجلّ)، ويحمي نفسه من غضب الله وعقابه وسخطه، ويجعل له منه ساترًا ألا وهو التقرب له سبحانه وتعالى بالتزام العبادات والطاعات، فالتقوي ذات جناحين: الجناح الأول: امتثال أوامر الحق تبارك وتعالى. والجناح الثاني: اجتناب نواهيه.

=====

فقد سئل سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) عن التقوى وتعريفها، فقال: (هِيَ الخَوْفُ مِنَ الجَلِيل، وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيل، وَالقَنَاعَةُ (الرِّضَا) بِالقَلِيلِ، وَالاَسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ)(سبل الهدى والرشاد، وشرح الزرقاني على المواهب).

=====

وقال طلق بن حبيب (أحد التابعين الأجلاء توفي بعد عام 90 هـ): (التَّقْوَى عَمَلٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّه (أي: بدليل شرعي)ِ، رَجَاءَ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالتَّقْوَى تَرْكُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، خِيفَةَ عِقَابِ اللَّهِ)(الزهد لابن المبارك، وحلية الأولياء، وسير أعلام النبلاء).

=====

وعرفها أبو حازم الأشجعي سلمان الكوفي (أحد التابعين الأجلاء توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز حوالى 100 هـ) حينما قال له الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان (توفي عام 99هـ)، فقال: (لَا يَرَاكَ اللَّهُ حَيْثُ نَهَاكَ وَلَا يَفْقِدُكَ عِنْدَ مَا أَمَرَكَ بِهِ)(سنن الدارمي).

=================================

(2) ((أربعٌ من مكانة التقوى في شريعتنا الإسلامية الغراء))

===============================

فالتقوى أيها الأخوة الأحباب: كلمةٌ جامعة تمتد؛ لتشملَ الدينَ كلَّه، فهي تعني التمسك بعقائد الإسلام، وتشريعاته، وقيمه ومبادئه وأخلاقه، فهي تشمل الأصول والفروع والأخلاق، وهذا من عظيم مكانتها.

==

ففي جانب العقائد والإيمان بالله (عزّ وجلّ)، يقول سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]، فـ (حَقَّ تُقَاتِهِ) محمولٌ على التوحيد والإيمان؛ بدليل قوله تعالى بعدها: (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحديد:28]، وهل يصح الإيمان بالرسول قبل الإيمان بمن أرسله؟.

==

وفي جانب الشرائع والعبادات والطاعات، يقول سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة:278]، فمن التقوى ترك التعامل بالربا والانتهاء عنه.

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:35]، على أن المراد بـــ (الوسيلة) القربات والعمل الصالح، ومن التقوى طلب تلك الوسيلة.

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18]، فهذا بيانٌ أن من التقوى التقديم للأخرة والتزود ليوم الحساب، وهذا لا يكون إلا بالطاعات والقربات.

وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن:16].

ضع هذه الآية مع قوله (صلى الله عليه وسلم): (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)(متفق عليه)؛ يتبين لك أن المراد بقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أداء ما استطعنا من العبادات والطاعات، فالله (عزّ وجلّ) لا يكلف نفسًا إلا وسعها، بدليل قوله تعالى بعدها: (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)(رواه البخاري).

==

وفي جانب الأخلاق والقيم والمبادئ، يقول سبحانه وتعالى في مقام الصدق: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:119]،

وفي مقام حفظ اللسان والابتعاد عن الغيبة، والنميمة، وشهادة الزور…الخ، يقول سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}[الأحزاب:70]، أي: قولًا صوابًا، بعيدًا عن الغيبة والنميمة والإشاعات والأراجيف، والإيذاء…الخ.

ومما يؤيد ويعضد هذا التفسير أن تلك الآية جاءت بعد النهي عن التشبه ببني إسرائيل في إيذاء موسى (عليه السلام) بالقول، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب:69]، ومن قبلها قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب:60].

وفي جملة من الأخلاق يقول سبحانه وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة:197].

==

آية جامعة شاملة: أيها الأخوة الأحباب إن الحقّ تبارك وتعالى عبرّ عن العقائد، والشرائع، والقيم والأخلاق بالتقوى في آية فذة فريدة، فقال سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة:177].

فهذا يعني أن التقوى: كلمةٌ جامعة شاملة تمتد لتشمل الدين كله، تشمل التمسك بعقائد الإسلام من الإيمان وغيره، وتشمل التشريعات من صلاة وزكاة وصيام…الخ، وتشمل القيم والمبادئ والأخلاق، فهي تشمل الأصول بفروعها، والفروع بأقسامها، والأخلاق بتقسيماتها، وهذا كما قلت من عظيم مكانتها، ومن عظيم مكانتها أيضًا:

=====

أنها وصيةُ الحق تبارك وتعالى للأمم السابقة علينا، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}[النساء:131]، فالتقوى وصية الله (عزّ وجلّ) للعالمين. وهذا من عظيم مكانتها، ومن عظيم مكانتها أيضًا:

