﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
اللَّهُمَّ أَفِضْ صِلَةَ صَلَوَاتِكَ، وَسَلاَمَةَ تَسْلِيمَاتِكَ، عَلَى أَوَّلِ الْتَّعَيُّنَاتِ الْمُفَاضَةِ مِنَ الْعَمَاءِ الرَّبَّانِي، وَآخِرِ التَّنَزُّلاَتِ الْمُضَافَةِ إِلَى النَّوْعِ الإِنْسَانِي، الْمُهَاجِرِ مِنْ مَكَّةٍ كَانَ الله وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ ثَانٍ، إِلَى مَدِينَةِ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ، مُحْصِي عَوَالِمِ الْحَضَرَاتِ الإِلَهِيَّةِ الْخَمْسِ فِي وُجُودِهِ، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وَرَاحِمِ سِائِلِي اسْتِعْدَادَتِهَا بِندَاهِ وَجُودِهِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ}، نُقْطَةِ الْبَسْمَلِةِ الْجَامِعَةِ لِمَا يَكُونُ وَلِمَا كَانَ، وَلَفْظَةِ الأَمْرَ الْجَوَّالَةِ بِدَوَائِرِ الأَكِوَانِ، سِرِّ الْهُوِيَّةِ الِّتِي فِي كُلِّ شَيْءٍ سَارِيًةٌ، وَعَنْ كُلِّ شَيْءٍ مُجَرَّدَةٌ وَعَارِيَةٌ، أَمِينِ الله عَلَى خَزَائِنِ الْفَوَاضِلِ وَمَسْتَوْدَعِهَا، وَمُقَسِّمِهَا عَلَى حَسَبِ الْقَوَابِلِ وَمُوَزِّعِها، كَلِمَةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ، وَفَاتِحَةِ الْكَنِزِ الْمُطَلْسَمِ، الْمَظْهَرِ الأَتَمْ الْجَامِعِ بَيْنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالنَّشْءِ الأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلإِمْكَانِيَّةِ وَالوُجُوبِيَّةِ، الطَّوْدِ الأَشَمّ الَّذِي لَمْ يُزَحْزِحْهُ تَجَلِّي التَّعَيُّنَاتِ عَنْ مَقَامِ التَّمْكِينِ، وَالْبَحْرِ الْخِضَمِّ الَّذِي لَمْ تُعَكِّرْهُ جِيَفَ الْغَفَلاَتِ عَنْ صَفَاءِ الْيَقِينِ، الْقَلَمِ النُّورَانِيِّ الْجَارِي بِمِدَادِ الْحُرُوفِ الْعَالِيَاتِ، وَالنَّفَسِ الرَّحْمَانِيِّ السَّارِي بَمَوَادِ الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ، الْفَيْضِ الأَقْدَسِ الذَّاتِيِّ الَّذِي تَعَيَّنَتْ بِهِ الأَعْيَانُ وَاسْتِعْدَادَاتُهَا، وَالْفَيْضِ الْمُقَدَّسِ الصَفَاتِيِّ الَّذِي تَكَوَّنَتْ بِهِ الأَكْوَانُ وَاسْتِمْدَادَاتُهَا. مَطْلَعِ شَمْسِ الذَّاتِ فِي سَمَاءِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَمَنْبَعِ نُورِ الإِفَاضَاتِ فِي رِيَاضِ النِّسَبِ وَالإِضَافَاتِ، خَطِّ الْوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَيِ الأَحَدِيَّةِ وَالْوَاحِدِيِّةِ، وَوَاسِطَةِ التَّنُزُّلِ الإلهي مِنْ سَمَاءِ الأَزَلِيَّةِ إِلَى أَرْضِ الأَبَدِيَّةِ، النُّسْخَةِ الصُّغْرَى الَّتِي تَفَرَّعَتْ عَنْهَا الْكُبْرَى، وَالدُّرَّةِ الْبَيْضَاء الَّتِي تَنَزَّلَتْ إِلَى الْيَاقُوتَةِ الْحَمْرَاء، جَوْهَرَةِ الْحَوَادِثِ الإِمْكَانِيَّةِ الَّتِي لاَ تَخْلُو عَنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمَادَّةِ الْكَلِمَةِ الْفَهْوَانِيَّةِ الْطَالِعَةِ مِنْ كِنِّ كُنْ إِلَى شَهَادَةِ فَيَكُونُ، هُيُولَى الصُّوَر الَّتِي لاَ تَتَجَلَّى بِإِحْدَاهَا مَرَّةً لاِثْنَيْنِ، وَلاَ بِصُورَةٍ مِنْهَا لأَِحَدٍ مَرَّتَيْنِ، قُرْآنِ الْجَمْعِ الشَّامِلِ لِلْمُمْتَنِعِ وَالْعَدِيمِ، وَفُرْقَانِ الْفَرْقِ الْفَاصِلً بَيْنَ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ، صَائِمِ نَهَارِ “إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي”، وَقَائِمِ لَيْلِ “تَنَامْ عَيْنَايَ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي”، وَاسِطِةِ مَا بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدمِ؛ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، وَرَابِطَةِ تَعَلُّقِ الْحُدُوثِ بِالْقِدَمِ؛ بَينَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ، فَذْلَكَةِ دَفْتَرِ الأَوَّلِ وَالآخِرِ، وَمَرْكَزِ إِحَاطَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، حَبِيبِكَ الَّذِي اسْتَجْلَيْتَ بِهِ جَمَالَ ذَاتِكَ عَلَى مِنَصَّةِ تَجَلِّيَاتِكَ، وَنَصَبْتَهُ قِبْلَةً لِتَوَجُّهَاتِكَ فِي جَامعِ تَجَلِّيَاتِكَ، وَخَلَعْتَ عَلَيْهِ خِلْعَةَ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَا، وَتَوَّجْتَهُ بَتَاجِ الْخِلاَفَةِ الْعُظْمَى، وَأَسْرَيْتَ بِجَسَدِهِ يَقْظَةَ مِنَ الْمَسْجَدَ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَتَرَقَّى إِلَى قَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَسُرَّ فُؤَادُهُ بِشُهُودِكَ حَيْثُ لاَ صَبَاحَ وَلاَ مَسَا، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، وَقَرَّ بَصَرُهُ بِوُجُودِكَ حَيْثُ لاَ خَلاَ وَلاَ مَلاَ، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}.
صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاَةً يَصِلُ بِهَا فَرْعِي إِلَى أَصْلِي، وَبَعْضِي إِلَى كُلِّي، لِتَتَّحِدَ ذَاتِي بِذَاتِه، وَصِفَاتِي بِصِفَاتِهِ، وَتَقَرَّ الْعَيْنُ بَالْعَيْنِ، وَيَفِرَّ الْبَيْنُ مِنَ الْبَيْنِ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِ سَلاَماً أَسْلَمُ بِهِ فِي مُتَابَعَتِهِ مِنَ التَّخَلُّفِ، وفِي طَرِيقِ شَرِيعَتِهِ مِنَ التَّعَسُّفِ، لأَِفْتَحَ بَابَ مَحَبَّتِكَ إِيَّايَ بِمِفْتَاحِ مُتَابَعَتِهِ، وَأَشْهَدَكَ فِي حَوَاسِّي وَأَعْضَائيَ مِنْ مِشْكَاةِ شَرْعِهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَدْخُلَ وَرَاءَهُ إِلَى حِصْنِ لاَ إِلَهَ إَلاَّ الله، وَفِي أَثَرِهِ خَلْوَةِ “لِي وَقْتٌ مَعَ الله”، إِذْ هُوَ بَابُكَ الَّذِي مَنْ لَمْ يَقْصَدْكَ مِنْهُ سُدَّتْ عَلَيْهِ الطُّرُقُ وَالأَبْوَابُ، وَرُدَّ بِعَصَا الأَدَبِ إِلَى إِسْطَبْلِ الدَّوَابِّ.
اللَّهُمَّ يَا رَبِّ يَا مَنْ لَيْسَ حِجَابُهُ إَلاَّ النُّورَ، وَلاَ خَفَاؤُهُ إَلاَّ شِدَّةَ الظُّهُورِ، أَسْأَلُكَ بِكَ فِي مَرْتَبَةِ إِطْلاَقِكَ عَنْ كَلِّ تَقْيِيدٍ، الَّتِي تَفْعَلُ فِيهَا مَا تَشَاءُ وَتُرِيدُ، وَبِكَشْفَكَ عَنْ ذَاتِكَ بِالْعِلْمِ النُّورِيِّ، وَتَحَوُّلِكَ فِي صُوَرِ أَسْمَائِكَ وَصِفَاتِكَ بَالْوُجُودِ الصُّورِيِّ، أَنْ تُصَلِّي عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَكْحَلُ بِهَا بَصِيرَتِي بِالنُّورِ الْمَرْشُوشِ فِي الأَزَلِ، لأَِشْهَدَ فَنَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ وَبَقْاءَ مَا لَمْ يَزَلْ، وَأَرَى الأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ فِي أَصْلِهَا مَعْدُومَةً مَفْقُودَةً، وَكَوْنَهَا لَمْ تَشَمَّ رَائِحَةَ الْوُجُودِ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهَا مَوْجُودَةً، وَأَخْرِجْنِي اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمَةِ أَنَانِيَّتِي إِلَى الْنُّورِ، وَمِنْ قَبِرِ جُسمَانِيَّتِي إِلَى جَمْعِ الْحَشْرِ وَفَرْقِ النُّشُورِ، وَأَفِضْ عَلَيَّ مِنْ سَمَاءِ تَوْحِيدِكَ إِيَّاكَ، مَا تُطَهِّرُنِي بِهِ مِنْ رِجْسِ الشِّرْكِ وَالإِشْرَاكِ، وَأَنْعِشْنِي بِالْمَوْتَةِ الأُولَى وَالْوِلاَدَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَحِيِنِي بِالْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ في هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، وَاجْعَلْ لِي نُوراً أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، فأَرَى بِهِ وَجْهَكَ أَيْنَمَا تَوَلَّيْتُ بِدُونِ اشْتِبَاهٍ وَلاَ الْتِبَاسٍ، نَاظِراً بِعَيْنَيِ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، فَاصِلاً بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْحَقِّ، دَالاًّ بكَ عَلَيْكَ، وَهَادِياً بِإِذْنِكَ إِلَيْكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَتَقَبَّلُ بِهَا دُعَائِي، وَتُحَقِّقُ بِهَا رَجَائِي، وَعَلَى آلِهِ آلِ الشُّهُودِ وَالْعِرْفَانِ، وَأَصْحَابِهِ أَصْحَابِ الذَّوْقِ وَالْوِجْدَانِ، مَا انْتَشَرَتْ طُرَّةُ لَيْلِ الْكِيَانِ، وَأَسْفَرَتْ غُرَّةُ جَبِينِ الْعِيَانِ، آمِينْ آمِينْ آمِينْ، وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.