بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر.
أول من بين ضلال هذا المذهب، وكشف القناع عن حقيقته؛ شقيق مؤسسه، العلامة الإمام سليمان بن عبد الوهاب النجدي، في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية)، الذي ألفه بعد ثمان سنوات من ظهور الدعوة الوهابية، وكان له أكبر الأثر في انحسار المد الوهابي، كما اعترف بذلك مشهور حسن في كتابه (كتب حذر منها العلماء)، وترجع أهمية الكتاب إلى أن مؤلفه شقيق محمد بن عبد الوهاب، فليس متهما، بل هو شاهد عدل، وأنه اتبع المنهج العلمي في رد ضلالات الوهابية، بعيدا عن التهويمات والتهويلات، فأتى على بنيانها من القواعد، وقد طبع الكتاب عدة طبعات، وقرظه العلامة الشيخ يوسف الدجوي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وفضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف، ونجتزئ منه هذا النص، الذي يبين بطلان دعواهم انتشار الشرك في الأمة الإسلامية، فقال بعد أن ذكر الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة على أن هذه الأمة محفوطة من الشرك بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، مبينا أن وصف الفرقة الناجية – كما وصفها أهل العلم – لا ينطبق على الوهابية، على عكس ما يزعمون لأنفسهم:
“فقد تبيّن لك أن دين الإسلام ملأ بلاد الإسلام، بنص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما فسّره به العلماء الأعلام، وأن كل الفرق على الإسلام بخلاف قولكم هذا، فإن صح مذهبكم فلم يبق على الأرض مسلم من ثمانمائة سنة إلا أنتم، والعجب كل العجب أن الفرقة الناجية وَصَفَها أهل العلم، وليس فيكم خصلة واحدة منها! فإنا لله وإنا إليه راجعون”.
وقال في موضع آخر:
“أتظنون أن هذه الأمور، التي تكفّرون فاعلها، إجماعاً؟ وتمضي قرون الأئمة من ثمانمائة عام، ومع هذا لم يُرْوَ عن عالم من علماء المسلمين أنها كفر! بل ما يظن هذا عاقل. بل – والله – لازم قولكم أن جميع الأمة بعد زمان الإمام أحمد، علماؤها وأمراؤها وعامتها، كلهم (كفار) مرتدون! فإنا لله وإنا إليه راجعون. وا غوثاه إلى الله، ثم وا غوثاه إلى الله، ثم وا غوثاه!!! أم تقولون: – كما يقول بعض عامتكم -: إن الحجة ما قامت إلا بكم، وإن قبلكم لم يعرف دين الإسلام! يا عباد الله، انتبهوا. إن مفهومكم: (أن هذه الأفاعيل من الشرك الأكبر) مفهوم خطأ”.
وأما العلامة الشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية بمكة المكرمة في أواخر الدولة العثمانية؛ فقد بين حقيقة الدعوة الوهابية في كتابه (فتنة الوهابية)، فقال:
“وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمد بن عبد الوهاب، وأصله من المشرق من بني تميم، وكان من المعمرين، فكاد يعد من المنظرين؛ لأنه عاش قريب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة، وهلك سنة ألف ومائتين، وأرخه بعضهم بقوله: (بدا هلاك الخبيث) 1206
وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكان أبوه رجلا صالحا من أهل العلم، وكذا أخوه الشيخ سليمان، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال؛ لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه، فحقق الله فراستهم فيه؛ لما ابتدع من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين، وخالف فيه أئمة الدين، وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين، فزعم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم؛ شرك، وأن نداء النبي صلى الله عليه وسلم عند التوسل به شرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء الصالحين عند التوسل بهم شرك، وأن من أسند شيئا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي؛ يكون مشركا نحو (نفعني هذا الدواء، وهذا الولي الفلاني) عند التوسل به في شيء، وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئا من مرامه، وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبَّسَ بها على العوام حتى تبعوه، وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعية، ومكث عندهم حتى نصروه، وقاموا بدعوته، وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتساعه، وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم، وصاروا جندا لهم بلا عوض، وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب؛ فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، وكان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين، وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه، وكان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدرعية، وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبد العزيز بن محمد بن سعود، وكان كثير من مشايخ ابن عبد الوهاب بالمدينة يقولون: (سيضل هذا، أو يضل الله به من أبعده وأشقاه)، فكان الأمر كذلك، وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك، وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة سنة، وأنه جدد للناس دينهم، وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد”.
وبعد: فهل ما زلت أيها المخدوع – بعد هذا – مصرا على أن تبقى مخدوعا؟!
أفق قبل فوات الأوان!
الخواطر العشماوية