=====

أنها معيار التفاضل، والميزان الذي يوزن به الإنسان عند ربه، وصدق الله إذ يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13]، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى)(مسند أحمد)، فالتقوى هي الميزان الذي يوزن به البشر، وهذا من عظيم مكانتها، ومن عظيم مكانتها أيضًا:

=====

أنها خيرُ زادٍ يتزود به الإنسان في طريقه إلى ربه، وصدق الله إذ يقول: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:197]، فعلينا أن نتقي الله (عزّ وجلّ) ونعدُّ العدة لما بعد الموت، فالكيس الفطن الذكي هو من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

وهذا هو ما أمرنا به الحق تبارك وتعالى في العديد والعديد من الآيات القرآنية، فقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة:281]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18]، ولله درّ الإمام الشافعي (رضي الله عنه) حينما قال:

تزود من التقوى فإنك لا تدري ….. إذا جنّ ليلٌ هل تعيش الي الفجر

فكم من عروس زينوها لزوجها ….. وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر

وكم من صغار يُرتجى طولُ عُمرِهم ….. وقد أدخلت أرواحهم ظلمة القبر

وكم من صحيح مات من غير علّة ….. وكم من سقيم عاش حيناً من الدّهر

وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً ….. وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

وكم ساكنٍ عند الصباح بقصره ….. وعند المساء قد كان من ساكن القبر

فداوم على تقوى الإله فإنّها ….. أمان من الأهوال في موقف الحشر

تزود من التقوى فانك لا تدري ….. إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر

عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

===================================

(الخطبة الثانية)

((ستــةٌ من فوائـــد وثمار التقوى))

========================

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

=====

أيها الأحبة الكرام: ما زال الحديث بنا موصولا مع تقوى الله (عزّ وجلّ)، ولا يتبقى لنا في تلك الجمعة المباركة إلا أن أذكر بشيء من الفوائد والثمار التي تعود علينا من تقوى الله (عزّ وجلّ)، ومن هذه الفوائد والثمار:

=====

1ـ الاطمئنان على الذرية والنسل بالحفظ من بعد موتنا، ودفننا في قبورنا، وصدق الله إذ يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}[النساء:9]، فحفظ الذرية والنسل ليس بالأرصدة البنكية، ولا بالعقارات، والأطيان، ولا بالجاه، والمنصب، والسلطان، وحسب وإنما لابد قبل كل ذلك من تقوى الله (عزّ وجلّ).

وانظروا إلى سورة الكهف وهي تبين وتوضح لنا أن سبب حفظ كنز الغلامين اليتيمين صلاح أبوهما، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف:82]، قيل: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء، ومن فوائد وثمار التقوى أيضًا.

=====

2ـ إنارة دروب الحياة، والتسبب في الحياة الطيبة، وذلك بالتوفيق والإلهام إلى الصواب، والحفظ والوقاية من الخطأ والباطل، وصدق الله إذ يقول مناديًا على أهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال:29]، ويقول سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:97]، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحديد:28]، ومن فوائد وثمار التقوى أيضًا.

=====

3ـ أنها تجلب للعبد محبة الله، وصدق الله إذ يقول: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[آل عمران:76]، والله (عزّ وجلّ) إذا أحب عبدًا أحبه جبريل، وأحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ)(متفق عليه واللفظ للبخاري)، ومن فوائد وثمار التقوى أيضًا.

=====

4ـ أنها طريق الولاية لله (عزّ وجلّ)، بل هي عين الولاية، وصدق الله إذ يقول: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:63،62]، وصدق الله إذ يقول في الحديث القدسي: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)(رواه البخاري). فالولاية الحقة لله ليست بالدروشة، ولا بلبس زيًّا معينًا، وليست ادعاءً ولا شعارًا وإنما هي جدٌّ واجتهادُ مع الله بالتقرب إليه بالعبادات والطاعات، فالولاية كسبٌ، وليست اصطفاء، ومن فوائد وثمار التقوى أيضًا.

=====

5ـ أنها سبب من أسباب معية الله (عزّ وجلّ) لعبده، وصدق الله إذ يقول: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[المائدة:12]، ومعية الله (عزّ وجلّ) لعباده معية معنوية بالعون، والمدد، والفتح، والنصر، وليست معية مكانية كما يدعي الجهلة والأغبياء، فالله (عزّ وجلّ) لا يحده زمان، ولا يحيط به مكان، ومن فوائد وثمار التقوى أيضًا.

=====

6ـ أنها سببٌ من أسباب الرزق الخفية، وقد تظاهرت على ذلك الأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:3،2]، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ…)(مسند أحمد)، فمن أراد الرزق الواسع، والبركة فيه، والقناعة، والرضا فعليه بالتقوى.

===============================

فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة، وما يقربنا إليهما من قولٍ وعملٍ، ونعوذ بك من سخطك والنار، وما قرب إليهما من قولٍ وعملٍ، اللهم اجعل قلوبنا متعلقة بك واشغلنا بإصلاح أنفسنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.