يقول المؤرخون: إن الهجمات المستمرة التي شنها الوهابيون على العراق وعشائره والقسوة التي مارسوها باسم نشر نور الله وهديه زوراً وبهتانا قد جعلت عشائر العراق تقاتل الوهابيين كما تقاتل اللصوص، لذلك صب الوهابيون جام غضبهم على العراق على اختلاف مذاهبهم ، فساءت أحوال العراق خلال السنوات(1792-1797)م لأن الوهابيين كانوا يهاجمون العشائر العراقية التي كانت تبحث عن الكلأ في جنوب غرب العراق، وكانت تلك الغزوات سريعة وقاسية، ولم تكد تمر سنة واحدة دون أن يسجل الوهابيون حادثة من حوادث فتكهم بالأموال والأعراض في العراق ، ولم يكن الباشا المملوك الذي يسيطر على ولاية بغداد قادرا على المقاومة ، فقد بلغ من الكبر عتيا ، وأصبحت أكثر شؤونه بأيدي موظفيه ، فتصدى لمقاومة الوهابيين الشيخ (ثويني) شيخ المنتفك وهو أول عراقي قاد عملية التصدي لهم، فتجمع الناس حوله من عرب عقيل من بغداد ، وجاءته النجدات من مدن العراق الأخرى وبخاصة الكويت والزبير ، وحاول التوغل في الاحساء لقتال الوهابيين، لكنه اغتيل على يد زنجي سخره الوهابيون بوسائلهم المعروفة، واستمرت الغزوات الوهابية الوحشية على عشائر غربي العراق فتقرر إرسال حملة عراقية جديدة ، وكان ذلك في صيف عام (1798) م وتجمعت العشائر من عقيل والعبيد وشمر وغيرهم بقيادة محمد بك الشناوي وتقدمت الى البصرة ، فانظمت إليها قبائل الظفير والمنتفك وبني خالد ، فخشي ابن سعود قائد جيش الوهابيين من مقابلتهم وقبل بالشروط التي عرضها عليه وهي ؛ عدم غزو العراق ومعاملة الحجاج العراقيين بالحسنى ، وإرجاع المدافع التي استولى عليها ، ودفع الغرامة ، فوافق ابن سعود ووقع الاتفاق في سنة (1799) م لكن الوهابيين خرقوا الاتفاق وبدأوا يهاجمون الحجاج بعد عام واحد ، ففي بداية القرن التاسع عشر هاجم الوهابيون حجاج الخزاعل من العراق وهم بالقرب من نجد، ثم أغاروا هلى مدينة (عانة) سنة (1800) م وقتلوا من ظفروا به ونهبوا ما استطاعوا إليه سبيلا ، وأغاروا على قرية (كبيسة) فقاومهم أهلها بقوة .
وفي عام (1801) م هاجم الوهابيون (كربلاء) وكانت هذه الهجمة كما وصفها المؤرخون أشد الحملات شناعة ووحشية، فقد استباحوا أهلها وتتبعوا الفارين من أهلها ولم ينج منهم إلا النادر ، وتتبعوا الذين التجأوا الى ضريح الحسين وقتلوهم عن آخرهم ، فكان عدد القتلى في الضريح خمسين ، وفي صحن المسجد خمسمائة ، وغصت المدينة بأشلاء القتلى المسلمين ، ونهبت جميع دور المدينة وحوانيتها ، كما نهبوا ضريح الحسين وما فيه من النفائس .