بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم العشماوي رضي الله عنه.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف
كنت مرة عند أستاذنا العارف بالله تعالى الشيخ عبد السلام أبي الفضل، فأخرج لي كتيبا، عنوانه (#أين_الله؟)، ثم أراني بخط يده عبارة قد كتبها على صفحة العنوان، (هذا الكتاب لا يُعَوَّل عليه، ولا يُلتفت اليه)، ثم قال لي: ما أقبح هذا! الله هو خالق الأين، فكيف يُسأل عنه بأين؟! وكيف يكون الخالق في داخل المخلوق؟! وأين كان قبل أن يخلقه؟!
قلت: ولعلك تقول: فكيف سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية، فقال لها: أين الله؟!
فالجواب الذي ينقدح في ذهني الآن، ويرتضيه أهل البصائر؛ أن السؤال لم يكن عن المكان، بل عن صفة الإله، هل هو إله أرضي من الآلهة البشرية المزعومة؟! أم هو إله سماوي؟! أراد أن يعلم حقيقة معبودها، هل الأصنام والأحجار والنار؟ أم الله الواحد القهار؟!
فلما أشارت إلى السماء؛ علم أنها موحدة؛ لأنها لم تشر إلى الأصنام ولا إلى النار ولا إلى غير ذلك من المعبودات الأرضية!
فإن قيل: فالكواكب والنجوم أيضا سماوية، وقد عبدتها الصابئة!
فالجواب: أنها لو كانت تقصدها لأشارت إلى النجم أو الكوكب؛ فإنه لا تعجزها الإشارة إليها؛ لكونها مدرَكَةً بالأبصار، بخلاف الإله المعبود بحق؛ فإنه لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير!
فلما أشارت إلى السماء إشارة مطلقة، دون تحديد ما تشير إليه؛ كان دليلا على أنها لا تعبد إلها أرضيا ولا سماويا من دون الله، وأنها تقصد مَن في السماء عرشه وسلطانه، لا مستقرُّه ومكانُه!
على أن بعض محققي علمائنا قال: إنما قصدت علو المكانة لا علو المكان، كما تقول: فلان هذا في السماء، أي عالي المكانة!
ونحن إنما نتوجه إلى السماء في الدعاء؛ لكونها قبلة الداعي، كما أن جهة الكعبة قبلة المصلي، والدعاء والصلاة كلاهما لله، وليس ذلك لأن الله تعالى في واحدة من الجهتين؛ ولذلك قال: “فأينما تولوا فَثَمَّ وجهُ الله”، إشارة إلى أن أمر القبلة في الصلاة والدعاء تعبدي، لا لعلة أن الله تعالى في إحدى الجهتين!
تعالى وتقدس عن أن يحويه مكان؛ فإنه كان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، فأين كان قبل أن يخلق المكان؟!
هذا على فرض صحة الرواية التي ورد فيها سؤال الجارية: (أين الله؟) وإلا فقد جاءت بعض الروايات خالية من هذه الزيادة، وحكم بعضهم عليها بالشذوذ، بل بعضهم أعلَّ الحديث بالاضطراب، والله أعلم.
وبالله التوفيق.
#الخواطر_العشماوية_